لا يخفى على أمرءٍ ما لأمير البيان من رجاحة عقلٍ وقوة دين، ولكنه رحمه الله لم يكن كذلك فقط، بل هو عالمٌ في التاريخ والإجتماع واللسانيات والسياسة، وإنه لنادر أن تجتمع هذه الصفات برجلٍ إلا بنعمةٍ منه سبحانه وفضل.

وتاريخ الدولة العثمانية هو كتاب له جمعه محققه من خلال عدة كتابات للأمير ونسقها في ترتيب جميل.

وللكتاب ميزات عديدة أذكر منها:

١) معايشة المؤلف لأواخر الدولة العثمانية بل وكان أحد أعضاء البرلمان أيام السلطان عبدالحميد، فهو يكتب عن دراية ومعرفة وعلم ومعايشة.

٢) بالرغم أن بداية الكتاب يقتصر فيه المؤلف على عرض تاريخ الخلافة بالأحداث الكبيرة وبإبراز معالم الخلفاء ومعالم العلماء ممن برز في زمان كلٍ منهم، إلا أنه -في فترة معايشته للتاريخ- يبدأ يضيف إلى سرد الوقائع تفسيرها، وهذا هو التاريخ، فالتاريخ ليس هو الأحداث نفسها وإنما تفسير تلك الأحداث.

٣) يمتاز المؤلف بالتجرد والإنصاف، وكم هو عزيز في التاريخ عموما وفي تلك الحقبة خصوصا، فالأمير بالرغم أنه عربي من ذوي التوجه الإصلاحي إلا أنه لم يكابر الدولة العثمانية ويتهمها بما يتهمها به دوما القوميون أو ما كانوا يُنعتون باللامركزيين.

ومن أمثلة إنصافه رحمه الله:

- إبراز أخطاء الخلفاء والسلطان عبدالحميد تحديدا، كما بيّن محاسنهم.

- إنصافه لجمال باشا السفّاح وتحميل الدولة العثمانية خطأ تعيينه متحكّما في سورية، ولكنه -أيضا- لا يطعن فيه طعنا مشينا فللرجل حسنات وهو يقول ذلك بالرغم أن السفّاح قد هم بشنق الأمير.

- إنصافه للإتحاد والترقي وذلك حين تكلم في بداية نشأتهم حيث وصفهم بالحماسة والتعجل (الولدنة) ولكنه أيضا لم يجعلهم جميعا في سلة اليهود فقد رد على هذه الفرية.

- دفاعه الصادق عن الدولة العثمانية وتبيان أعذارها الصحيحة في أواخر عهدها في وقت كانت الخيانات فيه على أشدها.

وغير ذلك كثير مما يجدر بنا إقتفاء هذا المنهج في الإنصاف.

٤) من يقرأ الكتاب يرى تطور الأسلوب السياسي في إدارة الدولة، وهذا أمر لابد من معرفته ودراسته بشكل أكبر، فمثلا اعتبار المسيحيين جزء من المواطنين ليس وليد العلمانية أو القومية بل هو موجود مُذ تلك الأيام، وأيضا مسألة الدستور والقوانين وغير ذلك، ويا أسفا على بعض المتعجلين ممن لا يدرك هذه الأمور.

٥) لا يعد الكتاب كتاب تاريخ بل هو كتاب سياسة واجتماع وقبل ذلك فكر إسلامي أصيل.

٦) فهم الكتاب يعطي فهما للواقع الحالي وصراعاته، فليست هي إلا امتداد لما سبق.

كما أن الكتاب لا يخلو من سلبيات كأي جهد بشري ومن ذلك:

١) اقتصار الأمير على عرض التاريخ باختصار ومن دون تفسير في بدايات تاريخ سلاطين الدولة العثمانية.

٢) مما يؤخذ على المحقق وضع بعض آرائه الشخصية التي تخالف فهم المؤلف كما أنها تخالف -أحيانا- الحقيقة نفسها.

٣) إهمال الأمير للحركة الوهابية سواء في بداية تأسيسها أو بعد ذلك ولم يذكرها إلا في موضع حملة إبراهيم باشا وبخلو أي تفسير!

٤) خلو الكتاب من تأريخ الحركات الفكرية، عدا ما تعلق بالسياسة بشكل مباشر كحركة الإتحاديين وحركة اللامركزيين (القوميين) والكلام عنهم من ناحية السياسة فحسب دون النظر للأصول الفكرية.

وأخيرا فلا شك بأن كتاب الأمير يحتاجه كل طالب علم ليعرف عن تلك المرحلة التاريخية الفاصلة في تاريخ المسلمين، فكما قيل:

أقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر،، ضل قومٌ إذ لا يدرون الخبر