منذ العهد العثماني النجس الرجس حتى سقوط صنم العوجة وجرذ الحفرة ؛ فرضت على العراقيين الاحرار أنظمة حكم فاسدة وجائرة وخائرة ولا تمت الى هذه البلاد الطاهرة بصلة , وقد تم حرمان الاغلبية العراقية مع جل المكونات العراقية الاصيلة والقديمة قدم الدهر ؛ من المشاركة الفعلية والفاعلة في الحكم والسلطة ؛ فعاش العراق حكما اجنبيا تارة وطائفيا وعنصريا تارة اخرى – مرتبطا بالأجنبي ايضا - طوال هذه المدة المظلمة ؛ بالرغم من كل المسميات الجوفاء .
اذ لم يعين الاتراك المحتلون مسؤولاً عراقيا من الاغلبية في العراق خلال ال400 سنة من حكم العثمانيين... ؛ تصور ان عبيد الاتراك ( المماليك ) حكموا بغداد , وتم ابعاد الاحرار العراقيين من حكم بلادهم ؛ بحجة خلافة الغلمان والمأبونين العثمانية الاسلامية ..!!
قامت خلال هذه الحقبة عدد من المشيخات والإمارات سدت مكان الدولة العثمانية وقامت ببعض واجباتها واسند الاتراك اليها بعض المسؤوليات ، و كان من بينها : الإمارة الجليلية في الموصل , إمارة آل السعدون في الجنوب وغيرهما ؛ اذ تزامن ظهور هذه العوائل مع مجيء الاتراك المحتلين , وبما ان موضوع هذه المقالة : ( عبد المحسن السعدون ) , لابد لنا من تسليط الاضواء ولو بصورة خاطفة عن هذه العائلة .
وقد تقلد أبناء هذه العوائل معظم المناصب الحكومية في الولايات العثمانية العربية، بالإضافة إلى بعض المناصب خارجها، وانتسبوا إلى الجيش العثماني وخدموا في صفوفه، وبرزت من بينهم أسماء عدد من الضباط الذين درسوا في (مدرسة العشائر) بإسطنبول، والتي أنشأها السلطان عبد الحميد الثاني عام 1892 لتستقبل أبناء الأعيان والأمراء العرب من أجل تعليمهم ودمجهم في الوظائف الكبرى للدولة، ثم تسنم بعض هؤلاء مناصب عسكرية ومدنية في جهاز السلطنة الإداري، وشارك الكثيرون منهم في حروب الباب العالي .
وقد ولد عبد المحسن بن فهد باشا بن علي السعدون سنة 1297هـ (1879م) بمدينة الناصرية لأب تولى مشيخة المنتفق عدة مرات، وأم هي ابنة فيصل بن تركي الراشد آل شبيب.
وعندما أكمل عبد المحسن الثانية عشرة من عمره أرسله والده الشيخ فهد باشا للدراسة بمدرسة العشائر في اسطنبول بطلب من الدولة العثمانية حسب سياسة الأتراك .
والاقوال في جذور واصول عائلة السعدون عديدة , ومعمة الانساب بصورة عامة معقدة , ومع ذلك سأذكر القول المشهور والرد عليه :
• قيل : ان آل السعدون هم من الهاشميين ؛ وقد دهشت عندما قرأت لاحدهم وهو يحاول اثبات النسب الهاشمي لعائلة السعدون , وقد استشهد بمجموعة من النسابة ومنهم : وديكسون و المس بيل و ماكس فرايهير اوبنهايم ...!!
وقد ابطل الباحث عبد الله بن محيل بن عاتق الحميّاني المطيري دعوى انتساب السعدون إلى السادة الأشراف , وهذا نص قوله : ((هذا بيان ... في بطلان النسب الهاشمي المزعوم لآل السعدون شيوخ قبيلة المنتفق الهوازنية القيسية .
آل سعدون : قيل ان لهم نسباً حسنياً وقيل ان لهم نسباً حسينياً ولم يثبت أيٍ منهما ؛ ولا يمتلك آل سعدون أي وثيقة نسب قديمة معتبرة تؤكد ادعاءهم النسب العلوي !
وهم يقولون بأن أول من هاجر من أجداهم من الحجاز الى العراق هو (الحسن بن علي) وهو أبو شبيب الذي تسمت العائلة باسمه أي آل شبيب ومن ذريته خرج سعدون الذي اشتهرت العائلة باسمه فيما بعد ؛ ولم يؤيد نسابو الحجاز هجرة احد السادة والاشراف الى العراق من أجداد شبيب وترؤسه لقبائل المنتفق في جنوب العراق !
وقد ادعى بعض المزورين وتجار الأنساب أن نسب شبيب هو الآتي : (شبيب بن حسن المهاجر من الحجاز الى جنوب العراق بن علي بن نمر بن حميد بن عوف بن نمر بن رافع بن عكرمة بن زيد بن صفوان بن عمار بن مجالد بن إدريس بن مطاعن) ، ومجالد المذكور يفترض به ان يكون اخاً لقتادة بن إدريس أمير مكة ! ولم يذكر علماء النسب لقتادة أخاً اسمه مجالد !
و أدعى بعضهم أنَّ آل سعدون هم حسينيون وليسوا بحسنيين ، فقالوا ان نسب سعدون هو الآتي : (سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب الثاني بن مانع بن شبيب الاول بن حسن (القادم الى المنتفق من الحجاز) بن مانع بن مالك بن سعدون الاول بن ابراهيم (أحمر العينين) بن كبش بن منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم (ابو فليته) بن مهنا الاعرج بن الحسين (شهاب الدين ) بن مهنا الاكبر (أبو عمارة) بن داود (أبو هاشم) بن القاسم بن عبيد الله بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسين بن جعفر (الحجة) بن عبيد الله الاعرج بن الحسين الأصغر بن الامام علي زين العابدين عليه السلام). وقد أورد هذا النسب عبدالحميد عبادة في مخطوطته “شجرة الزيتون في نسبة آل السعدون” التي الفها سنة 1344 هـ.
وقد ورد في تحفة الازهار لضامن بن شدقم ان لكبش بن منصور ابن واحد هو هدف بن كبش ولم يذكر له ابن أسمه ابراهيم (أحمر العينين) ! وأيضاً في كتاب (نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة) للحسن بن علي بن حسن بن علي بن شدقم الحسيني (توفي في سنة 1033 هـ ـ1623م) ذكر فيه “بيت وذرية هدف بن كبش” ولم يذكر لكبش ابن آخر.
