ان اغلب شخصيات الاقلية الذين تصدروا المشهد السياسي والديني والثقافي في العراق ؛ هم من مجهولي الاصل ومدعي الالقاب والانساب وحديثي النعمة والسراق والفاسدين , بل ان بعضهم عمر الجوع فيهم يمتد الى سبع سلالات اذ جاؤوا مع الاتراك كعبيد وخدم وغلمان للمتعة , او من المهاجرين المتأخرين من الاغراب والأعراب , وان اول ما نلاحظه على هؤلاء الرجال هو ان ايمانهم بمثلنا وقيمنا العراقية العليا واهٍ ضعيف , بل ان اغلبهم لا يقدس العراق ولا يحترم العراقيين , فهم عبيد الدينار والدرهم دون اعتبار لقيم انسانية او وطنية , وحتى طائفيتهم كانت جسرا للعبور الى ضفة المنافع المادية والمكاسب الشخصية , لذلك ترى الغدر فيما بينهم السمة البارزة على مر العصور في بلاد الرافدين .
والسيد طالب النقيب واحد من هذه الشرذمة الغريبة العميلة المتملقة المتسلقة , فهؤلاء متلونون طالما تزيّوا بزيّ الحرباء حينما تقتضي مصالحهم الذاتية ان يسلخوا جلودهم ويلبسوا جلودا اخرى ؛ على وفق تغيّر الاحوال وتبدل المآل لتمرير رغباتهم والحصول على مكاسب مادية او معنوية على حساب الضمير والمسؤولية الوطنية وتعكير صفاء المجتمع العراقي ؛ فهم يرون ان لكل عصر لباسه ولكل حالة طرقاً اخرى للتكيف مع الوضع الراهن ، فهؤلاء يحسنون المراوغة واللعب على الحبال تحقيقا لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الماديّة الفئوية والمناطقية والطائفية الضيقة ، ضاربين عرض الحائط المواقف الاخلاقية الملتزمة والمصالح الوطنية المهمة وهموم وامال العراقيين ، فهم لا يثبتون على حال واحدة ، يميلون كالأغصان الهشّة حيث تتجه الريح السلطوية والاستعمارية ؛ الا ان الامر الثابت في هؤلاء الخسة المادية , والجشع والطمع المغلف بالهوية الطائفية تارة والقومية تارة اخرى , والعمالة للأجنبي , وكره العراقيين لأنهم ليسوا منهم , وبغض العراق لأنه ليس وطنهم الاصلي .
مر عليكم في الحلقة الثانية من سلسلة مقالاتي ( طائفية ساسة العراق وعنصريتهم ) ان عائلة طالب النقيب جاءت مهاجرة من مندلي الى البصرة طلبا للرزق او لغاية في نفس السيد طالب – الجد الاعلى للعائلة – او بأمر عثماني في حدود النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكما هو معلوم ان اغلب سكان مندلي هم من الفيلية والاكراد والتركمان والايرانيين والمسيحيين واليهود والصابئة وبقايا العثمانيين من الاقوام الاخرى بالإضافة الى ثلة من العرب , ومن هذا الخليط المختلف هاجر المدعو السيد طالب ؛ او لعله ادعى انه من اهل مندلي وهو ليس منهم , فمن المحتمل انه جاء من تركيا , او من مكان بعيد بأمر من الخلافة العثمانية وادعى انه من الاشراف , وعندما حطت رحاله في البصرة , مد بصره طامعا في مصاهرة السيد درويش الرفاعي – نقيب اشراف البصرة آنذاك – والمنصب ايضا من العثمانيين ؛ فشبيه الشيء منجذب اليه او كما يقول المثل الجنوبي الدارج : (((حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب )) ؛ وقد تم له ما اراد ؛ وبعد وفاة السيد درويش الرفاعي انتقلت النقابة من عائلة الرفاعي الى عائلة السيد طالب بقدرة قادر وبلمح البصر , واول من تولى نقابة اشراف البصرة هو ( عبد الرحمن بن السيد طالب ) عام 1874م , ولما كانت النقابة آنذاك مرتبطة بالطريقة الرفاعية ادعت عائلة السيد طالب النقيب انهم من ذرية السيد احمد الرفاعي , وان الرفاعية يدعون انهم من الاشراف الحسينيين وعائلة الشيخ عبد الرحمن في بغداد تدعي انهم من ذرية السادة الحسنيين , وبناءا على ما تقدم فعائلة النقيب حسنية حسينية ..!!
وكعادتهم في التدليس وتزوير الانساب لشخصيات وعوائل الاقلية الهجينة ؛ ادعى احدهم ان شجرة السيد طالب النقيب كالتالي : ((السيد طالب السيد رجب بن محمد بن سعيد السيد طالب درويش الرفاعي )) فقد نسبوا المهاجر الغريب السيد طالب الجد الاعلى لعائلة طالب النقيب الى الرفاعية بل جعلوا من السيد درويش الرفاعي ابا لهم وصهرا في الوقت نفسه ..!!
نعم ايها السادة انه منطق الخط المنكوس الذي يجعل الحق باطلا , والغريب مواطنا , والدخيل اصيلا, والسارق نزيها , والمجهول معروفا ... !!
والله يعلم والراسخون في اقبية المخابرات ان هذه العوائل والشخصيات قد لا تنتمي إلى الحسن او الحسين انما هم عوائل زرعها المحتل الغاشم في ربوع الوطن من اصول تركية او من الرعايا العثمانيين من البلاد البعيدة , فما هذا التشويش والاضطراب والخلط في انسابهم الا دليل على اصولهم المجهولة وتاريخهم الغامض .
وعائلة طالب النقيب عندما ادعت الرفاعية واستندت إلى اصول الرفاعيين ؛ تذكرت المثل الشعبي المصري الدارج : ((اتلم المتعوس على خايب الرجى )) ؛ فالرفاعية نفسها مختلف فيها , اذ ان الخلاف في اصل الشيخ الصوفي احمد الرفاعي معروف ؛ فقد ذهب بعض المؤرخين الى ان الشيخ احمد الصوفي لم يعقب قط ؛ بينما ذهب بعض آخر الى انه من سائر العرب , واليك بعض ما قالوا : قال العلامة شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي : ((سيدي الشيخ الكبير محي الدين سلطان العارفين أبو العباس أحمد بن الرفاعي، لم يبلغنا أنه أعقب كما جزم به غير واحد من الأئمة المرضية، ولم أعلم نسباً صحيحاً إلى علي بن أبي طالب ولا الى احد من ذريته الأطايب، وإنما الذي وصل إلينا وساقه الحفاظ وصح لدينا أنه أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن احمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي الأصل العراقي البطائحي الرفاعي نسبة إلى جده الأعلى رفاعة) ), وللعلم ان الشيخ الجليل والروحاني الكبير احمد الرفاعي من البطائح – اهوار الجنوب العراقي – وهو عراقي اصيل ابا عن جد الا ان الخط المنكوس كعادته ينأى بشخصيات العراق بعيدا ويحاول ارجاع اصولهم الى البلاد الاخرى حقدا وحسدا .
