من اقوال الكاتب   جلال عامر    :  (( إذا أردت أن تضيع شعبا أشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين ثم غيب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد  بالدين بالرياضة )) .

نعم ان اردت تدمير شعب ما ؛ انهكه بالأزمات وتوالي الحوادث والانتكاسات ؛ واخلط الاوراق واجَعَلْ  عَالِيَهَا سَافِلَهَا  , واشغله بالشعارات السياسية الكاذبة  والفعاليات الثقافية السطحية والطقوس الدينية الطوباوية والاعلام  الهابط  ... ؛ وتعتبر هذه الاستراتيجيات السلبية  من الاجراءات التقليدية المتبعة من قبل قوى الاحتلال والاستعمار والاستكبار وأذنابهم من الحكام العملاء بحق الشعوب  والامم المقهورة والمحتلة والمظلومة والتي تعيش في نير الاحتلال والنفوذ الاجنبي وتحت ظل الحكومات الدكتاتورية والعميلة الخائنة  ؛ ومنها امتي العراقية وبلادي المبتلية بكل أسقام الدنيا .

فمنذ تشكيل اول حكومة عميلة غريبة منكوسة ظالمة  وبرعاية  اجنبية بريطانية خبيثة  غاشمة عام 1921 والى هذه اللحظة ؛ تم اشغال العراقيين والهاء المواطنين بكل ما هو منحطّ ومبتذل وسيء وسلبي وسوداوي وطوباوي ,  وارباك  العقل  العراقي الجمعي وحشوه بكل ما هو ضار ومنكوس ومكذوب ومدلس وتافه وسطحي ؛  مما يسبب لهذه الرؤوس المنهكة أصلا من كل انواع الصداع الكلي والنصفي تغييب الوعي و فقدان التحليل المنطقي والتفكير العلمي والتركيز  والرؤية المثلى . 

و قد عملت وسائل الاعلام  المنكوسة  التافهة -  بل ولا زالت تعمل - و المرهونة بيد  قوى الاستعمار والاستكبار والسلطات المحلية العميلة  الاكثر تفاهةً منها دورا في تصدّع العقل العراقي  وتغييبه عن الوعي الفعال ,  واختيار بديل من المعلوماتية المريضة والقشرية  التي لا فائدة منها ؛  فلا هي  تُغني عقلا ولا تسمن جسدا ولا تحدث فرقا وتطورا ,  بل قد تشكل ضررا جسيما في العقل الجمعي والفردي على السواء .

كان البعث عندنا في عراق المآسي اول مجيئه للسلطة اواخر الستينات من القرن الماضي قد ابتكر وسائل عديدة لأحداث صداع في رؤوسنا وبثّ الخوف فينا رعبا لا يهدأ حينما اختلق قصة " أبو طبر " هذا الجزّار البشريّ الذي صنعه المنظّرون البعثيون وجعلونا في فزعٍ دائم في كل خطوة  نخطوها  وايّ وقت ترتجف اجسادنا هلعا منه وبالأخص اوقات الليالي الكدرة حتى رافقنا في أحلامنا وحلّ ضيفا ثقيلا في كوابيسنا ، وحالما خفت شبح  الفرانكشتاين العراقي ابو طبر  ؛  عادوا في سنوات السبعينات ليرعبوا الشباب العراقي فتيانا وفتيات بالملاحقة ويراقبوا ما يلبسون وما ينتقون من قصّات شعر طويلة كانت سائدة وقتذاك ووصل الامر الى صبغ سيقان البنات لابسات الميني جوب بالدِّهان عقابا لهنّ وتشويه قوامهنّ ، وقصّ شعر الشباب امام المارة تنكيلا وتشفّيا بهم ، ثم تبعتها وسيلة اخرى لخلق المشاكل وتدويرها لصالح السلطة فاغلقوا الحانات والنوادي الاجتماعية باعتبارها -- وفق منظورهم – مرتعا لشاربي الخمور عملا بتوجيهات القائد الضرورة حينما سمّى نفسه عبد الله المؤمن واعلن بدء " الحملة الايمانية " لأشغال الناس وتصديع رؤوسهم بابتكاراته ذات الاهداف والمرامي الخبيثة كي ينسى الشعب همومه الرئيسية الكبرى ويشغله ويُلهي عقله ونفسه ليفكّر بالسفاسف والترهات والتفاهات ويجعلها من اولويات اهتماماته ، ناهيك عن اختلاق ازمات متعددة قصدا كإخفاء السلع الرئيسية من الاسواق عن عمد لحصر تفكير المواطن في امور جانبية وينسى همومه الرئيسية في نيل حريته واستلاب وطنه وإغفال حقوقه كمواطن وتكميم أفواه الناس كي لا يطالبوا بها. 

هكذا يتمّ السيطرة على الشعوب ولَيّ ذراعها وحشو الادمغة بما يصدّع الرؤوس ويُرخي النفوس ويُقضي على التمرد والعصيان والثورة.

نفس الحال ونفس الاساليب تجري الان وكأنّ اساليب البعث طوّعت مرّة اخرى وتكفّل بتنشيطها وإعادة تدوير نفاياتها من قبل حكّامنا الامّعات ولكن بأيدي عقول متأسلمة تذعن لما يوجّه الشيخ المعمم وسيّد القبيلة وغيرهما وهم كثرة كاثرة من ضيقي الافق وقليلي الخبرة والمران في قيادة الشعب وتدبير أحواله وتوجيهها نحو الأفضل. (1)

...................................................................

  • كيف يتمّ إشغال الشعوب وتطويعها بالتفاهات؟ / جواد غلوم / بتصرف .