من المتوقع أن تجتذب بطولة كأس العالم التي ينظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وتستضيفها قطر على مدى 29 يوما أكثر من 1.7 مليون زائر للدوحة، حيث سيكون هناك نحو 500 ألف زائر في البلاد في أكثر الأيام ازدحاما في أول مونديال يقام بالشرق الأوسط والمنطقة العربية، ويقدر الفيفا بأنه من الممكن أن يسعى نحو 40 مليون شخص لزيارة قطر بعد انتهاء البطولة.
ويقام مونديال قطر 2022 في الفترة من 20 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 18 ديسمبر/كانون الأول المقبلين في 8 ملاعب صُممت وفق أعلى المعايير العالمية.
ويقول الدكتور سهيل محمود، المحلل السياسي المستقل الذي يقيم في مدينة تشابل بكالورينا الشمالية، أن ملايين كثيرة سيتعرفون بشكل أفضل على قطر عبر وسائل الإعلام المطبوعة وشبكات الإذاعة والتلفزيون، ومن منشورات التواصل الاجتماعي التي ستصدر عن المشجعين والفرق المشاركة، والصحفيين المتواجدين في قطر. وتشير التقديرات إلى أن حجم إنفاق قطر للإعداد لكأس العالم يبلغ 200 مليار دولار.
ويرى محمود -الذي تلقى تعليمه العالي في الولايات المتحدة وقام بالتدريس نحو 33 عاما في جامعات مختلفة في باكستان والولايات المتحدة- أن استضافة كأس العالم تعد جزءا من رؤية قطر الوطنية 2030، وهي مبادرة حكومية لتحويل قطر إلى مجتمع عالمي وتوفير مستوى معيشة أعلى.
ويقول في تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” (The National Interest) الأميركية إن خطط التنمية الدولية المرتبطة برؤية قطر الوطنية 2030 تشمل مشروعات ذات صلة مباشرة بكأس العالم، وتهدف إلى تعزيز الاستمرارية لما بعد البطولة.
وقامت قطر ببناء المرافق الأساسية الضرورية لاستضافة نحو 1.3 مليون زائر أثناء فعاليات البطولة التي تستغرق شهرا، وهو رقم يبلغ نحو نصف عدد سكان قطر.
وبالإضافة إلى بناء ملاعب على أحدث طراز، أنشأت قطر شبكة مترو حديثة، ووسعت نطاق مطارها، وشيدت مناطق جديدة داخل العاصمة الدوحة.
ما تأمله قطر من كأس العالم
وعما تأمله قطر من بطولة كأس العالم، يقول محمود -الذي عمل مستشارا للبنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة- إن صادرات النفط والغاز تعد ركيزة اقتصاد قطر، التي تمتلك ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في العالم، وتعد من أكبر الدول المصدرة للنفط.
ورغم أن الموارد الطبيعية أسهمت في رخاء البلاد، فإن قوى السوق التي تهيمن على صادرات المواد الهيدروكربونية تسفر عن تقلب في الإيرادات؛ وبالتالي تهدف قطر إلى زيادة حجم اقتصادها الذي لا يعتمد على الطاقة، حيث تطمح إلى أن تصبح مركزا تجاريا وسياحيا في المنطقة.
وتعد استضافة كأس العالم أمرا أساسيا لتحقيق هذا الطموح؛ ففي الفترة بين 2013 و2018 نقص نصيب المواد الهيدروكربونية في إجمالي الناتج المحلي من 55% إلى 39%؛ مما يعكس زيادة الإنفاق المرتفع المرتبط بالاستعدادات لكأس العالم، ودعمت البطولة التطورات في القطاعات الحيوية غير المرتبطة بالطاقة، وسيكون نموها المتواصل أولوية بالنسبة لقطر بعد نهاية كأس العالم.
ورغم المكاسب المحتملة من وراء كأس العالم، فإن الفعاليات الرياضية الدولية الكبرى تحقق للأسف مردودات سيئة بالنسبة لاستثمارات الدولة المضيفة لها، وتشير التوقعات إلى أن اقتصاد قطر سينمو بنسبة 3.4% عام 2022 و2023، بفضل زخم كأس العالم، ولكنه سينخفض إلى 1.0% بحلول عام 2024.
ورغم هذه المخاوف، فإن قطر أنشأت المرافق بصورة إستراتيجية لكي تفيد الاقتصاد بعد كأس العالم، ومن المحتمل أن يؤدي استثمار قطر المستمر في تحديث مرافقها إلى توسيع نطاق مبادرات النقل والتجارة والاقتصاد.
ومن المقرر أن تعزز قطر قوتها الناعمة، وإعادة تحديد تأثيرها ومكانتها ووضعها ومرافقها وأهداف سياستها الخارجية، وستستفيد البلاد اقتصاديا من كأس العالم.
وتتوقع قطر أن يضيف الحدث 17 مليار دولار لاقتصادها. وتشير توقعات أخرى إلى أن نمو إجمالي الناتج المحلي القطري سيوفر فرصة دخل بقيمة 4 مليارات دولار من وراء إنفاق السائحين في الشرق الأوسط.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية مؤخرا أنه من المتوقع أن تبلغ الإيرادات المالية المباشرة من كأس العالم 2.2 ملياردولار، ومن المتوقع أن تصل الإيرادات الاقتصادية طويلة المدى في الفترة من 2022 إلى 2035 إلى 2.7 مليار دولار، إذ من المتوقع ازدهار إيرادات السياحة القوية أثناء بطولة كأس العالم وما بعدها.
وتهدف قطر إلى تحويل مرافق كأس العالم إلى مجتمعات ومدارس ومستشفيات جديدة، وكذلك إلى نقاط انطلاق لتدفقات السياحة. وتتصور رؤية قطر الوطنية 2030 اقتصادا متنوعا يقوم فيه القطاع الخاص بدور بارز.
وحظيت السياحة بدفعة قوية من الاستثمارات الكبيرة في النقل والمرافق الحضرية، مثل مطار حمد الدولي الذي تم افتتاحه عام 2014، وإقامة فنادق جديدة ومنتجعات وأسواق كبرى ومراكز مؤتمرات.
وستعزز كأس العالم مركز قطر على خريطة السياحة العالمية، وظهر الزخم الإيجابي لقطاع السياحة في قطر في النصف الأول من عام 2022، إذ ظلت مقصدا سياحيا حيويا في المنطقة.
ويقدر الفيفا أن نحو 3 مليارات شخص سيشاهدون كأس العالم، ومن الممكن أن يسعى نحو 40 مليون شخص لزيارة قطر بعد انتهاء البطولة.
ومن المتوقع أن يزور نحو 3 ملايين شخص قطر في 2023، وتدرك حكومة قطر خطر جائحة كوفيد-19، وتسعى جاهدة لضمان سلامة المواطنين والمقيمين، وكذلك الزائرين، وبالنسبة لأي أخطار صحية أنجزت قطر بنجاح أكبر حملة تطعيم في تاريخ البلاد.
وستساعد التحديثات الأخيرة في سياسة السفر والعودة بالنسبة لكوفيد-19 في اجتذاب المزيد من الزائرين قبل بطولة كأس العالم، مما يزيد من تعزيز قطاع السياحة في قطر.
ففي الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي، ألغت قطر قائمة الدول الخاضعة “لإجراءات الصحة الحمراء” بالنسبة لجائحة كوفيد-19 ومتطلبات الحجر بالنسبة للقادمين من الخارج، لكن يطلب ممن تثبت إصابتهم بالمرض أن يخضعوا للعزل والحجر.
وعالميا، تشير كل الدلائل الحالية إلى أن قطر بدأت العودة للحياة الطبيعية منذ نهاية 2019، وعاد مرة أخرى السفر لأغراض الترفيه والعمل.