الخامس والعشرون من الشهر التاسع من العام المنصرم ، هُمام مستلقى على فراشه من اثر المرض ، وينتظر حتى تخف حرارته لعل وعسى ان يذهب للعمل ، وبالرغم من إعطاءه اجازة لمدة ٣ ايام من قبل المستشفى الا انه كره المرض ، او بالأصح كره البقاء في المنزل.عند حلول الساعة السابعة صباحا ادرك انه لن يستطيع الذهاب الى العمل وكان يعلم ذلك جيداً رغم اقتناعه انها ليست خبرة طبيب بقدر ما هي قناعة عقل، كتب رسالة الى زملاءه في العمل ليخبرهم عن عدم قدومه :

شباب صباح الخير، اعتقد اني لن استطيع الحضور اليوم ايضا يومكم سعيد  :).

بعد دقائق او ربما ساعات لاختلاف شعورنا بالوقت، وجد هُمام نفسه في سيارة يقودها في طريق كأنه يعرفه ، مازال يفكر في ذلك الطريق الذي لا يعرف الى أين يأخذه حتى توقفت السيارة امام مقر عمله، ودون اي استغراب اخذ هُمام شنطته وخرج من سيارته ودخل الى المكتب ليجد زملاؤه يتوتوتون في امر ما، تجاهل هُمام امرهم ومضى الى مكتبه مباشرة لعلمه نهاية مايتناقشون فيه -او ربما تذكر المثل القائل خبر اليوم بفلوس بكرة ببلاش- وبعد تفرق الجمع من حول زميله ماهر.

هُمام : تجتمعوا عند النبي.

ماهر : مبتسماً لا يروح فكرك بعيد كنّا نتكلم في موضوع زواجي

هُمام :  ، ممتاز ايش طلع معكم بعد النقاش ؟

ماهر : ان شاء الله اليوم حيجتمع الشباب عندي يساعدوني في الترتيب واحتمال عيال عمي يجو.

هُمام : يعني موعدنا بعد الدوام. 

انتهى يوم العمل مع حلول الخامسة عصراً ، وبعد الساعة ٦ مساء ًانطلق هُمام الى منزل صديقه الذي استقبله فور وصول ليأخذ بيده ويريه قطعته الساحرة ، صالة كصالات عرض الأثاث الضخمة على شكل حرف L ، يجري العمل فيها كخلية نحل ، هناك من يدهن وهنا من يحمل كرسي ليضعه في المنتصف وعلى يسار الصالة يوجد غرف أولاها مملوؤة بحقائب السفر ، وبعد مرور بعض الدقائق يلاحظ هُمام وجود بعض الأشخاص داخل الغرفة الثانية، لفتت نظره تلك الفتاة صاحبة الشعر الذهبي والبشرة البيضاء تلبس عباءة بلا غطاء وتمسك بيدها حقيبة سفر وهي تستمع الى ذلك المتحدث في المنتصف. تاه قليلا ليعود مسرعاً الى وعيه حتى لا يقع في المتاعب وإذا بالحائط من يمينه يتغير من اللون الأسود الى الأحمر والشمس تضرب اشعتها في وجهه من خلال النافذة الكبيرة أمامه.

وكأنه مشهد سينمائي يتغير فيه المكان فجأة ليجد هُمام نفسه عند تقاطع الطرق وصورة صاحب الفخامة أمامه وكأنه يضرب تحيةً عسكرية لحضرة جنابه ، يبتسم هُمام ليكمل طريقه مشياً على الأقدام في هذه المدينة الرمادية وكأنه ذاهب الى منزل أهله.

هناك الصورة بلا صوة تراه وهو يتحدث الى والدته ويلاعب اخوته ويجلس بجوار ابيه ويضحك، وفجأة تراه يجهز حقائبه ويقف في الصالة ليلقي التحية على الجميع.

الأم : بدري يا حبيبي. 

هُمام:  حبيبتي بدري من عمرك .

الأم : طيب خذ هذا الكيس معك حطتلكم شوية أغراض تتسلوا فيها. 

هُمام ! : يسلمو هالايادي ، السلام عليكم.

هُمام بعد مسافة ليست بالطويلة يتذكر ذلك المنعطف جيداً لينطلق منه الى بيته .

يبدو ان الرحيل – او التجهيز له – هو علامة فارقة في هذه الحياة وطبيعة من طبائع البشر ، فبالرغم من وصول هُمام الى البيت قبل سويعات الا انني أراه قد استعد بشنطة سفر اكبر من سابقتها ….الي أين ؟

يخرج من منزله و يغلق الباب من خلفه ويمضي بخطواته نزولا من الدرج وكأنني اتباعه في بثٍ حيٍ مباشر.

ينتقل المشهد الي صالة انتظار ، تشبه صالات انتظار المطارات ارى هُمام السعيد و جلوسه في صالة الانتظار و التي ترى من خلالها السماء والسحاب وبعض المركبات الغريبة التى تتصل بهذه الصالات وهي معلقة في الجو من خلال جسور أسطوانية ، أينما نظرت لا وجود لليابسة. 

