عندما نكتب عن مظاهر وشواهد الفساد الخلقي لبعض أبناء المسلمين ، يجب ألا نفصل ذلك عن البيئة التي كانت بطبيعتها وخصائصها وظروفها تمهد لهم الطريق وتيسر لهم السبل لتجاوز الخطوط الحمراء لأخلاق المجتمع وقيمه .
صحيح أن لكل قاعدةٍ شواذ إذ أن هناك العديد من الأفراد من عاش في الشوك لكنه كان زهرةً لمجتمعه ، إلا أن هذا الشذوذ يؤكد قاعدة "إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " ، ومع ذلك فلا حجة ولا عذر لمن عرف الفرق بين الزهر والشوك فمضى على أخطاء سلفه ، كشاب نشأ على السرقة وجعلها عادةً له لتشجيع والده الخاطئ له في صغره ، عند ذلك لا نقبل منه عدم استطاعته مفارقة الحرام لتعوده عليه .
عند غياب الأفق وانعدام الهدف لدى البعض ، لا نتوقع منهم أكثر مما رسموه لأنفسهم إما بجهل وتجاهل منهم ، أو لضعف وخوار أمام طغيان المادية ومكر أهل الشهوات المتصاعد والمستمر ، أقول ذلك عندما نرى الإهمال الواضح لكثير من أبناء المسلمين من قبل آباءهم بطريقة تحير العقول وتؤلم القلوب لجيل المستقبل وعماد الأمة ، خاصة مع التطور الرهيب في وسائل الت
حلقة تساقط الأجيال هذه -إن صح التعبير – تتجلى مظاهرها وآثارها على المدى القريب والبعيد ، عندما تكون ثمرة الأسرة (الأبناء ) غير يانعة بل حامضة في كثير من الأحيان ، فينشأ عند ذلك وفي غياب التأثير والإصلاح المنتظر من نخبة الأمة جيل يمارس نفس أخطاء سابقه لدوران الحلقة دون أن تُكسر ، ونحن نحاول هنا وضع اليد على الجرح ثم وصفه وبيان مسببات حدوثه لنتدارك الأمر قبل أن نصل لمرحلة لا نستطيع فعل شيء فيها .
إن تعريض الأبناء للفساد الخلقي بطرق مباشرة وغير مباشرة ، وذلك من خلال ارتكاب الآباء للعديد من الأخطاء والإهمال لفلذات الأكباد وثمرات الأعمار ، يساهم بشكل قوي في تدني أخلاق الجيل وانحطاطها ، وهو مؤشرٌ خطيرٌ لمستقبل الأمة التي يعوَّل عليه الكثير أكثر من سابقه .
وللإنصاف فهذا الجيل قد جاء على ثورةٍ في الاتصالات والتقنية تعددت مظاهرها وشررها لتضيف هموماً كبيرة وعقباتٍ كئود تجاه الآباء والأمهات خاصة وجهات التعليم والتوجيه عامة .
وفيما يلي أناقش أهم الأسباب والمسببات التي ساهمت وتساهم في بروز الفساد الخلقي وزيادة مساحته ؛ أذكرها حسب الأهمية والتأثير :
•التقصير في بث روح التدين ومظاهر الالتزام و جمال الاستقامة في البيوت المسلمة ، والتراخي في تعليم الأبناء فرائض دينهم وبيان الحلال والحرام ، مما ساهم ذلك في ضعف الوازع الديني والخوف من الله لدى الأبناء ، ثم نفاجأ بوقوعهم في أخطاء فادحة تسيء لهم ولنا وتضعهم في طريق الانحراف ، ولنا أن نسأل على سبيل المثال كم من البيوت يجلس فيها الوالد مع أبناءه يقرأ معهم كتاب الله ويتدارس توجيهاته وأوامره ونواهيه معهم وربط ذلك بمحبة الله ورضوانه والخوف من أليم عقابه .
•غياب الثقافة التربوية والقاعدة المتينة لبناء الأجيال لدى الآباء والأمهات ، واقتصار الجهد على توفير المأكل والمشرب والملبس ، وممارسة أساليب تربويةٍ تقادمت عليه السنين خطأها أكثر من صوابها ، وقليلةٌ جداً تلك البيوت التي يهتم الأب فيها بتنمية مهارات التربية لديه والقراءة فيها وسؤال أهل الاختصاص فيها ومناقشة الناجحين فيها .
