Image title
( كرة السياسة ... المربعة ) ..


بقلم المدون المحامي : إيهاب ابراهيم -


تستمر عجلة الحياة بالدوران تزامناً مع دوران الأرض مزهوة بزرقتها حول نفسها وإذعاناً منها بتواتر الزمن من الماضي مروراً بالحاضر ووصولاً الى المستقبل .. وبدوران تلك العجلة تتشابك مصائر الناس وتتقاطع تفاصيل حياتهم ببعضهم البعض تألفاً أو تنافراً بحسب المصالح أو الأخلاق وحربهما الشعواء الضروس ..!!

وفي زحمة الحياة المتراكضة والساعية نحو التمدن والتعقيد تتقاطع مصالح بعض الجماعات نتيجة عدة هواجس منها تأمين العمل والأمن والأستقرار والبحث عن الأمل المفقود لتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع ..

وهنا وكنتيجة موضوعية لتلك الحاجات والظروف والمتطلبات تبرز من فئات المجتمع طبقة من الأشخاص تمت تسميتها بالسياسيين الذين يعملون في الشأن العام ويتبوؤن مناصب ومراتب عليا في السلم الوظيفي لإدارات ومرافق الدولة والبلاد .

ويظهر من هذه الضوضاء ذاك السياسي اللامع الذي قد يمتلك الكاريزما والحنكة وأسلوب الإقناع والخطابة والذي يفترض فيه مجموعة من المعايير الأخلاقية والضوابط التي تحكم سلوكه العام في التعاطي مع شؤون العامة ..؟

لكن ذلك السياسي يخوض معركة من نوع أخر آلا وهي معركة داخل النفس البشرية بين تحقيق مطامعه وشبقه وأطماعه الشخصية وبين تحقيق متطلبات وآمال الناس الذين إلتفوا حوله وآمنوا به كشخص جدير بالثقة والأمانة لذلك قاموا بتسليمه زمام أمورهم وشؤونهم ...

وهنا تبرز الشخصية الأخرى للنفس البشرية فما كان يؤمن به ذاك المواطن السياسي من مبادىء تتعلق بالعدالة والمساواة وتطبيق مبادىء حقوق الإنسان والسعي لتأمين الإستقرار وتوفير فرص عمل متكافئة للناس الذين وضعوا كامل ثقتهم وآمالهم به تبدأ بالإنحسار والتقوقع في أعماق العقل الباطن لتطفو على السطح الأنا الفردية المتمثلة بتحقيق الذات الفردية والأنانية فيسعى الى مصالحه الفردية ويبدأ بممارسة لعبة النفاق السياسي عبر طرح شعارات ومشاريع أكبر من إمكانياته ويطلق التصريحات والخطب الرنانة التي تخاطب الغرائز والعواطف متجاهلاً خطاب العقل والمنطق ..


وتتعمق الأزمة والمشكلة عندما تلاقي تلك الخطابات استجابة من قبل أصحاب الغرائز والعواطف فتتجمع كقطيع حول ذلك الزعيم السياسي مشكلة لوحة سريالية قد تكون غير مفهومة للوهلة الاولى ..؟؟

ولكن بالغوص في أعماق النفس البشرية لجحافل البشر وقطعانها نرى بأن الغريزة والعاطفة تتغلب على صوت العقل والمنطق وخاصة عندما يجيد ذلك السياسي لعبة الظهور الإعلامي ويتقن فن التلاعب بالكلام وإطلاق الوعود المستقبلية بعد أن يعطي شرحاً موجزاً للمعوقات والأصابع الخفية التي تعيق تحقيق متطلبات الشعوب وآمالها في الحريات والعمل والأمان وتحقيق العدالة الاجتماعية ...!!
فيبدأ السياسي بخلق العدو المجهول الذي يعشق الجمهور البحث عنه في الأساطير والميثيولوجيا الدينية والحكايات الشعبية التي تربّى عليها في موروثه الشعبي ولا وعيه .

وتتعاقب السنين والوضع يزداد سوءاً والسياسي يزداد نفاقاً بحكم عدة عوامل وظروف وشروط موضوعية وذاتية منها الأطماع الشخصية وبريق وسطوة المال السياسي وإجادة اللعب على توازنات الداخل والخارج ومفاهيم الممكن والمستحيل ..