قال المؤرخ عباس العزاوي في كتابه (عشائر العراق) ج4 ص19: (فالقول انهم حسينية لا دليل يعضده وأن العمود الذي رتب اخيراً لا يرجع في سنده الى أصل قديم).
فلا يوجد دليل معتبر على صحة نسب آل سعدون إلى بني هاشم .
وهم لا يملكون سوى دعوى لم يقم عليها دليل معتبر.
كما أن الحمض النووي الـ DNA أثبت أن آل سعدون في السلالة العربية j1 التحور السالب مع قبائل كهلان القحطانية والتحور السالب هو تحور قحطاني يجمع قبائل الأشاعرة وهمدان وحاشد ويام والعجمان وطيء وزهران والأزد و... !!
فهل بني هاشم وقريش من قبائل قحطــان !!!؟؟؟
وهنا ثبت بالدليل والمصدر أن نسب آل سعدون إلى الأشراف باطل باطل لا يصح .
والصحيح أنهم من بني مالك وهم من الأزد الكهلانية القحطانية )) .
استطراد انثروبولوجي
بغض النظر عن حقيقة نسب هذه العائلة الكريمة والقبيلة المحترمة واعداد الحمايل والافخاذ المنضوية تحت رايتها او التي تنتسب اليها بالجد الاعلى او الولاء والمصاهرة ومعرفة من هو السعدوني الاصيل ومن هو المولى الدخيل او الحليف , وانا اشاهد بعض الفيديوهات عن بعض شيوخ وافراد هذه القبيلة وعاداتهم وتقاليدهم , لفت انتباهي الى انهم يتكلمون اللهجة البدوية الحجازية والنجدية , وانهم يلبسون الشماغ الأبيض المرقط بالأحمر ؛ ويعد هذا الشماغ وسمًا مميزًا لسكان الجزيرة العربية , فما إن ترَ أحدًا يرتديه مع الثوب حتى تعرف أن من يرتديه إما سعودي نجدي او حجازي , وكلا الامرين بعيد عن روح الحضارة العراقية والتقاليد الوطنية ؛ اذ ان لهجة سكان العراق تختلف اختلافا كبيرا بأصواتها ومفرداتها عن اللهجة البدوية الاعرابية , والشماغ المستخدم في العراق الشماغ الابيض المرقط بالأسود و الشماغ الابيض ؛ وان كان اصل الشماغ بكل الوانه من بلادنا فنحن الرأس وغيرنا الذنب , فمن غيرنا علم العرب والاعراب كيفية لبس العقال والكوفية ؟ , ويعتقد باحثون في الملابس التقليدية للشعوب بأن النمط المستخدم في توزيع الألوان (الأحمر والأبيض او الاسود والابيض ) أو غيرهما يعود إلى حضارات ما بين النهرين القديمة ويعتقد أن هذه الأنماط اللونية قد استخدمت محاكاة لشبكات صيد السمك أو إلى سنبلة القمح والحنطة !
ولم تعرف العرب الشماغ (الاسم السومري) أو الكوفية ( الاسم الكوفي) إلا بوقت متأخر لا يتجاوز الـ 200 عام فقط !!
ويرى بعض الباحثين أن فكرة هذا الغطاء بدأت عندما كان الصياد السومري يضع شبكة الصيد على رأسه اتقاءاً للشمس المحرقة في الصيف فأستحسن الفكرة وحاك غطاء برسم شبكة الصيد وموج الماء ..!
وأقدم صورة موجودة لتمثال الملك العراقي ( كوديا السومري ) في متحف اللوفر بفرنسا وهو يرتدي شماغ ملفوف على الرأس !
اسمه ياش ماخ .. اي غطاء الرجل المجيد او الرجل النبيل ؛ فأصل تسمية كلمة " ياشماغ " سومريه بحت .
ولكن في العصور الاخيرة ارتبط الشماغ الابيض المرقط بالأحمر ارتباطا وثيقا بالوهابية والاعراب وسكان السعودية , لذلك ترى اغلب العراقيين لا يحبذونه لما له من دلالات سلبية في ذاكراتهم ؛ فالعراقيون ولاسيما الجنوبيين واهل الوسط منهم لا ينسون هجمات الاعراب الذين يرتدون ذلك الشماغ - الابيض المرقط بالأحمر - الدموي ؛ اذ جاء في بعض المصادر التاريخية : أن العراق وعلى مدى 140 عاما ، كان يتعرض جنوبه وغربه ؛ إلى هجمات شرسة دموية تقوم بها قبائل نجدية قادمة من الحجاز ، وعرفت هذه الهجمات رسميا وشعبيا بـ ( هجمات الاخوان ) ، وكان هدف هذه القبائل هو : ( قتل المشركين العراقيين الشيعة ) ، والمتخاذلين المتعاونين معهم ( السنة ) !!!
يعود تاريخ هذه الغزوات إلى العام 1790م ؛ فقد حدثت معارك وهجمات شرسة ومذابح في هذا التاريخ ، وعادت هذه القبائل الاعرابية الهمجية في العام 1799 م ايضا ، وهكذا استمرت غزوات الاعراب وهجمات الوهابية المجرمين طوال هذه العقود اللاحقة وصولا الى القرن العشرين ؛ وفي احدى المرات هجم هؤلاء الانجاس على الجنوب العراقي مستغلين ذهاب الجنوبيين من الاغلبية العراقية إلى زيارة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب حفيد النبي محمد بمناسبة الأربعينية ؛ فقد كان المجرمون الاخوان النجديون ، يستغلون انشغال المسلمين الشيعة بذكرى استشهاد ابن بنت نبي الاسلام ، لينقضوا على البلاد كالوحوش الضارية قتلا ونهبا وسبيا ... بحجة أنهم ( مشركين ) !!
ومن أبشع تلك الهجمات الاعرابية ما حدثت في مطلع عشرينيات القرن الماضي ، اذ شهدت مقتل أكثر من (600 ) مواطن عراقي ، الأمر الذي جعل القبائل الجنوبية العراقية أن تجتمع تحت راية واحدة لرد هذه الهجمة الاجرامية الشرسة ، وكانت مناطق في البادية الجنوبية مثل ( بصية ) و ( الگصير ) وغيرها ، قد شهدت معارك ضارية ، ردّت هؤلاء الاخوان على اعقابهم من دون عودة ... ؛ وهنالك مقبرة جماعية لقتلى الاخوان النجديين المجرمين في منطقة ( الگصير ) والتي تقع جنوب غرب مدينة السماوة .