نعم ان قلت ان الشريف الرضي من الاشراف ورئيس نقابة الطالبيين صدقنا ؛ وذلك لوجود القرائن التاريخية المؤكدة , فهو من علية القوم كابرا عن كابر , وثقافته عراقية اصيلة , وتوجهاته كسائر العراقيين ؛ وان كنا نعتقد بأن النسب لا يقدم ولا يؤخر في صلاح المرء أو فساده فلا يجعل الرفيع وضيعا ولا الوضيع رفيعا ؛ ولكن سياسة القوم تعتمد الضحك على الذقون وتزوير الحقائق وقلب الامور رأسا على عقب .
وقد بزغ نجم طالب النقيب وبرز على الساحة السياسية في عام 1899وذلك عندما ارسله والده رجب النقيب لحل الخلاف الواقع بين الشيخ مبارك في الكويت ووالي البصرة حمدي باشا ، وقد نجح طالب النقيب في مهمته ثم عزل حمدي باشا من الولاية وعين مكانه محسن باشا ( 1899 ـ 1901 ) كما نجح في حل الخلاف الواقع بين الدولة العثمانية والشيخ خزعل شيخ المحمرة حول املاك الاخير في البصرة ؛ اذ ان وظيفتهم العثمانية تقتضي حل المشكلات العالقة بين الاتراك وخصومهم بالإضافة الى المحافظة على المصالح العثمانية , ولهذا السبب زرعهم الاتراك في مناطق العراق المختلفة وامثالهم من العوائل التي ادعت فيما بعد انها عربية او من الاشراف , و من خلال دعم الاحتلال التركي لهذه العوائل العميلة الدخيلة ؛ استطاع هؤلاء الغرباء اقتطاع اراضي عراقية واسعة , اذ سمحت لهم السلطات العثمانية بمصادرة اراضي العراقيين في الجنوب ظلما وعدوانا ؛ وذلك لإفقار وتهميش العراقيين الاصلاء وتأصيلا لوجود هؤلاء الدخلاء ؛ لتحقيق الاهداف الاستعمارية فيما بعد ومنها زرع التفرقة الطائفية وشق الصف الوطني وربط مستقبل هذه المناطق بالمستعمر والاجنبي والاستعانة بهم ضد ابناء البلد الاصلاء .
وفي عام 1901 عين متصرفا للواء الاحساء في نجد وانعم عليه بالوسام العثماني من الدرجة الأولى، ومن ثم برتبة بالا الرفيعة الشأن , ولقد استقال من المتصرفية بعد سنتين ثم عاد إلى الاستانة فعين عضوا بالقسم المدني من ديوان شورى الدولة العثمانية ، واستقر في منصبهِ حتى إعلان العمل في الدستور عام 1908 إذ انتخب عضوا في مجلس المبعوثان العثماني واعيد انتخابه في الأعوام 1912 و1914م .
ولقد أسس فرعا لحزب الحرية والائتلاف المعارض لحزب الاتحاد والترقي في 6 آب 1911، وأصدر جريدة أصبحت لسان حال الحزب التي صدرت في 9 كانون الثاني 1912. وبعد فوزهِ بستة مقاعد في مجلس المبعوثان عام 1914م، طالب بحقوق العرب في الحكم والمساهمة في الوظائف العامة وإقامة نظام لا مركزي في إدارة شؤونهم ومتابعة قضاياهم .
والسيد طالب النقيب كأسلافه ؛ فمن شابه اباه فما ظلم , فالسيد طالب لم يشبع من سرقات ابائه ولم يقنع بامتيازاتهم – امتيازات الخونة – , ولم يرض بالوظائف العثمانية , حتى راح يتخبط يمينا وشمالا , لا يقنعه شيء من فرط جشعه وانانيته , وقد اشاد بعض الكتاب بدور السيد طالب عندما حول البصرة قلعة للائتلافيين الاتراك ومؤيديهم , وقد غاب عن هؤلاء الكتاب الغاية التي دعت طالب النقيب لركوب موجة الائتلافيين , اذ دأب طالب النقيب على البحث عن المناصب العليا لاهثا وراءها , وكان حلمه ان يصبح حاكما للبصرة في ظل دعوات اللامركزية ضمن سلطة الخلافة العثمانية , وان ادعى الحمية الاسلامية والغيرة العربية والحس القومي .
وقد ذكر سليمان فيضي في مذكراته ما يلي
وهو يصف الانفصاليين - دعاة اقليم البصرة .. - : بأنهم فئة مترفة -لا همَّ لها إلا مصالحها... لا يردعها صوت ضمير أو نداء واجب -، وقعت - تحت ربقة الاستعمار - وخشيت أن تمس مصالحها بسوء، إذا ما تسنم عرش العراق ملك عربي وتولت الحكم فيه وزارة وطنية )) .
وقد عرف بعض العثمانيين المناوئين له بنياته في الاستيلاء على البصرة بحجة القومية العربية فهذه الامنية متجذرة في نفس النقيب حتى قبل مجيء الانكليز فأرسلوا اليه اثنين لاغتياله ؛ الا ان النقيب كان اكثر حيطة وحذرا منهما فكلف اثنين من جماعته بمهمة قتلهما وتم ذلك لانهما كانا اكثر مهارة , والقتيلان هما : القائد العسكري التركي في البصرة فريد بيك ؛ و متصرف لواء المنتفك بديع نوري الحصري وهو شقيق ساطع الحصري .
فبعد ثورة الاتحاديين عام 1908 واقرار الدستور العثماني وعزل السلطان عبد الحميد الثاني، تعرضت مكانة العوائل العلوية السنية المتنفذة الى الاهتزاز، بعد اعلان مبدأ المساواة بين رعايا الدولة وعزم الاتحاديين الغاء الحصانة او الاعفاء الضريبي على اراضي الاشراف وأملاكهم او بالأحرى الذين يدعون ذلك وما اكثرهم ، ورغبتهم في ايلاء المناصب الادارية والمالية في ضوء كفاية الافراد ، وليس النفوذ المحلي او الثروة او النسب ، وهذه المخاوف هي التي ساهمت في انضمام الكثير من العوائل السنية من الاشراف الى الجمعيات والمنظمات التي اخذت تطالب باللامركزية الادارية او الاستقلال الذاتي عن الدولة العثمانية امثال : طالب النقيب وغيره لا حبا بالشعب بل طمعا بالمكاسب و حفاظا على الامتيازات القديمة .
