لم يكن لي حظ السندريلا حين كافأها القدر على صبرها، بأن التقط الأمير فردة حذائها الفريد، ليكون الوصول إلى قلبها وبيتها عبر فردة حذاء! حظي عاثر جدا، فقد وجدت نفسي في زمن تشابهت فيه الأحذية إلى الحد الذي سيجعل أي أمير يخطئ بمقاس حذائي ولونه وشكله وحتّى مكان وقوعه. لذلك اخترت ألا أكون نسخة عنها، وفضلت أن تكون نسختي أصلية بدل كلّ تلك النسخ العابرة المتداولة.
في زمن الأحذية المتشابهة، والوجوه المتلونة، والأفكار المتحجرة، في زمن الأشياء التي ترى بعين واحدة، اكتشفت أني قد أضعت كلّ طفولتي في تصديق قصة السندريلا، فسندريلا هذا الزمن، على الأقل كما أراها، هي هذه التي تجلس بحب إلى كتاب، من ترفع خصلة شعرها لترى جيداً ما تقرؤه، هذه التي استوطنت الكلمات رأسها، وعلقت النظارة المائلة بزاوية عينيها، هذه التي تفكر وتقرر وتحلم وتطمح وتنجح.
تراكمت حولها الاستفهامات، لأنها لم تعد نموذجاً مطابقاً للصورة النمطية التي رسمها أحدهم ذات عصر، وسار بعده كل الناس على ذات الصورة، امرأة برائحة البصل وصابون الثياب وزيت الأطفال، بفرشاة الغبار التي تلازم يدها طوال النهار، امرأة تسكن المطبخ، لأنهم لا يرون فيها إلا طاهية ومربية أطفال وخادمة جيدة لبقية العمر، عدا عن كونها جارية مطيعة آخر الليل.
حين مر الكثير من الزمن، وتكومت كل تلك التصورات التي أسسها مجتمع متناقض، وجعلوا منها ميثاقا مقدسا، يحاسب بالحديد والنار من يخرج عنه، خرجت من العتمة قبسة من نور، امرأة نفضت غبارهم عنها، تحدت مواثيقهم، وأخرجت يديها لأول مرة من نافدة المطبخ، صار لها أفق أوسع من طاولة الأكل، وأحلام أكبر من ترتيب مناديل الطعام، صار لها كون من الأحلام بانتظارها، بمقاس يتسع لهذا العالم الذي يسكن أفكارها.
هذه الموؤودة في الجاهلية تحت التراب، وفي العصر الحديث وؤدوها تحت سقف، لا ترى منه إلا ما يرى ولاة أمرها، ولا تسمع غير صدى أصواتهم، هي لها صوتٌ أيضا، اتضح جليا أنها تملك أيضا وجهات نظر، ولها الكثير مما تستطيع أن تقدمه خارج أسوار معتقل القبيلة.
هي الناضجة فكراً، الحالمة أملاً، هي الفكرة الأولى لمعنى الثورة الأزلي، هي بذرة الحب التي يجب أن يراها العالم بصورتها الحقيقية، وبصوتها الأصيل غير المحرف.
إنها الوجه الجميل للحياة، هذي التي تقرأ وتعمل وتسافر وتبدع وتنظف وتطبخ وتنجب وتربي، هي الكائن القادر على نشر المحبة والفرح والحياة في كلّ زمان ومكان، هي منبع النور الوحيد الذي لا يجب أن ينضب يوماً.
لا تقتلوا بهجتهن، لا تصادروا أحلامهن، لا ترسموا لهن سلفا خط الحياة الأوحد الذي تعرفون، دعوهن يمشين إلى أقدارهن بأقدام ثابتة، بأحلام كاملة، وبإدراك تام بأنهن قادرات على الحياة والنجاح دون أن يكون لوصي الحق بتعديل مسار حياتهن.
هي أجمل حين تكون نفسها، حين تختار بذاتها، هي أجمل حين تكون امرأة كاملة بدون سطوة رجل.