القسم الاول
لو تأملنا في سيرة بعض رجال الدين من الاقلية في ظل الاحتلال العثماني الغاشم، لرأينا العجب العجاب , فقد كان هؤلاء المنكوسون مثالا جليا للعمالة والتبعية الذليلة للأتراك الظالمين المحتلين , بل ساروا على المنهج المنكوس حذو النعل بالنعل , و نظرة خاطفة لسيرتهم واقوالهم ؛ تثبت لنا بالدليل والبرهان أنهم لا يعرفون معنى الانسانية ولا قيمة الحياة المدنية ولا القيم والمثل العراقية الاصيلة؛ لأن التعصب والتكفير والقتل والتهميش هي من بديهيات قاموسهم الديني الإرهابي ضد العراقيين لاسيما الأغلبية منهم .
وتاريخهم حافل بالفتاوى الطائفية والانتهاكات البشعة التي يندى لها جبين الانسانية , وعندما حاول اسيادهم الاتراك السفاحون بطرق شتى إبادة الاغلبية العراقية وغيرهم من المسلمين الشيعة في البلاد الاخرى واستئصالهم على بكرة أبيهم , كانت تلك الشرذمة من رجال الدين خير ظهير لهم .
اذ ذاقت الاغلبية العراقية الامرين في ظل الاحتلال التركي الظالم , إذ أعلن سليم الأول الحرب الطائفية على الشيعة في العراق بعد أن استصدر فتوى بكفرهم وجواز قتلهم؛ فقتل منهم أكثر من أربعين ألفا سوى من أودعهم في غياهب السجون, وسار على تلك السياسة من جاء بعده من الولاة العثمانيين وخاصة والي بغداد عمر باشا الذي سلبهم قوتهم وضايقهم في معيشتهم , كما كانت لهم يد في الهجوم الاعرابي الوحشي للوهابيين على مدينة كربلاء عام 1882م والتي وصفت بأنها : جريمة تقشعر منها الأبدان وتشمئز منها النفوس ؛ لهمجيتها وبشاعتها اذ دلت الحقائق على تسهيل دخول الوهابيين إلى المدينة ـ والذي جرى في عهدهم ـ وإعطائهم الضوء الأخضر بقتل من فيها وهدم مراقد ال البيت وحرقها .
ومن أبشع جرائم العثمانيين التي ارتكبوها ضد العراقيين ايضا ؛ هي حادثة نجيب باشا في كربلاء عام 1842م حينما انتفضت هذه المدينة على السياسة العثمانية الجائرة المستبدة فحاصرها نجيب باشا الذي عرف بحبه لسفك الدماء لإخضاعها فقصفها بالمدافع وقطع النخيل وأغار المياه حتى استطاع دخولها بجيشه فاستباحها قتلاً ونهباً وتدميراً حتى اصطبغت أرضها بالدماء .
ومن اللافت للنظر ان الاغلبية العراقية ذهبت للدفاع عن الخلافة العثمانية التي ناصبتهم العداء ضد الانكليز , بحجة انهم من المسلمين بينما تواطأت شخصيات الاقلية المستفيدة من الاتراك سابقا مع المحتل الانكليزي الكافر ولعل الشيخ عبد الرحمن النقيب من ابرز المصاديق التاريخية لهذه الفئة النفعية .
وكان من ضمن هذه الجرائم، التركية ما سمِّي بـ (( مذابح سيفو )) - أي السيف في اللغة السريانية – إذ شنَّت القوات العثمانية سلسلة من العمليات الحربية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية كردية استهدفت الآشوريين والكلدان والسريان في مناطق شرق تركيا وشمال غرب إيران وشمال العراق علما ان بعضهم من اصول عراقية قديمة ؛ وقد قتل في هذه العمليات مئات الآلاف من الآشوريين، كما نزح العديد منهم من مناطقهم , ويقدر الباحثون العدد الكلي للضحايا بنحو 250 – 500 ألف قتيل ؛ ونتيجة لعدم وجود كيان سياسي يمثل الآشوريين في المحافل الدولية، فإن هذه المجازر لم تحظَ بالاهتمام الدولي نفسه الذي نالته مذابح الأرمن .