والشيء بالشيء يذكر ؛ ولهذا الشماغ الاحمر ذكريات مؤلمة اخرى لا تقل ألما وأسى عما خلفه اعراب الصحراء في قلوب احرار وكرام العراق ؛ اذ تعرض جنوب و وسط العراق خلال الانتفاضة الجماهيرية عام 1991 الى هجمات ابناء الانكشارية ولقطاء القبائل العثمانية البدوية ؛ اذ ارتدت قيادات العصابة الصدامية المارقة الشماغ الاحمر وهي تنفذ عمليات التطهير العرقي والطائفي وتمارس ابشع الجرائم المقززة والتي يندى لها جبين الانسانية ؛ وقد عرضت بعض القنوات العالمية بعد سقوط صنم شذاذ الافاق ؛ مقاطع مصورة تبين مدى خسة ونذالة واجرام هؤلاء المرتزقة العملاء في كيفية تعذيب وقتل العراقيين ... ؛ وقد روى صاحب كتاب ليالي ابو غريب في / 125 ص ما يلي : (( انه شاهد المجرم وزير الداخلية سعدون شاكر وهو يعتمر الشماغ الاحمر ويرتدي دشداشة قد خرج من غرفة التحقيق - اي غرفة التعذيب - يمشي مختالا وخلفه مدير الشعبة الخامسة ومجموعة من الضباط اذ حقق مع بعض المعتقلين وعذب بعضهم بيده الاثمة ... واخيرا افصح سعدون شاكر لمن حقق معهم من المعتقلين عن حقده على الشيعة ... حيث قال : احنا نعرفكم الشيعة انتم 95 بالمية منكم حزب دعوة خونة )) , فمن جرائم القبائل التركمانية البدوية واذنابها من رعايا العثمانيين الى جرائم بدو الصحراء العربية واخرها الدواعش الاعراب الذين هم اشد كفرا ونفاقا واجراما ؛ ( وبين الاغراب والاعراب بلوة ابتلينا ) .
ولنا عودة مع المجرم السفاح سعدون شاكر في حلقات اخرى ؛ ولكن لابد لنا الان من التعليق - ولو ببيت شعر - على الجراثيم الطائفية التي تفوه بها هذا النذل وتطهير الاجواء العراقية منها :
هي المقادير تجري في اعنتها ...... فاصبر فليس لها صبر على حال
يوما تريك خسيس القوم ترفعه ...... إلى السماء ويوما تخفض العالي
ليت شعري هذه اليد الخسيسة الخائنة تصفع وجوه احرار العراق وتقتل كرام البلد , والله ان القدر الذي سلط بني امية والاعراب على رض صدر الحسين بن علي بحوافر الخيل ؛ لهو أرحم الف مرة من الاقدار النحسة التي مكنت هذه العصابة المارقة والشرذمة الهجينة من حكم العراق طوال ثمانية عقود .
و لنرجع الان الى موضوعنا ؛ فالحالة الطبيعية للعلاقة بين الرئيس والمرؤوس تفرض وجود اواصر ومشتركات بينهما ؛ فكل عشائر وقبائل العمارة – مثلا- الشيوخ والعشائر كلهم ينتمون لنفس الاصل والثقافة والتوجه بصورة عامة مع ملاحظة بعض الخصائص لهذه القبيلة او تلك العشيرة , وكذلك عشائر الانبار , وكذا العشائر الكردية ؛ لكن الامر مختلف في موضوعنا هذا , اذ ان عشيرة او عائلة السعدون تزعمت امارة المنتفق او حلف المنتفق وهو يضم عشائر وقبائل الحضر والبادية , سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين (اليهود والصابئه والمسيحيين في جنوب العراق) وكما هو معلوم ان نسبة السنة قليلة جدا في وسط وجنوب العراق ولاسيما الجنوب ولعل اغلبهم جاؤوا الى الجنوب لدوافع سياسية , و هذه الحالة هي الحالة الشاذة الوحيدة في الجنوب او ضمن حالات نادرة , لذلك انتفض بعض المظلومين – و بعض المأجورين ايضا - بعد سقوط نظام القبلية والطائفية والمناطقية في الجنوب وبالتحديد في البصرة والناصرية على بعض ابناء عائلة السعدون المرتبطين بالأجهزة القمعية الصدامية وحاولوا تهجيرهم , الا ان الامور استقرت ورجعت المياه الى مجاريها , وعاش الجميع بأمن وامان ؛ ولا عجب في ذلك فأهل الجنوب تحكمهم عادات وتقاليد اصيلة تقف سدا منيعا امام حدوث انتهاكات انسانية كبيرة او حصول جرائم ابادة جماعية ؛ على خلاف بعض المناطق المارقة ذات الاصول الغريبة ولعل جريمة سبايكر الرهيبة دليل ناصع على حقيقة هذه الشرذمة الاجرامية الارهابية المنكوسة , وهنالك نقطة لابد من الاشارة اليها وهو ان الكثير من العوائل والعشائر السنية المهاجرة الى جنوب العراق قريبا من نجد والحجاز رجعت الى موطنها الاصلي ( السعودية ) بعد تحسن الاوضاع الاقتصادية هناك وقد حصلوا على جنسية العديد من دول الخليج , وذلك بسبب تدهور الاوضاع العامة ولاسيما الاقتصادية في العراق ,ولعل المتابع للشأن العراقي يلاحظ ان هذه الحالة طالما تتكرر اذ ان اغلب العوائل الغريبة والاجنبية والعميلة والمارقة والحاقدة التي حكمت العراق وتحكمت بمقدراتها هجرته الى الخارج بمعية الاموال المسروقة طبعا , وحدثت اغلب هذه الهجرات قبل سقوط صنم الاغراب والاعراب عام 2003 وبعد هذا التاريخ ايضا ؛ ومن المعروف ان سكان الزبير من عرب واعراب نجد والحجاز قد رجعوا الى السعودية والكويت وغيرهما ؛ اذ رجعوا الى مواطنهم الاصلية بأمر من الملك السعودي فيصل بعد قيام النظام الجمهوري ولاسيما البعثي منه .
