لاتزال ظاهرة الدعاة الجدد ظاهرة كبيرة وفي تكاثر مستمر، فهؤلاء الدعاة باتوا أكثر تأثيراً على العامة من العلماء، وإن كنا نحمد لهم هذا التأثير الإيجابي، إلا أنه لابد من وقفات نقدية ليتم تصحيح المسار، فالدعوة ليست حكراً على الرجال، والإسلام أكبر من الرجال، وحين يكون شخص ما داعيةً أو شيخاً؛ فلابد أن يلتزم تماماً بالإسلام وإن أخطأ فعليه الاعتراف والاعتذار حتى لا يشوه الإسلام.
ولعلنا نأخذ على الدعاة الجدد-بعد أن نشكرهم على ما قدموه من أمور جيدة- إقحامهم أنفسهم فيما لا شأن لهم به فيُضلون ويَضلون، فالداعية هو بمنزلة الواعظ أو القصاص (الحكواتي) وعليه ألا يتجاوز ذلك فيفتي فيما لا يعلم، ويتكلم في كل فن. بل عليه أن يلزم غرزه ويحيل لأهل الاختصاص في الأمور الأخريات، فنحن طلبة العلوم الشرعية نأخذ على الأطباء والمهندسين تدخلهم في علوم الشريعة من دون أن يتخصصوا، ويحق لهم أن يطالبونا أيضا بأن نسكت فيما لا علم لنا به.
وأضرب هنا مثالاً لأحد الدعاة الجدد ممن شابه العريفي -هداه الله- من جهة تعلق النساء به لظاهره (وهذا أمر مؤسف أن تكون التقييمات على الظواهر)، وهو الأستاذ أحمد الشقيري. فلا شك أنه قدم خدمات جيدة ببرامجه المعروفة محاولاً معالجة فكرة الحضارة، ولكنه عندما لا يعرف مدى إجرام السفاح المنقلب (عبدالفتاح السيسي) ولا يدينه؛ نقول له أخطأت، بل وأخطأت في تخصصك؛ فكل الدول التي زرتها بنفسك دول ديمقراطية، ركلت الدكتاتوريات خلفها، والحكم العسكري ثابتٌ أنه حكمٌ دكتاتوري، قاتل للحضارة، وثابت لكل من طالع التاريخ القريب، فكيف تخطئ في مثل هذا يا أستاذ الشقيري، وأنت تحاول أن تكون من رواد الحضارة؟ فهنا نلومه على هذا الخطأ.
والآن سأبدأ بنقد الشيخ العريفي -هداه الله- لأنه أساء كثيراً للدعوة الإسلامية، فأعداء الأمة متربصون لها ينتظرون الزلة عليها. وأقول أولاً أنه لا يصلح أن يتصدر للعامة من لم يكن ريَّاناً من العلوم والمعارف الضرورية، وليس فقط العلم بالكتاب والسنة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أراد سفيراً للإسلام انتقى من نشأ نشأة نستطيع أن نسمها دبلوماسية، فاختار مصعب بن عمير -رضي الله عنه- كما اختار خالداً منذ إسلامه ليقود السرايا بالرغم من وجود غيره ممن هو أفقه منه. فلابد إذن لمن أراد أن يتصدر مجال الدعوة أن يكون عارفاً بواقعه، عالماً بفقه مخاطبة الجمهور وغير ذلك من أمور مهمة. وأقول ثانياً إني سأذكر بعض النقد للعريفي للاختصار وإلا فأخطاؤه كبيرة ومتكررة.
لازلت أتذكر العريفي -هداه الله- في بدايات ظهوه فقد كان يفعل كل شيء؛ يفتي، ويحدث ويعظ، ويناظر الشيعة، وغير ذلك. ولكن الذي استوقني أنه كان يظهر في قناة LBC القناة المعروفة بسوئها، وبغض النظر عن مدى موافقتنا من عدمها للظهور في هذه القنوات (فنحن نرى صحة الظهور وقد شرح ذلك وبرر للعريفي الشيخ نبيل العوضي في إحدى لقاءاته) إلا أن العريفي بعد أن اكتسب شهرةً عاليةً بدأ بمهاجمة قناة MBC مهاجمةً لا هوادة فيها ونسي أين كان يظهر بالأمس؟
إن مثل هذا التصرف يثير الريبة عند الناس فيتساءل المفكر: هل العريفي ظهر في LBC لمجرد طلب الشهرة؟ خصوصاً إن تذكرنا موقفه مما أثارته عليه قناة العربية عندما ذكرت أنه سيزور الأقصى، فلم يصرح بأي شيء عن ذلك وترك المعركة قائمة!!