والشيخ عبد الرحمن النقيب واحد من هذه الزمر الدينية العثمانية, فقد كان يرى بأم العين منظر مشانق الاعدام المنصوبة في الميدان التي يصلب عليها العراقيون وبشكل شبه يومي , ويسمع بكل هذه الجرائم الا انه كغيره من المنكوسين المنتفعين يبارك لهم اجرامهم بحق العراقيين وغيرهم ؛ ولم يكتفِ بذلك , بل أسس خط الكراهية والطائفية الحديث الذي بدأ رسميا منذ عام 1920 م , فكل الذي حدث في العهدين الملكي والجمهوري , وما نراه يحدث في العراق الان من طائفية ومظالم وازمات وجرائم ؛ كان بسبب هذا الشيخ الهرم - كبيرهم الذي علمهم الافك والعمالة والطائفية والعنصرية - ومن لف لفه من الغرباء والاجانب والحاقدين والمجرمين , فهو وهم سنوا سنة الجور والسوء والتعصب والتفرقة والطائفية .
يدعي هذا الشيخ انه من ذرية الشيخ عبد القادر الجيلاني وقد ادعوا في الوقت نفسه ان الشيخ عبد القادر الجيلاني من الاشراف ؛ واني بعد البحث والتحقيق حول هذا الموضوع الشائك لا استطيع الجزم بصحة هذا النسب او بطلانه لعدة اسباب ومنها : ضيق الوقت ومناسبة المقام ؛ فقد قيل قديما لكل مقام مقال وهذه مقالة وليست بحثا تخصصيا ؛ ولكن مع ذلك سأمر بالموضوع مرور الكرام .
توفي الشيخ الجليل والروحاني النبيل عبد القادر الجيلاني عام 561 ؛ وهناك خلاف في محل ولادته إذ توجد روايات متعددة أهمها القول بولادتهِ في كيلان في شمال إيران حالياً على ضفاف بحر قزوين، والقول الآخر أنه ولد في قرية الجيل العراقية وهي قرية تاريخية قرب المدائن ؛ ولعل الرأي الاقرب للواقع هو الاخير فالشيخ عبد القادر الجيلاني من العراقيين الاوائل ؛ ولعله كان من النبط كما كان الفقيه النحرير والحقوقي الكبير ابو حنيفة النعمان الكوفي العراقي , ومن المعروف ان اعداء العراق عملوا جاهدين على سرقة تاريخ العراق بكل شخصياته وانجازاته ونسبتها الى الغير زورا وكذبا .
وعليه يكون ادعاء النسب الهاشمي مستبعدا والامر نفسه يرد ؛ اذ قلنا انه من كيلان الايرانية , ومن الملحوظ ان النسب الهاشمي من اكثر الانساب التي تعرضت للدس والادعاء والتزوير على مر التاريخ ولأسباب عديدة مادية ومعنوية وسياسية , وفي قلائد الجواهر للتادفي الحنبلي أنَّ له نسباً حسنياً وهو : ( الشيخ عبد القادر بن موسى جنكي دوست بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن الزكي ) ولا يصح هذا النسب لأن يحيى الزاهد لم يكن له أبن معقب يدعى عبد الله ، علماً ان الشيخ عبد القادر الجيلاني لم يدع هذا النسب وإنما ادعاه له أحد أحفاده ؛ بل يدعي ايضا انه منهم .
و ان شخصا مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني يشرف الانساب ولا تشرفه الادعاءات من قبل بعض الاتباع والمريدين لغاية في نفوسهم ؛ اذ كان مثالا حيا للإنسانية ومصداقا بارزا للروحانية السامية .