سيرة عبد المحسن السعدون
عندما أكمل عبد المحسن الثانية عشرة من عمره أرسله والده الشيخ فهد باشا للدراسة بمدرسة العشائر في اسطنبول بطلب من الدولة حسب سياسة الأتراك - كما ذكرنا انفا - في احتضان أبناء زعماء القبائل والعوائل الموالية ، وتعليمهم لضمان ولائهم فيما بعد، ثم تبع عبد المحسن أخوه عبد الكريم في السنة التالية بناء على طلب عبد المحسن الذي شعر بالوحدة في عاصمة الدولة العثمانية ، فأمضى الأخوان أربع سنوات في مدرسة العشائر ثم التحقا بعد إنهاء المدرسة بالكلية الحربية العالية ، وتعيّنا بعد التخرج سنة 1905م مرافقين للسلطان عبد الحميد الثاني ، ورقّيا بسبب ذلك مباشرة من رتبة ملازم ثاني إلى رتبة بكباشي - (مقدم) - .
وفي 1909م تزوج عبد المحسن من ابنة مدير الأوقاف التركي موافقاً على شرط أهلها بالإقامة الدائمة في إسطنبول ، وكان الاتحاديون قد اعتلوا السلطة قبل ذلك ، وعزلوا السلطان عبد الحميد الثاني مما أثر سلباً في كل من كانوا حول السلطان المعزول ، ومن بينهم عبد المحسن الذي خُفضت رتبته إلى ملازم ثاني، ونُقل من إسطنبول إلى أدرنة، فغضب رافضاً تنفيذ القرار ، ورجع إلى العراق تاركاً زوجته في إسطنبول لكنه أعاد حساباته في العراق ، وكبني قومه سرعان ما تحول وبدل جلده فعاد إلى إسطنبول في السنة التالية، وانضم لحزب الاتحاد والترقي ليبدأ في النمو سياسياً ؛ وكم تعلمون ان تربيته التركية وانتماءه السياسي لهذا الحزب اللعين الاجرامي والذي نكل بالعرب والاكراد .... أثر بالغ التأثير في شخصيته فيما بعد اذ نشأ عنصريا حاقدا وطائفيا مريضا ، ودخل المعترك السياسي بانتخابه نائباً للواء المنتفق – الجنوب العراقي !!- في مجلس المبعوثان العثماني في أواخر سنة 1910م ، وهو المقعد الذي استمر يحتله حتى نهاية الحرب العالمية الأولى حيث أعيد انتخابه في دورتي (1912م، و1914م) .
وكالعادة حاول اتباع الخط المنكوس تنظيف سيرة هذا الطائفي العميل ؛ وادعوا انه ارسل رسالة لأخيه عبد الكريم – كما يقول المثل بعد خراب البصرة ؛ ان صدق الادعاء - ؛ حيث قال كما يدعون : (( إني جربت هؤلاء القوم، فوجدت أن الحياة معهم عيب وخزي، وعليك أن تتنحى عن الاشتراك معهم )) ؛ هؤلاء المدلسون الا يستحون من تزوير الحقائق التاريخية , انظر الى ما يصبون اليه , يحاولون اقناع الجماهير ان عبد المحسن الذي تربى في احضان الاتراك وتفاني في خدمتهم وانتمى اليهم قلبا وقالبا حتى انه نسى لغته الام – والمفروض ان اصله عربي !! – بل ان التاريخ يذكر لنا بعض شخصيات السعدون الذين خدموا الاتراك ؛ هكذا وبعد ان صاهر الاتراك اكتشف ان الحياة معهم عار وخزي ... ؛ لو كنت عراقيا حقيقيا لعرفت هذه الحقيقة من زمان , فالعراق كان وما يزال بلد الثوار والاحرار والمعارضة والممانعة .
وبعد سقوط البصرة في يد الإنجليز ظل عبد المحسن في مجلس المبعوثان بينما عاد أخوه عبد الكريم إلى البصرة ، وكشف احد النواب حقيقة رجوع اخيه الى البصرة وذلك للاتصال بالانكليز و التعاون معهم اولياء نعمته الجدد وهذا ليس بدعا, فحاله حال اغلب رجال الخلافة العثمانية الذين تحولوا بسرعة البرق الى موالاة الانكليز .... علما ان اخاه عبد الكريم قد اخذ حصته من المغانم الحكومية فيما بعد ، وقيل انه عندما سمع بذلك اشتط غضباً، وقال : (إنني أفضل الانتحار على سماع كلمة الخيانة توجّه لي تحت قبة البرلمان، ولو كانت صادرة من أشخاص تُعرف طواياهم!) .
صدقت يا عبد المحسن لكن لعنة الله على الكاذب , ان كانت كل هذه الجرائم السياسية الكبرى التي نفذتها بدء من العمالة للإنكليز وتنفيذ اوامرهم الاستعمارية واجنداتهم الخبيثة , مرورا بضرب الطلبة المتظاهرين وقتل المعارضين وصولا للطائفية والتهجير السياسي ؛ لا تعد خيانة للوطن فما الخيانة بنظركم ايتها الشرذمة المارقة والعصابة المنكوسة ..؟؟!!
ولعل هذه المسرحية حيكت فيما بعد , وهذه المقولة نسبت اليه بعد مقتله الغامض لتؤكد للناس والمتابعين بان ورود التهديد بالانتحار في كلام عبد المحسن يعطينا دلالة مبكرة على طبيعة شخصيته الرافضة للمس بسمعته الوطنية، وإشارة لبذور الفكرة السوداوية التي أنهى بها حياته فيما بعد ؛ وكل هذا هراء لا يقبل به عاقل .
عاد عبد المحسن إلى العراق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وانحلال مجلس المبعوثان سنة 1919م ، واستقر نهائياً بين أهله في نوفمبر 1921م ؛ بل استدعي من خلال مشاورات سقيفة الخيانة الوطنية والعمالة البريطانية ، وحال وصوله وجد نفسه مرشحاً لتولي دور بارز في المملكة الوليدة وذلك لان الامور دبرت بليل كما اسلفنا انفا ، فاستلم حقيبة العدلية في الوزارة العراقية الثانية بعد استقالة ناجي السويدي منها يوم الاثنين (24 إبريل 1922م) ثم حقيبة الداخلية في الوزارة الثالثة يوم السبت (الثلاثين من سبتمبر 1922م) ، ولم يمر شهران على ذلك حتى شكّل عبد المحسن السعدون وزارته الأولى يوم (18 نوفمبر 1922م) .
