بقلم المدون المحامي : إيهاب ابراهيم -
إن الإنسان بطبيعته كائن ذو خصائص وسمات متقلبة ومتناقضة وغامضة في كثير من الأحيان فحتى أعقد الدراسات وأعمقها لم تصل بعد الى تحديد الطبيعة السيكولوجية والبيولوجية لتلك النفس البشرية ..
لكن حتى الأن أصبح واضحاً وجلياً أن العقل البشري يتكون من قسمين رئيسيين آلا وهما القسم الواعي ومسؤول عنه القشرة الدماغية وقسم اللاوعي ومسؤول عنه منطقة المهاد والتي تعمل عملها في الخفاء وبصمت غير ملموس ومحسوس لتكوّن فيما بعد خصائص وسمات وملامح الطبيعة البشرية والصفات التكوينية لشخصية كل فرد منا .
فاللاوعي في مراحل النمو الأولى لحياة الفرد يكاد يكون هو العامل الحاسم في تكوين شخصية الفرد ومزاجيته وميوله وتقلباته العاطفية والإنفعالية وحتى في تشكيل قناعاته وقراراته على المستوى الشخصي والإجتماعي العام .
فالكثير من تقلباتنا العاطفية وميولنا الشعورية تكاد تكون غير مفهومة للوهلة الاولى وقد نستغرب أحياناً من أنفسنا كيف أننا قمنا بتصرف ما او إتخذنا موقفاً ما بالنسبة لشخص او ظرف او قضية حيوية او ربما ثانوية مع أن طبيعة الشيء او الفرد او الموقف المقابل لنا والذي تقاطعنا
وتفاعلنا معه لا يقتضي بالضرورة مثل تلك الردود او الميول ...؟؟
لكن وبحكم العادة نعتقد أن ما قمنا به او تصرفنا فيه او حكمنا عليه هو نابع عن إرادة وتصميم ووليد تفكير عميق وتمحيص أدق ..هذا ما قد يتبادر الى أذهاننا على السطح .. لكن لحظة من فضلكم... فهنالك شيء ما يتولد تحت الرماد وفي القاع العميق المظلم من عقلنا كان يتخمر ببطء وفي صمت وبرود مطبق ... إنه اللاوعي .!!
وبنظرة أعمق وأبعد الى الأمور نرى أن عدة عوامل وأسباب تتضافر وتجتمع بنسب متفاوتة من شخص لأخر لتقوم بتشكيل لاوعينا ومنها العامل الإجتماعي البيئي والحالة المادية.. والتأثير الديني الروحي .
فالعامل الإجتماعي ونشأة الفرد منذ الصغر كانت ومازالت لها التأثير الأكبر في تكوين اللاوعي ...فالتربية السوية والسليمة والمتوازنة للطفل ومنذ تفتح مداركه لها تأثير إيجابي على وعيه في المستقبل وبقدر ما تكون تلك التربية إيجابية وواعية ومسؤولة وتزرع في نفس الطفل الدافع للعمل الجاد وروح التشاركية وتحمل المسؤولية مدعمة بمبادىء الأخلاق بقدر ما تشكل ذخيرة أولية تنمو في لاوعي ذلك الطفل وتزهر وتتفتح عن شخصية متوازنة وسليمة وقادرة على تحمل الضغوط والتحديات والمسؤوليات ..
والعكس صحيح فالتربية القمعية والإقصائية العدائية أيضا ستعمل بمفعول عكسي في لاوعي ذلك الطفل وسترتد على وعيه ومحاكمته وتنتج وتفرز منه شخصاً معاقاً فكرياً غير متوازن وشخصية غير فعّالة في المجتمع مستقبلاً ..
والعامل السابق يتأثر سلباً وإيجاباً بالعامل التالي آلا وهو العامل الإقتصادي والحالة المادية للأسرة والمجتمع ككل فكما هو معلوم ومعروف إن الجهل والتخلف هو رفيق الفقر والتردي لأن الوضع المادي والإقتصادي المتردي والمزري للأسرة والفرد سينعكس على طرق وأساليب التربية الشخصية للطفل لأن الأولوية ستكون للبحث عن مصادر الدخل والتمويل لتأمين متطلبات العيش والإستمرار على حساب التربية والأولويات الأخلاقية والمبادىء ..
لذلك سيتولد الشرخ الحقيقي بين الواقع والطموح والإمكانيات .. والمتطلبات وسيسيطر التشنج والسلبية واللامبالاة في تنشأة الطفل وستعمل الأزمات في لاوعيه عملها وسيكون لها انعكاس سلبي وارتكاس على شخصية الفرد ومنها الشعور بالنقص والدونية نتيجة إحساس ذلك الفرد مستقبلاً بالعجز .. ونتيجةً لنظرة المجتمع السلبية والمغلوطة ومنظومة المفاهيم الأخلاقية والدينية والتي تشكلت خلال عقود وقرون طويلة ستساهم بشكل أوسع وتزيد الطين بلة ..!!
بينما الحالة المادية الجيدة والمتوازنة ستسمح بالتفرغ للتربية المتوازنة وإعطاء الأولوية لتنمية الشخصية القادرة والفاعلة وذلك بهدف الوصول الى الكيفية والنوعية حتى تنتج شخصية متكاملة وفاعلة في مجتمع ديناميكي وحيوي .
أما عن العامل الديني فحدث ولا حرج إن للتربية والتنشأة الدينية والروحية في مجتمعاتنا الشرقية لها طبيعة خاصة لما لتأثير العامل الديني والروحي من دور كبير في تكوين شخصية الفرد ووعيه المجتمعي ككل ..
فالتربية الدينية المتشنجة والمتشددة والعصابية نتيجة لفهم خاطىء لدور الدين في الحياة العامة والمجتمع ستعمل عملها أيضاً وبشكل سلبي فالتشدد والتطرف في تنشأة الطفل وتربيته بشكل منغلق وعصابي ومتطرف ستعمل كما يعمل الزيت الذي يُصب على النار كما يقال .
فالتطرف والتزمت والتشدد الذي يُغرس في لاوعي الطفل بقصد او عن غير قصد هو.. الجريمة الكبرى ..التي ترتكب بحق هذا الشخص او ذاك وبحق المجتمع ككل لأنها لن تكون مضبوطة العواقب والنتائج وستصبح إن عاجلاً أم آجلاً كالقنبلة الموقوتة المستعدة للإنفجار في وجه كل من يخالفها في الأراء والتطلعات والتوجهات ..
وستولّد جيلاً من الأشخاص العصابيين المنفصلين عن الواقع والحياة والذين يرفضون التفاعل مع الأخرين والمجتمع وسيكونون عائقاً أمام التطور والتقدم في مسيرة الحياة الإجتماعية .
نعم أيها السادة هذا ما تفعله التربية المتشددة والمتشنجة المتطرفة منذ الصغر في عقول أطفالنا ..!!
لا بد من التوازن والمرونة في التعامل مع العامل الديني والروحي لأنه سلاح ذو حدين وهي مسؤولية فردية وجماعية بآن معاً .
إن إجتماع وتضافر تلك العوامل معاً ( المادي والإجتماعي البيئي والديني الروحي ) في أعماق النفس البشرية سيولد صراعات وإنتكاسات وإرهاصات داخل النفس البشرية وسينعكس على وعي وتصرفات الشخص اذا كان تأثير تلك العوامل سلبياً ومتطرفاً وسيصبح هذا الشخص او ذاك تحت تأثير ضغوط وإنفعالات وصراع وجدل نفسي عميق بين توجهين ذاتي آلا وهو تلك العوامل السلبية والمتأصلة في لاوعيه ..
وموضوعي أي ما يجب أن يكون عليه هذا الشخص في الواقع من شخصية متوازنة وفعّالة ومنتجة في الحياة والمجتمع ..
ذلك الصراع الذي قد لا تعرف أبعاده ولا يمكن التنبؤ بتوجهاته السلوكية ربما سينتج أشكالاً من العدائية والتطرف والسلوك الإجرامي المخالف للمجتمع والقانون .. والأخلاق العامة... وستكون الضريبة والتكلفة كبيرة ومؤلمة .
إن اللاوعي هو مسألة خطيرة في حياة الفرد وشخصيتة بل نكاد لا نبالغ إذا قلنا أنها المحرك الرئيسي للذات البشرية بميولها وأهوائها وتصرفاتها وأحكامها لذلك لا بد من توجيهه وضبطه وإدراك مدى أهميته وتأثيره السلبي والإيجابي على الفرد والمجتمع ككل ...
إن تحسين ظروف وشروط المعيشة عبر تحسين الوضع الاقتصادي الفردي والإجتماعي هو ركيزة أساسية في كل استثمار ناجح وفعّال إضافة الى تحسين ورفع نوعية وسوية التربية والتعليم والثقافة في المجتمع والمناهج التربوية وحتى وسائل الإعلام العامة والخاصة إضافة الى محاربة التطرف بأشكاله كافة وتنمية وتشجيع الإعتدال والتوازن في المؤسسات الدينية وعدم تركها بدون رقابة لتعمل على أهوائها وتقلباتها العاطفية او المصلحية في تحشيد البشر ..وغسل عقولهم منذ الصغر ..
تلك إجراءات ضرورية ووقائية لا بد من العمل عليها في القريب العاجل حتى نتلافى ونتوقى مستقبلاً كل حالات الشذوذ والإنحراف والسلبية في المجتمع قدر الإمكان اذا أردنا بحق بناء مجتمع قوي وصحي ومترابط .. متماسك الأوصال تكون الفاعلية فيه للوعي والإدراك وليس للتشنج والتعصب وردود الأفعال .. اللاواعية .. واللامسؤولة .
.. ودمتم .
www.facebook.com/ihab.ibrahem.54
www.twitter.com/ihab_1975
e.mail:[email protected]
gmail:[email protected]