وهذا الادعاء له علاقة وثيقة بالأشراف ونقابتهم كما هو معلوم , على الرغم من انه لم يرد مصطلح الأشراف ومشتقاته في القرآن الكريم، ولم يُعرف في تاريخ المسلمين وتراثهم إلا في العصر العباسي الثاني، حينما انتشر زعم الانتساب لذرية الامام على بن أبي طالب ، والتلقب بلقب (شريف) ، وذلك بسبب عوامل سياسية ودينية ... ؛ وكثر التلقب بـ الأشراف وبصورة ملحوظة منذ العصر المملوكي، وهو عصر سيادة التصوف، والولاية الصوفية – وكانت هذه الطريقة مدعومة من الاتراك - ، والتي تستلزم الانتساب إلى آل البيت، وبعدها شاع اصطناع شجرة النسب إلى آل البيت، ثم أضافوا إلى الأشراف من يزعم النسب إلى أبي بكر وعمر، فوجدت السادة البكرية والسادة العُمرية في العصر العثماني .
وفي نهاية العصر العثماني صار للأشراف نقابة وأوقاف وجاه ونفوذ، فظهر التزاحم على لقب (الأشراف) ، للحصول على مزايا كثيرة، مما دفع ببعض السلاطين الى التدخل وبصورة مباشرة في هذا الموضوع الحساس .
و في التاريخ أيضاً شاع ما يسمى (الشريف العجمي) وهو شيخ صوفي إيراني يحمل معه النسب لآل البيت ولقب (الشريف) ، ومن ثم انتشروا في بلدان كثيرة ، ومنها : أندونيسيا، واليمن، ومصر، والسودان، وغيرها .
وقد اندفع بعض المندسين والسياسيين من رجال الدين للانخراط في هذه النقابة ؛ لإضفاء شرف غير حقيقي لهم , ولتحقيق بعض المكاسب المادية والمعنوية الشخصية , و لتنفيذ المخططات السياسية المرسومة من قبل السلطنة العثمانية وغيرها .
مر عليكم انفا ان الشيخ عبد القادر الجيلاني قد توفى عام 561 من الهجرة وقد انجب اولادا حملوا اسمه , وعندما هجم المغول على بغداد قاموا بتخريب الحضرة القادرية وقتل عدد من ذرية الشيخ عبد القادر ؛ بينما هاجر الاخرون من ذريته – من الذين نجوا من المجزرة - الى خارج بغداد بل العراق ؛ هربا من بطش المغول عام 1258 م ؛ وبعد قرون من الظلام والتهجير والقتل والانكفاء والتهميش والجهل المطبق وغياب العلم والتوثيق ؛ وفي عام 1534م خرج شخص اسمه السيد زين الدين القادري – جاعلا من الشيخ عبد القادر عشيرة ولقبا – يدعي انتسابه إلى الشيخ عبد القادر , هكذا فجأة ومن دون مقدمات منطقية مقنعة , ولم يقف الامر عند هذا الحد ؛ بل جاء الى بغداد بفرمان سلطاني – اي امرأ عثمانيا – من قبل السلطان الطائفي المجرم سليمان القانوني الذي يبغض المسلمين من اتباع ال البيت بغضا منقطع النظير , ليترأس فيما بعد نقابة الاشراف في بغداد ويتولى شؤون الحضرة القادرية ويسيطر على مواردها المالية الكبيرة , ويستمر الوضع قائما الى ان يصل الشيخ عبد الرحمن النقيب الى هذا المنصب وبمباركة السلطان عبد الحميد الثاني , لتبدأ رحلة جديدة من التواطؤ والعمالة ضد ابناء الشعب العراقي الذي كان يعاني الامرين من هذا الاحتلال الغاشم, وقد حصل النقيب على اوسمة ونياشين كثيرة من السلطان العثماني تقديرا لجهوده في خدمة الدولة العليا العثمانية .
ولا تزال المطابخ السياسية ودهاليز المخابرات تصنع لنا امعات على هيئة قادة وشخصيات مزيفة من ورق وعملاء ابالسة يتظاهرون بالقداسة ؛ لتحقيق الاهداف السياسية الخبيثة .
وكما هو معلوم ان الكثير من الاشخاص قد ادعوا مقامات دينية لأغراض دنيوية بحت و ورثوها لأبنائهم , اي انهم نصبوا شباك الدين كي يصطادوا بها الدنيا ؛ ولعل صاحبنا وبعض اسلافه منهم , اذ كان عبد الرحمن النقيب من اشد المتمسكين بالدولة العثمانية والمتملقين للأتراك ومن المقربين للسلطان عبد الحميد الثاني .
