إسطنبول- في الأزقة الخلفية لحي فاتح، في مدينة إسطنبول التركية، حيث القِدَم والعراقة يجتمعان، يقع سوق بابالي الذي يعود بناؤه للعصر العثماني، والذي أعيد ترميمه عام 1993 م، ليصبح سوقا لترميم السجاد العتيق وبيعه، وأضحى مركزا مهما وبارزا في هذا المجال.
بألوانه الزاهية ونقشه البديع، سجاد لا يبدو للرائي أن يد الدهر قد طالته مع أنه عتيق وتقلبت عليه أزمان مديدة تعد بمئات السنين، ويعاد ترميمه ورتق ما بلي منه، ليصبح تحفة أثرية لها محبوها ومريدوها.
لكن ترميم السجاد العتيق وبيعه لا يقتصر على مدينة إسطنبول، إذ إن هناك مدنا أخرى تضاهيها في ذلك كمدينة أكسراي وقيصري. ويقول مصطفى أوزدامير (مرمم وصاحب ورشة من مدينة أكسراي، التي تشتهر بترميم السجاد) إنه في المنطقة التي وُلد فيها لا تخلو عائلة من مرمم سجاد واحد على الأقل’، ويضيف أنه تعلم المهنة في مسقط رأسه ثم انتقل إلى إسطنبول عام 1997.
اختيار السجاد العتيق ومصدره
يُجلب السجاد المراد ترميمه من دول عديدة كإيران وأذربيجان وأوروبا، ولا يقتصر الأمر على السجاد التركي. يقول علي جورلي (صاحب ورشة للترميم) “ليس كل السجاد صالحا للترميم، بل نختار في الأغلب السجاد الذي يناسب ذوق زبائننا، أو حسب الطلب”، مشيرا إلى أن أصحاب المهنة يراعون في ذلك القيمة التاريخية للسجاد وعمره وجمال حياكته وألوانه.
مراحل ترميم السجاد
يمر ترميم السجاد العتيق بمراحل عدة، قد يستنفد في بعض الأحيان وقتا وجهدا كبيرين، وحسب حجم السجادة وأهميتها التاريخية، كما يتم ترميم البسط؛ وهو نوع آخر يختلف عن السجاد كونه لا وبر له، وتستخدم فيه خيوط كخيوط القنب.
في البداية تفحص السجادة أو البساط المراد ترميمه، للوقوف على المواضع التي تحتاج إلى ترميم، فيتم أولا رتق الأماكن البالية بواسطة خيوط مطابقة للخيوط الأصلية في الخامة واللون، ثم تصبغ المناطق التي بهت لونها بأقلام دقيقة، تحتوي على صبغة خاصة بالسجاد. وتُجلب غالبا المواد الخاصة بالترميم من خيوط وألوان من منطقة الأناضول، كما يقول المرمم مصطفى أوزدامير للجزيرة نت.
وكي يعود للسجادة رونقها بعد ترميمها، تنقع يوما كاملا في الماء لتثبيت اللون، ثم تغسل وتبسط تحت أشعة الشمس، وبعد جفافها تستخدم مكواة ثقيلة من الحديد بعناية فائقة لكي السجادة وتسوية سطحها، وإزالة أي تعرجات حدثت أثناء الترميم، وبذلك تتألق السجادة من جديد، وتصبح جاهزة للبيع.
بيع السجاد بعد ترميمه
يباع السجاد المعاد ترميمه في المدن التركية العريقة، ويعرض عادة في الأسواق القديمة وأسواق التحف والمقتنيات القديمة؛ ففي إسطنبول يباع في السوق المغلق، كما يباع في سوق بابالي المختص في ذلك، وقد تجد كذلك بضعة محلات متفرقة في الأحياء العريقة.
ويتفاوت سعر السجاد العتيق حسب حجمه وجمال نقشه، كما يُقَيّم حسب نوعية الخيوط المستخدمة فيه؛ فبعضها باهظ الثمن كالمصنوع من الحرير، وكذلك يؤثر في زيادة سعره استخدام الصبغات المصنعة يدويا، والخالية من المواد الكيميائية.
ويعد الأجانب والسياح أكثر إقبالا على هذا النوع من السجاد، أما الأتراك فيفضلون السجاد الحديث المعتمد على الآلات. يقول آفاق شيرين (صاحب محل لبيع السجاد المرمم) إن “الأجانب أكثر من يثير اهتمامهم هذا النوع من السجاد، لأنهم معتادون على الصناعات الحديثة، لذلك يبحثون عن الصناعات القديمة اليدوية، ويقتنونها بوصفها تحفا قيمة”.
كما يلقى السجاد العتيق رواجا خارج تركيا، لذلك يتم تصديره إلى الدول الأوروبية عموما، خاصة فرنسا وألمانيا، وكذلك يجد إقبالا شديدا في الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم تراجع اهتمام الأتراك وقلة عدد الراغبين في اقتناء السجاد العتيق من الناس في بيوتهم، لا يزال هناك موطن خصب لهذه الصناعة، فما يزال الطلب عليه سائدا لفرش المساجد والقصور التركية القديمة، كما أنه مطلوب في ميدان الفن، فاستخدامه شائع في المسلسلات والأفلام التاريخية التركية، بالإضافة إلى تحويله إلى مناظر أو لوحات جدارية.
وتعد إعادة ترميم السجاد العتيق رمزا من رموز الفنون التراثية التركية، التي لا تزال تحظى بإقبال الراغبين في تعلمه ونقله للأجيال من بعدهم، لمنح قطع تراثية أصيلة فرصة البقاء بأزهى حلة.