وكان اختيار عبد المحسن لتشكيل الحكومة بهذه السرعة يرجع إلى أسباب تتعلق بالظروف السياسية المضطربة والغبن والتمييز الطائفي ؛ اذ عمد الانكليز الى رجل أكثر حزماً وطائفية وحقارة من الشيخ المسن عبد الرحمن النقيب رئيس الوزراء السابق , واكثر ظلما وبطشا وعمالة ، وذلك من أجل الإسراع في تنفيذ انتخابات المجلس التأسيسي الشكلية , وباقي المقررات البريطانية ، ويذكر للمؤرخ خيري العمري قوله في هذا الموضوع : (وقع اختيار دار الاعتماد الإنجليزي عليه بعد أن خيّب عبد الرحمن النقيب ظنها بتردده بين الإقدام والإحجام في موقف يتطلب الحزم , لا سيما بعد أن اشتدت مقاطعة الشعب لانتخابات المجلس التأسيسي ، واتخذت شكلاً عنيفاً في الجنوب حيث انتشرت فتاوى العلماء بتحريم المشاركة في الانتخابات).
حتى الطائفي الشيخ عبد الرحمن كان مترددا وخائفا من مغبة الاقدام ؛ الا ان الانكليز يعرفون معادن الرجال جيدا لذلك اختاروا هذا المريض النفسي لتنفيذ هذه المهمة القذرة والتي ترتب عليها ما ترتب من تداعيات عانى العراقيون منها طوال عقود من الزمن .
وبانتخاب المجلس التأسيسي انقضت مهمة حكومة السعدون الأولى ، فاستقال يوم الاثنين (15 أكتوبر 1923م) ، وتولى رئاسة المجلس التأسيسي المنتخب إلى أن شكل وزارته الثانية في (26 يونيو 1925م) ، والتي استمرت لأكثر من سنة حتى استقالت يوم الاثنين (6 نوفمبر 1926م ) .
وحصل عبد المحسن السعدون إبان وزارته الثانية في (يوليو 1926م) على وسام الفروسية، ولقب (سير) من ملك بريطانيا جورج الخامس ؛ تكريما لجهوده في تكريس نفوذ الاحتلال البريطاني وتنفيذ المخططات البريطانية التي تهدف الى نهب ثروات العراقيين الاصلاء وابعادهم واقصائهم عن الحكم بل والتنكيل بهم ؛ ثأرا لضحايا الانكليز في ثورة العشرين ؛ وقد تم تسريب بعض المعلومات عن ملتقى المحفل الماسوني الذي اجتمع عام 1920 وناقش ثلاثة قضايا – قضية الارمن , وفلسطين , والعراق – وبما يخص العراق قرر المحفل ما نصه : (( الشعب العراقي شعب مشاغب ينبغي ان يؤدب )) ؛ وقد صدقوا بما قالوا و وفوا بعهدهم ؛ اذ لم ير العراق خيرا منذ ذلك الوقت والى الان , وتم تدمير وتخريب كل شيء فيه , ولعل المواطن العراقي البسيط نال القسط الاكبر من هذا الكم الهائل من العذاب والتشرذم والضياع وتغييب الهوية الوطنية الحقيقية .
كما حصل عبد المحسن أيضاً على وسام الرافدين من الدرجة الثانية من الملك فيصل الأول، وهو أول عراقي يحصل عليه، ومن مناصبه الأخرى التي تولاها خلال حياته السياسية - القصيرة المدة الطويلة التداعيات والاثار السلبية - عدا ترؤسه للمجلس التأسيسي ؛ انتخابه رئيساً لمجلس النواب سنة (1926م) ، ورئاسة مجلس الأعيان في السنة التي تلتها .
وفي هذا الوقت تعرض عبد المحسن السعدون لمحاولة اغتيال بينما كان صاعداً درج ديوان مجلس الوزراء يوم الثلاثاء (10 أغسطس 1926م) .
شغل عبد المحسن السعدون منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة بعد وزارتيه الأولى والثانية في 14 كانون الثاني 1928 خلفا لوزارة جعفر العسكري الثانية ؛ استمرت الوزارة حتى عام 1929 ؛ اذ قدم عبد المحسن السعدون استقالة وزارته في يوم 20 كانون الثاني من العام نفسه , وقبلها الملك فيصل الأول في اليوم التالي، وبقيت حكومة تصريف إعمال بالوكالة لمدة 98 يوما لحين تشكيل الحكومة الجديدة وظلت الوزارة تعرض على البرلمان القوانين الجديدة التي كانت وضعتها قبل استقالتها إلا أنها لم تضع أية لائحة قانونية أخرى.


المحطات السياسية الطائفية للسعدوني عبد المحسن
كما هو معلوم ان منصب رئيس الوزراء تم استحداثه في العراق الحديث يوم 11/10/1920 , و تولى هذا المنصب (34 شخصا) بعضهم تولاه أكثر من مرة ومع جمع حالات التكرار يكون مجموع حالات التولي للمنصب 61 مرة ؛ وكل هذه الوزارات البائسة النحسة لم تتشرف بترشيح رئيس وزراء عراقي اصيل من ميسان والبصرة - البقرة الحلوب - ؛ وذلك مراعاة لمشاعر ابناء الانكشارية والعثمنة من الشركس والقرج والشيشان ... ( خاف يزعلون )..!! .
المشكلات التي واجهت الوزارات النقيبية والاعتراضات الجماهيرية والغضب الشعبي ... ادى الى طرد وزارة الدخيل العميل عبد الرحمن النقيب الى غير رجعة ؛ هذا الشيخ الطائفي الذي طالما هدد الانكليز به الملك فيصل اذ قالوا له في احدى المرات : اما ان تلتزم الصمت وتدع هذا الشيخ يسرح ويمرح ويقرر كيفما يشاء او ان تترك البلاد ..!!
وكما هو معلوم ان وزير الداخلية عبد المحسن السعدون - في الوزارة النقيبية - استقال من وزارته ؛ احتجاجا على عدم اقرار زملائه سياسة الشدة والبطش , التي قرر انتهاجها لتسيير الانتخابات العامة الشكلية بالقوة ؛ ارضاء لأسياده الانكليز , اذ كان متحمسا للشروع في الانتخابات العامة للمجلس التأسيسي , وكان يود من صميم قلبه تذليل كل الصعوبات والاعتراضات الشعبية الواسعة والوقوف في وجه كل من يدعو الى مقاطعتها من احرار العراق ...لكنه فشل في تحقيق هدفه المشؤوم , وحل محله المستر ( كورنواليس ) المستشار البريطاني للداخلية , حينها ادرك برسي كوكس ... ان لا فائدة من هذه الوزارة النقيبية ؛وقال يمكن ايجاد وزارة جديدة .. , غير نقيبية تحل المشكلة ......... , وتستطيع جمع المجلس التأسيسي لإبرام المعاهدة وتنفيذها ... وكان ينظر الى عبد المحسن السعدون نظرة اعجاب ؛ نظرا لما يتمتع به عبد المحسن من مزايا وطنية عظيمة بحيث جعلت المحتل الانكليزي يعجب به ويسلمه زمام ادارة البلد ...!!!
