امسك حقيبته ووضع بداخلها جهاز اللاب توب الخاص بالعمل ، مد يديه المثقلتين لانتشال الجهاز وفى قراره نفسه عبارة أصبحت تراوده في كل مكان ، وحتى في المنام والأحلام " ماليش نفس "
يخرج إلى مكان عمله مضطرا مجبرا لا مخيرا فلا بإمكانه الجلوس بالمنزل والامتناع عن الذهاب إلى العمل ، يخشى على وظيفته التي أصبحت لا تثمن ولا تغنى من جوع ، أن تضيع فيضيع حاله وحالة أسرته معها ، فهو يعرف دون غيره كيف تعب وأمضى سنوات من عمره حتى حصل على وظيفة كانت طموحه منذ الصغر .
فلا يجد في عمله ما يسر خاطره هذا يشكى وهذا يبكى ، وكل ما تسأل فلان كيف الحال شو الجديد بيحكيلك ، ما في جديد ، العيشة صارت على الحديد ، فألحقهم بتعليق حتى الحديد مش حاصلين عليه .
مرارة الأيام ، وقساوة الظروف زرعت في قلبه غصة كلما نظر إلى أطفاله وحالهم الذي يغنى عن سؤالهم ، يختبئ داخل غرفته ويهرب إلى نوم عله يخفف عنه قساوة الأيام ، فتلاحقه الكوابيس لا الأحلام، فيضطر أن ينهض معلنا الانتقام ،ولكن من من؟ فينادى على حنان ، وهى زوجته علها تخفف عنه أيضا وتعطيه الأمان فما أن تفتح حنان الباب حتى تبادره بالسؤال ، محمد ومحمود وسارة وليلى يبكون وينتظرون تحقيق الأمنيات والأحلام ؟ .
يصمت برهة من الزمن ويغض الطرف عن سماع المزيد فتلحقه بسؤال هل اعد لك طعام فيرد عليها " ما ليش نفس "
فجأة تأتى الكهرباء " فيصيح من في الحارة بالتكبير والتهليل والأطفال وكأنه يوم عيد " الجميع يهرع لأخذ نصيبه من الكهرباء العزيزة والتي لا تزور منازلنا إلا سويعات معدودة " الكهرباء في علب العرايس " ينهض من فراشه قاصدا التلفاز وما أخر الأخبار والمستجدات فلا يجد ما يسره ، تخبره زوجته بان يشاهد مسرحيه أو مسلسل عله يخرج من حالة الضيق التي تنتابه فيرد عليها " ما ليش نفس "
يترك الجهاز فيتسارع الصغار لمشاهدة ما يحلو لهم حيث طيور الجنة والأناشيد التي ترنو لهم ، لا يعرفون ما حالهم ، ينظر إليهم ويربت على رؤوسهم ، ويخرج ليجلس على باب الدار ، ولكن تبقى الهموم هموم وتبقى الجيوب فارغة بإصرار ، مد يديه على وجهه فيتذكر كيف منظره كان ،وكيف صار ، فلا يملك ما يعطيه للحلاق الختيار ، وان وجد قليلها يقول لدى صغار ، سابقي على قائمة الانتظار ، ليس بالضروري أن أكون كهيئة مختار ، يبقى ينظر من حوله ،ينتظر الفرج القريب ، ليعلن الفرار من حياة أشبه بالأموات فلا حياة نعيشها نحن وسط الحصار .
كل من يعيش حولك كل من يحدثك ، كل ما تشاهده كل ما تسمع عنه يزيدك حزنا وجرحا يزداد عمقاً على مر العصور والازمان .
وبعد كل هالحكى إلى حكيته ماليش نفس احكي .