قد يبدو العنوان غريبا نوعا ما بالنسبة لمن لا يعيش في المغرب ولا يعرف النظام المغربي وأساليبه وأهدافه، وقد تطرح تساؤلات منطقية في هذا الصدد؛ كيف للبيت أن يؤسر ؟ وكيف للأسر أن يمس بيتا ؟ وإن حدث ذلك فلماذا ؟ وما الهدف من وراء ذلك ؟ أسئلة عديدة قد يطرحها المتتبع الذي لا يعلم عن المغرب إلا ظاهره، وقد يكون هناك بعض أبناء الشعب المغربي لا يعلمون بعد أن هناك بيوت تم أسرها وتشميعها دون وجه حق وبلا سند قانوني.
البيوت المشمعة هي كغيرها من البيوت تقطنها عائلات بشيوخها رجالها ونسائها وأطفالها، ميزتها الوحيدة أنها كانت ملاذا يفر إليه ثلة من المؤمنين بعد انشغالات الدنيا ليجتمعوا فيه على ذكر الله، وتعد مدرسة لتخريج الرجال وتربية النفوس على تقوى الله، ولربما هذا ما حز في نفس الظالم ليشن حملة اعتقالات سنة 2006 اعتقل فيها المئات من أعضاء جماعة العدل والإحسان، وتم تشميع بيوتهم لأسباب واهية لا تمت للقانون الشرعي ولا الوضعي بصلة.
طردت عائلتي الأستاذ محمد العبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان والأستاذ الحسن عطواني عضو جماعة العدل والإحسان من بيتيها، الأولى في مدينة وجدة والثانية في بوعرفة، ومنعا من دخولهما ظلما وعدوانا منذ سنة 2006، كل هذا في العهد الجديد وفي دولة (الحق والقانون)، ولا زال هذا الاعتداء مستمرا ليومنا هذا رغم كل الخطابات الرنانة في ظل (الدستور الجديد والحكم الرشيد) المبشرة بأن صفحات الماضي السوداء قد طويت ونسيت، وأن المستبقل للحرية والديمقراطية.
كما ذكرت سابقا أن هذا الفعل لا يمت بصلة لا للقانون الشرعي الإسلامي ولا القانون الوضعي؛ الإسلام لا يجيز اقتحام البيوت ليلا وترهيب سكانها وطردهم منها.. والقانون الوضعي لا يجيز هذا أيضا، بل هو مخالف لها ولكل الأعراف، ويناقض الخطابات الرسمية المتبجحة بالديمقراطية. إن منع إنسان من حقه في ممارسة شعائره الدينية جريمة في كل البلدان، فما بالنا بدولة تدعي الإسلام، وبمسلم يمارس شعائره في بيته ويمنع منها، ويتم طرده ومنعه من دخوله لعشر سنين والمدة في ازدياد.
هناك في الجانب المقابل دور للهو والفساد لا أحد يتجرأ على إغلاقها وتشميعها ولا منع روادها، وهناك مهرجانات للفسوق والعصيان تترك لتفسد المجتمع، وعلى رأسها موازين الذي ينظم كل سنة، هذا الأخير يعتبر جريمة نكراء في حق الشعب وفي حق الوطن، مهرجان تبذر فيه أموال الشعب.
الإعلام وسيلة في يد الظالم يحركه كيف يشاء، فالقنوات المغربية تجدها تمر بعيون مغمضة وأفواه مكممة على كل الخروقات القانونية والانتهاكات الحقوقية، بينما تحرص على نقل موازين وأشباهه يوميا ولحظة بلحظة، بهذه الأفعال تضرب أخلاق وقيم الشعب المغربي عرض الحائط، هذا كله أمام أنظار الدولة وأمام أنظار حامي حمى الملة والدين بل تحت رعايته، ما يطرح علامات استفهام كثيرة ستجيب عنها السنوات المقبلة.
مهرجانات الفسوق والعصيان تحت الرعاية السامية وذكر الله والاجتماع عليه ممنوع ! لكن لماذا يمنع هذا ويترك ذاك ؟ ولماذا رعاية موازين ورعاية الدروس الحسنية ؟ ما سر هذا التناقض ؟ أمن كل فن طرب مثلا !؟
في أواسط القرن الماضي كان اليسار يشكل قوة في الساحة السياسية ومعارضة لها وزنها في الشارع، واستطاع المخزن الانتصار عليه واحتواءه حينما سيطر على المساجد وشرعن نفسه للشعب عن طريقها، لهذا فحين ظهر منافس له في الساحة السياسية والدينية استنفر وخاف على مستقبله وحاول التصدي لكل شيء خارج الرعاية السامية وله علاقة بالدين، وهذا ما يفسر منعه لكل ما يفعله الإسلاميون وعلى رأسهم جماعة العدل والإحسان في الساحة الدينية والسياسية، وهذا ما يفسر أيضا تشميعه للبيوت المذكورة سابقا، فهو يشعر أن مستقبله في خطر إن سمح للجماعة بممارسة عملها الدعوي والسياسي بكل حرية، لذلك لم يجد سبيلا غير المنع والتضييق والحصار مخالفا بأفعاله كل القوانين.
في بداية مقالي ركزت على غرابة العنوان، وأظن أنه قد توضحت الصورة أكثر بعد هذه السطور، واتضح أن النظام المستبد الظالم بإمكانه فعل أي شيء، وخصوصا لمن يعارضه، ولمن أبى الخضوع له ورفع صوته في وجهه ناصحا أو غاضبا.
إن أول من يخرق القانون في المغرب هو المخزن، فما إن يحس أن المستضعفين قار حتى تجده يتفنن في أساليب البطش؛ القمع، والمنع، والحصار، والتضييق، لكن لن يدوم قمع الأحرار، وتكميم أفواه الأبرار، بعد أن سقطت هيبة المخزن من قلوب وعقول الشعب.