يجلس هُمام ومن حوله جمعٌ غفير من الناس والأصوات ترتفع ، وهناك موظفوا الخدمة الذين يبدون كالبشر، رجل اسمر البشرة ذا لباس متواضع جداً، يخرج من خلف البوابات بين الفينة والأخري لتفقد الصاله ……تقع عيناه على عيني هُمام وكأنه يقرأ استغرابه مما يحدث ثم يدير وجهه عائداً الى الداخل.

يصيح احدهم منادياً احد رجالات الخدمة : لو سمحت لو سمحت ، ودون اجابة

يكمل حديثه قائلا: لنا وقت طويل هنا وتقولون أنكم في خدمة البشر ولكن دون اجابة.

هُمام : ايش المشكلة يا اخ ؟ 

الرجل: يا اخي انخنقت 

هُمام : طيب وايش المطلوب ؟

الرجل : كافيين

هُمام : هههههههههههه  

رجل : الخدمة: مبتسماً اعتذر لا استطيع خدمتك حالياً.

وأثناء الحديث ، وعلى الجانب الخلفي من الصالة يلمح هُمام رجل يلتم حوله الناس يقوم بتوزيع بطاقات عليهم .

اتجه هُمام ناحيته تراكاً الرجل يكمل محادثته مع رجل الخدمة، ووقف امام ذلك الرجل الذي يقوم بتوزيع البطاقات على الناس ، كل بطاقة تحمل اسما غريبًا.

الرجل: انت هناك اختر بطاقة.

هُمام يقلب البطائق : اعتذر ولكن اسمي غير موجود.

الرجل : يجب ان تختار من المتاح. الاسماء هناك تختلف.

هُمام : هناك !  

احد الواقفين: ياخي خلصنا وخذ اي اسم مين يصحله يغير اسمه ويصير خواجة؟

هُمام : مبتسما ، ياخي انا حاب اسمي العربي وحابب هويتي.

الرجل ممسكاً بجميع البطائق : أمسك وابحث عن ألأسم المناسب.

هُمام يقلب في البطاقات حتى وجد اخيراً اسماً عربياً ” الأسم احمد” اخذ هُمام بطاقته الجديدة وعاد مسرعاً ليركب سيارته هذه المرة والى جهة اعرفها ولأول مرة الى حٓيه الذي يسكن فيه يبدو عليه الدهشة والأستغراب ، يمسك جواله وكأنه يفكر في شخص ليتصل به .

يقوم بأجراء مكالمة من هاتفه النقال ليتصل على ابيه … يرن الهاتف ….يرد الاب وتظهر صورته على شاشة السيارة،

هُمام : السلام عليكم.

الأب : وعليكم السلام 

هُمام : ايش اللي قاعد يصير !!؟

الأب : القيامة يا ولدي.

هُمام : لا ، القيامة ماهي بالشكل هذا.

الاب :  مو لازم تكون مثل ما علمناك اياها حرفياً يا ولدي الأخبار ليست تفصيلية كما يدور في خيالنا…

الأب مكملاً حديثه : تتذكر الرجل الأسمر صاحب اللباس المتواضع .

الأبن : ايوة ، من هو ؟

الأب : هذا هو ملك الموت ، ينقل الناس من الدنيا الى الأخرة.

يستمر الاب في الشرح لهمام عن فهمه للموضوع عن كيفية سير الأمور وعن انه يجب ان يقوم بتجهيز نفسه للأنتقال ، اطمأنت نفس هُمام وعاد الي بيته وأخذ بتجهيز اغراضه وحملها الى سيارته ليعود الى ذات المكان. 

وهو يعبر شوارع حييه يرى الفراغ الذي يغطى المدينة.......صدفة يجد جاره القديم يمشى في شارع من شوارع مدينته القديمة فيتوقف وينزل من سيارته ، ليسلما على بعضهما البعض وكما هي العادة عندما ترى شخصاً لم تره منذ فترة.

هُمام : كيف حالك ؟ كيف حال الأهل والأخوان ؟

الجار: الحمدلله انت كيفك ؟ وكيف حال الوالد ؟

هُمام : نشكر رب العالمين. بس وين الناس؟!

الجار : اغلب الناس مشوا ، ما بقى الا كم شخص في المنطقة وخلال يومين حتلاقي المنطقة فاضية تماماً.

هُمام : يلاّ مسهلة مكتوب علينا ننتقل ونتفرق ونجتمع… .

وخلال الحديث يلمح مسجداً نهاية الشارع فتخبره نفسه ان يتجه اليه عسى ان يكون له نصيب من الخير.

يودع جاره ويقفل سيارته ويتجه الى المسجد ، وعندما يقترب من المسجد ، يرى جمعا غفيراً من الناس يملؤون ساحات المسجد ، وينظر الى منطقة الوضوء فيجدها مزدحمة ، وبالرغم من ذلك يتجه الى المواضئ ويتوضأ.

يعود بعد وضوؤه ليدخل الى المسجد فيجد ان الصفوف وصلت الى