هذه الشرذمة لا تعرف غير لغة السلاح والقتل والفتك بالآخرين , ولا تبالي هذه العصابة بعدد القتلى او هويتهم , ولديها استعداد لعبور بحر من الدماء ؛ لأجل غاياتهم الدنيئة واطماعهم الوضيعة ؛ فما هم الا مرتزقة تعمل لمن يدفع اكثر ؛ اذ كان بإمكان طالب النقيب النجاة من الاغتيال والعفو عن ابناء جلدته واعضاء عصابته الا انه مجرم بالفطرة ومتعطش للدماء ولعل الوثائق التالية تبين ذلك ؛ فقد تباهى بغطرسته واجرامه وظلمه امام الحجازي كما سيأتي لاحقا .
واليك هذه المثال الذي يبين حقيقة طالب النقيب وامثاله من العصابة الباغية ؛ فبعد دخول الانكليز ادعى مقاومتهم ؛ بسبب ضغط الجماهير و حفاظا على ماء وجهه امام العراقيين , الا انه كالعادة سرعان ما سال لعابه امام المغريات والاطماع ؛ اذ طمع هذه المرة لا بحكم البصرة فقط بل باعتلاء عرش العراق , الا انه قد باء بالخيبة والفشل ايضا , ورضي ان يكون وزيرا في وزارة عبد الرحمن النقيب البريطانية فيما بعد , وقد ذكرت المس بيل في رسائلها ص/ 186 ( الرسائل ) وذلك عندما اعترض طالب النقيب محتجا على منصب وزير الداخلية الذي يعده مركزا ثانويا لا يليق به ولا يتناسب مع طموحاته السياسية في الاستيلاء على البصرة والعراق لكن استطاعت هي والمستر فلبي اقناعه على شرط : (( ان هذا لن يكون الا بعد الاعلان بأنه الرجل الثاني بعد النقيب لا غيره )) ولفرط طمع الرجل وعدم اقتناعه باي شيء ؛ اقترح ( طالب النقيب ) زيادة مخصصاته كوزير للداخلية بحيث تكون اكثر مما يتقاضاه الوزراء الآخرون – علما ان راتب الوزير كان آنذاك 3000 روبية - وقد اتفق الوزراء خارج المجلس على معارضة الاقتراح ؛ واخذ بعضهم يشجع البعض الآخر على الثبات امام السيد طالب .... الذي كان يثير فيهم مشاعر الرعب لاقتران اسمه بالبطش والظلم والفتك والغدر ... , وعندما انعقد المجلس بادر السيد طالب بطرح اقتراحه على الوزراء .. ووجه نظراته الى ( ساسون حسقيل ) فاذا به يتراجع..!! , امام نظرات السيد طالب التي تتقطر غضبا ....... وسارع الى القول ( موافق ) ويتعاقب الوزراء الواحد بعد الآخر قائلين ( موافق موافق ) ..!!! ؛ بينما تحاول الطغمة المارقة ان تلصق مصطلح ( موافج موافج ) لاحد شيوخ عشائر البو محمد والذي كان عضوا في مجلس النواب العراقي في العهد الملكي للاستهزاء وللتقليل من شأنه وشأن قومه لغاية في نفوس القوم معروفة ... .
ولما كان الطبع غالبا كما يقولون عاد طالب النقيب لسيرته الاولى وطمعه في البصرة و العراق ؛ فقد كان يمني نفسه بأمارة عربية تشمل البصرة وما جاورها علي غرار امارة الشيخ خزعل في عربستان او شيخ الكويت وكان على اتصال بالبريطانيين لكي يضمنوا له طموحه الشخصي وقد ازعجهم لكثرة الحاحه ومشاكساته السياسية , مما اضطر الانكليز الى نفيه خارج العراق ومات غريبا كما جاء جده طالب الى البصرة غريبا ؛ ولنرجع الى محل الشاهد ومثالنا الذي يسلط الاضواء على هذه الزمرة العثمانية ؛ فقد قال طالب النقيب عندما تم ترشيح فيصل الهاشمي ليكون ملكا على العراق ما يلي : ((أنه أحق من فيصل [الغريب] في حكم العراق )) ؛ فالنقيب يعير فيصل الحجازي بالغربة ولعله غريب مثله ان لم يكن اشد غربة ومجانبة للعراقيين منه ؛ وكما قال المثل العراقي الدارج : (( الاكرع يعير ابو حبه )) , ويرفضه كما رفضه النقيب الاخر الشيخ عبد الرحمن ؛ ولو تمعنت النظر في نعت طالب النقيب وكذلك في موقف عبد الرحمن النقيب من الملك فيصل ؛ ووصف الملك فيصل بالغريب ؛ لاكتشفنا سريرة القوم وحقيقة ما تضمره سرائرهم ؛ فهؤلاء ان لم تكن جذورهم تركية فهم من بقايا العثمانيين الذين جاؤوا بهم من مختلف اصقاع الارض او لا اقل هم ممن تربوا في احضان الاتراك ؛ فهذه النظرة الدونية للعرب من صفات الاتراك المتأصلة في نفوسهم المريضة وعقولهم العفنة فهم دأبوا على تشويه سمعة العرب وتنفير الناس منهم , ويتضح هذا الامر جليا من خلال احتكاك العرب بهم اذ تظهر حقارتهم تجاههم بمناسبة ومن دون مناسبة , ومهما حاول العرب التقرب منهم من خلال الروابط الدينية أو الجغرافية ؛ لا يفلحون , لانهم يضمرون للعرب الحقد والحسد والكراهية , فهم عنصريون إلى حد النخاع، وحاقدون إلى حد العظم، ولا يحبون أحدا إلا أنفسهم وينظرون للآخرين باحتقار ؛ ومما يذكر في هذا الجانب : ان الشاعر عبد الحسين الحويزي كان قد زار بغداد في اوائل العشرينيات ، فصحبه صديقه الشاعر الكبير الزهاوي الى بيت الشيخ عبد الرحمن النقيب، وعند دخولهما الى مجلس النقيب بادر الزهاوي مخاطبا النقيب :
ــ ايها النقيب الجليل جئتك بدرة يتيمة من درر النجف .
فتقدم الحويزي وقدم يده لأجل مصافحة النقيب غير ان النقيب لم يعطه يده واكتفى بقوله :
ــ اهلا وسهلا ...!!
و قد امتعض الحويزي من هذا السلوك الارعن ؛ فخاطبه مرتجلا بقصيدة ومنها قوله :
لم تخش سطوتك العليا وان عظمت ... لا يرهب الباز شخص جاره الاسد
وكالعادة تم تسويغ هذا التصرف الاهوج , بأن شيخنا المبجل المطمئن قلبه بذكر الله كان يعاني الوسواس القهري المتعلق بالنظافة والطهارة , نعم ان الشيخ مريض بمرض الطائفية ووسواس العنصرية , و هذا التعالي الفارغ تجاه هذا الشاعر العراقي الاصيل ان دل على شيء فإنما يدل على عقد النقص والغربة والخوف التي تعتري نفسية هذا الطائفي البغيض , ومن المعروف ان من تكبر على من دونه ذل وتملق لمن هو فوقه ؛ وقد مر عليكم في الحلقة الثانية من هذه السلسلة ان الشيخ عبد الرحمن كان يتشرف بخدمة الانكليز ولعق احذيتهم , ولا عجب في ذلك فقد ورث الشيخ عبد الرحمن النقيب من اسلافه العثمانيين الاغراب فكرة تقديس صاحب المنصب الأعلى، وتمجيد السلطة بغض النظر عن الحاكم حتى لو كان شيطانا رجيما , واليك هذا المثال الاخر الذي يكشف مدى نفاق وحقارة هؤلاء القوم , فكما هو معلوم ان الشيخ عبد الرحمن كان يكره الملك فيصل كرها شديدا , الا ان هذا الكره تحول الى حب مصطنع بمجرد اعتلاء فيصل للعرش , فعندما زار الملك فيصل دار النقيب، استقبله الابن الأكبر السيد محمود ، وقال مخاطبا إياه : إن أسرة النقيب يا سمو الأمير يدك اليمنى تستعملها أينما شئت في سبيل مصلحة البلاد ؛ ثم تقدم تلميذ صغير فتلا قصيدة الفرزدق المشهورة : (( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. )) , شبهت عائلة النقيب التي زقت العمالة والتملق والتلون زقا ؛ الملك فيصل بالإمام علي بن الحسين السجاد ..!! ؛ من فرط تملقها وشدة تلونها وسرعة تحولها .
وشر البلية ما يضحك ؛ فاغلب الذين رفعوا لواء القومية العربية فيما بعد , وادعوا الدفاع عنها هم من هذه الشرذمة وعلى هذه الشاكلة وقد انطلى الامر على المغفلين والله يعلم انهم من الد الخصام الحاقدين ...!!
وصدق من قال : (( ما تاه إلا وضيع و لا فاخر إلا لقيط و لا تعصب إلا دخيل ))
فدائماً ما يكون المتعصب في قضية ما دخيلاً عليها وليس له علاقة بها ... وفي قضيتنا هذه ترى كل دعاة الطائفية والقومية وخصوصاً ممن يتعصبون ضد الاغلبية العراقية من اصول غير عربية بدءا ب(ساطع الحصري) الذي رفض تعيين الشاعر العراقي الكبير الجواهري على ملاك وزارته ، عندما كان معاوناً لوزير المعارف(التربية) في عهد الملك فيصل الاول والسبب ..لأنه شيعي !!! ؛ على الرغم من ان الملك قد اوصى به الا انه لم ينفذ الامر !! و(عبد المحسن السعدون – وان كان عربي الجذور الا انه تركي الثقافة والتربية - ) اللذين ما كانا يجيدا اللغة العربية بشكل جيد، وكانت لغتهم الاصلية التركية ، ومروراً ب (مزاحم الباججي) ذي الجذور التركية، و(طه الهاشمي) ذي الاصول القوقازية ، وانتهاءً ب (ميشيل عفلق ) ذي الاصول اليهودية البلقانية .. !!
بينما تصنف الكوفة جمجمة العرب , وحيرة الملوك المناذرة , والناصرية صاحبة واقعة ذي قار وبني شيبان , والبصرة التي هاجرت اليها القبائل العربية وحدانا وزرافات , وميسان التي رد الخليفة عمر بن الخطاب سبيها آنذاك لانهم من العرب – وهذا يعني ان العرب يقطنونها قبل مجيء المسلمين للعراق - ... على انها اعجمية وهندية وصفوية .... الخ !!! ؛ هذا الخط المنكوس وهذه اكاذيبه والاعيبه التي اضحت لا تخفى على بصير ذي عينين .
واليكم هذه المقارنة بين نقيبين واحوازيين ؛ مر عليكم انفا الموقف بين النقيب عبدالرحمن والاحوازي النجفي الشاعر عبد الحسين ؛ والنقيب الاخر السيد طالب النقيب والشيخ الامير خزعل الكعبي ؛ فقد ارسل طالب النقيب اليه رسالة تكشف لنا بعض حقائق هؤلاء وتسلط الاضواء على سلوكياتهم ومواقفهم المتناقضة المضطربة المتغيرة والتي لا تستند الى مبادئ نبيلة او اسس رصينة او قيم سامية ؛ وهذه نص الرسالة : (( سيدي الاخ المحترم دمتم موفقا امين , بعد التحية والتعظيم ابدي شوقي واشتياقي الذي لا يمكن اصفه , واخلاص المعلوم الذي ما يمكنك تخفيه , واني اشهر من نار على علم بتفاني لشخصك الكريم , واحب ان تكون مراجعاتك المادية والمعنوية لأخيك لأنه يقدمك على حياته في كل الامور , وحيث لي معتقد ان اخلاصك للدولة الفخيمة البريطانية تقدمك على غيرك في كل الامور اذاء احرزت اكثرية الاراء , فيقتضي الاجهاد الكامل والسعي الحثيث بشرط ان تدخل البيت من بابه فاذاء وافق رأيك ,فحاملها يتوجه معك , وتتذكرون وانك تنجح اذا تشمر ساعد الاجتهاد والسعي المتواصل , يشرفني عن صحتك وصحة الاولاد واخبار سياحتكم ونجاح مسعاكم واقبل تحياتي الخاصة سيدي )) ؛ والرسالة كما ترى عزيزي القارئ مملوءة بالأخطاء الاملائية والنحوية ؛ وركاكة الاسلوب عليها بادية وضعف التعبير فيها واضح , ولكن اللافت للنظر تملق هذه الشرذمة لأصحاب النفوذ , وخنوعهم امام الحكام , وجشعهم وطمعهم , فهم كانوا وما زالوا يستجدون الاموال من كل من عليها , ويتسولون امام ابواب السفارات والمخابرات , فالنقيب في هذه الرسالة يمجد بريطانيا صاحبة الفخامة ويدعو الشيخ خزعل للاتفاق معهم لاعتلاء عرش العراق بعد ان يأس من الفوز به ؛ لا حبا بالشيخ خزعل بل حبا بإقليم البصرة حلمه الذي طالما راوده ؛ و قد كشفت لنا هذه الرسالة عن كرم الشيخ خزعل واياديه وافضاله على طالب النقيب متغاضيا عن طائفيته ومتعاليا على عنصريته , فالإناء ينضح بما فيه ...
ولعل الشيخ خزعل الكعبي وكل ابناء البصرة الأطايب يحسبون أن المعاملة الإنسانية واكرام طالب النقيب ومن على شاكلته من الغرباء الوافدين قد تغير في طباع من جبلت نفسه على الإيذاء والشغب وإثارة النعرات الطائفية ، وعلى كل حال فإن عمله الإنساني هذا أكد واقع الإنسان العراقي الجنوبي المسؤول ، الذي يدفعه همه الاجتماعي وحسه الانساني وجذوره الحضارية النبيلة أن يفعل في سبيل وحدة الأمة مهما أمكن وسعادة العراقيين والمسلمين ، ولكن تقدير النتائج لم تكن من صنعه ، فللظروف أحكامها ، وللنفوس نوازعها، والأمراض الدفينة لا يمكن برؤها بسهولة ، وتبقى كامنة لا تكتشف إلا بمجاهر حساسة ؛ فقد فتك الغادرون بالعراق ولاسيما جنوبه واذاقوا اهله كؤوس الصبر والحنظل .
ولعل سائل يسأل : الى متى تبقى القوى الاجنبية تفرض علينا قيادات غريبة وشخصيات جاءت من بلاد بعيدة لحكم العراق ولاسيما جنوبه ؛ ولعل طالب النقيب مثالا واضحا فقدوا جاؤوا مهاجرين لا يعرف لهم اصلا ولا فصلا وفي غضون بضعة عقود يدعي طالب النقيب تمثيل البصرة ويطالب بحكمها بل بحكم العراق العظيم ..!!؟؟
بينما يعيش الجنوبيون عقودا طويلة من الزمن وفي عاصمتهم بغداد التي بنوا اغلب احيائها الجديدة بسواعدهم السمر , كما بناها اجدادهم الاوائل - أول مرة - من النبط والعرب القدامى عند تأسيسها ؛ كأنهم غرباء وطارئين ولا يحق لهم التكلم باسم بغداد التي هي امتداد لسهلهم الرسوبي ...!! ومن سخرية الاقدار ان عائلة النقيب بفروعها العثمانية المتحدة – فرع بغداد وفرع البصرة وفرع الموصل ... كأنها شركة مساهمة وليست عائلة ... - اصبحت تسرح وتمرح في العراق وتقرر مصيره كيفما تشاء , اذ يذكر لنا التاريخ ان ممثلي الشعب من الاغلبية العراقية ومن الوطنيين الاخرين رفضوا معاهدة الانتداب ؛ فصرخ بهم المعتوه الخرف والطائفي البغيض الشيخ عبد الرحمن النقيب قائلا : ((أنا صاحب البلاد فما شأنكم أنتم )) ..!!
ولا عجب في ذلك فطالما فرضت القوى المنكوسة على العراقيين قيادات دخيلة , ومسارات سياسية ظالمة , وادعاءات باطلة , وثقافات غريبة , وأيدولوجيات حزبية شوفونية ؛ واستمرت هذه الحال طوال ثمانية عقود ؛ تحكمنا الغربان والذئاب والكلاب والضباع ...
إذا كان الغراب دليل قوم .... فلا فلحوا ولا فلح الغرابُ
وكلما حاول البعض تلميع صور الشخصيات الطائفية والعنصرية البغيضة ؛ باؤوا بالخسران وضعف الدليل و البرهان ؛ فقصة حقيقية واحدة كفيلة بإبطال مئات القصص السلطوية والطائفية المزيفة , وعندما شكل الشيخ عبد الرحمن النقيب وزاراته الاولى , كانت طائفيته بادية للعيان , حيث لم تضم حكومته ولا وزيرا شيعيا فعليا باستثناء الوزير بحر العلوم الذي رشح فيما بعد ؛ بدلا من الوزير عزت باشا كركوكلي – الوزارات الفعلية - بينما ضمت وزيرا مسيحيا واخر يهوديا ! ، وحينما سُئِل (النقيب) عن ذلك ، قال ان الشيعة ليسوا مسلمين !!
العثماني المجهول الخرف يصف العراقيين بانهم ليسوا مسلمين ... الا يعلم هذا العثماني العميل ان اهل العراق من اول الشعوب اسلاما ؟ ولولا العراقيون لما فتح بلد من بلدان المعمورة حينها , الا يعلم ان مدارس النحو العربي والفقه الاسلامي كلها انبثقت من العراق عندما كان نطفة قذرة هو وامثاله في اصلاب الكفار من الترك والمغول والتتار والروم وقتذاك ... ؟؟!!
هؤلاء هم الحية السامة الرقطاء التي حذر منها الشاعر العراقي الوطني بحر العلوم في قصيدته ( اين حقي ) وهو يحذر شباب العراق منها عام 1934 :
واترك شعورَ الطَّائفيةِ جانبًا ** فالطَّائفيةُ حيَّةٌ رقطاءُ
يأتي بها ذَنبٌ ويصبح باسمها ** رأسٌ تقبل ذنبه السُّفهاء
خلاص الشعب وتطور العراق واحياء الامجاد العراقية رهن تجفيف منابع هذا الفكر الطائفي المشوه والقومي المشوش والعنصري البغيض ؛ وايداع تلك المسوخ البشرية في السجون ومراكز التأهيل النفسية والاجتماعية لان هؤلاء المؤمنين بهذه الافكار الهدامة من اخطر المرضى الذين يهددون سلامة وامن المجتمع العراقي , ويجب على العراقيين الاحرار العمل الدؤوب لسن قوانين وطنية تجرم هذه الافكار الطائفية والعنصرية والشوفونية , وهذا بدوره لن يتحقق الا من خلال سياسة تنشأ لمثل تلك المهام الخطيرة .
من السهل القضاء على البعثيين المجرمين واعضاء القاعدة و داعش الارهابيين والمليشيات الاجرامية الان ؛ لكن المشكلة تكمن في ان تلك المفاهيم نفسها ستظهر دائما بمسميات مختلفة مع نفس المنهج الفكري المنكوس ؛ فلكي يصبح العراق امنا لابد من تجفيف منابع هذه الافكار الهدامة والرؤى الظلامية .
وهذه العوائل التي ظهرت فجأة على سطح الاحداث وبالتزامن مع سيطرة العثمانيين الكاملة على الاراضي العراقية كعائلة النقيب وغيرها في الجنوب العراقي ؛ جنت ثمار خدمتها للأتراك وتعاونها معهم ؛ اما بخصوص بعض الاختلافات السطحية فيما بينهم فهي خلافات هامشية مفتعلة لإقناع الجماهير بأدوارهم المرسومة , او لأجل تحصيل بعض المكاسب الاضافية ؛ حتى تمرداتهم وقتية ناشئة من الطمع وحب السيطرة ؛ اذ ان كلا الطرفين عدوهما واحد الا وهو الشعب العراقي , وهدفهما مشترك – نهب ثروات العراق - .