وليت الادعاء جاء منسجما مع الثقافة العراقية ؛ اذ ان العراقيين يطلقون لقب ( السيد ) على الشريف بغض النظر عن كونه سنيا او شيعيا ؛ والدليل على ذلك السادة النعيم والعائلة الهاشمية المالكة وقتذاك , والاهزوجة الشعبية العراقية المعروفة ( دار السيد مأمونه ) تجسد هذه الثقافة واما كلمة الشيخ فتطلق على سائر الناس من غير الهاشميين ويقصد بها رجل الدين تارة او زعيم العشيرة تارة اخرى ... ؛ الا ان الشيخ عبد الرحمن النقيب اراد ان يكون شيخا وسيدا وعاميا وشريفا في الوقت نفسه !!؛ وان دل هذا على شيء فإنما يدل على حالة الاغتراب الفكري والثقافي والاجتماعي التي يعيش فيها هذا الشيخ وامثاله في بلاد الرافدين ؛ فهم مختلفون بكل شيء عن العراقيين ولا تربطهم بتاريخ هذه البلاد اي رابطة أو وشيجة سوى خدمة المستعمر الاجنبي والمحتل الغاشم .
والسيد طالب النقيب وزير داخلية الشيخ عبد الرحمن النقيب في وزارته ينتسب الى اللقب نفسه وقد زعم بعضهم انهما فرعان لأصل واحد ؛ الا ان امره مختلف بعض الشيء , فعائلة طالب النقيب انحدرت من مدينة مندلي وهاجرت الى البصرة في حدود النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، حيث نزح السيد طالب - من مندلي - وهو الجد الاعلى للأسرة الى البصرة خلال الاعوام 1811 ـ 1814 معه اولاده : عبد الرحمن ومحمد سعيد ، ثم اصبح للسيد مكانة متميزة بسبب دخوله مع السيد درويش الرفاعي نقيب اشراف البصرة آنذاك في مصاهرة ، وبعد وفاة الاخير انتقلت النقابة الى ابناء السيد طالب واول من تولى نقابة اشراف البصرة هو عبد الرحمن عام 1874 م ، ثم خلفه اخوه محمد سعيد الذي عين نائباً لرئيس ادارة ممتلكات السلطان عبد الحميد الثاني ( الادارة السنية ) , و هذه الاسرة كانت تحظى برعاية الشيخ ابو الهدى الصيادي - شيخ الطريقة الرفاعية في استانبول - ، والذي كان لها تأثير في السلطان عبد الحميد الثاني ، وقد استطاع ابو الهدى الصيادي ان يسهل للسيد طالب النقيب تبوء المراكز العالية وتقليد المناصب الرفيعة في البصرة ؛ مما دفع بعضهم للزعم بأن عائلة النقيب ترجع للرفاعية .
و من المعلوم ان مندلي تضم الكرد والتركمان والفيلية والعرب وبعض بقايا العثمانيين , كما كانت تحتضن اليهود والمسيح والصابئة الى وقت قريب , فضلا عن عدة عائلات من اصول ايرانية بحكم القرب الجغرافي وحالات المصاهرة بين عشائر وعوائل كلا البلدين على مر العصور , ولم يذكر التاريخ ان بها نقابة للأشراف او ان الاشراف يوجدون فيها بكثرة , ومن الطريف ان مندلي كانت تسمى قديما ب (البندنيج ) وصاحبنا عبد الرحمن النقيب كان اسم أستاذه العلامة الشيخ عيسى بن موسى البندنيجي ... !! .
وقد عد بعض النسابة عائلة النقيب من العوائل التركمانية اذ قال : ((النقيب : عوائل تركمانية سكنت بغداد و الموصل و كركوك و البصرة و ديالى لتختص بشؤون النقابة و الأشراف على آلية عمل المراقد و الأماكن المقدسة و مساعدة الوالي العثماني في الأمور الدينية المختلفة بصفة مستشار ديني.)) ؛ وما اكثر الذين خدموا في مراقد الاولياء والائمة وادعوا فيما بعد انهم من ذريتهم واحفادهم زورا وبهتانا ... .
الناظر في معمعة انساب وجذور بعض الاقليات والشخصيات في العراق يقع في حيص بيص , ولعلي لا اجد تعبيرا وافيا ينطبق على حالتهم هذه ؛ اكثر من المثل البغدادي الدارج : ((من كل زيج رقعة )) ؛ يضرب هذا المثل للمكان الذي يسكن فيه عدد من الناس دون أن يكون بينهم رابطة قرابة أو نسب , وتكون أخلاقهم سيئة ؛ - (( عجمي على قرجي وتركي مضرب بإيراني , وشيشاني وشركسي وكردي , وداغستاني مخلط بهندي , ومغولي على باكستاني , واعرابي بدوي وعربي مجهول النسب : مرة يدعي حجازي ومرة يمني ... الخ )) - ؛ هذه التشكيلة ليست تشكيلة رياضية لتصفيات بطولة كأس اسيا او العالم لكرة القدم , بل هي طامة العراق وبلاؤه , هذه الشرذمة لا تكرمنا بسكوتها وتلتزم الصمت حتى يكفي الله العراقيين شر التنابز بالأسماء والالقاب , بل راحت تدعي العلم بالتاريخ العراقي والانساب والجينالوجيا والانثروبولوجيا ... الخ , وتعطي صك الوطنية والجنسية العراقية لمن تشاء وكما تشاء , وتسقط عراقية من تريد و بغير حساب , وتكيل الاتهامات للعراقيين الاصلاء؛ وحالهم كما قال المثل الشعبي (( وحده بالحلة و وحده بالشام )) ...!!
وقد ولد الشيخ عبد الرحمن النقيب ببغداد في محلة باب الشيخ عام 1841 م ؛ ومن المعلوم لدى اغلب سكان بغداد والمؤرخين ان هذه المحلة محطة استراحة لطلبة العلم والتصوف الذين يهاجرون اليها من الهند وباكستان وتركيا وبلدان اسيا الوسطى وغيرها وبعضهم يمكث فيها و يستقر و يصبح من اهل المحلة , بالإضافة الى هجرة الفيلية اليها , وكثير ممن تلقبوا ب لقب الشيخلي اصولهم هندية , وان قيل : ان عائلة الشيخلي من العوائل التركمانية .
ولو دققت النظر في الواقع العراقي ؛ لوجدت ان بعض الاقليات عبارة : عن خليط غير متجانس عرقيا وثقافيا ولغويا واجتماعيا - (( لملوم )) ؛ لا يجمعهم شيء سوى العدو المشترك الوهمي - الاغلبية العراقية - الذي رسخه المحتل العثماني الغاشم و المستعمر الانكليزي الخبيث في عقولهم , وهذا الخليط الهجين احتمى تحت مظلة اللهجة البغدادية ؛ والتي اتقنها بعض الدخلاء والغرباء ومجهولو الاصل ؛ هربا من انكشاف اصله المجهول او تأصيلا لوجوده الطارئ وهجرته القريبة من بلاده البعيدة , ومن المهازل ان الشيخ النقيب يخاطب مستشارة الاحتلال البريطاني المس غيرترود بيل قائلا : (( إنّـكِ أصـبـحـت أنـتِ نـفـسـكِ بـغـداديـة .. )) وهب الامير ما لا يملك , شيخنا يوزع الهوية البغدادية على كل من هب ودب الا انه يستكثرها على العراقيين الاصلاء سكان البلاد الاوائل ..!!! .
وجند العثمانيون عدداً كبيراً من رجال العراق ومن محلة باب الشيخ للدفاع عنهم حينما دخلوا إلى جانب ألمانيا في الحرب العالمية الأولى – تسمى آنذاك سفر برلك سيئة الصيت ويعني التجنيد الالزامي - ؛ خسرت الدولتان الحرب أمام الحلفاء، ولم يرجع المجندون بعد الحرب من الأسر إلا القليل إلى أهله ؛ فليس مهما ان يرجع الشباب والرجال الى ذويهم من سوح القتال ؛ المهم هو سلامة الاتراك وتركيا , وبقاء المفتي عبد الرحمن النقيب سالما ؛ وهو الذي زج بالشباب والرجال الى المهالك بحجة الجهاد !! .
