طائفية ساسة العراق وعنصريتهم
الحلقة الثانية
(( شيخ الكراهية النقيب ))
القسم الثاني
تحول الشيخ عبد الرحمن تحولا سريعا نحو المحتل الانكليزي مقدّما فروض الطاعة والولاء بكل حماسة وتملق وخفة ؛ قد لا تنسجم مع عمره ومكانته الدينية ، متخليا عن عقيدته في الخلافة العثمانية الغاشمة التي طالما خدمها وادعى موالاتها واستفاد منها جاها ومالا , ومغيرا جلده كالحرباء ؛ من أجل تحصيل المكاسب السحت والمغانم الحرام وامتيازات الخونة .
وقد عبر احد افراد عائلة النقيب نفسه عن نفعيته وخسته المادية محاولا تبييض صفحته السوداء بتأليف كتاب عنوانه : ((براكماتية عبدالرحمن الكيلاني النقيب ، د/ جمال الدين فالح الكيلاني - مجلة فكر حر بغداد 2011.. )) .
و لعل أقبح صور الخيانة هي خيانة الوطن لأن من وقع عليه الفعل هنا هو الوطن فعندما تكون الخيانة بحجم الوطن ؛ تكون الدناءة والانحطاط واللؤم والخسة التي تنطوي عليها نفس الخائن , ومن هنا كانت خيانة الوطن خيانة عظمى.
والخائن هنا فيه ورم سرطاني لا علاج له سوى الاستئصال فكيف تصبح الخيانة وطنية ؟!
كيف يتسنى للبعض ايجاد مسوغات لخيانة هذا او ذاك ؟!
عندما ينطمس معنى الوطن والوطنية في الأنفس والقلوب والعقول والوجدان فلا غرابة عندما تقع الخيانة ؛ فالوطنية كلمة لا معنى لها في نظر بعض الكائنات البشرية التي تتصف بالطائفية والعنصرية والقبلية والحزبية ... والتي طالما تظهر بيننا كالفقاعات بين الفنية والأخرى ؛ لأن الوطن عندهم ليس ذلك الوطن الجريح الذي يعاني شعبه ويلات الحروب والعوز والفقر والمرض والتخلف والتفاوت الطبقي والتمايز الطائفي والعنصري والمناطقي ... .
لأن الولاء عند هؤلاء هو للمال والطائفة والفئة والمنطقة ... فلا ولاء للوطن , ولا انتماء للأرض , ولا شعور بالوطنية ؛ وإنما مطلق الولاء والانتماء للطائفية والفئوية والمناطقية والحزبية و الذاتية والبحث عن السلطة بأي ثمن .
ولأن من شب على شيء شاب عليه ؛ جاء الشيخ عبدالرحمن الى العهد الجديد – العهد البريطاني – محملا بكل الحساسيات والعصبيات الطائفية والعنصرية التي ورثها من الاتراك اولياء نعمته السابقين ؛ , لذا نراه قد ارتكب من الاخطاء الجسيمة والجرائم السياسية الكبيرة ما فاق سجله الاسود في العهد العثماني .
اذ تماهى مع الانكليز في مشروعهم القاضي بتحويل العراق الى مستعمرة دائمة ومحتلة كالهند , وقد قال لهم في احدى المرات : (( ان الانكليز فتحوا هذه البلاد وبذلوا ثروتهم من اجلها كما اراقوا دماءهم في تربتها ، إذ ان دماء الانكليز والاستراليين والكنديين ومسلمي الهند وعبدة الاصنام قد خضبت تراب العراق ولذلك فلا بد لهم من التمتع بما فازوا به وما كسبوه . ويضيف قائلا، انني اعترف بانتصاركم، وانتم الحكام وانا المحكوم وحينما اسأل عن رأيي في استمرار الحكم البريطاني اجيب بانني من رعايا المنتصر ... ))
كان النقيب معجبا بالإنكليز كعادته فهو ينطبق عليه المثل الشعبي العراقي : (( الياخذ امي يصير عمي )) , اذ كان يقول : (( بان البريطانيين اذا وضعوا قدمهم في مكان لا يرفعونه عنه ، وهم اذا تمسكوا بشيء
احتفظوا به الى الابد )) ؛ المحتل الذي يسمع كلاما كهذا من متملق عميل كالنقيب ؛ سيقيم في البلاد مرتاح البال حتى لو كان في نيته الرحيل , فالنقيب يقدم العراق على طبق من الذهب للإنكليز في حواراته معهم .
