ليس من الهيّن على من يملك القدرة على انتقاء أفضل الكلمات ليضعها في مكانها الذي يليق بها وصياغة الجُمل بأحسن ما تكون عندما يرغب في الإفصاح عما يدور في مكنون قلبه عن "الأم".

وما ذلك إلا لأن الأم تتجاوز الوصف عبر كلمة أو جملة أو حتى مقال أو كتاب، لأنها ولأننا لا نملك إلا لغة الحرف رغماً عن ذلك للتعبير وإيصال المعنى فهي جُملة من الأحاسيس والمشاعر تُمثل الشريحة الأكبر من أحاسيس ومشاعر الانسان.

كيف لا تكون ذلك وهي "وصية الثلاث" التي أوصانا بها نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم في مشهد نفيس من الإعادة والتكرار يحثنا وينصحنا عليها لِعظم ما تمثله الأم في دواخل نفس الانسان أياً كان هذا الانسان بسيطاً أو ملكاً صالحاً أو طالحاً متواضعاً أو مغروراً وحتى لو كان ديكتاتوراً.

أكتب اليوم في ثاني أيام العزاء على وفاة أمي وأنا المُثقل بحزن عميق حتى مماتي على فراقها وهل أدع الحديث عنها وقد كان لي رحلة مع القلم في مقالات عديدة في عِدة مجالات وكتابين على رفوف المكتبات!.. بئس ذلك إن فعلت وبئس ذلك إن كُنت.

لأمي التي فارقتنا في صبيحة الثالث من شهر رمضان المبارك لا أقول في البداية إلا تأسياً بحديث نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ( وأنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ).. وإنا بفراقك يا أمي لمحزونون.

ليس حديثي اليوم عنها إلا رسالةً لها أبعثها لها..

كُنتِ يا حبيبة القلب ومهجة العين ودواء الروح أماً عظيمة، احتضنتِ ثلاثتنا ونحن صغار وأنتِ على كِبر بعد وفاة أُمنا قبل ما يقرب من الثلاثة عقود وربيتينا وأنتِ على كِبر وزوجتينا وأنتِ على كِبر ورزقكِ الله رؤية أبناءنا وأنتِ على كِبر ودفناكِ ونحن كبار فما أقسى ذلك لكن هي سُنة الله ومشيئته ومقاديره نؤمن بها ونحن على يقين بأمر الله عز وجل مُسلمين ومستسلمين لأمره جل في عُلاه.

لا أملك وصفاً يصفكِ ولا حديثاً يختزل كُلكِ لأحكي لكِ وعنكِ وأنتِ حيث أنتِ تمثلين الحُب والحنو والعطف والعطاء اللا محدود لنا، لا يُسعفني الموقف إلا أن أقول أنه لم يُرهقكِ سِناً وأنتِ تسهرين علينا وتتابعين أدق تفاصيلنا ولم يتسلل إليكِ اليأس وأنتِ تقومين بتربيتنا تربيةً حسنة تُماثل تربيتكِ لأعمامنا وعماتنا من قبلنا حتى بات ثلاثتنا في أعماق قلبكِ أغلى منهم وقد صدق من قال "ما أغلى من الولد إلا ولد الولد".

أماه..

إن من عظيم حُسن الجزاء أن يكون لكِ منا أقل فِعلٍ نفعله الدعاء وإنا إن شاء الله وبعونه وحوله وقوته غير مقصرين في ذلك مدى العُمر

فجزاكِ الله عنا خير الجزاء

فجزاكِ الله عنا خير الجزاء

فجزاكِ الله عنا خير الجزاء

وإننا والله لم يُعيننا على مرارة فراقك إلا أن الله عز وجل والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً عدد ما حمده الحامدون وحمداً كثيراً عدد ما نسيه الحامدون.. توفاكِ في هذا الشهر الفضيل وأي خاتمة أحسن منها، أدعو الله عز في عُلاه أن يجمعكِ في الفردوس الأعلى من الجنة يا أمي مع أمي وأنتم ممن وصفهم رب العزة والجلالة في مُحكم التنزيل ( على سُررٍ موضونة متكئين عليها متقابلين ) إنه على ذلك قدير.


اللهم إني أُشهدك وأُشهد خلقك أنها أحسنت إلينا أحسن الجزاء فأحسن إليها واجزها عنا خير الجزاء بما تشاء وأدخلها الفردوس الأعلى من الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين.

وداعاً يا أماه ولنا لقاء إذا شاء الله في جنته والحمد لله على كُلِ أمرٍ كتبه الله.


#عارف_الحيسوني