هذه الطريقة المنكوسة في التعاطي مع التاريخ هي طريقة العصابة المارقة التي تحاول اضفاء بطولات وهمية ومزايا مزيفة لشخصياتهم العفنة العميلة الطائفية الحقيرة .

والرجل كان يؤمن بسياسة التعاون مع بريطانيا العظمى بل بالانبطاح امامها ونزع السروال , وكان الهدف تصديق المعاهدة العراقية البريطانية واقرارها من قبل المجلس التأسيسي ؛وفي يوم 10 كانون الثاني 1923 م تعيين عبد المحسن السعدون اضافة الى رئاسته لمجلس الوزراء ( وزير الداخلية ) , ولعل هذا الخطوة الشيطانية كانت حجر الاساس في بناء النظام الدكتاتوري الطائفي العنصري في العراق و حصر المهام الامنية والعسكرية وقيادة البلد بيد رجل واحد .
والانتخابات التي جرت لم تخل من التزوير الحكومي والتلاعب ب الية الترشيح وتقييد حرية المرشحين والناخبين ؛ وهذه سابقة قذرة ايضا تحسب للوطني العميل والنزيه الطائفي عبد المحسن ؛ لكن الشعب العراقي وقوى المعارضة كشفت الزيف السعدوني مبكرا , وبالرغم من العزوف الجماهيري الكبير للاشتراك بهذه الانتخابات الصورية , اقرت رغما عن انوف العراقيين .
وللسعدون عبد المحسن جريمة اخرى تفوق كل جرائمه الطائفية والعنصرية والسياسية الاخرى ؛ الا وهي قيامه بتهجير مجموعة من علماء الاغلبية العراقية وعلى رأسهم العالم العراقي الشيخ الخالصي , وهذا الاجراء الاجرامي الخطير أرسى قواعد التهجير الجماعي فيما بعد واسقاط الجنسية العراقية عن بعض العراقيين ؛ وهذه الفئة العميلة المارقة مضافا الى طائفيتها وعنصريتها قد جاءها دعم خارجي كالمعتاد واسناد بريطاني فيما يخص هذا الموضوع ؛ اذ نعت المندوب السامي البريطاني السيد محمد الصدر والشيخ محمد الخالصي بـ ( الايرانيين ) في مذكرته لرسائل المس بيل ج2 ص224 ؛ لانهم رفضوا معاهدة التحالف المعقودة في 10 تشرين الاول عام 1922 م ؛ وقد عاد السيد محمد الصدر الى العراق في 30 مايس 1924 م , وبقي الشيخ محمد ابن الشيخ الكبير مهدي الخالصي في ايران الى سنة 1949 م , ومات الشيخ مهدي الخالصي غريبا في ايران , وصل خبر وفاته يوم 10 نيسان 1925م ؛ فكان لنعيه رنة حزن عميق في الأوساط الوطنية والعلمية العراقية كافة ؛ واتباعا لخطوات المستعمر البريطاني اتهم الطائقي الحقير مزاحم الباججي ، و الطائفي النتن عبد المحسن السعدون، وغيرهما الشيعة بالعجمة، وأن ثورتهم - ثورة العشرين - كانت بتدبير وتدخل الإيرانيين ...!! , ما اعجب امر هذه الفرقة المارقة يعيشون في كنف الجنوبيين ويأكلون من خيرات العراقيين ويتهمونهم بكونهم اعاجم ؟؟!! ؛ كثيرة هي الافتراءات والادعاءات الباطلة التي جاءت مع المحتل الانكليزي والتي تمسكت بها الفئة العميلة المارقة ومنها اصطلاح : ( الشرقية ) الذي يطلقونه تارة على اهل الجنوب وتارة على الشيعة , وما اشبه اليوم بالبارحة .
عبد المحسن السعدون كان لا يحترم مقام المرجعية الدينية ولا يعير اي اهتمام لمشاعر الاغلبية العراقية , بل قام متحديا مشاعرهم بمحاصرة مدينة الكاظمية بقوات عسكرية مكثفة... عندما اراد اعتقال الشيخ الخالصي وبعض رجال الدين ؛ فقد كانت تسيره الطائفية الرقطاء والعمالة للإنكليز , ولو كان وطنيا شريفا لتفادى هذا الصدام الوطني وعمل على رأب الصدع واقناع رجال الدين الشيعة الذين رفضوا العمالة جملة وتفصيلا , والتحاور معهم بالتي هي احسن , مثلما فعل مع ابن طائفته الشاعر معروف الرصافي الذي اغضب الحكومة والملك فيصل آنذاك وتوسط له وارجعه من بيروت ودفع كل نفقات السفر من جيبه او من خزينة الدولة , وجمع بينه وبين الملك فيصل واصدر عفوا بشأنه ... ؛ انظروا الى طائفيته المقيتة يبذل الجهود الحثيثة لإرجاع الرصافي المعارض والذي كان يتمتع بالصحة والقوة والشباب بينما يهجر الشيوخ الكبار والعلماء الطاعنين بالسن , وكان باستطاعته احتواؤهم بأكثر من طريقة ؛ لكنها العمالة والحقارة الطائفية والغباء العنصري :
أبت الحقارة أن تفارق أهلها .. و أبى الحمار أن يكون غزالا
واليك هذه القصة وانظر الى المفارقات بين الحدثين , فقد افرجت الحكومة الطائفية الظالمة عن القاتل الشيخ عبد الله الفالح السعدون الذي قتل عبد الله الصانع ابن احمد باشا الصانع - مدير الداخلية العام - ؛ اذ تقدم الصانع لطلب يد بنت عبد المحسن السعدون للزواج منها ؛ الا ان الرد كان عبارة عن اطلاقات نارية في صدر الصانع اردته قتيلا وفي مكتبه الحكومي وفي اثناء الدوام الرسمي ؛ والسبب الذي دعا الشيخ عبد الله السعدون لقتله كما يقولون : عدم التكافؤ بين العائلتين ...!!! ؛ علما ان المقتول صديق عائلة السعدون ومن نفس الطائفة وجذور عشيرته ايضا ترجع لنجد .., ودخل السعدون السجن معززا مكرما ، ولمركزه وكبر سنه، فقد اصدرت الحكومة عفوا خاصا بعد قضائه مدة يسيرة في السجن ؛ بينما يموت الشيخ الوطني الكبير مهدي الخالصي في الغربة ؛ وعندما رجع ابنه الشيخ محمد الى ربوع الوطن خفية سفروه وهجروه مرة اخرى ...!!