وقد بلغ من تملقه انه خاطب المستشارة المس غيرترود بيل بقوله : ((وأنـا أقـول هـذا لـكِ أنـتِ فـقـط يـا خـاتـون صـاحـب ..)) وهذه نص العبارة بالإنكليزية (( Khatoun Sahib )) ، و من المعروف ان البغداديين كـانـوا يـسـمـون الـمـس بـيـل : بـالـخـاتـون ؛ ولـكـن كـلـمـة صـاحـب تـبـدو غـريـبـة فـهـي كـلـمـة يـسـتـعـمـلـهـا الـهـنـود عـنـدمـا يـخـاطـبـون الـبـريـطـانـيـيـن ، وتـعـني (( سـيّـد )) ؛ ولا اظنه يختلف عن الهندي فكلاهما جاران وعبدان للسيد المنتصر آنذاك ؛ وقد ضاقت ذرعا المس بل بكثرة كلامه وثرثرته...؛ بل وقد نشأت علاقة صداقة بين زوجة عبد الرحمن للمس بيل - راجع :برنامج وثائقي في قناة الحرة عراق (حول المسل بيل)  - ؛ فهذا الخائن يوطد العلاقات بينه وبين المحتلين الى درجة ادخالهم الى بيته واقامة علاقات عائلية حميمة فيما بينهم ؛ بينما تراه ينفر من اهل العراق الاصلاء و يكره ابناء الوطن الكرماء ..!! .
وبينما كان الشيخ النقيب غارقا في بحر العشق البريطاني الجديد , كان الشعب العراقي يغلي كالمرجل رافضا سياسة تهنيد العراق وضمه الى بريطانيا , ومستنكرا لأفعال الانكليز الذين عاثوا في الارض فسادا وافسادا وظلما وقمعا ونهبا للثروات ؛ مما دفع العراقيين فيما بعد , للخروج على بكرة أبيهم وبكل مكوناتهم ؛ بما فيهم رجال الدين الشيعة ، في مظاهرات سلمية ضد الاحتلال البريطاني وللمطالبة بالاستقلال ، وسرعان ما تحولت المظاهرات السلمية إلى ثورة مسلحة عرفت بثورة العشرين ، نتيجة ممارسات الاحتلال القمعية .
وفي هذا الاثناء اتخذ الشيخ عبد الرحمن النقيب هو وامثاله من المنكوسين كعادتهم موقفا بالضد من الارادة العراقية , ومعارضا للثورة الوطنية , وقد نصبه الانكليز رئيسا للوزراء بعد ثورة العشرين , تثمينا لمشاعره الاخوية تجاه البريطانيين , وجهوده ومساعيه الحثيثة لإفشال تجربة الثورة والوقوف بوجه الاغلبية العراقية , وقد شكل ثلاث حكومات خلال المدة من عام 1920 الى عام 1922 ؛ وقد بلغ من خسته وعمالته ان المندوب السامي البريطاني يتشاور معه في بعض المسائل ولا يخبر الملك فيصل بذلك في بعض الاحيان , وقد اعتمد الانكليز عليه في تمرير وتصديق المعاهدة العراقية البريطانية عام 1922 ؛ وخلال هذه المدة بان معدنه الطائفي بشكل سافر , وانكشفت سريرته الخبيثة بما لا يقبل الشك .