و قد دعم الاحتلال التركي هذه العوائل العميلة الدخيلة وسهل لها الاستحواذ على المنافع والمكاسب ؛ اذ اسفرت هذه الاجراءات العثمانية الجائرة عن انشاء نظام الاقطاعيات الجديد – بصيغته العثمانية - الذي استفادت منه هذه العوائل الغريبة والعميلة ؛ واضحت طبقة مالكة بعدما كانت معدمة وخادمة للأتراك ومرتزقة تتحول من مكان الى اخر , فقد ملكوا الأراضيّ التي تُشكّل الوسائل الإنتاجيّة آنذاك ، ومن ثمّ حرصت هذه العوائل على استغلال الفلاحين للعمل فيها ؛ حيث كانت الأراضيّ في تلك الحقبة الزمنيّة هي الوسيلة الأساسيّة للإنتاج ، وشملت الأملاك الإقطاعيّة كُلّاً من أراضيّ القُرى والمُدن بما فيها بغداد .
بينما كان المجتمع العراقي الجنوبي مجتمعا قبليا يحوز الاراضي الزراعية بشكل جماعي عاما مشاعا بين افراد القبيلة ؛ وكان يطلق على تلك المشاعيات آنذاك ب (( السلف )) مثلا هذا سلف البو محمد وذاك سلف السواعد وتلك اراضي البو دراج وهذه ديرة بني لام وهكذا ؛ حيث الاهوار والنهر والجداول والاراضي الخصبة والمروج الخضراء وانواع الطيور والاسماك والبقر والجاموس والغنم والدواجن والنعم الوفيرة والعيشة الهنيئة الرغيدة وقد اطلق الرحالة الاجانب على بطائح الجنوب اسم ( جنة عدن ) او (فينيسيا العراق ) ... ؛ الا ان الحال قد تغير والوضع تبدل مع مجيء المحتل الانكليز الخبيث الذي كلما دخل بلادا جعل اعزة اهلها اذلة ... , ومن هذه العوائل المستفيدة من كلا العهدين الجائرين العثماني والبريطاني عائلة السيد طالب النقيب ؛ وللنقيب هذا سجل حافل بالمظالم فيما يخص اراضي البصرة وغيرها و التي استولوا عليها بطرق ملتوية , الا ان ابناء العراق الاصلاء الاحرار كانوا بالمرصاد له ولأمثاله من الطارئين الظالمين , ولعل هذه الاهزوجة الشعبية التي رددها العراقيون الاصلاء بحق طالب النقيب تكشف لنا مدى جشع وطمع هذا الطارئ الطائفي :
((ثلث الله وثلثين الطالب وثلث الله يطالب بي طالب ! ))
وبهذه الطرق الباطلة والنهج السياسي الاعوج المرتبط بالمحتل امتلك الإقطاعيون الغرباء والعملاء إمارات نفوذ سميت بأسمائهم وقصور وأصبحوا بمرور الزمن أسياد لبعض الناس مع العلم أن هؤلاء الإقطاعيين الجدد ليسوا عراقيي الأصل بل ان أكثرهم ينتمي إلى أصول تركية واجنبية مجهولة او انهم من الاعراب الغرباء ؛ وهذا الامر لا ينطبق على المالكين من الشيوخ الاصلاء و العشائر العراقية الاصيلة المعروفة ب تقاليدها واماكن نفوذها وعدد افخاذها وابنائها ... فهؤلاء الشيوخ تربطهم بأبناء عشائرهم اواصر القربى والمصاهرة والجرش ... والممتدة لمئات السنين لاسيما في ميسان و واسط وغيرهما من المناطق الجنوبية ؛ نعم قد يحدث ظلم هنا او هناك كما هو الحال في كل انحاء العالم وقتذاك الا ان هذا الامر لا ينفي اصالتهم وعراقتهم ولا يصيرهم كالعوائل الاجنبية الطارئة على الجنوب العراقي باية حال .
نعم فند الدكتور علي الوردي هذا الادعاء , ودحض هذه النسبة – نسبة الاهزوجة الى طالب النقيب - ؛ مشيرا الى انها تخص أحد شيوخ الإقطاع في الكوت وليس السيد طالب النقيب .
النقاش في هذه الجزئيات وهذه القصص والتفاصيل لا يخفي الحقيقة الناصعة ؛ فمهما فندنا وابطلنا او دحضنا هذه الحادثة او تلك ؛ تبقى سيرة هؤلاء الظالمين اشهر من نار على علم ؛ وخذ هذه القصة لتعرف مدى ظلم وخسة هذه الشخصية : (( بالرغم من كل هذه الاموال السحت التي حصل عليها طالب النقيب والتي كان يصرفها على ملذاته الشخصية وشهواته الرخيصة ؛ كان يقترض من الصرافين اليهود ومما لاشك فيه انه قرض ربوي كالعادة , وكان النقيب في كثير من الاحيان يعجز او يتهرب من تسديد الديون التي بذمته لليهود , مما دعا احدهم ان يقيده بكمبيالة تثبت حق اليهودي وليحاسبه عليها في موسم جني التمر , ويقاضيه في المحاكم اذا امتنع عن التسديد .... و كان المبلغ كبيرا فلم يستطع طالب النقيب ان يسدده له , فراح يماطل و يؤجل , و يعده ولا يفي بوعده ؛ عندها هدده الصراف اليهودي بتسليم الكمبيالة الى محام ليرفع دعوى ضده في المحكمة ؛ اجابه قائلا : لا تخف تعال و معك الكمبيالة لأسدد المبلغ لك ؛ فجاءه الصراف بالكمبيالة و زاره في مكتبه ينتظر تسديدها ؛ فقال له : اين هي هذه الكمبيالة ؟ فأخرجها له ؛ فقال له السيد نقيب البصرة : ضع الكمبيالة في فمك وابلعها وامضغها جيدا ؛ وبعد التهديد والوعيد بلعها اليهودي بصعوبة بالغة وكاد يختنق ورجع من طالب النقيب بخفي حنين ...!!
و لكن نقيب البصرة السيد طالب المجرم عاد و غرق بالديون مرة اخرى ؛ و احتاج الى فلوس الصراف اليهودي ايضا ؛ فنادى عليه ليسعفه بمبلغ جديد ؛ استدعاه الى مكتبه مرة ثانية , و وعده بأن يكتب له كمبيالة جديدة و يوقع له عليها ليسددها له حالما تستحق ؛ مد الصراف اليهودي يده في جيبه و اخرج قطعة ملفوفة من قمر الدين و قال له : طالب جلبي الله يحفظك هذه المرة اكتب الكمبيالة على صفحة من قمر الدين ؛ حتى استطيع هضمها وبلعها بسهولة ... ؛ فضحك الحاضرون واستأنسوا بمقال اليهودي ...!!! )) .