وبعد انتهاء هذه المهمة الاستعمارية وتنفيذ ما طلبه الانكليز , قدم استقالته السعدون , ليبدأ فصلا جديدا من فصول المسرحية البريطانية الطويلة .
وفي عام 1924 ثار الشيخ سالم الخيون زعيم عشائر بني اسد والذي كان يلقب ب ( الباشا ) والذي يعد من الشيوخ الاصلاء الذين ورثوا الزعامة كابرا عن كابر , ضد الانكليز والحكومة الطائفية العميلة الجائرة , وكان عبد المحسن وقتها وزيرا للداخلية في تلك الحكومة , وفي أوائل كانون الأول 1924 ألقت الحكومة إنذاراً بواسطة الطائرات نصه : (( بناءً على عصيان الشيخ سالم آل خيون فإنّ قرية الجبايش ستدمّر من الجو غداً وعلى كافة أهلها أن يتركوها وينجوا بأرواحهم )) ...!!
فأرسل وزير الداخلية في حينها عبد المحسن السعدون أربع طائرات قصفت مضيف الشيخ وبيته وأحرقتهما واحتلت الشرطة قلعة (العكَبة) العائدة للشيخ سالم وهدمتها، وبالرغم من مقاومة الشيخ وأسرته للطائرات ببنادقهم فإنهم اضطروا للاختفاء في الأهوار , وقام عبد المحسن بتشكيل قوة كبيرة من الشرطة وهاجمت الثوار الاحرار ونجحوا في ذلك بمساعدة الانكليز , واحتلت الشرطة قلاع الشيخ كافة , وفي 6 كانون الأول 1924، أنشأت مخفراً للشرطة في موضع مضيف الشيخ سالم الخيون، وهكذا اضطر الشيخ إلى تسليم نفسه في القرنة ثم ألقي القبض على أخيه غضبان وأُجريت محاكمتهما أمام المحكمة الكبرى في البصرة بتاريخ 4 تشرين الأول 1925 فحكمت على الشيخ سالم بالحبس مدة ثلاث سنوات ووضعته تحت مراقبة الشرطة مدة سنتين , وعلى أخيه غضبان بالحبس مدة عشرة أشهر , وتمت مصادرة اراضي الشيخ سالم الخيون ؛ وبعد هذه الاجراءات الجائرة والتعسفية والتي تهدف الى افقار وتهميش الأغلبية العراقية وسحق زعماتها وقياداتها ورجالها بغض النظر عن توجهاتهم , تدهورت احوال الشيخ الباشا سالم الخيون المادية وافتقر و فقد جزءا من نفوذه , فقررت الحكومة السارقة الفاسدة الطائفية آنذاك بالتصدق عليه ومحاولة اذلاله , وذلك من خلال أن عينوا له راتبا شهريا مقداره 500 روبية فقط ومشروطا بعدم النشاط السياسي ؛ وهذه الاجراءات تكشف طبيعة القوم فهم جاؤوا منذ البدء بسياسية : (( الفلوس وكص الروس )) كما يعترفون هم انفسهم بذلك ؛ و نظم الشاعر الملا عبود الكرخي بتاريخ 4 حزيران 1925، قصائد شعبية بعنوان "الدر المخزون في مدح سالم الخيون , اذ قال :
فليحيا زعيم الحضر والبدوان ...... فليحيا الغضنفر (سالم الخيون)
خلد إله التاريخ أحسن الآثار ...... انتشرت بكل الملك والأقطار
أظهرت الصداقة للعراق وود ...... ومن طبع البشر لازم حسود وضد
حولك موج منايا وخوف ...... ألقيت الرعب يا ليثها بكل جوف
كلبك ما يخاف من المنايا وصار ...... ويذل من سطوتك طاغي والجبار
كل الفخر صاير للعراقيين ....... بعد أن كانوا بشده وميئوسين
احنه نفتخر بيكم على الاجناب ....... انت (الأسدي) أطيب الأنساب
القصائد كثيرة والنصوص طويلة ؛ ودلالتها واضحة فكلها تشير الى ان شيوخ عشائر الاغلبية العراقية كانوا مع العراقيين يأوي اليهم الهارب من اجراءات العصابة الطائفية العميلة , ويعيش بينهم الدخيل الذي جزع من ظلم الاستعمار واذنابه , فهم اضحوا كهفا امينا وحصنا منيعا للثوار والاحرار المناهضين للإنكليز وعملائهم الطائفيين المجرمين , وتكشف لنا هذه النصوص عن استباحة الاغراب والاجانب للعراق بينما ابناؤه الاحرار الكرام اصابهم العوز والفقر بعد سياسيات الافقار والتهميش والاقصاء ونهب الثروات , وكل هذه الجرائم التي حصلت كانت بسبب هذا الطائفي العثماني القذر عبد المحسن ومن لف لفه من الفئة المارقة .
وبعد تشكيل وزارة العميل عبد المحسن السعدون الثانية في 26 حزيران 1925 ؛ بدأت تحاك خيوط مؤامرة جديدة لضرب استقرار العراق الهش , ولترسيخ الطائفية والعنصرية بصورة أوسع واكثر من ذي قبل , وللضغط على الملك فيصل الذي اراد التخفيف من تطبيق المخططات الاستعمارية البريطانية الهادفة الى نهب ثروات العراق وسحق الاغلبية العراقية وتثبيت مبدأ الاقلية الحاكمة والطائفية السياسية , في يوم 20 آب 1925، اجتمع عدد من الشخصيات المارقة كان بينهم، طالب النقيب ومحمد أمين باش اعيان وعبد الكريم السعدون شقيق عبد المحسن السعدون، مع ملاك اراضي آخرين في قصر باش اعيان في البصرة ؛ لتمزيق العراق من خلال تحويل البصرة الى اقليم شبه مستقل يسيطر عليه طالب النقيب , والانقلاب على الملك فيصل وتحويل العراق الى جمهورية دكتاتورية طائفية اجرامية ترتبط بالمستعمر وتنفذ اجنداته الخبيثة والخطيرة بلا تردد , وقد دعم الانكليز هذا التوجه وقتذاك , من اجل الضغط على الملك فيصل للقبول بالاوامر البريطانية كافة وبلا نقاش , ولغض الطرف عن المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتعرض لها الاغلبية العراقية , وإزاء ذلك كله، فقد كان الملك فيصل الأول قلقاً أشد القلق من عبد المحسن السعدون الذي كان يتمتع بثقة دار الاعتماد البريطاني ويستمد نفوذه منها مباشرة، إذ بدأ يشعر بأن ذلك يهدده ويجرده من نفوذه كملك ويجعل من السعدون وسيطاً له في حل ما يقع من خلاف بين دار الاعتماد البريطاني والبلاط الملكي ؛ فالسعدون عبد المحسن كسلفه عبد الرحمن النقيب ينافس الملك فيصل في العمالة والانبطاح للإنكليز .
