المجتمع و رمضان
فرض الله الصيام في شهر رمضان في المدينة بعد الهجرة، - كمعظم شرائع الإسلام -
فقد كان العهد المكي عهد تأسيس العقائد، وترسيخ أصول التوحيد ودعائم القيم الإيمانية، والأخلاقية، في العقول والقلوب، وتطهيرها من رواسب الجاهلية في العقيدة والفكر والخلق والسلوك.
أما بعد الهجرة، فقد أصبح للمسلمين كيان وجماعة متميزة، تُنَادى بـ: (يا أيها الذين آمنوا) فشرعت عندئذ الفرائض، وحدت الحدود، وفصلت الأحكام، ومنها: الصيام.
ولم يشرع في مكة إلا الصلوات الخمس، لِمَا لها من أهمية خاصة، وكان ذلك في ليلة الإسراء، في السنة العاشرة من البعثة على الأشهر.
وبعد ذلك بخمس سنوات أو أكثر فرض الصيام، أي في السنة الثانية من الهجرة وهي السنة التي فرض فيها الجهاد فقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانيات قبل أن يتوفى .
(لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها، وشهواتها، من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج) (زاد المعاد -30/2 طـ. مؤسسة الرسالة، بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط).
و من جانب آخر، فرض الله الصيام شهرًا قمريًا، و ذلك لجملة من الأحكام و الأسباب، نذكر منها:
1- أن توقيت المسلمين كله بالأشهر القمرية، كما في حول الزكاة، والحج، وعِدَد النساء، وغيرها، قال تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (البقرة :189).
2- أن توقيت المسلمين بالأشهر القمرية، توقيت طبيعي، تدل عليه علامة طبيعية هي ظهور الهلال.
3- أن الشهر القمري يتنقل بين فصول العام، فتارة يكون في الشتاء، وطورًا يكون في الصيف، وكذا في الربيع والخريف، فمرة يأتي في أيام البرد، وأخرى في شدة القيظ، وثالثة في أيام الاعتدال، وتطول أيامه حينًا، وتقصر حينًا، وتعتدل حينًا.
وبذلك يتاح للمسلم ممارسة الصوم في البرد والحر، وفي طوال الأيام وقصارها.
وفي هذا توازن واعتدال من ناحية، وإثبات عملي لطاعة المسلم لربه وقيامه بواجب العبادة له في كل حين، وفي كل حال.
والشهر القمري لا ينقص عن 29 يومًا، ولا يزيد عن 30 يومًا، ثبت ذلك بنصوص الشرع، كما ثبت باستقراء الواقع.... (منقول)