والعجيب ان احدهم يعلق على هذه الحادثة بقوله : (وكانت ايام خير، بخيرها وبمساوئها.....) فهذا المنكوس الطائفي واللئيم العنصري وامثاله ؛ كالأعور الذي يرى بعين واحدة ؛ فهذه الشرذمة الاجرامية واتباعها المرضى كانوا يرون امثال هذه المظالم طرفة للضحك ليس الا , وكما قيل اذا عرف السبب بطل العجب ؛ فهؤلاء السراق النصابون والعملاء الفاسدون والقتلة المجرمون كانوا يستمتعون بقتل الناس الابرياء وسحل المواطنين العزل في الشوارع ويضحكون عند سماع صياح المراهقين وصراخ النساء اللاتي يتعرضن للتعذيب ؛ بالطبع سيعدون امثال هذه الجرائم نكتا وطرفا جميلة ... اضحكوا ايها السادة اضحكوا ؛ فشر البلية ما يضحك ..!!
ومن المعروف عنه ايضا انه كان يفرض الاتاوات على اصحاب الدكاكين وخاصة اليهود والا قتلوا ليلا مع عائلاتهم ...!!!
وكالعادة انبرى وعاظ السلاطين وكتبة الخط المنكوس ومداحي الفرقة المارقة والعصابة الظالمة الى تسويغ هذا السلوك الفاسد الاجرامي والجائر بحق العراقيين بقولهم : (( والسبب انه مضياف وكريم وحين ينفذ عنده المال ؛ ينتزع المال بالقوة من الاغنياء الخاملين ... !!!!! )) .
ولنرجع الان الى صلب الموضوع لنتعرف الى طائفية طالب النقيب بصورة جلية ؛ اذ يروى أن قاضيا أسود البشرة من عبيد السيد طالب النقيب في البصرة جاء نقلا الى السماوة أيام الحكم الملكي في العراق , وكان هذا القاضي سنياً ، إلا أنه ليس كباقي سنة العراق النبلاء، بل كان طائفيا يحمل الحقد والضغينة لأخوته الشيعة ؛ فهذا الجرو من ذاك الكلب , ولعله من اعراب نجد او من زنوج الحجاز الذين نشأوا نشأة طائفية حقيرة في ربوع عائلة النقيب التي دنست ارض الجنوب العراقي بقذاراتها الطائفية , ليت شعري حتى العبيد سادوا في العراق وفقا للمنهج المنكوس الذي صير الاحرار عبيدا والاصلاء دخلاء والاغنياء فقراء ... !!
حدث وأن حصل خلاف بين مجموعة من بيت الامامي حول ملك لهم ؛ وبيت الإمامي عائلة سنية سكنت السماوة ، والذين عاشوا بضعة عقود من الزمن بوئام ومحبة مع أهلها الشيعة , بعد الخلاف الذي ذكرناه في بيت الإمامي ، وجد هذا البيت نفسه في ساحة القضاء أمام ذلك القاضي الاسود الطائفي , قبل البدء بالمرافعة ، تصرف هذا القاضي تصرفا غريبا ، إذ طرد جميع من في المحكمة ـ حتى كاتب الضبط ـ خارج غرفة المحكمة ، وأغلق بابها بالمفتاح ، وانفرد بالمتقاضين من آل الإمامي وحسب ؛ وراح يكيل السباب والشتيمة للشيعة، ناصحا آل الإمامي بأن لا يتشاجروا مرة ثانية أمام الشيعة، وأن لا يتقاضوا بعلمهم وسمعهم ، لكي لا يشمتوا بهم بهم , وأن يكونوا أقوياء أمامهم ، وما شجارهم هذا إلا إضعاف لهم أمام الشيعة , وراح يكيل الشتائم من الوزن الثقيل للشيعة ....!!
ولهذه القصة تكملة طويلة وهي تعرف بقصة ( فليح ال محل ) ؛ و تم طرد هذا القاضي الطائفي بالتهديد من السماوة و ولى هاربا آنذاك من غير رجعة .
واما سيد هذا القاضي الاسود ؛ فمثله اسود القلب , اذ لم يكتف طالب النقيب بممارسة الطائفية في العراق بل اتسعت حركته المعادية للشيعة واخذت بعداً إقليمياً أكبر مما يتصوره الكثيرون ؛ و الشواهد التاريخية التالية تتحدث عن دور طالب النقيب في ضرب التشيع في الاحساء ؛ اذ ذكر محمد المسلم في كتابه : (ساحل الذهب الأسود ) ، ص 203/ 204 ؛ ان سبب اقالة طالب النقيب هو خلافه مع ابن جمعة . .. و قال : (( ويصفون السيد طالب بأنه كان طاغيا مستبدا، حدثني المرحوم والدي ، ان الصدفة جمعته ـ أي طالب ـ بمنصور باشا بن جمعة في الباخرة وهو قادم في طريقه لهذه المنطقة ، فتحدث معه في مختلف الشؤون ، وكان طالب في اثناء حديثه يظهر اعتداده بنفسه ، ويقصّ عليه حكايات مزهوّا بفتكه وطغيانه ، فسخر منه منصور باشا ، وعلق على حديثه : بأنك لم تلتق برجل ، فوجد عليه وأضمرها في نفسه ، فلما قدم إلى القطيف وجد الفرصة مهيّأة للانتقام منه ، فانتهز فرصة غيابه ، فقبض على أخيه ـ عبد الحسين ـ واعتقله ، ثم عمد إلى قصوره فهدمها ، وساعدته الظروف إذ كانت البلاد في ذلك الوقت متفرقة إلى شيع وأحزاب ؛ وحين وصل خبر النكبة لمنصور باشا ، اتصل بالباب العالي ، ورفع قضيته للدوائر العليا ، واستصدر أمرا بعزل السيد طالب باشا النقيب ، وكان ابن جمعة في وقته ابرز شخصية مقربة للدولة العثمانية في القطيف)) .
أما حمزة الحسن في كتابه : ( الشيعة في السعودية ) ؛ فيذكر عن توجه طالب النقيب لمحاربة التمرد البدوي في الإحساء :
(( لم يبق طالب في منصبه سوى عامين، من شهر ربيع الاول 1320هـ حتى ربيع الاول 1322هـ الموافق لشهر يونيو/ حزيران 1904.. ففي هذا الشهر قدم استقالته ، بسبب ((دواعي صحيّة)) ، أو كما تشير بعض المصادر إلى انه أُجبر على الاستقالة لخلافه مع المرحوم منصور بن جمعة الذي استصدر امرا بإقالته من السلطان عبد الحميد، وقد سافر طالب إلى عاصمة الخلافة ليقدم تقريرا عن مهمته (( وصلت للإنجليز نسخة من التقرير عبر طالب نفسه! )) ويحوي التقرير اقتراحات لمحاربة حركة التشيّع وانتشاره بين القبائل العراقية ". الوثيقة رقم (( FO. 416 / 20 )) من : السير ن . اوكنور، السفير البريطاني في القسطنطينية بتاريخ 26 / 8 / 1904 ((رقم 684 ـ سري جدا)) . إلى : الماركيز لانزدون، وزير الخارجية .