والشواهد كثيرة جدا بل متواترة على طائفية الشيخ عبد الرحمن النقيب ومنها ما ذكرته المس بيل في رسالتها المدوّنة في تاريخ 22 كانون الثاني 1921 الآتية : (( لقد سمعت اشاعات ان سنة بغداد يتدارسون فيما بينهم أيها أفضل لهم "طائفياً" ... هل سيناسب أجندتهم السياسية بأن يقبلوا بسلطان تركي كأمير، إذ انهم يخافون أن يطمسهم الشيعة ... , قد يكون خيار الحاكم التركي "سنياً" أفضل من تولية ابن "شريف حسيني" عليهم .. . الحكومة الحالية والتي بغالبيتها المطلقة "سنية" ... وهي لا تفعل شيئاً من أجل ارضاء الشيعة ... , انهم الآن يعيّنون مجموعة من المدراء الاداريين في المحافظات والأقاليم , وتكاد أن يكون معظم الأسماء "سنية" بحتة حتى في الأقاليم الشيعية في الفرات باستثناء مدينتي النجف و كربلاء... , النقيب (عبد الرحمن) وهو الأسوأ "طائفياً" بين أقرانه في هذا الأمر، والذي يكره الشيعة ، وهو يرفض أي شيعي يطرح اسمه من قبل وزير داخليته طالب النقيب في التعيينات ..)) .
ان هذه المراسلات الرسمية تعد وثيقة دامغة ؛ مهما حاول المجرمون والطائفيون والعملاء التملص من عارها وشنارها , و الافلات من محكمة التاريخ ؛ فهي تدل على طائفية هؤلاء الغرباء والدخلاء المنكوسين , اذ كان معيارهم الطائفية المقيتة والعنصرية المناطقية والعمالة للأجنبي والاعتماد على غير العراقيين ؛ وليس الهوية الوطنية والمصلحة العراقية .
ومع شديد الاسف اصبحت دعوى (( التسنن )) مظلة يحتمي تحتها كل الغرباء والدخلاء والطارئون من وعاظ وجنود وخدام واتباع الغزاة والمحتلين والسلاطين ؛ والتسنن الحنفي منهم براء , فالعراق كان ولا يزال علويا حنفيا وكلاهما يجسدان الصورة الحضارية الناصعة للإسلام بصيغته العراقية , واما ما يتحدث عنه القوم ويعتقدون به ؛ فهو لا يمت بصلة الى بلاد السواد , فإسلام هؤلاء اسلام اموي ناصبي اعرابي غريب وطارئ على هذه الارض .
فالفقيه ابو حنيفة قد قاوم الظالمين من بني امية وبني العباس وناصر الثورات العلوية والجماهيرية و وقف مع اهله في العراق , ولم يكن من اجنحة السلطة الغاشمة , وكل ما كتب ضده مكذوب وملفق ؛ لأنه من النبط سكان العراق القدامى , فهذ الشرذمة المدلسة لا تمت الى ابي حنيفة بصلة ولا للعراقيين بآصرة قريبة.
راجع النص المذكور انفا – عزيزي القارئ - وانظر الى خستهم فهم يفضلون الامير التركي على العراقي , ولا عجب في ذلك فهم من ابناء الانكشارية وشذاذ الافاق والغلمان الذين جاؤوا مع الاتراك من كل فج بعيد ؛ ليدنسوا هذه الارض الطاهرة بنجاستهم الطائفية وقذارتهم العنصرية وغزواتهم الهمجية , فوجودهم مرتبط بالأجنبي ارتباط العلة بالمعلول .
والشيخ عبد الرحمن النقيب ايضا - ومن لف لفه - كان يفضل الامير التركي السني على الملك الهاشمي الحسيني السني ايضا ؛ وهذا يدل على جذور الرجل العرقية او لا اقل تربيته في احضان الاتراك فشبيه الشيء منجذب اليه , فهو يكره الحسينيين وان كانوا سنة مثله , ومع ذلك يدعي انه منهم , الا ان رائحة النصب والحقد والغيرة والانانية واضحة ...!! , وكل ما قيل في توجيه افعاله هذه من الاختلاف بين العراق والحجاز ,كلها اكاذيب تخفي الحقيقة خلفها .
وقد بلغ من طائفية هؤلاء المنكوسين لاسيما كبيرهم الشيخ عبد الرحمن النقيب , انهم يرفضون تعيين العراقيين جملة وتفصيلا , بل يكرهون رؤيتهم في الدوائر الحكومية ويشمئزون منهم , وليتهم كانوا على الاجانب كذلك ؟!