لنصل بعدها الى حالة من التزاوج الكنسي في تلك العلاقة التبعية بين السياسي او الزعيم وبين جمهوره من أرقام البشر وعديدهم تلك العلاقة التي كان للجمهور يد في تكريسها وتعميقها عبر الإتكالية واللامبالاة والسلبية في التعاطي مع الشأن العام وذلك نتيجة لإنتشار مفاهيم الجهل والإعتماد على القدر والإيمان المطلق والأعمى بالغيبيات التي لطالما مارستها وسعت لتكريسها المؤسسات الدينية عن قصد او غير قصد.؟؟
لتنقلب الأدوار بعدها فيصبح المواطن وكأنه هو من يمارس النفاق الإجتماعي عبر سلوكه الفردي والجماعي عن طريق قوله وفعله وسلوكه الذي يعطي دلالات تؤكد تبعيته ودعمه للدور السلبي الذي يتم ممارسته ولعبه من قبل السياسي هذا او ذاك ..!!

وبهذا يتم إشاعة جو عام من السلبية والرضا المزيف عن الوضع المعاشي والخدماتي الموجود في هذا البلد او ذاك فيصاب الجمهور بأزدواج الشخصية من دون أن يعتلي أي منصب قيادي أو وظيفي رفيع يعكس تلك الشخصية المعقدة فنراه يطلق شعارات الرضى والإستحسان عن الدور الذي يقوم به السياسي او الزعيم في أداءه الخدمي او الوظيفي ويعبر بطريقة غرائزية وبنفاق وعهر سلبي يكاد يخالف الحقيقة والواقع ..!!


وهذا بدوره ينعكس على الوضع العام في البلاد من أنتشار ظواهر الفساد والتخلف وأنتشار لغة التخوين لكل صوت ينادي بإعادة الأمور الى نصابها فيتم وأد وإقصاء كل صوت يتوافق مع صوت العقل والمنطق ولتتكالب أصوات الإعلام والسياسة والمنابر الدينية بجوقة واحدة تطلق نشازها على كل صوت حر وعقلاني ينادي بالتغيير وكشف الحقائق ..

ليصبح بعدها استقرار الوضع المزري على ما كان عليه هو الطبيعي بينما التغيير الى الأفضل والأحسن هو الشاذ والمنبوذ
إن هذا الوضع الغير طبيعي الذي وصلت إليه حياة البشر وحالتهم يدعو الى التهكم والسخرية (فشر البلية ما يضحك) .. كما يقال ..

فالنفاق أصبح لغتنا وصوتنا في التعاطي مع بعضنا البعض فالمواطن أصبح يجيد لغة النفاق و السياسي هو من كان يصنعها ويصدّرها وفي حال استمرار هذا الوضع المزري سنصبح كقطعان الأنعام التي لا حول لها ولا قوة ...


لذلك ومن منطلق هذا الوضع السيّء وحرصاً على حياتنا ومستقبلنا ووجودنا يتوجب علينا عامةً وعلى الطبقة الواعية والأصوات الحية خاصةً إعادة إنتاج منظومة معرفية تعمل على تصحيح الوضع السلبي والمشوّه الذي وصلت اليه حالتنا نحن البشر عبر إعادة إحياء صوت العقل وتعرية صوت الغرائز وكشفها وكشف زيفها ورياءها على العامة ...

وذلك لإعادة الحقوق المستلبة من الشعوب بأيدي سياسييها ومرتزقتها التجار الحقيقيين للإنسان وآماله ومستقبله حتى تعود الجماهير الحية لإقامة طقوسها الحقيقية في إمتلاك زمام المبادرة في العمل والإنتاج والبناء وذلك لإستعادة حياتها وإرادتها التي تم العمل على تهميشها والعبث بها وتسخيرها لمصالح فئة قليلة جداً من العابثين بأقدار الناس ..ومصائرهم وأحلامهم ...

 

              www.facebook.com/ihab.ibrahem.54

                              www.twitter.com/ihab_1975

                       e.mail:[email protected]
                                                              
                gmail:[email protected]