لا شك أنكم سمعتم بالمستملحة القائلة أن شخصا فقد وعيه فتدخل (لمخازني) ليرى ما به، وبعد أن وضع يده عليه قال؛ لقد توفي الشخص، حين سمع الناس الخبر حملوا الجثة ليدفنوها فاستيقظ الرجل من نعشه وهو يصرخ أنا حي لم أمت.. فقال الناس (مووت واش نتا تعرف خير من المخزن)، أي ما دام المخزن قال أنك ميت فأنت ميت رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وهناك مستملحة أخرى كانت متداولة في الوسط الشعبي خلاصتها أنه (لي دارها المخزن هاديك هيا)، أي أن قرارات المخزن مقبولة مهما كانت، هذه المستملحات لم تأت من فراغ وإنما تعبر بشكل واضح عن واقع عاشه الشعب المغرب خلال القرن الماضي، حين كان النظام يحاول "مخزنته"، ولا شك أن هذه العقلية لم تعد متواجدة بكثرة كما في السابق إن استثنينا بعض المنتفعين وقليلا من الخائفين.

بدأت بهذه المقدمة لأدخل لصلب الموضوع الذي جعلني أكتب هذه السطور، وهو خبر قرأته قبل قليل؛ وزارة الأوقاف ارتبكت وحذفت صفحة البلاغ الذي جاء فيه أن أول أيام شهر رمضان هو يوم الثلاثاء. هذا الإرتباك يطرح علامات استفهام تحتاج لأجوبة؛ لماذا تم حذف البلاغ؟ هل القرار السياسي تدخل كما العادة؟ ولماذا في الأصل أعلن البلاغ مبكرا؟

بعد أن توافق المجتمعون على توحيد الشهور القمرية والتقويم الهجري توقع جل المراقبين إن لم أقل كلمهم على أن تطبيق هذا القرار يحتاج إلى موافقة سياسية. ولكن بعد أن أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشكل مبكر يوم الجمعة على أن أول أيام شهر رمضان المبارك هو يوم الثلثاء ظن البعض أن القرار السياسي قد وافق على توحيد الشهور القمرية، إلا أنه سرعان ما تبدد هذا الظن بيقين هو أنه لا هذا ولا ذاك حصل وإنما هناك أمر مستعجل قدم من فرنسا !

القرار السياسي صاحب الكلمة العليا في الدول العربية، وهذا ما اعتدناه وتعودنا عليه في المغرب وفي ظل النظام المخزني، فلا العالم ولا الفقيه يقرر، كل شيء بيد السلطان، وقد يكون هو المتدخل لحذف البلاغ، وذلك لسببين رئيسيين ؛

إما لأنه يود أن يكون أول أيام رمضان الإثنين لمصلحة هو يعلمها رغم أن هذا الاحتمال قد لا يستوعب إلا أن المستبدين عبر التاريخ عودونا على أن كل شيء متوقع منهم.

أو لأن إعلان وزارة الأوقاف كان مبكرا للغاية ولا يستند إلى أي دليل علمي البتة، وهو يفضح أن هناك من يتحكم في القرارات الدينية داخل هذا الوطن، وبذلك أمر بالتراجع إلى حين إثبات ذلك (علميا) برؤية الهلال أو عدمها.

رغم أن الأمور مفضوحة منذ زمان، فمنذ افتراق السلطان والقرآن، صار السلطان متحكما في كل القرارات الدينية، و الحادثة الأخيرة لم تأت بجديد بقدر ما فضحت ما هو سائد في ظل هذا النظام الذي استغل ويستغيل الدين لشرعنة أعماله والإبقاء على مكانه.

بمجرد أن يأت القرار ما على الوزارة إلا أن تطبقه، ولسان حالها يقول "واش حنا نعرفوا خير من المخزن!".