آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

مدة القراءة: 3 دقائق

العامي المرهف !!


" محمد بن حمد بن لعبون " .

أمير شعراء النبط ، وأوسعهم مفردة ، وأطربهم قصيد !

صاحب قصيدة " يا علي صحت بالصوت الرفيع " وقصيدة " سقى غيث الحيا " ذائعة الصيت ، وغيرها من اللعبونيات التي يصعب تكرارها .

شبّ هذا الشاعر آناء اشتداد أمر الدعوة السلفيّة المُباركة ، فيما هو آنئذ الشاعر المرهف ، وصاحب الهوى المُدنف ... الأمر الذي عجّل برحيله إلى " الزبير " كما يعتقد ذلك كثير من النقّاد .

والزبير مدينة عراقية تقع في الجنوب ، وهي أحد أقاليم أهل السنة فيها ، بله إنها قد سميّت بهذا الاسم نسبةً إلى "الزبر بن العوام " الصحابي الجليل .

على أية حال ؛ فقد كانت " الزبير " موئلاً لكثير من الأسر النجدية في سني العوز والحاجة ؛ إذْ هاجرت هذه الأسر الكريمة إليها في القرنين الماضيين ؛ بحثاً في ذلك عن فرص حياة أفضل ، فيما أنها بقيت منغلقةً عن الاحتكاك بالمجتمع العراقي ؛ حفاظاً في ذلك على هويتها الأم .

وقد كانت " الزبير " بعاداتها ولهجتها " جيباً " نجدياً في طرَف العراق ؛ ولذا يسميهم العراقيون بـ " النجادة " . وفي المقابل يوجد مسمى " الزبيراوية " في الرياض اليوم ؛ نسبةً وعنواناً للأسر النجدية التي قد عادت إلى موطنها الأصلي ( هجرة عكسيّة ) بعد مضايقات حزب البعث لهم في السبعينيات ، أو بعد ظهور البترول ، وأخيراً بعد قيام الحرب الإيرانية العراقية ، ومن أشهر هؤلاء : محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق ، وطبيب القلب المعروف محمد بن راشد الفقيه ، وعضو مجلس الشورى السعودي عبدالرحمن السويلم ... ومن مشاهيرهم في الكويت سعود البابطين .

إذا ما أسعفك الحظ بالتعرف على أحد " الزبيراوية " فإنّك ستجد متعةً موسيقية في اللهجة قلّما تتكرر ؛ إذ ستجد لهجةً نجديّة مخلوطة بنكهة عراقية وكويتيّة ؛ بالإضافة إلى الأخلاق العالية المتمثلة برقّة المعشر ، ورقي التعامل ، وجديّة الحياة ... بالإضافة إلى الأناقة العالية ، والذوق الرفيع ، والطبخ " السنع " .

كما يُعرف عنهم اهتمامهم الشديد بتعليم أبنائهم ؛ فقلّما تجد بيتا " زبيراويا " لا يكون أحد أفراده طبيباً أو مهندساً أو أستاذاً جامعياً ... وفي بعض الأحيان وزيراً أو وكيل وزارة .

نعود بعد هذا الإسهاب - غير المتعمد - إلى شاعرنا الرقيق / العظيم ..

تميز شعره بثراء المفردة ، وسلاسة اللغة ، وحرقة الشوق ولسعته .

وقد انفردَ عن غيره من شعراء عصره : بمَزجه بين الفصيح والعامي في شعره ؛ مما جعل قصائده موضع دراسة للنقّاد إلى يومنا هذا - بالرغم من مدة وفاته القديمة نسبياً ( ت 1247 هـ ) .

ولهذه اللغة الفريدة أسباب عدّة عند ابن لعبون ؛ لعلّ من أهمها أنه ابن مؤرخ نجد الكبير " حمد بن لعبون " الذي لا شكّ بأنّ ابنه قد استفاد لا محالة من علمه ومكتبته ( آلمني وأحزنني حين ترجمَ له والدُه فقال أنه مات وليس له عقب ) ، وأيضاً فإنّ تنقل ابن لعبون ( الشاعر ) بين بيئات مختلفة ( نجد – البحرين – الزبير – الهند – الكويت ) قد مكنه من الإلمام بكثير من اللهجات ، والطبائع والعادات .

استطاع هذا الشاعر الشاب أن يُضيف لطروق الشعر فنّا جديداً نُسبَ إليه ، سميَ بـ " اللعبونيات " والتي لا زال كثير من شعراء الخليج يجري إليها ، وقلّما يصل إلى جوفِها .

كان ابن لعبون يسير على طريقة القدماء في ترتيب قصيدته ؛ إذْ يبدؤها بالنسيب وذكر الظعائن والأماكن والوسوم ، ثم بعدها يدخل في غرضه من قصيدته ، ليُنهيها بالصلاة على الرسول – صلى الله عليه وسلم - .

وبالرغم من أنّ ابن لعبون قد طرق كثيراً من أبواب الشعر ؛ إلاّ أنّ أول ما يرد على الذهن حين ذِكر اسمه هو باب " الغزل " الذي أرسله بطريقةٍ دافئة ، وموسيقى حزينة ، وشجن صادق ، وأسلوب سهل ممتنع .

كان ابن لعبون – وأسميه أنا " عمر بن أبي ربيعة " عصره - يوري عن اسم محبوبته باسم آخر هو " مي " التي قد حضرَ اسمها كثيراً في قصائده ؛ إلاّ أن هذا الكتمان قد انفجر في أحد أبياته ؛ ليُعلن اسمها صراحة :

والله لولا الحيا واللوم /// لا اصيح واقول يا هيـــله

إلاّ أنّ قصيدته التي قالها في محبوبته التي ماتت أثناء تأديتها فريضة الحج تُعدُّ من أشهر قصائده الحَنون ، والتي مطلعها :

سقى غيث الحيا مزنٍ تهامى /// على قبرٍ بتلعات الحجازي

يعط به البختري والخزامى /// وترتع فيه طفلات الجوازي

ومنها هذا البيت الغريب في وصف علاقته بمحبوبته :

سلينا لا حلال ولا حراما /// عليهن الطلاق بلا جوازي

قيل أنّه لم يتزوج ، وقيل أنّه تزوج ولم يعقب ؛ إلاّ أن والده قد ذكر ترجمته في اقتضاب شديد لم يتضح معه أقد تزوج الابن أم لا ( ! ) ولعلّه الحزن هو الذي منَع والده الاسترسالَ في سرد ترجمته ، أو لعله الحياد .

على أية حال ؛ توفي الشاعر " ابن لعبون " وله من العمر اثنتان وأربعون سنة ... فرحمه الله ورحمنا !

آيدن .

آ
آيدن

مستقل جدًا في الفروع ، منحاز جدًا إلى الأصول ! صفحتي على الفيس : https://t.co/DqvtdACREM

أهلاً بكم في مدونتي! أنا كاتب شغوف أشارككم أفكاري وتجربتي في الحياة من خلال تدوينات أسبوعية. أستكشف فيها التوازن بين القيم والمغريات التي نواجهها يومياً، وكيف يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالمعنى والعمق. انضموا إلي في هذه الرحلة الأدبية!

انضم الى اكتب

منصة تدوين عربية تعتد مبدأ البساطة في التصميم و التدوين

التعليقات