أيها ، المُنتهك حُرمات الآخرين، المتدخّل في شؤونهم، المُتعدّي على حدودهم، المتسلّق على أسوار أسرارهم كلصّ، المتقصّي عمّا يجول في بيوتهم وعقولهم، اللاهث خلف أبوابهم وأخبارهم، السّائل لهم بلا ذرّة حياء عن تفاصيل تخصهم وحدهم، السّاعي حثيثًا في إفشائها، المستؤنس بها كفاكهة مجلس، اللا مبالي بتقلب الوجوه خجلًا واللا شاعر بتلعثم الألسن ألا تجد سترًا تغطي بهِ ما كشفت أنت.

أيها المتفشي بيننا كداء! وقاحتك أوسع من أن أحصرها في نصّ، لذا هلا استقطعت لي من وقتك المحشوّ باللغو؟ يجول في عقلي لك كثيرٌ من التساؤلات..

هل تعلم حكم ما تفعله شرعًا؟ ، يعني ألم تقرأ قوله تعالى "ولا تجسسوا ولا يغتب"، أم هل يسرّك وصفك بـ" هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ "؟ ، أم لم تفهم قول رسولنا " المسلم من سلم المسلمون من لسانه" و"فأخذ صلى الله عليه وسلم بلسانه وقال‏:‏ ‏"‏كف عليك هذا"؟ ، أم لم تسمع قول الغزالي عن إفشاء السر: "هو منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف وهو من قبيل اللؤم إن لم يكن فيه إضرار"

هل أنت فارغٌ من كلّ شيء، حتى من نفسك؟ أعني هل حياتك كلها لا يوجد فيها أي شيء آخر لتقوم به؟ هل أنت أجوف حتى أنك لا تجد حديثًا تلوكه إلا أسرار الناس؟ هل أنت تائه عن إيجاد نفسك حتى تسألها سؤالًا واحدًا.. "ما شأنكِ"؟

هل تعرف قدرك عند الناس؟ هل أنت فقير بصيرة عن أن من تتحدث معهم في فلان اليوم سيتحدثون فيك غدًا؟ هل أنت غبي عن إدراك أنهم يصلون من خلالك عن إجابات لتساؤلاتهم بينما يخبئون عنك كل شيء.. لأنك "النمام"؟

هل استشعرت ولو مرة كم أقضضت من مضجع، وكم أدمعت من عين، وكم أسهدت من جفن، وكم أوجعت من قلب، وربما كم خرب بيت، وتفرق شمل، وضاعت سمعة، وانكشف ستر بسببك؟

الله سبحانه خلق لك هذا العقل لأغراض عديدة، ليس من ضمنها البحث في خبايا البرايا، لم عطلتها كلها وانشغلت بهم؟

أما كان أجدر أن تُشغل بك! صدقني لو نظرت لنفسك لما رفعت طرفك إلى غيرك انشغالًا به، لوجدت فيك ما يُغنيك عن عيوب الناس أجمع.

لو تعلمت من الأخلاق مبادئها.. مبادئها فقط! لتعلمت عدم التدخل في شؤون الآخرين، ولو كان فيك من الحكمة الشيء اليسير لعِشت بِـ "أمسك عليك لسانك"

هل فكرت في لحظة تتمنى أن يقضى حسابك على كم كلمة ستُحاسب؟ وفي أن حق الله يغفره إن شاء، لكن حق الناس باق، فكم حسنة ستذهب وكم خطيئة ستكتب؟

أنت تقول وتنسى، واللهُ لا ينسى!



*أعلم أننا لا نسلم من هذا الذنب أحيانًا وأستغفر الله لذلك، لكني أعني هنا من يتخذه شرعةً ومنهاجًا.