كلاب للأجانب هم ولكن*** على أبناء جلدتهم أسود
حتى الانكليزي الخبيث اقشعر جلده واشمأزت نفسه من هذه الطائفية الحقيرة ؛ بينما هؤلاء لم يرف لهم جفن ولم يبالوا بالمطالب الحقة الشعبية , فهم كالحجارة بل اشد قسوة .
وقد اختتمت المس بيل رسالتها وكان ختامه عفن فكري ونتن طائفي ؛ بقولها : ان الأسوأ والاقذر والاكثر طائفية وعنصرية من بين هذه العصابة الدخيلة : هو الشيخ عبد الرحمن النقيب الذي يكره الاغلبية العراقية كرها لا مثيل له ويرفض كل المحاولات الوطنية التي تدعو إلى المساواة والعدالة الاجتماعية بين ابناء البلد الواحد , وتصور مدى الحقد الاعمى الذي يحمله هذا الشيخ تجاه العراقيين حتى لو كان المرشح العراقي الاصيل لهذه الوزارة او تلك من قبل وزير داخليته وقريبه كما يدعي والذي يدانيه بالطائفية , بينما لا يرى هذا الشيخ المنكوس ضيرا في تعيين وزيرا داغستانيا , او قائمقاما شيشانيا او فلسطينيا في مدينة السماوة , اوان يوظف معلما سوريا امويا متعصبا ناصبيا في بغداد ... !!
وهذا نص اخر يكشف حقيقة الرجل ويسلط الاضواء على ثقافته السلطوية وعقليته المتحجرة : ((وأشـهـد بـالله أنّـه لـو كـان الـسّـيـر بـرسي كـوكـس هـنـا لـمـا احـتـجـنـا إلى اسـتـفـتـاء آراء الـنّـاس عـمـا يـودّونـه في الـمـسـتـقـبـل , وهي فـكـرة غـريـبـة سـبـبـت هـذا الـهـيـجـان الّـذي لـم يـهـدأ بـعـد في الـمـدن , وأنـتِ تـعـرفـيـن أنـني لـم أشـارك فـيـه، ومـنـعـت أهـلي وأقـاربي مـن الـمـشـاركـة فـيـه .. ))
هذا الشيخ المتعصب يعتقد أن العراقيين كالقطيع لاحول ولا قوة , ويجب ان يساقوا سوقا نحو الغايات السلطوية , فهو يريد ان ينزع من المجتمع العراقي صفة الانسانية وحرية الاختيار والقرار , ويحول العراقيين الى مجموعة من العبيد والمقهورين تخدم سيدا واحدا هو الدكتاتور الطاغية او تأتمر بأمر الحكومة الظالمة احادية الفئة والتوجه والتفكير , لذلك تراه يكره الديمقراطية ومشاركة الجماهير في تقرير المصير بل ويصل به الحد الى منع ابنائه وذويه واقربائه من المشاركة الشعبية الواسعة والتي تعبر عن الارادة العراقية الحقة , اذ انه يعد الحراك الاجتماعي المدني والتداول السلمي للسلطة تهديدا لوجوده و وجود امثاله من الغرباء , فهذا الشيخ ومن على شاكلته من اتباع الانكشارية والمجرمين الاتراك ؛ بينهم وبين الحياة المدنية الكريمة ما صنع الحداد .
وجاء ايضا في هذه المراسلات ما يلي : ((وبـعـد أن انـتـهى الـنّـقـيـب مـن تـحـذيـره لي، عـاد إلى مـوضـوع حـقـوق الـشّـعـوب في تـقـريـر مـصـيـرهـا : مـا كـلّ هـذا الـهـراء، ومـا قـيـمـتـه ؟ أنـا أُرجـع هـذا لأمـريـكـا، ومـصـدره ولـسـن. فـهـل يـعـرف الـشّـيـخ ولـسـن الـشّـرق وأهـلـه ؟ وهـل يـعـرف طـرق عـيـشـنـا وعـاداتـنـا الـفـكـريـة ؟ وأنـتـم يـا إنـكـلـيـز، تـحـكـمـون مـنـذ ثـلاثـة قـرون في آسـيـا، وحـكـمـكـم مـثـال يـنـبـغي أن يـقـلّـده الـكـلّ. تـابـعـوا طـرقـكـم في الـحـكـم ولا تـتـبـعـوا إرشـادات الـشّـيـخ ولـسـن أو نـصـائـح آخـر غـيـره. ولـتـرشـدكـم الـمـعـرفـة والـتّـجـربـة )) .