ولعل الشاعر العراقي الدكتور محمد مردان في قصيدة حرة له يجسد لنا تلك المأساة :
ولدي علي
عندما يتردد اسمك اللذيذ في مسامعي
أتذكر جدي الذي
ذهب إلى سفر برلك
ولم يعد
تضطرب البراكين في أعماقي
عندها أنظر إلى صورة أبي
وأجهش بالبكاء.
ويتحدث الأديب العراقي الشهير عبود الشالجي في كتابه : (( الكنايات العامية البغدادية)) فيقول: (( سفر برلك كناية بغدادية عن أيام الضيم والهلاك ، والكلمة تركية، سفر برلك ، أي النفير العام ، ويريد البغداديون بهذه الكناية النفير العام الذي أعلنته الحكومة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، إذ حشد العثمانيون الآلاف من الجنود العراقيين ، وهم من خيرة شباب العراق ، وسيروهم إلى جبهة القفقاس ، حيث هلكوا جوعا وبردا ، ولم يعد منهم سوى نفر يعدون على الأصابع )) ، ثم يشير : (( أن سفر برلك جعلت في كل بيت عراقي مناحاة وحزنا... )) .
كل هذا التاريخ الطويل الحافل بالخزعبلات والترهات الدينية والطائفية والموبقات ؛ لهذه الشخصية - عبد الرحمن النقيب – والتي كانت عثمانية قلبا وقالبا ومن ثم تحولت تحولا برغماتيا مذلا للتاج البريطاني ؛ ادت الى تضاؤل دوره في بغداد بل وفي باب الشيخ سياسياً ودينياً , وأخذ دوره بالتراجع ثم اقتصر على إدارة أوقاف محلة باب الشيخ وبغداد ، وقد انزوى في بيته الى ان طوى اللحد شخصه , فذهب غير مأسوف عليه عام 1927 م .
استطراد لابد منه
ارجو من الاخوة الكيلانيين المحترمين و الوطنيين منهم ان لا يسيئوا بي الظن ؛ لأن الحق يبزغ بإثراء النقاش بكل موضوعية ودون تقديس , وقبول الرأي الأخر , وليس بالسب و تكميم الافواه والتخوين , ولابد لنا من الانفتاح على التاريخ والاذعان لحقائقه والتوقف بشأن بعض مروياته ورفض خزعبلاته وخرافاته وافتراءاته واكاذيبه , والتصالح مع الذات والاعتراف بالذنب والاقرار بالحقيقة حتى ولو كانت مؤلمة ومرة ؛ اي ان يتصالح العراقي مع الاخر العراقي من خلال معرفته والاستماع اليه وتقبله ومساعدته وحبه ؛ اذ ان حب العراقي ينبع من حب العراق ؛ فالإصلاح العراقي يعتمد على عنصرين هما : عنصري الهدم والبناء ؛ هدم بنية المجتمع المتخلف واجتثاث البنية الجاهلية والطائفية والعنصرية والقبلية ... من جذورها ؛ بالتزامن مع طرح البديل الايجابي المتمثل بالبناء والنهوض والتطوير والتنمية والمواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية ... .
المصادر
...........................................................
1- تاريخ النقباء في سيرة الإمام عبد القادر الكيلاني وذريته ونقباء أشراف بغداد ص 264.
2- مقالة ( الاشراف ) للكاتب احمد صبحي منصور .
3- مقالة (عشائر والعوائل التركمانية المعروفة في العراق ) للكاتب سعدون كوبرولو .
4- مقالة (محلة باب الشيخ مركز بغداد التاريخي خلال مائة عام ) للكاتب عام د. سامي حسين عبد الستار الشيخلي .
طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الثانية / القسم الاول ( شيخ الكراهية النقيب )
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين