ليلة القبض على بغداد...إنقلاب برعاية إيرانية


بقلم: محمد الصالح باحث في الشأن السياسي و القانون الدولي 


إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي، هذا الكلام يعود لعلي يونسي مستشار الرئيس الإيراني في تصريح له منذ سبعة سنوات، حينها هاجم يونسي مل من يعارض نفوذ إيران في المنطقة العربية، معتبرا أن الشرق الأوسط ملك إيراني بحت.


إن ما حصل في العراق منذ أيام ليس صراع بين مكونين أساسين على السلطة، هنا إنتهى كل الحديث عن الحوار عن التفاوض عن التفاهم وعن حكومة وحدة وطنية، وعاد الكلام عن برلمان سيكمل ولايته غير آبهين بأن الفائز الأكبر بمقاعد البرلمان قد إستقال، غير ذلك أصبح الطرح الحكومي يشكل من خلاله الإطار التنسيقي (حلفاء إيران) حكومة جديدة، ضاربين بعرض الحائط جميع جلسات الحوار التي عقدت على مدار أكثر من إحدى عشرة شهرا لتشكيل حكومة توافق وطني تضم كافة الأطياف.

المفارقة هنا، أن المواقف التي صدرت رئيس الوزراء الأسبق نور المالكي والإطار التنسيقي وكل من يوالي لإيران هي ترجمة حرفية للموقف الإيراني الرسمي التي عبرت عنه الخارجية الإيرانية في بيان لها، بما معناه أن الموقف يصدر في إيران، على الفور يتم ترجمته بمواقف على الأرض لجماعة إيران في العراق، الدعوة لمتابعة الحياة السياسية بشكل طبيعي، تشعر من خلاله للحظات أنه وصف للواقع السياسي في أستراليا وسويسرا وفنلندا وليس في العراق حيث الفائز الأكبر بالإنتخابات إستقال من البرلمان، تم الضغط عليه فإعتزل الحياة السياسية، وبسبب إعتزاله أصبح هناك حرب أهلية مصغرة بين أنصاره و المعارضين له، ومع كل هذا و ذاك وكأن الذي إستقال كان يعبر عن موقف شخصي، لا عن أزمة على مستوى نظام ووطن ودولة وعقد إجتماعي... 


أما من تابع الإعلام الإيراني، يجد أنه وصف ما حصل بأنه صراع بين الأشرار والأبطال، وبما أن الأبطال قد فازوا قررت إيران إستكمال الحياة السياسية في العراق بمسارها الطبيعي، تبسيط وإختزال للأزمة هدفه التسريع تثبيت نتائج الانقلاب من خلال خلق وقائع على الأرض وكأن شيئًا لم يكن، المهم تثبيت نتائج الانقلاب فقط لا غير، لأن من أحدث الإنقلاب يشعر وكأنه لم ينجح ليس أكثر، وهنا نتحدث عن إنقلاب على أكثر من مستوى من سياسي، إلى محاولة إنقلاب ديني أيضا...


في المحصلة، الموضوع بكل تأكيد أبعد من محاولة إنقلاب سياسي على مكون متمرد على القرار الإيراني والطاعة الإيرانية، الإنقلاب علنيا و بكل وضوح يطال إعادة هندسة المشهد الشيعي بشكل عام، من خلال تعزيز قم الإيرانية في مقابل إضعاف النجف العراقية، هذا الصراع عمره مئات السنين؛ إنما تعمق و إستفحل أكثر منذ ثورة الخميني...

بإختصار، إيران تريد أن تكون هي عنوان التشيع وليس العراق، وتسعى أن تتحكم بمصير ومستقبل وخيارات الشيعة داخل مجتمعاتهم ودولهم وليس ضمن دولة عربية أي سحق أي خيار شيعي عربي يتمرد على إيران مثلما تمرد الصدر. من هنا ومن على ظهر الخلاف بين الصدر والمالكي، ركبت إيران الخلاف الديني الذي هو أبعد وأخطر وأهم من الإنقلاب السياسي. وهنا نسأل هل إنتهى الأمر عند هذا الحد؟ هل نجح الإنقلاب؟ 

الجواب بكل تأكيد أبدا، ومن الواضح أيضا أن من إفتعل الإنقلاب مستمر لإنتزاع جميع الإفرازات السياسية للحالة الجديدة بالعراق، منذ أن إنتفض الشعب العراقي في وجه الأحزاب الدينية، من وقت ثورة تشرين الأول ٢٠١٩ العراقية، هذه الثورة العراقية التي رفعت شعار 'إيران بره..بره' من ثم إغتيال قاسم سليماني في العراق، كل هذا أنتج معادلة سياسية جديدة في العراق لم يكن من الممكن إنتاجها قبل الثورة وقبل إغتيال قاسم سليماني عنوانها "مصطفى الكاظمي" .. 

الآن إيران تريد أو تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بعد إعتبارهم أنهم تخلصوا من الصدر، هنا أتى الدور على الكاظمي، إذا نحن نتحدث عن محاولة إنقلاب سياسي كبير على الصدر، وإنقلاب مؤسساتي يطيح بالكاظمي، وإنقلاب ديني يهمش ويهشم حوزة النجف، هذه هي المعادلة بإختصار...

ختاما، إن ما يحصل في العراق حدث كبير وخطير ومؤسس لمرحلة جديدة لو نجح، والعراق هو مجرد حلقة في هذا المشروع وليس نهاية المشروع...