ولازلت أتذكر العريفي في بداية الثورة السورية كيف كان يخطب الخطب الرنانة، وكيف أعلن أنه سيجمع التبرعات مما أدى إلى إصدار قرار بمنع جمع التبرعات. ولا أدري أفرح العريفي بهذه العنتريات أم لا؟
وذات العنتريات (الهياط) مارسها في خطبته المشهورة التي سب فيها السيستاني، وهو أكبر مرجع شيعي. ولا أدري ماذا ستجني الأمة من وراء شتم هذا الرمز أو ذاك! فإن كان الله قد نهانا بنص كتابه عن شتم آلهة الكفرة، فكيف بشتم مراجع المبتدعة؟
بل وتكررت هذه العنتريات في خطبته (المسروقة) بمصر بشكل حماسي جداً لا يتفق وسمات العصر الحديث! ولا أدري لماذا تغير موقفه بعد ذلك!!
ويستمر مسلسل العريفي -هداه الله- فيخرج من فيه كلام جنسي لا يليق بشيخ مثله. ولكنني شخصياً حين سمعت كلامه لم استغربه؛ فقد قابل في بداياته في الرائي (التلفاز) بعضاً من الشواذ جنسيا -أكرم الله القارئ- أو ما يسمى بالجنس الثالث في قناة قطر الفضائية، ولا أدري ما الفائدة من هذا الفعل، ولماذا يقحم نفسه في هذه الأبواب!
أخيرا: تكلم العريفي عن قضية الموسيقى القرآنية، والموسيقى القرآنية تعنى ذلك الإيقاع الصوتي للقرآن. ومما لا شك فيه أن لهذا القرآن إيقاعاً صوتياً، أو موسيقى تجذب السامع له، وقد تكلم فيها بعض العلماء؛ كسيد قطب في التصوير الفني، ومصطفى الرافعي في إعجاز القرآن، وتكلم فيها أيضا العلامة محمد دراز. وسأنقل هنا كلامه ثم أعلق على فعل العريفي -هداه الله-:
يقول رحمه الله:
(إن أول شيء أحسته تلك الأذن العربية في نظم القرآن هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قُسِّمت فيه الحركة والسكون تقسيماً منوعاً يجدد نشاط السامع لسماعه، ووزعت في تضاعيفه حروف المد والغنة توزيعاً بالقسط الذي يساعد على ترجيع الصوت به وتهادى النفس به آناً بعد آن، إلى أن يصل إلى الفاصلة الأخرى فيجد عندها راحته العظمى.
وهذا النحو من التنظيم الصوتي إن كانت العرب قد عمدت إلى شيء منه في أشعارها فذهبت فيها إلى حد الإسراف في الاستهواء، ثم إلى حد الإملال في التكرير، فإنها ما كانت تعهده قط ولا كان يتهيأ لها بتلك السهولة في منثور كلامها سواء منه المرسل والمسجوع، بل كان يقع لها في أجود نثرها عيوبٌ تغض من سلاسة تركيبه، ولا يمكن معها إجادة ترتيله إلا بإدخال شيء عليه أو حذف شيء منه).
ذكر العلامة هذا الكلام بعدما قال: أن هذا السر ]يعني الموسيقى[ فطن له العرب ولم يفطن له المستعربون". ترى كيف سيتنبه له الأعجمي الذي لا يفهم اللغة إلا بصوتها، فهو لا يفرق بين الشعر والنثر والقرآن أصلا؟ إن فعل العريفي هذا فعل مشوه للدين، وفهم خاطئ له، فلا شك بموسيقى القرآن، ولكن ذلك لمن فهم اللغة نفسها وعرف أوزان الشعر وطريقته.
هذا وإن قوله (سورة التفاح) لو قالها غيره لقامت عليه القيامة ولم تقعد، فلا أدري كيف (للدكتور) أن يصدر منه مثل هذا الكلام الخطير؟
ثم ماذا؟ ثم أقول يا عريفي استقيلوا يرحمكم الله، وأتمنى لكل من قرأ هذه الأسطر أن يعي أن العريفي لا يمثل إلا نفسه، ولا يمثل الإسلام في كثير من كلامه ومبالغاته. وعلى الشباب الصاعد إدراك أن العريفي ليس إلا أحد الدعاة الجدد الذين لا يصح أن نرفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله.
هذا والله أعلم، ورد العلم إليه أحكم وأسلم.