إن أحرار وحرائر هذا الوطن على دراية بخبايا الحكم في المغرب، وبطبيعة النظام السائد، الذي يمسك بكل السلط في يده، والجميع يعلم أن كل الأشكال التي تسمى "ديمقراطية" هي في حقيقة الأمر "ديكورات" لتزين صورة الاستبداد، هذه الدراية هي ما تعفينا من الشرح المطول وتجعلنا نكتفي بكلمة واحدة هي أساس كل شيء، "إرضاء المخزن" وفي فلكها يدور المقربون، وحولها يرقص المتحزبون رافعين شعار "عاش الملك" ومشتقاته، وهذا الأخير هو المحدد، وهو من يختار أي رقصة تعجبه وأيها لا تعجبه، وأي الكلمات أفضل وأي المدح أحسن، كي يمنح من يرضيه المكان المناسب، وهذه هي طبيعة الدولة المغربية، فمن يجلس في المناصب الحساسة، قريب من المؤسسة الملكية. وهذا شأن الإنتخابات القادمة كذلك، فلحسمها لابد من التقرب للنظام، وسباق التقرب الخاص بها قد بدأ منذ مدة، وهو في جولاته الأخيرة، ويبقى أقوى المتنافسين فيه هما بنكيران والعماري، فلمن ستعود الغلبة في النهاية ؟ ومن سيتلقى بقبول حسن ؟

لا تقتصر محاولات "الحركات المضادة" لمطالب الشعوب على الإنقلابات وفقط، بل هناك أساليب أخرى يمكن أن تحقق نفس الأهداف وبطريقة أسهل، وخصوصا إن وجدت أهداف مشترك بين طرفين اثنين، وقد يكون أحد الطرفين نظاما يواجه سخط شعبه والأخر حزبا يبحث عن مصلحته، وقد حدث هذا في المغرب حين وصلت إليه ريح الربيع، فعندما وجد المخزن نفسه أمام موجة شعبية عارمة، وخلص إلى أن أقصى ما يمكن أن تجود به الإنتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة المعربية هي حكومة (إسلامية)، وتبين له كذلك أنه أقصر طريق وأفضله لتفادي ما هو أسوء، إلتقت أهدافه مع أهداف حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) الذي ركب موجة الاحتجاجات لتحقيق أهداف هو أدرى بها باعتبار أن الأهداف المعلنة من قبيل محاربة "الفساد والاستبداد‎"‎ لم يتحقق منها شيء، بعدها أجريت (انتخابات) نتج عنها فوز الحزب المذكور سالفا ليترأس الحكومة.

لا يخفى على أحد أن كثيرا من أبناء هذا الشعب المقهور استبشروا خيرا في حزب العدالة والتنمية، ورأو في بنكيران المخلص، لكن سرعان ما تلاشت هذه الأحلام والرؤى وانقشع الضباب ليوضح الحقيقة المرة والواقع الأليم، حقيقة أن لا شيء تغير، وواقع أن من كان الشعب يرى فيه المغير قد تغير، فمن "محاربة الفساد والاستبداد" إلى مساعدتهما، فقد صار بنكيران بعد توليه رئاسة الحكومة أكبر ممجد للمؤسسة الملكية في المغرب، وأصبح يردد عبارات من قبيل "لم أخرج في 20 فبراير لأني أخاف على الملكية"، "المغرب إما بالملكية أو لا يكون" في كل مرة، ولم نتعجب من ذكر بنكيران للفظة "جلالة الملك" أزيد من 35 مرة في ظرف 50 دقيقة، وذلك خلال برنامج بلا حدود، لقد صار بنكيران كما عبر عن ذلك أحد الصحفيين ملكيا أكثر من الملك نفسه.

وفي الجانب المقابل وعلى العكس تماما من حزب العدالة والتنمية، فإن حزب الأصالة والمعاصرة المعروف أصله وهويته والمنحدر من القصر، كان منذ نشأته إلى جانب النظام، وحسب كثير من المراقبين فإن هذا الحزب كان يعده المخزن لاكتساح الانتخابات التي كانت مبرمجة سنة 2012 ولكن رياح ما سمي (بالربيع العربي) بعثرت الأوراق وجعلته يعيد جمعها والتخطيط مجددا.  يعد إلياس العماري أبرز شخصيات هذا الحزب وهو أمينه العام أيضا، ربما يختلف هذا الشخص نسبيا عن بنكيران، فعلى عكس هذا الأخير الذي يحتاج إلى أن يسبح بحمد المؤسسة الملكية كي يرضي المخزن فإن إلياس وباعتباره إبن بارا للقصر يكفيه أن يقول بضع كلمات في بضع مناسبات، وكذلك على عكس بنكيران فإن هذا الأخير فتحت له الأبواب لأجل الحديث في بعض المجالات عن الملك دون إنحياز، وهذا لكون الولد الصغير قادرا على أن يقول عن والده كلاما كهذا، فيمكن للطفل أن يقول: "والدي لا يلزمني بارتداء لباس خاص، وإنما أنا حر في لباسي"، هذا على سبيل المثال فقد صرح سابقا أن الملك لا يلزمه بارتداء لباس خاص عند استقباله. يبدو أن الأب راض عن إبنه بحيث حظي بفرصة مرافقته لزيارة خارجية إلى الصين، ولا يحظ بهذا إلا المقربون.

قال بنكيران أن قيادة حزبه ناقشت مسألة سفر إلياس العماري مع الوفد المرافق للملك في زيارته للصين، وقررت إغماض الأعين، لأن الملك هو وحده من يمكنه تقديم توضيحات حول سبب حضور إلياس هذه الزيارة، كما نشرت بعض الصحف أن بن كيران قال أن مناقشتهم لهذا الموضوع ليست بسبب الغيرة، ولكن كون إلياس هو رئيس الجهة الوحيد الذي رافقهم، وقال أيضا أنه لم يسبق له -أي بنكيران- أن رافق الملك في أي زيارة خارجية. يبدو أن بنكيران غار من منافسه العماري، كيف لا وهو الذي كان يمسي ويصبح في مدح المؤسسة الملكية ولكن رغم ذلك لم يحظى بهذا الشرف.

من خلال ما سبق يبدو أن السباق وصل لمراحله الأخيرة مما ينذر بمزيد من التنافس في إرضاء المخزن أكثر، هذا ما سيجعل النظام محتارا في أمره، فكيف يفرط في من يمدحه أكثر من غيره، وكيف يترك إبن قصره، ويبقى الأمر عائدا له في الختام فهو من سيحدد من سيترأس الحكومة المقبلة، هذا فيما يخص السباق إلى رئاسة الحكومة، وهناك عدة سباقات أخرى في عدة مجالات، وطريقها المختصر هو إرضاء المخزن.