تتعد أشكال الاستغلال، والمستغل واحد، وطبقا لمجموعة من المتغيرات التي تواجه حياتنا اليومية على مستوى بنياته الاقتصادية والسوسيو-ثقافية والسياسية، أصبح لزوما علينا، تحليل الواقع تحليلا علميا، وفهم واستيعاب مجرى التاريخ بطريقة دياليكتيكية، حينها سنفهم مايقع في المغرب أو في المنطقة عموما، وذلك لكون تاريخ البشرية تاريخ واحد، وصراع الانسان صراع طبقي بالدرجة الأولى، بين من يملك ومن لا يملك.
وعند الرجوع الى التاريخ وتحليله، سيتبين لنا، أن الدول الامبريالية بقيادة أمريكا التي تسعى الى تنصيب قطبية أحادية لا شريك لها في ذلك، تسعى دائما لتنصيب الرأسمالية بديلا تاريخيا في جميع الدول، حيث ادعت بأنها فعلا تملك الحل السحري، وذلك عن طريق بسط مجموعة من الشعارات الرنانة المتغزلة بكلمات كالديمقراطية والحرية والكرامة للجميع، انطلاقا من الاقرار باقتصاد السوق وخوصصته، وجلب الاستثمارات الأجنبية، لتفعيل وتخليق نظام اقتصادي واحد لايعرف سبيلا للتناقض بين كافة مكونات المجتمع، ولكن الأمر سرعان ما انكشف اذ نلاحظ أن الامبريالية الصهيونية أقْبَلت و تَقبَل على تدمير كل من يتسابق معها في تدعيم وصيانة وحداته الاقتصادية والسياسية، ويتضح ذلك جليا في محاولة هيمنتها وفي صراعها المحموم على أسواق المال والسلاح والطاقة، مما يسبب حالة من الهلع والتوتر الدائم وعدم الاستقرار في العالاقات الدولية، والاقتصادية، وهذا هو التوجه العام للإمبريالية بثوبها الرأسمالي العالمي، اذ تسعى الى بسط هيمنتها المطلقة والوحيدة على العالم ككل، معتمدتا في ذلك على سياسات تكنوقراطية أوليغارشية للتحكم في الدول والشعوب لنسف ثرواتها وأحلامها واخضاعها، وقد فصلها المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي الى عشر استراتيجيات، وهي استارتيجية الإلهاء وابتكار المشاكل، واستارتيجية التدرج، استارتيجية المؤجل، ومخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار، استثارة العاطفة بدل الفكر، إبقاء الشعوب في حالة جهل وحماقة، وتشجيع الشعب على استحسان الرّداءة بالاضافة الى تعويض التمرد بالإحساس بالذنب ومعرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم، بالإضافة الى تسخير البروباغاندا الاعلامية لتلميع صورها.
ولا نقاش في أن الامبريالية الصهيونية تتمتع بكامل الحرية للتعبير على توجهاتها التي تؤدي الى مزيد من الكوارث الكونية، في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية، وذلك لإشباع الغليل اللا متناهي للرأسمالية في الربح، تحت لواء وغطاء مجلس الأمن الدولي التابع للولايات المتحدة الأمريكية، الذي يبيح للقوى الإمبريالية الغاصبة، حق التدخل العسكري العنيف والاستعماري في أي مكان على وجه الأرض، بداعي الحفاظ على السلم المزعوم، وتسخيرها لسياسة ( جوع كلبك اتبعك ) المتمثلة في نظام صندوق النقد الدولي، الذي لا يشكل الا ألغاما اقتصادية، لإستعباد وتركيع الشعوب والتحكم فيهم.
أما النتيجة فهي واضحة وضوح الشمس في قارعة النهار، أوضاع متناقضة وعصيبة نمر بها، والحال أن واقعنا يعرف تدهورا وانزلاقا خطيرا، أصبح فيه البعض منا يلتجئ إلى بيع أحشائه البشرية بحثا عن لقمة عيش، ناهيك عن استغلال الأطفال وتنامي البؤس والفقر في المغرب وفي غيره من دول العالم الثالث، ناهيك عن تخريب الموارد البشرية الطبيعية وتنامي الحروب والصراعات الطائفية والعرقية، أما الدعارة والتجارة في المخدرات فهي جزء لا يتجزأ من الإنتاج الرأسمالي بكل بساطة في محاولة بحثه عن الربح السريع، وبالتالي نخلص لفكرة واحدة مفادها، أن العصر الحالي هو عصر الهيمنة المطلقة والوحشية للإمبريالية على حساب تاريخ وحاضر ومستقبل الجماهير الكادحة.