بيروت – من الطبيعي أن يشعر الأطفال بالخوف منذ صغرهم؛ فقد يخافون من الحيوانات الكبيرة والأماكن المظلمة والأقنعة، وقد يقلق الأطفال الأكبر سنا من موت أحد أفراد الأسرة، أو من أخبار الحروب وغيرها الكثير مما يدور في العال


يلعب الأهل دورا هاما في التخفيف من مشاعر الخوف لدى الطفل، ومساعدته على تخطي هذه الحالة بزرع الأفكار الإيجابية، وتجنب غرس الاعتقاد بضرورة الخوف من العالم.

تقول أخصائية علم النفس التربوي هناء الرفاعي للجزيرة نت إن “بعض الآباء يعلمون أبناءهم بأن العالم خطير ليكونوا أكثر حذرا ويقظة، لكن بكل أسف هذه المعتقدات تضر بصحتهم ولا تجلب السعادة لهم وتجعلهم غير ناجحين، وغير راضين عن حياتهم، بل عرضة للاكتئاب والحزن والقلق، فهذه المشاعر السلبية تؤدي إلى عدم الشعور بالأمان وإلى النظرة التشاؤمية”.

وتبيّن الرفاعي أن “خوف الأطفال أنواع؛ فعادة يكون قبل عمر المدرسة الخوف من الوحوش أو كائنات وهمية كالزومبي، أما في عمر المدرسة فيصبح أكثر واقعية كالخوف من مرض أو فقدان أو موت الأحبة، وحتى خوفه أن يستيقظ ولا يجد أحد الوالدين في البيت”.

ومع تسارع الأحداث الدرامية في العالم مثل الحروب وجائحة كورونا، ارتكب بعض الأهالي أخطاء منها أنهم لم يراعوا وجود أطفالهم بالغرف ذاتها التي يبث منها التلفزيون الأخبار وآخر المستجدات، مما جعلهم على دراية تامة بأحداث “مخيفة” قد لا تتقبلها عقولهم الصغيرة، بحسب الرفاعي.

هناء الرفاعي: بعض الآباء يعلمون أبناءهم بأن العالم خطير ليكونوا أكثر حذرا ويقظة (الجزيرة)

نصائح للتعامل مع خوف الأطفال

وتؤكد الرفاعي أن على الأهل احتضان أطفالهم واحتواء مشاعرهم ليشعروا بالأمان وليتجاوزوا هذه المشكلة بهدوء، وتنصح الوالدين بما يلي:

  • تقبل خوف الطفل وتفهمه، وعدم دفعه للتخلي عنه في اللحظة ذاتها، فالحديث بهدوء مع الطفل الخائف وإشعاره بالأمان مهمٌ.
  • يمكن رواية أحداث وقعت مع الوالدين وكانت تشعرهما بالخوف، مما يجعل الطفل أكثر جرأة لتخطي الأمر وتجاوز الصدمة.
  • عدم إظهار خوف الكبار أمام الصغار حتى لا تتسرب لهم المشاعر السلبية، بل يجب أن يظهروا الشجاعة أمامهم حتى ولو كانوا يشعرون بالخوف لأنهم قدوة لأطفالهم.
  • كل أم قدوة لطفلها، لذا من المهم أن تظهر شجاعتها أمامه دائمًا في المواقف المختلفة، ليكتسبها منها ويطمئن، ويتعلم كيفية التعامل، حتى لا يصيبه بالقلق والخوف المستمرين.
  • على الأم عند توجيه ملاحظات بشأن مخاوف طفلها أن تختار طريقة لطيفة، فلا تقول له مثلًا: “صديقك أو أخوك الأصغر أو ابن خالتك لا يخافون، لا تكن جبانا، أنت كبير!” وغيرها من العبارات السلبية التي ستضر بنفسيته، بل عليها تشجيعه بكلمات إيجابية، مثل “أنت شجاع، ستتمكن من التغلب على خوفك” وهكذا.
  • على الأهل الاستماع لأطفالهم لمعرفة همومهم، والتحدث معهم بلطف، وأخذ الوقت الكافي لتهدئتهم وطمأنتهم بأنهم آمنون، دون نسيان مدحهم والثناء عليهم كثيرًا.
  • الاستجابة لردود الأطفال بطريقة داعمة، والتوضيح لهم أن ردودهم طبيعية لحالة غير طبيعية.
  • مساعدة الأطفال على التغلب على مخاوفهم من خلال التعبير عن مشاعرهم عبر الرسم، والتمثيل، واللعب، والأعمال اليدوية.

وتشدد الرفاعي على أن لا ينقل الأهل خوفهم وتوترهم لأطفالهم، وأن يحاولوا نزع المخاوف من قلوبهم تدريجيا. فإذا كان الطفل يخشى النوم في الظلام، فلا مانع من ترك إضاءة خافتة، ومداعبته عن طريق اللعب بالإضاءة. أما إذا كان يخشى الكلاب، فمن الممكن أن يريه أهله صور أطفال آخرين يتعاملون مع الكلاب ويلاعبونها، وبالتدريج سيقتنع الطفل بذلك من تلقاء نفسه ويفارقه الخوف.

وتوضح الرفاعي أن الخوف قد ينشأ من خلال ممارسة الأهل العقاب، لذلك يجب توعية الأهل بأهمية شعور الطفل بالأمن والطمأنينة في سنوات حياته الأولى حتى لا يتملكه الخوف تدريجيا.