ويحوي تقرير طالب التالي: (( ان الجزء الاكبر والأهم من شعب العراق تخلّى عن عقيدته السنيّة وتحوّل إلى الهرطقة الشيعية ! بسبب جهود المجتهدين وعلماء الفقه .
ولذا ـ كما يقول ـ يتوجب على الحكومة الامبراطورية العثمانية ان تطرد هؤلاء من المراكز الدينية ـ مشهد / النجف، وكربلاء.. ثم يقترح مشروعا توطينيا للبدو ، ومعاملتهم بشكل حسن ، حتى لا يتحوّلوا إلى المذهب الشيعي بسبب الظلم.. الخ )) .
كل العالم الان يعرف , القاصي والداني ان هذه الشرذمة تمتهن الكذب والدجل والتدليس ابا عن جد , بل ان احفادهم أسوأ منهم , فأغلب تقاريرهم كاذبة واساليبهم الماكرة اضحت لا تنطلي على خبير , فأنظر الى التناقض في هذا التقرير فهو يربط بين الاكثرية والاغلبية وبين البدو ... ما علاقة الاغلبية العراقية المعروفة منذ القدم ؛ بالتعرب والاعراب والبدو؟؟!! , فهؤلاء الذين يخاف عليهم طالب النقيب من التشيع ليسوا اصلا عراقيين , بل هم من البدو كما يقول وهؤلاء هجراتهم الى اطراف العراق معروفة , وبما انهم يهاجرون الى المدن والقرى والفيافي الشيعية فالنتيجة المنطقية ان هؤلاء بمرور الزمن يتحولون الى مذهب الاغلبية اهل الارض واصحاب البلد فمن عاشر القوم اربعين عاما صار منهم ؛ وان كنت استبعد تشيع الاعراب لان التشيع العراقي يعارض ويضاد التعرب النجدي والحجازي جملة وتفصيلا , لذلك ترى الد اعداء الشيعة هم اعراب نجد الوهابية ومن المعروف عنهم بغضهم الشديد للإمام علي وترك تمجيده ومدحه ؛ نعم قد يتشيع الاعرابي والبدوي في حال هجره للبادية وتركه للحل والترحال المستمر والاستقرار في القرى والمدن الشيعية العراقية او ان يرعى في المناطق العشبية القريبة منهما , واغلب الذين بقوا على مذهبهم السلطوي ولم ينخرطوا في صفوف الاغلبية العراقية في الجنوب هم مرتبطون بالحكومات الطائفية بل والاقليمية كموظفين وعيون وجواسيس للسلطة على الاغلبية هناك .
وما اشبه اليوم بالبارحة ؛ اجدادهم بالأمس وهم اليوم ؛ وكما قال شاعرنا ابو الطيب العراقي : مات في البرية كلبٌ ... فاسترحنا من عواه
خلف الملعون جروا ... فاق بالنبح اباه
بالامس القريب تبرع الغريب طالب النقيب للقضاء على شيعة الحجاز ؛ واليوم هب فدائيو صدام وازلامه المجرمون وشمروا عن ساعد الجد - بعد سقوط النظام الطائفي العنصري - ؛ لنقل خبراتهم الاجرامية ووسائلهم الارهابية لدعم السلطات الغاشمة في البحرين وغيرها , والتي تحتاج اليهم في تعذيب شيعة الامام علي من المسلمين والاحرار الوطنيين ؛ اذ جرت عمليات تجنيس واسعة للبعثيين من بقايا فدائيي صدام والاجهزة القمعية - و هم مجموعة من الوحوش الذين تشربوا الأحقاد و الضغائن ضد البشرية،- و جعلهم ماكنة تعذيب لاستئصال سكان البحرين الاصلاء ... , حيث قدر الذين منحوا الجنسية البحرينية من فدائيي صدام المقبور بنحو 25 ألفا ؛ وهذا رقم كبير قياسا بنسبة السكان هناك !!
و مهمة هؤلاء البعثيين قمع الشيعة وضربهم بيد من حديد بل وتعذيبهم بشتى طرق التعذيب الصدامية البعثية , ومعاملتهم مثلما كانوا يعاملون شيعة العراق !!
والسبب الذي دعا النظام البحريني للاستعانة بهؤلاء الضباع معرفتهم بسمعتهم سيئة الصيت , اذ ان قلوبهم خالية من الرحمة تماما , فهم فاقدوا الانسانية ومعدومو الضمير والوجدان , ولا يعترفون بحقوق الانسان , ويعرفون كيف يسحقون الانسان ويدمرون حياته ويجعلونه جسدا هامدا بلا روح او احاسيس او مشاعر ؛ كما علمهم المجرم الجلاد صدام ؛ فطالما ردد صدام في اجتماعاته الحزبية مع اصدقائه ورفاقه المقربين انه اذ حكم العراق سيقوم بتحويله الى جمهورية ستالينية ؛ الا انه عاد وغير رأيه في قاعة الخلد قائلا : (( لا نحتاج اسلوب ستالين في مواجهة الخونة انما نحتاج الاسلوب البعثي في مواجهة الخونة )) ؛ اذ لم يكتف المجرم صدام بالإرث الستاليني الرهيب في كيفية الاجرام والتعذيب وممارسة القمع والقتل ؛ بل راح يخترع اسلوبا جديدا في التعذيب والارهاب والاجرام والقتل والبطش يفوق اسلوب ستالين رعبا و ألما وعذابا وخسة ونذالة وغدرا ؛ واسماه الاسلوب البعثي وهو اسم على مسمى .
المصادر :
.....................................................................
1- ذاكرة البصرة - زيارة الى قصر طالب باشا النقيب / كتابة وعدسة : محمد سهيل احمد .
2- كمبيالات النقيب / اذاعة العراق الحر / خالد القشطيني .
3- تاريخ الوزارات العراقية / عبد الرزاق الحسني .
4- القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري / صادق الطائي .
5- كتاب حكم الشيخ خزعل في عربستان / تاليف مصطفى النجار .
6- قليلا من غيرة ( فليح آل محل ) يا بعض قوى الائتلاف الوطني العراقي / زهير الزبيدي .
7- حينما يتفوّقُ الانسان على الحرباء / جواد غلوم .
8- أول رئيس للوزراء في حياته الخاصة نقيب بغداد وهوس النظافة / رفعة عبد الرزاق محمد .
9- كتاب طالب باشا النقيب البصري / حسين هادي الشلاه .
10- طالب النقيب وطموحاته لاعتلاء عرش العراق / صباح كريم الفتلاوي و عبد العظيم عباس نصار .
11- كتاب قلائد الجواهر / التادفي الحنبلي .
طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الثالثة / ( طالب النقيب )
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين