رام الله- قبل الإعلان عن اسمه شهيدا، علمت “أمل شجاعية” أن منفذ عملية إطلاق النار بالقرب من مستوطنة “بيت إيل” مجهول الهوية هو ابنها “قيس”، وهي التي شعرت “بقلبها يتوقف” تماما كحالها يوم إصابته قبل سنوات في نفس المكان.
ظلت الوالدة -في منزلها في بلدة دير جرير القريبة من رام الله– على قلق رغم كلمات زوجها المطمئنة، ولكنها لم تتوقعه شهيدا، فهو أكثر أبنائها “حبا للحياة وإقبالا عليها” وأكثرهم “تفاؤلا ومرحا”، وهو ما كان يريحها رغم حديثه الدائم عن المقاومة والجهاد، تقول “هذه المرة سبق قيس توقعاتي وإحساسي”.
واستشهد ال (23 عاما) بعد تنفيذه عملية إطلاق نار بالقرب من مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي الفلسطينيين شمال مدينة رام الله، وأصيب خلالها مستوطن إسرائيلي أول أمس الجمعة 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
الاحتلال قال إن مقاوما آخر كان برفقة “قيس” تمكن من الانسحاب بالسلاح المستخدم بتنفيذ العملية، بينما استشهد قيس على الفور واحتجز جثمانه.
مكان استشهاد قيس هو ذات المكان الذي أصيب فيه عام 2015، كما قالت الوالدة للجزيرة نت “وكأنه عاد لينتقم لإصابته في تلك العملية”.
في ذلك اليوم قبل 7 سنوات، أصيب قيس بالرصاص الحي في رجله واعتقل مباشرة، وخلال 20 يوما من اعتقاله خضع لعمليات جراحية صعبة مقيد اليدين والرجلين، قبل الإفراج عنه بكفالة مالية عالية بسبب خطورة وضعه الصحي.
جريح وأسير ثم شهيد
تستذكر الوالدة تفاصيل إصابته في ذلك اليوم، فخلال عودته من المدرسة (كان عمره 16 عاما) كانت المواجهات تدور بالقرب من مستوطنة بيت إيل، فحمل مقلاعه وتوجه إلى هناك، وبعد انتهاء المواجهات عاد إلى البيت ليكتشف أنه أسقط المقلاع في المكان فعاد للبحث عنه قبل أن إطلاق جنود الاحتلال الرصاص باتجاهه واعتقاله، تقول الوالدة “حاولت منعه ولكنه قال إن المقلاع سلاحه، والمقاوم لا يترك سلاحه في ساحة المعركة”.
لم يتغير تفكير قيس منذ أن كان طفلا وحتى استشهاده، فكان حديث الجهاد والشهادة لا ينقطع بينه وبين والدته، وهو يتابع كل ما يجري في الأقصى واقتحامات الاحتلال مدينتي نابلس وجنين.
رغم ذلك كانت تعتقد الوالدة أن أقصى ما يمكنه القيام به هو “رشق الحجارة” والمشاركة في المواجهات، أو التصدي لاقتحام الاحتلال للمسجد الأقصى، وهو الذين اعتاد الرباط فيه، لا أن يقوم بتنفيذ عملية عسكرية يستشهد خلالها.
وبالحديث عن آخر أيامه تقول الوالدة إنه قبل يومين فاجأها بطلبه أن تدعو له وتسامحه، ولكن لم يخطر ببالها أنه كان يودعها وهو الذي كان يخطط لبناء منزل وطلب منها البحث عن عروس له.
تخريب للانتقام
ولم تكتف قوات الاحتلال بقتل شجاعية واحتجاز جثمانه ومنع عائلته من رؤيته، فقد داهمت منزل العائلة بعد اقتحام البلدة بقوات كبيرة وتفتيش منزله، وتخريب محتوياته وخاصة غرفة الشهيد، تقول شقيقته الكبرى مجد “لم يكونوا يبحثون عن شيء محدد، مجرد تخريب للانتقام”.
وخلال وجود الضابط الإسرائيلي في البيت أخبر العائلة أنه قام بالاتصال هاتفيا مع قيس في السابق أكثر من مرة وتهديده بعدم نشر صور الشهداء ومنفذي عمليات المقاومة على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الذي تأثر بالشهيد إبراهيم النابلسي وعبد الله الحصري كثيرا، وكان ينشر صورهم باستمرار.
وكما الوالدة، كانت مجد تستبعد أن يقوم قيس بعملية ويستشهد رغم حديثه الدائم عن الشهداء وما يجري من اعتداءات إسرائيلية، وقالت للجزيرة نت “من يعرف قيس عن قرب يلاحظ حبه للحياة وإقباله الشديد عليها” وتذكر الشقيقة كم كان عاشقا للرحلات والسهر ولمة العائلة.
وتتابع “قيس شخص عنيد وشديد التمسك بآرائه، وما كنا نعتقد أنه مزاحا يتحول باستشهاده إلى واقع مؤلم”، ولكن أكثر ما يوصف به قيس، وفق مجد، هي “شهامته”، فلا يحتاجه أحد أو يلجأ له إلا وكان سندا له.
مقاوم بالوراثة
اقتحام البيت والتخريب الذي قام به جنود الاحتلال ليس بالمشهد الجديد على العائلة، فقد سبق أن اعتقل الوالد “عماد شجاعية” في الانتفاضة الأولى والابن الأكبر “بهاء الدين” قبل أشهر، بل إن ذلك يرجع منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية في العام 1967، عندما تصدى الجد خالد وشقيقه أحمد (جد قيس لوالدته) للاحتلال وتحول لأبرز مطاردي المنطقة، بينما هدم منزل “الجد أحمد” وأبعده الاحتلال إلى الأردن.
في ذلك الحين كان عمر والد قيس 8 سنوات، ولكنه يتذكر تفاصيل اقتحام الاحتلال اليومي لمنزله، يقول للجزيرة نت “طارد الاحتلال أبي 13 عاما، وكان يقتحم منزلنا باستمرار، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتغير وحشية الاحتلال وممارساته القمعية”.
هذا التاريخ الطويل من نضال عائلة “شجاعية”، هو الإرث الذي تربى عليه قيس فكانت المقاومة عقيدة مغروسة بداخله، وكانت بندقية جده القديمة إرثه الأثمن، كما تقول الوالدة “وكأنه ورث المقاومة بالجينات، لم أتمكن التأثير عليه مهما حاولت”.
يمكنك متابعة الموقع الرسمي على الفيسبوك من هنا