التغلب على الخوف والقلق

من جانبها، قدمت كاثرين كريسويل أستاذة علم النفس السريري في جامعة أكسفورد في كتابها “مساعدة طفلك في التعامل مع المخاوف والقلق” (Helping Your Child with Fears and Worries) العديد من النصائح للآباء لتخفيف حدّة القلق لدى أطفالهم، من أبرزها:

  • كن مستمعا جيدا: يجب الحرص على الاستماع إلى الطفل حتى يتسنى لك الوقوف على أسباب ما لديه من مخاوف.
  • ساعد الطفل على إدراك أن مخاوفه ليست حقيقية: يجب البدء بخطوات بسيطة تساعد الطفل على تفهم مخاوفه، وتشجيعه على تجريب خطوات جديدة وتعليم بناء الثقة لديه، وتعويده على قبول جانب من حالة عدم اليقين في حياته، وليس رفض وجود هذا الجانب على الإطلاق.
  • تجنّب قول “لا تقلق، هذا لن يحدث أبدا” مهما كانت الفئة العمرية التي ينتمي إليها الطفل، يجب على الأهل أن لا يستبعدوا هذه المخاوف. ببساطة يجب إخبار الطفل أن ما يخشاه لن يقع، أو أن مجرد القلق لا يجدي نفعا في حل المشكلات، بل لا بد من التعرف على ما يحس به أثناء الشعور بتلك المخاوف. لا تحاول ترتيب الأمور الحياتية بناء على مخاوف الطفل، ولا تحرمه من فرصة التعامل مع المواقف التي يخشاها. ولا يجب إرغامه على مواجهة ما يخشاه، إنما على الأهل أن يدعموا الاقتراب شيئا فشيئا.
لاريسا معصراني- كل أم بأنها قدوة لطفلها، لذا من المهم أن تظهر شجاعتها أمامه دائمًا في المواقف المختلفة، ليكتسبها منها ويطمئن- (بيكسلز).
كل أم قدوة لطفلها، لذا من المهم أن تظهر شجاعتها أمامه ليكتسبها منها ويطمئن (بيكسلز)

ساعد أطفالك على رؤية الخير في العالم

أما الكاتب آرثر بروكس فناقش في تقريره على موقع “ذا أتلانتيك” (The Atlantic) كيفية بناء حياة سعيدة. وبحسب بروكس، فإذا كان أحد الوالدين لديه خوف كبير في الحياة، فالأرجح أن يحدث هذا لأطفاله، فالأهل يقضون ما يعادل 37 ساعة في الأسبوع من القلق على أطفالهم، ومن أهمها قلق العودة سالمين من المدرسة.

ويؤكد بروكس أن هنالك دراسات وأبحاثا نفسية نشرها “ذا جورنال أوف بوستيف سايكولوجي” (The Journal of Positive Psychology) في العام 2021 عن الأخصائييَن النفسيين جيريمي دي دبليو كليفتون وبيتر ميندل، أظهرت أن 53% من الأهالي يفضلون قول مصطلح “العالم خطير” لأطفالهم بهدف تحذيرهم ليكونوا أكثر يقظة ووعيا، وبأنهم سيكونون آمنين بهذه الطريقة، لكن في الحقيقة هم غير مدركين بأن هذا الأمر خطير ومضر بصحتهم وسعادتهم ونجاحهم.

ووفقا لبروكس، فإن كليفتون وميندل أظهرا أن الأشخاص الذين اعتادوا على تكرار سماع جملة “العالم خطير” هم أقل صحة، وغالبا ما يكونون معرضين للتعاسة وللاكتئاب، وأقل رضى عن حياتهم.

ويرى بروكس أن “تعليم الحب لأطفالنا يحيد الخوف جانبا ويستبدله بشيء محبوب يمكن إيجاده في كل شخص نلتقي به، فالحب هو علاج جيد لإزالة الخوف من قلوبنا”.

عالم خال من المخاطر

أخيرا، نشر موقع “أول برو داد” (All Pro Dad) موضوعا بعنوان “كيف يكون لديك أطفال شجعان في عالم محفوف بالمخاطر؟”، اعتبر أن الأهل بارعون في تعليم أطفالهم الخوف من الأشياء مثل الغرباء والحيوانات والمهرجين. فالأطفال معرضون للخطر، ومن واجب الأهل مساعدتهم على تجاوز مخاطر العالم بشكل جيد، لذلك تكون رغبتهم بحمايتهم من الخطر بمحاولة خلق عالم خال من المخاطر لهم، لكن هذا العالم يقوم على نوعين:

  1. عالم خال من المخاطر كالسراب.
  2. القضاء على المخاطر يعني القضاء على المغامرة.

لكن كيف نعلم أطفالنا العيش من دون خوف أو قلق؟

  • تعليمهم بأنهم محبوبون.
  • منحهم نموذجا لحياة مليئة بالمغامرة وذات مغزى يواجه فيها الطفل تحديات تناسبه خلال قضاء إجازة عائلية.
  • تعليم الأطفال بأن الفشل ليس أمرا قاتلاً، إنما يجب المحاولة مرة أخرى وتولي الأمور الصعبة وعدم الاستسلام.
  • تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الأموال بمسؤولية وسخاء، ومساعدتهم في تكوين صداقات جديدة وجيدة.
  • أهمية مشاركة أطفالك في تجاربك وقصصك، وتعليمهم أهمية النجاحات والفشل أيضا.