الحمدلله واهب النعمة، والصلاة والسلام على سيدي المحذر من البدعة، اللهم ارض عن صحابة نبينا السائرين على دربه، وكن عوناً لكل من اقتفى أثره وبعد:

فقد بات معلوماً أننا في عصرٍ نطقت فيه الرويبضة. يتكلمون بأصواتٍ عاليةٍ، ويبرهنون ببراهين كاذبةٍ، وما يزرعون في أذهان الشباب إلا الكلمات الصحفية والشعاراتية الفارغة. وقد أوصى سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل تلكم الأحوال بالاعتصام بكتاب ربه وسنته، ولزوم منهج جماعته. فرأيت لزاماً عليَّ أن أبيِّن ذلك المنهج، فلعله بإذن الله يكون المخرج، مما تعانيه الأمة من هرج ومرج. وأسميت المقالة، الوشيجة في معرفة طرائق التعامل مع الشيعة.

اعلم يرحمني الله وإياك أن لتعاملنا مع الشيعة ثلاثة خطوط رئيسية، لابد لها من الوضوح، فإنها كلمةٌ نصوح، جاءت بعد التفكير بالبوح.

١) الخط العقدي:

وهو أن تعلم أن من يسمون بالشيعة فرقة من فرق الإسلام كما أجمع على ذلك أهل العلم، ولكنها فرقة مبتدعة وبعيدة عن نهج النبوة الأمثل، وهم في غيهم درجات وليسوا من صنفٍ واحد، ولكن العلماء قالوا: " من أكل ذبيحتنا وصلى إلى قبلتنا فهو منا". فالتطرف في تكفيرهم مرفوض، والتطرف في الأخذ عنهم ضلال. والعروة في ذلك التمسك بما جاء عن علماء السنة فيهم، وإن خالجتك نفسك وقلت بأن منهم من يكفر وينكر معلوماً من الدين بالضرورة، قلت لك: نعم فمن تكلم بنقصان القرآن أو اتهم عائشة رضي الله عنها أو كفر الصحابة، فهو كافر اعتقاداً، ولكن إذا لم يبح فهو منافق نحكم على ظاهره بالإسلام والله يتولى سريرته. وأحكام التكفير محصورة بأهل العلم والقضاة فقط فهم من يقرر ذلك أما عامة المسلمين فمأمورين بالدعوة بالتي هي أحسن لا بتكفير أحد. وطبعاً هناك من هو أقل منهم فيكون فاسقاً مبتدعاً وهكذا.

٢) الخط الدعوي:

وهو ما أُمرنا به جميعاً كمسلمين فواجب الدعوة على كل مسلم ومسلمة بقدر ما يستطيع، ومع الأسف أن ما فعله بعض الرويبضة من زرع فتائل الطائفية لسنوات عبر قنوات جاهلة ممولة من جهات قذرة مدعيةً انتسابها للسلف كذباً وزوراً، قد منع هذا الخط الدعوي، وإنما نجني ما زرعه هؤلاء الجهلة قصيري النظر هذه الأيام. وهذا سواء كان في الفضائيات أو في الإنترنت.

أقول ومن الخط الدعوي أيضا هو ما سُمي بالتقريب، وهذا لو استغل استغلالاً صحيحاً لكان فيه نفعٌ كثير، فرغم كثرة الاتفاقات بين الرافضة والجماعة إلا أنهم ما عرفوا كيفية مداراة هذا الوضع. فمثلاً قد استطاعت لجنة منهم أن تأتي بالأحاديث المتفق عليها بين الرافضة والجماعة متناً لا سنداً، فوصلت ل٥٠٠٠ حديث كما يقول الدكتور محمد سليم العوا، وهذا عدد كافٍ مع القرآن ليكوّن قانوناً مشتركاً بين الاثنين، ومع الأسف أن إيران استغلت كتب السنة ككتاب عبدالقادر عودة التشريع الجنائي لتدرِّسه في جامعاتها مع تعليقات أحد علمائهم.

وقد يقول أحد ما بأن التقريب كان مطيةً لأدعياء التشيع؛ فأرد عليه: ولماذا لم يكن طريقاً للدعوة؟ فلا شك أن مجالس التقريب تحتاج إلى مراجعات، ولكن ينبغي أن يعلم كل مؤمن أن مهمته هي الدعوة بالتي هي أحسن وهذه المجالس وسيلة كبرى.

وعلى المستوى الشخصي كم أعرف من الناس من كان سيداً عندهم وتسنن بفضل الطريق الدعوي، بل وصار من العاملين في قطار الدعوة. ولا شك أن هذا يحتم علينا دراسة أدعياء التشيع بفرقهم جميعاً لمعرفة كيفية محاورتهم ودعوتهم. فليس كل الرافضة إيران بل منهم خيرين نعرفهم ونبتاع منهم، وقد عاشت العراق وبعض دول الخليج جنباً إلى جنب مع هؤلاء، وكون أن هذا الأمر قد حدث فلا شك بأنه يمكن أن يتكرر، وهذا الخط يزداد تأكيداً بالنسبة لعوامهم، فليس من فائدة مرجوة أن نعادي حتى العوام بل نكسب قلوبهم ونقربهم للدين الصحيح.

٣) الخط السياسي:

وهو أهم تلك الخطوط في هذا العصر، ويتم معرفته وتجليته بالآتي:

- أننا مأمورين بالعدل مع الخلق جميعاً.

- أنه لابد أن نعلم أن هناك عدو مشترك وهو الكيان الصهيوني المغتصب فلابد أن نواجهه جميعاً، لا أن نقف مع اليهود ضد الرافضة كما فعل البعض، وإذا هم خالفوا ذلك فهذا شأنهم فنحن مطالبين بالتعامل وفق شرعنا لا شرعهم.

- أن إيران دولة مجاورة، والشيعة أهل في المنطقة، فالحل معهم إما بالتعايش وفق شروط معقولة وإما التناحر ليبيد بعضنا الآخر، والخيار الثاني لا يمكن تحقيقه؛ والتاريخ يشهد؛ ثم إننا لم نؤمر بذلك. وليس لأهل السنة إلا شعوبها وأنى لها مكابدة حروب أهلية؟ لذلك فخط حماس مثلاً أو تركيا هي الخطوط السياسية المثلى للتعامل مع إيران فلم تقطع الحبل كلياً ولم تبع القضية كلياً.

أخيراً أقول: إن هذا الأمر ليس محض خيال؛ بل حقيقة أثبت التاريخ إمكانها، وأذكر هنا قصةً للعلامة محمود الصواف حينما جاءه جواد الخالصي الأب -وهو صاحب نظرية ولاية الفقيه الحقيقي- كي يناقشه في الخلافات السنية الرافضية؛ فقال له الصواف: لن أناقشك ونحن نتفق على أن الربا حرام، والشيوعية كفر، والخلاعة حرام، والخمر حرام، فلنتعاون على تلك الأمور بدلاً من إضاعة الوقت في خلافات منذ ألف سنة لم يحلها علماء الإسلام. فأصر الخالصي على المناقشة وأصر الصواف على عدمها رحمه الله رحمة واسعة. ولنا أخيراً في الاتحاد الأوربي أسوة حسنة؛ فقد استطاع بعد عداوات أن يتعايش أهله تماماً، وكأنه لم تكن ثمة حروب بينهم.

والله تعالى أعلم ورد العلم إليه أحكم وأسلم.