في جسدٍ تورمت فيه غدد الطاعة والعبودية وعَطِبَ جهاز الاستقلالية والتحرر.
اقترح طفلٌ في المرحلة الابتدائية من معلمه أن تُصبغ جدران قاعة الدرس بلونٍ مغاير عن لونها المُعتاد لطرد الملل والضجر، رحَّبَ الأستاذ بفكرة جديدة كهذه، وعزم على التغيير، لم يكن عقله قد اعتاد على البدأ والتفتُّقِ من دون أمرٍ ونهي، ولم يجد في نفسه تلك القوة من التحرر الإنساني ليصبغ جدار غرفة، نسيمُ البحر لا ينعش الجلد المحترق، لذا أحال الطلب إلى مدير المدرسة الذي رحب ورقص ووعد بالنظر والبحث. هو شجاع ويقوى، بيد أن عادة العبيد قد ألقته داخل قضبانها مُكبلا بأنواعٍ من الدرن لم تعهده البشرية، هو يريد والعبودية تفعل ما تريد، نسيم التجَرُد طهورٌ تتقيأهُ البركةُ الضحلة، أُحيل الطلبُ إلى مدير التعليم بالمنطقة، "طالبٌ نجيبٌ يريد أن تُصبغ قاعة الدرس" ، يا إلهي، لا نقوى، قلوبكم غلف! لابد من إخطار الوزير، نسيم التَّخْلِيَة يحملُ من اختار طريق النبلاء فقط، وصل الطلب إلى مكتب الوزير، الطلبُ تفاجأ، أنا طلبٌ فوق طاولةِ وزيرٍ مشلول، نصفُه يعمل ونصفه منزوع، لا يملك الإرادة، "يُحال إلى ذوي المشورة"، هكذا كُتب على الطلب، ثم أعقبها نصف توقيع. نسيمُ الانعتاقِ حُرٌ مقِلال البيض، تخبَّط أهل المشورة ثم قاسوا، بما أن الدِّهان للجدار كالغيثِ للأرض، والله وحده مُنزلُ الغيث، فالنتيجة أننا لا نتجرأ بالقول في قضية كهذه، فالأمر ليس للعبيد، نسيمُ الانفلاتِ أعزُّ من أن يقف على شواطئ الخذلان، تورَّم الطلب كغدة التَّبعِية، وأُلقيّ به أمام مجلس الوزراء، حاص القوم، سُمع لهم أزيز وأنين، يريدون ولكنهم لا يستطيعون، زغاليلٌ أصابها وابل، تنادوا بأنّ الدِّهان مُضر، أولادنا أكبادنا، نبحث عن الجودة، سنخلق لجنة شراكةٍ مع دولة عظمى لبحث هذا الطلب، نسيمُ الانفكاكِ لا يحمل ذوي الريش المنتوف، في الصباح تتحدث الصحف في صفحاتها الأولى، رئيسُ مجلس الوزراء يعلنُ عن قيامِ لجنةٍ مشتركة "محلية-أمريكية" للتشاورِ في إنشاءِ مصنع للدهان القابلِ للتمددِ والطي والتحدثِ والذي سيُقدمه هديةً لطالبٍ من أبنائه كان قد طلب منه ذلك. نسيمُ الحريةِ لا يُحرك راية الأنانية، أنهى الطالب دراساته العليا وعمل في لجنة حكومية أجنبية خطت على ورقةٍ ما: وافق السيدُ الأعظم.