•التساهل في تدنيس البيت المسلم بتلك الأطباق الشريرة والتي تشكل بقنواتها الفضائحية معاول هدم لأخلاق المسلمين وقيمهم في حرب واضحة من قبل أهل الشهوات في الداخل والخارج في بلادةٍ وخنوعٍ منقطع النظير من بعض الآباء وتسابقٍ نحو احتضان المزيد من تلك الأطباق رغم وجود خيارات آمنة لهم ولأبنائهم ، ولا يخفى علينا جميعاً ما تسببه تلك القنوات من تمييع للأخلاق وقضاء على الحياء والستر ودعوة مكشوفة للوقع في الرذيلة .
•تعريض الأبناء للتقنية الحديثة وبهرجها بأشكالها وألوانها دون توجيه منهم باستخدامها الاستخدام الأمثل الصحيح والذي لا يجر إلى أضرار عليهم أو أسرهم أو مجتمعاتهم بشكل عام ، ولنا أن نسأل كيف يقتني الآباء لأطفالهم جوالات الكاميرا والبلوتوث من دون ضوابط عليهم أو إرشاد أو تعليم لهم ، وهم يعلمون خطرها الخلقي عليهم ، خاصةً عندما يستقبل البلوتوث كل ما هب ودب من قاذورات المجتمع ومخازي فسقته .. ونتائج ذلك معروفة ومؤلمة !
•التساهل في شراء الملابس الغير ساترة والتي لا تعود الطفل على الحشمة بل على الميوعة والتخنث ومحاكاة الكافرين وكأن السوق محصورةٌ معروضاته بتلك الملابس ، حتى غدا أطفال بعض الآباء كعارضين أزياء لمختلف الماركات والشركات ، والأعجب من ذلك خروج الطفل من المنزل إلى المجتمع بملابس تفضح أكثر ما تستر ، وكأن أولائك الآباء يستعرضون بأطفالهم بتلك الملابس أمام الناس فأصبح الولد كالبنت والبنت كالولد وكل ذلك حباً للظهور ومدعاةً للفت الأنظار ولعل ذلك يعود لنقص في ذواتهم يدفع فاتورة ذلك فلذات أكبادهم !
•غياب مظاهر التربية الخلقية بشتى مجالاتها وخاصةً ما يتعلق بالإنجاب والولادة وأمور الطهارة والغسل وتوضيح الجرائم الخلقية والتحذير منها ، كل ذلك يدع الأبناء بعد تأثرهم بالمظاهر السابقة للسؤال والاستقصاء عن شيء غامض ومثير فيقعون في شرك رفقاء السوء وسهام الإعلام .
•حرص بعض الآباء على تعلم أبنائهم الإنجليزية بإدخالهم المدارس العالمية والأجنبية ذات الاختلاط ، فيتعود الطفل على ضرورة ملازمته للجنس الآخر ، وعند ذلك تترسخ لديه مفاهيم خاطئة تعارض قواعد الشرع الحكيم وتجعله في غربة من دينه رغم عيشه في بلده ، على الرغم من وجود مدارس خاصة تتميز مناهجها وطرق التدريس فيها بمواكبة الحديث من العلوم والتقنية ، مع الحفاظ على ثوابت الدين وبيئة المجتمع وسماته العليا .
أصلح الله أبنائنا وجعلهم ذخراً لوطنهم وأمتهم ...
الفساد الخلقي لدى الأبناء ... شيئاً من الأسباب !!
تدوينات اخرى للكاتب
في بيتنا توأم !
من آيات الله العظيمة في خلقه والتي اعتاد الناس عليها في السنوات الأخيرة أن يرزق الله بعض الأسر توأماً من الذكور أو الإناث أو كليهما ؛ سبحانه...
أنس القحطاني
الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها
في حياتنا الاجتماعية العديد من الشخصيات المثيرة للجدل بتصرفاتها وعلاقاتها مع الأقرباء والناس أجمعين ؛ وتتراوح آثار تلك التصرفات والعلاقات بي...
أنس القحطاني
بين عطاء حضارتنا وحملات حقدهم !
تتصاعد يوماً بعد يومٍ وسنةً بعد سنةٍ حربٌ شعواءٌ متجددةٌ عبر الأزمان على ديننا الحنيف بكل أركانه، وحضارته الراشدة بكل جوانبها من قبل الصهيون...
أنس القحطاني
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين