عبدالرحمن بدوي (فبراير 1917- يوليو 2002) :

من أشهر الفلاسفة في العالم العربي عامة وفي مصر العربية خاصة ، ناقد وشاعر وله من التراجم ما أثرى به المكتبة العربية.

كان ساخط الرأي ، عنيد الطبع ، سريع الغضب ، تأثر بالفلسفة و درسها تلميذاً و درّسها معلماً.

سوف يقتصر حديثي عن بعض المواقف التي تبين رأي و سخط الفيلسوف وخاصة مع كُتّاب لهم الوزن والقيمة كالعقاد وأحمد أمين ، ولكن قبل أن أسترسل بالقول سأفتتح بقصة نقلها الأديب "نجيب محفوظ" عنه تبين لنا مزاجه العام في التعامل مع بعض الناس.

القصة الأولى :

يقول نجيب محفوظ : (كانت معرفتي بالفيلسوف الراحل عبدالرحمن بدوي معرفة سطحية وحذرة ، ذلك أنه كان أنساناً له أسلوب خاص في الحياة ليس فيه مجال للود المتبادل بين الناس ، لقد كان عبدالرحمن بدوي راهباً في محراب الفلسفة ، ولم يكن يميل للاختلاط بالناس أو إضاعة وقته في مجاملاتهم ، ولم تكن تتقبل ذلك بسهوله ! وأذكر أن أحد الأصدقاء الذين كانوا يجلسون معنا في كازينو أوبرا وكان اسمه الشيخ عجلان ، قد لمح ذات مره عبدالرحمن بدوي سائراً أمام الكازينو فحياه ..

ولكن عبدالرحمن بدوي "كعادته" اكتفى بأن أومأ إليه بإشارة من بعيد دون أن ينطق بكلمة ترد التحية ، فما كان من الشيخ عجلان الذي استاء إلا أنه سبه وجرى في أثره يريد ضربه ..! وظل الإثنان يجريان أمامنا في ميدان الأوبرا الواحد وراء الآخر).

هنا يتبين لنا الانطوائيه و حدة المزاج وعدم مجاملة الناس وقلة اللباقة في التعامل.

والآن سوف أسرد قصتين تبين مدى سخطه والذي قد يصل إلى أن يؤذى الناس ، فقد هاجم عباس محمود العقاد وأحمد أمين ، الأول باليد والآخر باللسان.

القصة الثانية :

يقول عبدالرحمن بدوي في هجومه على عباس العقاد : (كان العقاد طول حياته مأجوراً لحزب من الأحزاب "الوفد" ، وكان يستخدم سلاطة لسانه ومايزعمه لنفسه من قوة عارضة في التطاول على الخصوم مَن يُستغل للدفاع عنهم ، فكتب العقاد مقالات ضد الإخوان المسلمين ، لكن هؤلاء سكتوا ولم يحركوا ساكناً ، ثم انكفأ بعد ذلك يهاجم "مصر الفتاة" - الحزب الذي ينتمي إليه عبدالرحمن بدوي- ، فلما كتب أول مقال تشاورنا بماذا نرد ؟ فرأى أحدنا أن يكون الرد قاسي في مجلة مصر الفتاة ، وفعلاً كُتب المقال بعنوان "العقاد جهول يريد أن يعلّم الناس ما لا يعلم" فكتب العقاد مقالاً آخر أشد وأعنف ، فلا علاج للعقاد سوى العنف -الضرب- معه ، وأخذ برأيي اثنان من اعضاء الحزب ، فتربصا للعقاد وهو عائد إلى بيته رقم 13 شارع سليم في مصر الجديدة ، وانهالا عليه "بالضرب والصفع والركل" ، وأفهماه أن هذا تأديب مبدئي بسبب مقالين ضد مصر الفتاة ، فإن عاد سيعودوا إليه بما هو أشد نكالا ، وأحدثت هذه "العلقه" أثرها الحاسم ، فخرس العقاد خرساً تاماً ، ولم يعد إلى الكتابه ضد مصر الفتاة) ..!

القصة الثالثة والأخيرة :

يقول عبدالرحمن بدوي في نقد أحمد أمين : (كان أحمد أمين رجلاً حقوداً ضيق الأفق تأكل قلبه الغيرة من كل متفوق ، ومن كل متقن للغات أجنبية لأنه كان لا يعرف لغة أجنبية فيما عدا قشور تافهه من أوليات اللغة الإنجليزية ، وكان يسعى للتعويض عن عجزه هذا بانتحال أعمال الآخرين ، خصوصاً الناشئة المتطلعون إلى الشهرة بالتسلق على جذور الشخصيات ذات الشهرة أو النفوذ).

وفي الأخير مهما أختلفنا في شخصية عبدالرحمن بدوي أو فعله وخاصة عندما صرّح بالمضرة لبعض الكتاب سواءً باللسان أو اليد ، فالكل يشهد بتفوقه في مجال الفلسفة والنقد ، ويكفي عندما نقرأ كتابيه " من تاريخ الإلحاد في الإسلام " و " التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية " نعلم مدى عمق تفكيره وملكة حفظه وسرعة الغضب.

إلى اللقاء