بقلم اسعد عبد الله عبد علي
بعد أكمال لفة فلافل , فهي الوجبة الوحيدة الممكن شرائها، وخصوصا أن صديقي شاكر الكتلوني (صاحب محل صغير لبيع الفلافل), يتفنن في تقديمها, حيث يضع مع الفلافل, قطع من الباذنجان والبطاطا والخيار والطماطة, ثم قطرات كبيرة من العمبة, تجعل منها وجبة لا تقارن, بأشهى الأكلات التي نقرأ عنها, ولكي تهضم فأنها تحتاج ل(استكان شاي)، ولا يوجد أفضل من شاي أبو علي المخلوط بالهيل، حيث يضع طاولة كبيرة ويضع عليها الشاي للزبائن، وكنا ثلاثة، عجوز وبيده صحف، وطالب جامعي أنيق، وأنا.
العجوز كان تصرفه قد جذب الانتباه, حيث كان يتأفف منزعجا, مع كل رشفة شاي، قلت له:
يا حاج, هل الشاي حار أم لا يعجبك؟ فالانزعاج ظاهر عليك بشكل لا لبس فيه.
كلا, كلا, بل الشاي جيد, وان كل صباح اشرب من شاي أبو علي, حيث يشعرني بالتفاؤل مع بداية اليوم, لكن انزعاجي من الأفكار التي تقلقني وتسيطر علي, فانا كلما قارب رأس الشهر، أصاب بالقلق والخوف والترقب, حيث يتوجب علي دفع الإيجار، وأنا لا املك راتب ولا مصدر دخل, حيث كنت عامل بناء في زمن قوتي, وألان فقط أعيش على معونة الطيبين, ممن يشرعون لتقديم العون لكبار السن, وهكذا اضمن أن أعيش شهر أخر في البيت, بدل الشارع, وكل القلق هو خوفي على بناتي من المعاناة.
الله يكون في عونك, وصدقني يا حاج كلنا نفس الحال. فانا أيضا مستأجر بيت, وأصاب بالقلق كلما تأخر الراتب, فلي عائلة كبيرة, فأين اذهب إذا قرر صاحب البيت أن يطردنا, أن "بيت ملك" حلم حلمت به منذ سنوات, ولا يتحقق أبدا, فالعقارات بمبالغ عظيمة لا تتوفر عندنا ولو بعد قرن , هذا حال العراق في زمن حكم اللصوص, خيره فقط للصوص والمنحطين وتجار السوء وقافلة المتملقين.
كان ثالثنا الطالب الجامعي, وكان مهتما بالحديث، يحاول أن يقول شيئا, استجمع أفكاره ليتفجر ما في صدره.
أن أبي ورث البيت المستأجر عن جدي, نحلم ببيت ملك, لكن العراق ليس لنا، بل للطبقة المترفة ومن يحيط بهم، نعم هو بلدنا، لكن لا نملك فيه شيئا, ذاكرتي محملة بجبل من الألم, اذكر جيدا ذلك النهار, عندما كنت طفلا في السابعة, وكان في يومها الجو ممطرا, وكنا مستأجرين شقة حقيرة, حيث جائنا صاحب الشقة مع الشرطة, يأمرنا بالمغادرة فورا, وخرجنا نحمل أغراضنا إلى الشارع, والمطر يتساقط علينا، مشهد أعيشه يوميا, لقد قررت أن أهاجر عن هذه الأرض, التي بخلت علينا بأبسط حقوقنا, وهو السكن.
لقد أحزننا كلام الطالب الجامعي, حتى أدمعت عينا أبو علي, التفت إليه مع الرشفة الأخيرة لاستكان الشاي وقلت له:
أن البؤس كتب علينا, والفرح فقط لمن ارتبط بالحكام آو تملقهم, لكن دعونا نتمسك بالأمل, دعونا نحلم بزمن جميل ينتظرنا, تزهر فيه كل أحلامنا.
تبسم العجوز والطالب وأبو علي, والحزن لا تزيله الابتسامات.
أكملنا شرب الشاي, وتفرق الجمع عن شاي أبو علي, لقد كان الشاي ساخنا بنكهة الألم.