انه ينصح الانكليز بالاستمرار بسياستهم الاستعمارية القمعية المركزية ويحذرهم من موضوع حقوق الانسان والبنود التي جاءت به لإحقاق الحق وانصاف الشعوب المقهورة ,بل يعد حقوق الانسان والكرامة الانسانية والديمقراطية والحرية هراء وكلاما اجوف وليس له اي قيمة بنظره ؛ فهو يؤمن بمنطق القوة وفرض الامر الواقع بحد السيف , بغض النظر عن الحق والباطل والعدل والظلم ؛ وطريقة تفكيره هذه لا تختلف كثيرا عن طريقة تفكير العصابات والمافيات .
هل يوجد على وجه الأرض من هو أحقر وأنذل من إنسان ؛ يأكل ويشرب مع العراقيين , وهو يضمر كل هذا الحقد الاعمى والضغينة تجاههم بحيث يفضل الغريب الطارئ والاجنبي المحتل عليهم ؟! ؛ وقيل : انهم سألوا (هتلر) قبل وفاته : من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك.. ؟ قال: ( (أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي ؛ هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم )) .
لنرجع الى مذكرات السيدة بل و لنبين مزيداً من انجازات النقيب هذا ؛ و حقده على الاغلبية العراقية ؛ اذ قال لها : ((أغـلـب مـن عـلا ضـجـيـجـهـم ضـدّكـم نـاس لا أهـمـيـة لـهـم ولا شـرف ... ))
اتهم كل المعارضة العراقية واشراف ورجال العراق بأنهم بلا شرف ولا سمعة ..!!
وكما يقول المثل العربي : شنشنة أعرفها من أخزم ؛ فليس غريبا عليه وعلى امثاله الاستعانة بالغزاة والمحتلين ضد ابناء الشعب العراقي وتسفيه مطالب الجماهير العراقية , و لا غرو في ان مثله يفضل حكم الاجنبي لأنه اجنبيا غريبا مثله وقد يجانب المرء بلده واهله وثقافته فيصبح اشد غربة من الاجنبي نفسه , ومن الوقاحة والصلف ان يتحدث مثل النقيب عن الشرف والسمعة , ألا يعلم النقيب ان الوطن بمنزلة العرض والشرف للإنسان الحر بل هو روحه التي بين جنبيه ؟!
ومن يهن عليه وطنه يهن عليه عرضه وشرفه ؛ فلو كان النقيب يمتلك ذرة من الشرف لما تكلم على الشرف لان العهر اليق بشخصه ؛ فبينه وبين الشرف والوطنية بون شاسع .
والخائن العميل يبقى ذليلاً قميئا وضيعا ولو وضعوا على رأسه كل تيجان العالم ، ويبقى صغيرا واطئا مهما نفخوا في أوداجه وجعلوه رئيساً أو وزيراً او مرجعا دينيا .
