موسكو – هي واحدة من الحالات النادرة التي تعلن فيها بيلاروسيا بشكل رسمي ومباشر عن طبيعة وأهداف التحركات التي تقوم بها قواتها إلى جانب القوات الروسية القادمة إلى أراضيها. فإعلان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عن “تشكيل قوة مشتركة مع روسيا لحماية الحدود البيلاروسية نظرا للتوترات المتنامية”، يظهر بوضوح وجود تحديات جديدة، بدأت تطفو على سطح الحدود مع بولندا.
فقبل ذلك، كان انضمام القوات الروسية لنظيرتها البيلاروسية يوضع، في المقام الأول، في سياق المناورات العسكرية الدورية بين البلدين.
أما بعد الإعلان عن تشكيل القوات المشتركة، وحديث لوكاشينكو في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الحالي عن أن “الغرب يدفع كييف لفتح جبهة ضد بيلاروسيا”، وأن حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) يدرس خيارات “لعدوان محتمل على مينسك”، فإنه لم يعد مجالا للشك بأن الحديث يدور عن استعدادات لاحتمال فتح جبهة جديدة.
خطوات استباقية
ومن هنا يأتي كلام لوكاشينكو الصريح عن أن نشر مجموعة من القوات الروسية والبيلاروسية يأتي ردا على تفاقم الأوضع على الحدود الغربية مع بولندا، وتحذيره في الوقت ذاته كييف من أي هجوم محتمل على بيلاروسيا، قبل أن يتابع بنبرة حادة أن بلاده سترد بقوة إذا “لامسوا مترا واحدا فقط من أراضينا بأيديهم القذرة”، حسب تعبيره.
أما سكرتير الدولة في مجلس الأمن بالجمهورية ألكسندر فولفوفيتش، فأكد أن قرار نشر القوات المشتركة ضروري من أجل “تهدئة رؤوس جيراننا الغربيين”.
ووفقا لكلامه، فإن “هذا سيضمن الأمن على طول محيط حدود الدولة الاتحادية (روسيا وبيلاروسيا)”، وأن “ما تقوم به موسكو ومينسك ليس سوى رد على تصرفات خصومنا، وليس لمهاجمة أحد، ولا يعدو كونه استجابة مناسبة لما يحدث بالقرب من حدودنا”.
طبول الحرب
وقبل ذلك بيوم واحد، وفي مشهد لافت، شهد سكان العاصمة مينسك كيف جرت عملية نقل وحدات المدفعية وأنظمة الصواريخ متعددة الانطلاق، إضافة إلى صواريخ “إسكندر” الثقيلة، حيث كانت تسير على طول الشوارع المركزية لمينسك في الاتجاه الغربي.
وعلى الرغم من أنه كان من الممكن أن تمر جميع المركبات على طول الطريق الدائري الذي يلف العاصمة، فإن السلطات البيلاروسية قد تكون تعمدت إظهار ذلك عندما كان سكان العاصمة يتجهون إلى العمل عبر مركز المدينة، ربما للحفاظ على الروح المعنوية والروح القتالية للسكان.
وسيبلغ العدد الإجمالي للقوات الروسية عند وصولها إلى بيلاروسيا نحو 9 آلاف فرد، ومعهم حوالي 170 دبابة، و200 مركبة قتالية مدرعة ونحو 100 مدفع ومدفع هاون من عيار يزيد عن 100 ملم.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت مينسك قبل أيام قليلة إدخال نظام عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد، بسبب تفاقم الوضع على طول الحدود البيلاروسية، قبل أن تعزز الإجراءات الأمنية على الحدود مع أوكرانيا، ردا على اقتراح كييف نشر بعثة من المراقبين الدوليين لمراقبة الوضع الأمني على الحدود مع بيلاروسيا.
ويتحدث مراقبون وخبراء عسكريون روس عن رصد عملية “عسكرة” نشطة لبولندا. فعلاوة على وجود 25 ألف جندي أميركي على أراضيها، يتم تجميع ثلثي قواتها البرية على حدود بيلاروسيا ومنطقة كالينينغراد، مما يعتبرونه تصرفا يمكن أن يؤدي إلى تصعيد في هذا الجزء من حدود الدولة التي ترتبط بمعاهدة اتحادية مع روسيا، ويخل بتوازن القوى.
إضافة إلى ذلك، يتم إجراء تصعيد في الأجزاء الجنوبية من الحدود، حيث الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا، كما يقول الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين للجزيرة نت، ويضيف أن كييف تحتفظ هناك بـ15 ألف جندي من القوات المسلحة الأوكرانية وحدها، وإضافة إلى التشكيلات العسكرية الأخرى، ليصل هذا العدد إلى نحو 25 ألفًا.
وبما أنه “ليس لدينا مثل هذا العدد من القوات في هذا الجزء من الحدود، سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة ونشر القوات العملياتية والتكتيكية المناسبة في بيلاروسيا”.
وبرأي ليتوفكين، فإن نشر مجموعة مشتركة من قوات البلدين سيؤثر بلا شك على أمن بيلاروسيا، موضحا أن خصوم روسيا وبيلاروسيا الآن سيفكرون مليا قبل مهاجمة الجمهورية الجارة، وفيما إذا كانوا مستعدين لتلقي ضربة مكثفة بأسلحة عالية الدقة أو أسلحة نووية تكتيكية ردا على ذلك.
من جانبه، يستبعد محلل الشؤون العسكرية ألكسندر توخانسكي أن يكون لقرار نشر القوات في بيلاروسيا علاقة بإعادة وارسو الحديث عن رغبتها في الحصول على أسلحة نووية، موضحا أن الدفاع الجوي لكل من بيلاروسيا وكالينينغراد يغطي بولندا بأكملها تقريبا، وأن أي طائرة تقلع بقنبلة نووية سيتم استهدافها مباشرة، لأنه من المستحيل نقل مثل هذه القنبلة دون أن يلاحظها أحد، حسب قوله.
بموازاة ذلك، يشير الخبير إلى أن مينسك، في المقابل، تأخذ تهديدات كييف على محمل الجد، وتستعد لأسوأ الاحتمالات، لا سيما بعد مطالبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بتوجيه ضربة نووية وقائية لروسيا، ومحاولته الانضمام سريعا إلى حلف الناتو، لجر الكتلة العسكرية للناتو إلى مواجهة عسكرية مباشرة، فضلا عن ما قامت به كييف من قصف لنهر دونباس والهجوم على جسر القرم.
علاقة تحالف
يذكر أن العقيدة العسكرية وفق معاهدة الاتحاد بين روسيا وبيلاروسيا تنص على نشر مجموعة إقليمية من القوات خلال فترة التهديد العسكري المتزايد ضد أي منهما. وتتمتع الدولتان بعلاقات تعاون وثيقة في المجمع الصناعي العسكري. وتنص المعاهدة كذلك على التوجه التدريجي للتحول إلى منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية وجمركية موحدة، وعملة وسوق وثقافة واحدة.
يمكنك متابعة الموقع الرسمي على الفيسبوك من هنا