يستيقظ الأب في الساعة الرابعة فجرًا يذهب إلى المسجد مباشرة لصلاة الليل و لا يعود إلا بعد الشروق نظام بناه لمدة ستون سنة حتى تقاعده عن العمل لم يجرء ان يجر الكسل ليومه النشيط جداً يعود للإفطار مع من بقي من افراد اسرته الفتاتان في الجامعة و الطفل الصغير لا يزال في المدرسة الإبتدائية أما الصبي الآخر فلا يُرى إلا نادرًا على الإفطار ، يتناقلون الأحاديث عن الأخبار اليومية ستون سنة من الأخبار الرتيبة ينظر بعينة الشائخة جداً يرى عمره في أبنائه مرة أخرى ولادة طفولة شباب ، كهولة لم يصلوا لها بعد لكنه وصل ، العمر لا يتقدم بالإنسان في الرقم والشكل فقط يتسلل إلى عمر الإنسان الداخلي ايضاً يبداء تدريجياً يقل تمسكه بالأشياء حوله كأن نفسه تعد نفسها للرحيل

ما اليوم ؟ يسأل مستفسرً

ترد نور الفتاة الكبرى

الأربعاء

هل زادت أسعار البنزين مجدداً ؟

ترد مريم الفتاة الصُغرى

نعم زادت ريالاً آخر

ريال !!

نعم

حسبي الله ونعم الوكيل

الكهرباء أيضاً

تقول الزوجة

ماذا بها؟

توجد مخالفة مالية لمن يضع عداد لتخفيض الكهرباء


يتنهد عميقاً


يدخل ابنه الأكبر يسلم

كيف جرت مقابلة العمل يا ولدي تقول الأم


رُفضت يجيب

يبدو اني سأبقى موظفاً في الإستقبال مدة أخرى ايضاً

يرى كسرة نفس ولده تنعكس على عينيه يرى احمراراً خفيفاً حول انفه

لابد انه كان يبكي



يذهب الأولاد

يجلس تحت ظل السدرة يفكر في حياة أولاده كثيراً نور آخر سنة في الجامعة متفوقة جداً لكن لم تعد هناك وظائف منذ أكثر من ستة سنين القطاع الحكومي لا يوظف إلا في الخدمة العسكرية و القطاع الخاص رواتب اشبه بأن تقول مكرمة أو بقشيش الوضع سيء جداً تتزاحم عيناه بدموع يشعر بأنه المسؤول عن كل هذا عن شقاء أولاده الحتمي ماذا يعطي اكثر كيف يكف أذى الدنيا عنهم كيف يخبرهم أن المستقبل مجهول تماماً أن سعيهم الحثيث تحت رحمة قرار وزير كيف يضمن لهم حياة كريمة وأسعار كل شيء تشتعل كاللهب ؟ و ماذا بقي من عمره حتى يكون لهم سنداً جداره بداء يتهاوى من معاركه ضد الزمن إلى متى يظل صامداً هذا مرهون بقضاء الله وملك الموت


يضع نظارته ويفتح هاتفه ينظر إلى عناوين الصحف تكتب عن التقدم والتطور و الأقتصاد و مزانية الدولة الضخمة أصبحت الأولى عالمياً في فائض الميزانية

ستة مليار فائض؟

تفوض ميزانيه هناك ونفوض قهراً هنا


كذب الصحف لا الصحف لا تكذب تصور الجزء المثالي من الواقع

لقاء مع احد الأسر يصف فيه الأب الفرص التي تنهمر كالمطر على أبنائه

"أصبح الواحد فيهم يحتار إلى أين يذهب "

ينهي الصحفي خبره

شعب سعيد تحت إدارة حكيمة



يغلق الهاتف شعب سعيد وفرص كالمطر ؟


اذا كنت تعد الشقاء سعادة نعم نحن سعداء اذا كنت تعد حُرقة المهندس وهو يعمل في إنشائات البناء بدل أن يُديره سعادة اذا كنت تعد الإقتتال على أبواب القطاع الخاص من أجل البقشيش الشهري سعادة إذا كنت تعد عمر الشباب الذي سُرق في أمل تكوين حياة كريمة سعادة إذا كنت تعد هم أب في تدبير حليب رضيعه في نهاية الشعر سعادة نعم نحن سعداء جداً يا إدارتنا الحكيمة .