لعلك شعرت في يوم من الأيام بحزن شديد و تباطؤ في سيرورة حياتك مع بعض الأعراض السلوكية التي توحي بأنك مكتئب و عندها تذكرت أنك لم تصلي وقتك ولم تأتي بورد يومك فهرولت مسرعاً إلى مصحفك ؛ السؤال هنا هل ستجد الراحة النفسية !!! هل العلاج الديني كفيل بمعالجة الإضطرابات التفسية ؟ 


إن من أهداف الطب عموما و علم النفس خصوصا الحفاظ على النفس البشرية و تحسين مستوى حياة البشر و هذا ما تشترك فيه أغلب الديانات السماوية بما فيها الإسلام؛ و قد قدس الإسلام النفس البشرية فقد قال الله تعالى ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) و قد أوصى بصيانتها و حرم قتلها.

إن محاولات تقريب علم النفس من الدين أو تفريقتهما أخذت منحى عكسيا حيث نجد من يصنف علم النفس على أنه بدعة و في المقابل نجد علماء نفس مسلمين ؛ ولعل المتدين قد يعاني من بعض الإضطرابات النفسية مثله مثل باقي البشر و لكن حقيقةً هل الملتزم دينيا لا يمرض نفسيا ؟ هذا السؤال الذي راح يترنح بين نعم و لا ، قد نجد اليوم سهولة في تحليل محتواه ؛ إن هناك مئات الدراسات التي أجريت على ملايين البشر ، و تظهر لنا بوضوح أن المتدينين هم أقل إصابة بالكثير من الأمراض النفسية كالإكتئاب و القلق و الجسدية مثل أمراض القلب و الجلطات و هم أيضا الأقل إنتحارا و أكثر قدرة على التعافي بشكل أسرع و أكثر قدرة على التأقلم مع ضغوطات الحياة ، بالإضافة إلى أنهم أكثر مناعة حتى على المستوى البيولوجي؛ و في الجهة الأخرى نجد بعض المتدينين يعانون من اضطرابات نفسية كالوسواس القهري مثل وسواس الطهارة و الوضوء و هذا على صعيد الجماعة و ليس على صعيد الأفراد بوصفهما فئتين كبيرتين تختلفان في العامل تحديدا.

أما في دراسة أجريت من قبل في كلية الصحة العامة في جامعة هارفرد عام 2018، كانت النتائج شديدة الوضوح بأن المشاركة في النشاطات و الممارسات الدينية ( مثل الصلاة و التأمل ) دوريا منذ الصغر أمر مرتبط جدا بمؤشرات الصحة النفسية و الإيجابية و تحديدا تقليل فرص الإكتئاب و التدخين و الإدمان، و زيادة احتمالات الشعور بالرضى.

مما لا شك فيه أن علم النفس - بمفهومه المعاصر - يعتبر من منتجات الغرب؛ فهو قد ولد كنتيجة مباشرة لجهود مفكرين و أطباء غربيين إنتزعه بعضهم من جسد الفلسفة المتهالك و قدموه للعالم كنظام معرفي متماسك؛ له قاموسه الخاص و منهجه المتميز بدءاً من محاولات سيغموند فرويد الذي اتخذ حسب رأي علماء الدين ( خاصة المسلمين ) من الملذات و النوازع معياراً وحيداً لفهم النفس البشرية إلى مارتن سيليجمان الذي تعاطى مع أمر الفهم بشيء من الإيجابية و قدّم فيه معايير جديدة ركّزت على الفضائل و المكارم.

أما عن فرويد نفسه فقد أسس أشهر نظرية في علم النفس و تسمى التحليل النفسي التي تقوم على طرق و إستراتيجيات محددة كالتحويل و التداعي الحر و تفسير الأحلام، إضافة إلى ذلك تطرق فرويد إلى الإنكار و الزلة الفرويدية و العقل اللاواعي و إرضاء الرغبات و الأنا و الذات.

نظرا للنجاح الكبير الذي حققه علم النفس بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا في مجال الرعاية النفسية فقد جرت الكثير من المحاولات هذا العلم الجديد و ربطه بالإسلام على غرار العلوم الأخرى وقد ساهم في هذا المجال علماء دين كإبن سينا و إبن رشد و الغزالي مع إستحضار إشتهائي لبعض الآيات و الأحاديث التي تحتوي على مفردات قريبة من تلك الموجودة في القاموس السايكولوجي و قد ركزوا على الجوانب العلاجية التي تعتمد على الرقية و الأذكار ، وفي بعض الأحيان حتى تلك العلاجات العضوية كالحجامة.

و لكي لا نظلم أي طرف فالدين الإسلامي مثلا قائم على الشريعة الحياتية حيث شرع للإنسان كل ما هو موجود و الرسالة المحمدية ذكرت كل شيء بالتفصيل فلا يحتاج صاحبها إلى أي مصدر تشريع آخر ، من ناحية علم النفس فقد تطرق إلى الإضطرابات النفسية إنطلاقا من الأعراض السلوكية و تشخصيها و دراسة الحالة ثم انتاج العلاج وفق منهج معين.

المفارقة العجيبة التي تعترضنا هي أن الكثير من رجال الدين يعانون من اضطرابات نفسية و لعل أشهرها كان البيدوفيليا و وسواس أسئلة التشكيك في العقيدة و وسواس النية و التعامل مع هذه الحالات من الناحية النفسية واضح وله برامج علاجية محددة.

و إلى أن يجد علم النفس الإسلامي ضالته و إجابات حقيقة حول ماهية النفس في الإسلام و من يكمل من ستظل النفس في المنتصف بين الدين و علم النفس و هذا الأخير في صراع مع رجال الدين الذين يرون أنه كفر ظناّ منهم أنه يتعارض مع الشريعة الإسلامية.