- من العلماء الذين أمقت القراءة لهم أو معرفة أي نقلٍ عنهم وحين أرى نقلا عنهم أغض طرفي عنه: جلال الدين السيوطي الذي يعتبر سيد الوعائيين في عصره، فهذا الرجل قال عنه أحد العلماء المعاصرين -كما حدثنا بعض المشايخ- (أنه كان يبول كتبا)، فلا تكاد تجد في كتابٍ له أي فائدة ملموسة سوى كثرة النقول وحشو الكلام الذي كان سببا في فساد العلم، ولست أنا من يقول أنه بتلك السياسة أفسد العلم وإنما قال ذلك شكيب أرسلان قبلُ في الكتاب الذي جُمع له (تاريخ الدولة العثمانية) فقال:
(قص السيوطي عن شيخه العلامة محي الدين الكافيه جي الذي لازمه ١٤ سنة، أنه قد سأله -الشيخ- مرةً: ما إعراب زيدٌ قائمٌ؟ فقال السيوطي: قد صرنا في مقام الصغار نُسْأَل عن ذلك؟! فقال له: فيها مئة وثلاثة عشر بحثا، فقال السيوطي: لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج له الشيخ تذكرته، فكتبتها منها. اهـ.
قال أمير البيان شكيب: وما سبقنا الأوربيون في المعارف العمرانية والوسائل المادية إلا بكثرة اشتغالنا بزيدٌ قائمٌ إلى الحد الذي يخرج عن اللزوم، بينما كانوا يقضون أوقاتهم بالعلوم الرياضية، والتجارب الطبيعية المفيدة، وهكذا تفوقوا وتغلبوا علينا).
- وبسبب إسرافه بالتأليف كُذبت عليه عدة كتب كما نبه لذلك الحافظ عبدالله الغماري في النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم المنسوبة للسيوطي من قبل القبورية، وأيضا كتب الزواج والنيك نُسبت له كذبا.
- والعجيب مع هذا كله أنه كان يظن نفسه مجدد الإسلام وهذا عجيب لأنه لا مجدد في الإسلام كان يخطط لأن يكون مجددا وإنما اصطلح الناس على كونه مجددا بعد مماته حين تظهر أفكاره للعيان (ولتعلمن نبأه بعد حين)، ولكنها سنة الوعائيين في تضخيم أنفسهم فهذا شيخ العربية وذاك آخر الحفاظ والآخر مسند الدنيا وخاتمة المحدثين و...الخ، ومع الأسف أن عبدالله الغماري وهو الحافظ الذكي من ناحية إلا أنه في سيرته الذاتية أيضا ظن نفسه مجدد الإسلام ووقع في هذا المزلق.
- وقد كتب الحافظ عبدالله الغماري رسالة في نقد كتاب السيوطي الإتقان الذي أضر الإسلام بإدخاله للأحاديث الموضوعة والضعيفة في موضوعٍ مهم وكبير كهذا الموضوع، وأتعجب من صنيع السيوطي ومن عقله الوعائي التجميعي كيف يسمح لنفسه ذلك، ولست أول المتعجبين بل شيخ مشايخنا العالم الفقيه المبدع مصطفى الزرقا قال في حاشية كتابه في الحديث النبوي ص ٣٤ حينما ذكر حديثا موضوعا ذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء:
(والكذب والاختلاق السياسي في هذا الحديث المزعوم واضح ظاهر. وقد أثبته الزمن أيضا فيما بعد، إذ خرج الأمر فعلا من يد العباسيين. والغريب أن ينقل السيوطي هذا الحديث الموضوع، ويستند إليه في مقدمة تاريخه هذا وهو مؤلف كتاب: "اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة"!!!).
- إن الحسنة الوحيدة التي قد تحسب للسيوطي هي كثرة نقولاته من الكتب التي فقدت، وشخصيا حتى هذه النقولات تحتاج للتمحيص فإن ثبت النقل فهل يلزم ثبوت المعنى؟! فللعلماء ألفاظ ومصطلحات قد يقولون أشياءً لا تُفهم إلا من سياقاتها فهل نقولات السيوطي من هذا النوع الفاهم للمنقول؟! شخصيا لا أثق به.