قبل أشهر قليلة تم الزج بمخترع تونسي في السجن بتهمة "الإفراط في التفكير"، نعم يا سادة ! الإفراط في التفكير، من الإختراع إلى السجن، قد يقول البعض متهكما بعد سماع هذا أن الحكومة التونسية تخشى على أبناء شعبها من الإفراط في التفكير ! حفاظا على سلامة عقول المواطنين !
من التفكير إلى الكلام، ومن تونس إلى سورية ومصر حيث الكلام جريمة يعاقب عليها القانون. الدكتور يوسف القرضاوي محكوم بالإعدام في الدولتين المذكورتين لمجرد الكلام، و الأستاذ أحمد منصور حكم بخمسة عشر سنة سجنا نافذا في مصر، و غيرهم الكثير الكثير.
بالنظر إلى حال الدول التي أصدرت تلك الأحكام يمكن إعتبار الأحكام عادية جدا وذلك راجع لأسباب عدة متعلقة بأوضاع تلك الدول، أما أن تصدر مثل هذه القرارات أو الأحكام في دولة (الحق والقانون)، وفي دولة (مستقرة)، أو بالأحرى دولة تسير نحو "الإصلاح في ظل الإستقرار"، فهذا يطرح أكثر من
علامة إستفهام خصوصا أن العقوبة على التفكير و الكلام في هاته الدولة ليست بالغريبة ولا الجديدة، ففي القرن الماضي كان الكلام الذي لا يرضاه النظام محرما، وكما كان يقال في الأوساط الشعبية "ويلا هضرت يغبروك"، لكن بعد سماع خطابات العهد الجديد، والكلام الذي قيل بعد الدستور الجديد، وبتعبير أحمد مطر حين سمع الشعب : "هاتوا شكاويكم بصدق في العلن، ولا تخافوا أحدا فقد مضى ذاك الزمن" -حين سمع هذا الكلام- إستبشر الكثير خيرا، لكن الواقع نفى ما قيل ويقال..
في المغرب فضح الفساد جريمة يعاقب عليها القانون، هذا إن وجد هذا القانون، أو الأصح القول أن هناك أناس فوق القانون يخرقونه لمعاقبة من هم تحته.
قبل أيام من الآن نشر الشاب عبد الرحمان المكراوي فيديو "الزفت المغشوش" الذي فضح فيه إهتراء البنية التحتية، فتم إعتقاله، لا شيء سوى لأنه "قال الحقيقة".. و بعد ضجة إعلامية كبيرة وتضامن واسع، أطلق سراحه، لكن من حق الشعب أن يسأل هل أعتقل الشاب لأن الكلام محرم !؟ أم لأنه يهدد الإستقرار!؟ أو لأنه يهدد الأمن القومي !؟ أو أنه يشعل الفتنة !؟
سياسة تكميم الأفواه التي تعاملت بها الديكتاتوريات عبر التاريخ، والتي لا زالت تتعامل بها الأنظمة المستبدة حاليا، ومن ضنمها النظام المخزني المغربي، حاول ويحاول أن يرسخ في ذهن كل فرد من أفراد الشعب عقلية "بعد على راسي وشقف" بمنطق "شوف وسكت"، ويتعامل مع كل الأصوات الحرة التي نجحت في التخلص من تلك الذهنية بسياسة "تكميم الأفواه"، قد تختلف طرقها، وتتفاوت درجاتها، ولكن القصد واحد و هو إخراس كل الأصوات التي تفضح فساد هذا النظام من "ساسه إلى رأسه".