وقد كتبت السيدة بل ايضا في 7 شباط 1921 : (( مجدداً... ينتاب الشيعة الشعور بالحرقة...فهم غير ممثلين في الوزارة العراقية ... , والتي بغالبيتها العظمى هي "سنية" و التي هي مصممة بشدة على بقائها سنية الطابع ... , هناك مجموعة من الاخفاقات في اختيار أعضاء المجلس و الوزارة ... , من أسوأ الاختيارات هم من اختارهم "النقيب" شخصياً ... وهناك شخص أو شخصان فعالان في الادارة فقط ... و لكنهم جميعاً "سنة .... ))
ويضيف النقيب ايضا : ((ومـن سـمـع قـبـل الآن بـجـعـفـر أبـو تـمّـن ؟ فـهـو لـيـس مـن أشـراف الـبـلـد . ولـكـنّي حـذرتـكِ مـن الـشّـيـعـة ، مـع أنّـه لـيـس لي عـداء نـحـو الـشّـيـعـة ”، أسـرع يـطـمـئـنـني. وقـد احـتـطـت بـالـحـذر حـتّى لا يـظـهـر عـلى وجـهي الـشّـكّ فـيـمـا قـالـه، : “وهـم يـحـبّـوني ويـحـتـرمـوني ويـعـتـبـروني شـيـخـاً لـهـم . ولـكـن اقـرأي صـفـحـات الـتّـاريـخ وسـتـجـديـن أن مـا يـمـيـزهـم هـو تـقـلّـبـهـم … امتزجت فـيـهـم الـوثـنـيـة بـالـتّـقـيـة ، وهـو مـا لا يـتـرك مـكـانـاً لـلـثّـقـة بـهـم ”. ))
كشفت هذه التقارير والمراسلات البريطانية عن دور هذه الشرذمة في تثبيت سياسة الفكر الواحد والحزب الواحد والطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة والدكتاتورية والاقصاء والتهميش والطائفية والعنصرية في العراق طوال ثمانية عقود , فقد ارسوا قواعد سياسية شاذة منكوسة في التعاطي مع العراقيين , اتبعوها خلفا عن سلف , وجعلوه سنة نكراء لا يحيد عنها اي شخص يحكم العراق او يتسلط على العراقيين من الطارئين والغزاة والزواحف وشذاذ الافاق من اتباع الخط المنكوس ... هذه القواعد الشيطانية المنكوسة التي ما زلنا نعاني منها الامرين , وبينت مشاعر الحقد الاعمى والطائفية البغيضة التي يكنها النقيب للعراقيين , وقد اعطى النقيب محاضرة في عقائد المسلمين للسيدة المس بيل , فهو طالما تبرع للمحتلين بإدلاء معلومات عن العراق واهله ؛ وقد دس السم الزعاف بالعسل , وخلط الاوراق , ومزج الحق بالباطل لغاية في نفسه , وها هو يعترف بأن الشيعة يحترمونه و يرجعون اليه – وان كنت اشك في ذلك لأنه ليس اهلا للاحترام والود – ومع ذلك يكيل لهم التهم ويرميهم بالأباطيل ؛ ويسفه ويقلل من قيمة رجال الاغلبية العراقية ؛ وقد رأيتم كيف انه طعن ب جعفر ابو التمن الوطني الذي شارك مع اخوانه العراقيين في ثورة العشرين , بل يعد من ابرز الشخصيات الوطنية التي تميزت بالمسؤولية الوطنية وبتساميها فوق الاهواء الطائفية والتعصب القومي , وبتأكيدها التمسك بالهوية العراقية الجامعة , بوصفها الهوية الاساسية التي تصون البلاد وتحفظ حقوق العراقيين كافة بغض النظر عن انتماءاتهم واعراقهم وطوائفهم ... , وليس من المستغرب ان يطعن الدخيل بالأصيل والمتحجر بالمتنور والمخرب بالمصلح , فالأضداد لا تجتمع البتة ؛ وكما قال الشاعر العراقي ابو الطيب :
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ ... فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ
المصادر
...................................................................
1- مقالة ((عـبـد الـرّحـمـن الـنّـقـيـب وتـشـكـيـل الـحـكـومـة الانتقالية عـام 1921 )) للدكتور صباح الناصري .
2- الحركة الوطنية في العراق للدكتور عبد الامير هادي العكام -رسالة دكتوراة جامعة القاهرة 1966.
3- عبد الرحمن النقيب في رسائل الخاتون للدكتور عبد الله حميد العتابي .
4- كتاب فصول من تاريخ العراق القريب وهو ترجمة عربية لبعض رسائل المس بيل و الذي نقله الى العربية جعفر خياط.
5- مقالة ((لم نرى احقر من الذين ساعدوا على احتلال وطنهم وجلب المرتزقه والقوات الغاشمة المحتلة )) للكاتب جسار صالح المفتي .