فقد كان العميل الطائفي عبد المحسن السعدون موضع ثقة السير هنري دوبس المندوب السامي البريطاني، مثلما كان عبد الرحمن النقيب، موضع اعتماد السيد برسي كوكس من قبل .
كان الملك فيصل يشعر انه واقع بين نارين ؛ نار الفرقة المارقة المدعومة من الانكليز المتشبثة بالسلطة والمستحوذة على ثروات العراق ؛ ونار المعارضة العراقية الشعبية العارمة ، والرافضة لتلك السياسات الظالمة والمعاهدات البريطانية العراقية المذلة ؛ وبقي في حيرة من أمره ،لا يدري ماذا يفعل ؟! , وكيف يرضي المندوب السامي البريطاني والفئة السياسية المارقة ،ويرضي الشعب العراقي في الوقت نفسه , اذ تحولت الطغمة المارقة الى ( سكين خاصرة ) بظهر الملك فيصل وسيفا مسلطا عليه ....؟؟!!
ومنذ ذلك الوقت اضمرت العصابة المارقة الملعونة الشر ضد الملكية , وتحينت الفرص للانقضاض عليها , وتبديلها بما هو شر منها , وقد تم لهم ذلك في عام 1958 بإعلان عهد الجمهوريات الطائفية القبلية الغريبة الاجرامية الدموية ليبدأ العهد البريطاني الامريكي الذي هو اشد فتكا وبطشا مئات المرات من العهد الملكي المنصرم .
اراد عبد المحسن السعدون الانفراد بالقرار الحكومي والاستحواذ على منصب رئاسة الوزراء من دون تدخل الملك فيصل الذي طالما نادى بأنصاف الاغلبية العراقية وباقي مكونات الامة العراقية المهدورة حقوقها بسبب سياسيات الاقلية المارقة العثمانية البريطانية ؛ لذلك تمنى تحويل العراق الى جمهورية كي يستفرد بالعراق , وتخلى الاجواء له يلعب بمقدرات العراقيين كيفما يشاء ومن دون حسيب ولا رقيب كما حدث ذلك فيما بعد في جمهورية البعث التكريتية العفنة ؛ وقام عبد المحسن بتأسيس حزب التقدم الذي اراد منه ان يكون اداة طيعة بيده لتحقيق مآربه السياسية الخبيثة وسرعان ما تبخر هذا الحزب كأنه لم يكن حين لقى عبد المحسن مصرعه واغلب الذين انتموا للحزب السعدوني البائس؛ طمعا بحصولهم على مكاسب مقابل انضمامهم إلى "حزب التقدم" مثل التعيينات الوزارية و الإعفاء من الضرائب وما شابهها من الامتيازات الأخرى، وعلى سبيل المثال فأن وفداً من شيوخ العشائر يقودهم عضوان من الهيئة الإدارية لـ"حزب التقدم" هما محسن أبو طبيخ و كاطع العوادي، قد أعربوا إلى المندوب السامي عند مقابلتهم له يوم 31 تشرين الأول 1925، عن عدم قناعتهم بحزبهم "التقدم" واستيائهم ورغبتهم في تشكيل حزب جديد، بعد أن وجدوا أن دعمهم للحزب قد استغل فقط من قبل الوزراء لمصالحهم الشخصية، وأنهم مستمرون في الاعيبهم التي جعلت رجال العشائر ضد شيوخهم... ؛ وظهرت حقيقة عبد المحسن السعدون حتى لأعضاء حزبه وعرفوا طبيعة شخصه وجوهر معدنه ومخططاته لتفتيت بنية المجتمع العراقي وتمزيقه من خلال الدسائس السياسية والمؤامرات الشيطانية , مما أدى الى ظهور بوادر الانقسام والانشقاق لبعض أعضاء "حزب التقدم" ونشر الدعاية ضدهُ، متهمين رئيس الحزب عبد المحسن السعدون بأنه يتعامل معهم بأسلوب أوتوقراطي متعالٍ ، بينما يتعامل بأسلوب متذلل مع مقر المندوب السامي والبلاط الملكي ، فضلاً عن اتهامهم لمعتمد "حزب التقدم" أرشد العمري ، بأنه كان يملئ عليهم ما يجب عمله املاءً، فلم يرقهم ذلك ان يكونوا آلة صماء بيد رئيس الحزب ومعتمده حسب قولهم ؛ كل هذه العوامل وبالإضافة الى الازمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد والتي وجه الملك الرسائل في اثنائها الى عبد المحسن لإيجاد الحلول الناجعة الا انه فشل في ذلك فهو لا يعرف الاساليب العصرية للنهوض بالبلاد على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والصحية ... نعم هو يعرف اساليب العسكر في البطش والقتل والفتك بالمعارضين والعراقيين ويتقن مؤامرات الطائفية والعنصرية فقط لا غير , واتسعت المعارضة داخل قبة المجلس النيابي العراقي ضده ؛ مما اضطره الى تقديم الاستقالة رغما عنه .
فمن المعروف عنه انه لا يفسح المجال للمعارضة النيابية وغيرها التي تقودها الشيعة , فعندما حاول نائبا المنتفك (الشيخ محمد باقر الشبيبي .. والسيد عبد المهدي) تأسيس حزب سياسي في آب 1925 ثار وغضب عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء .. واتهمهما إنهما مفسدان يريدان بث التفرقة بين السنة والشيعة ؛ الواقع إن اتهامه هذا لا يمت الى الحقيقة بصلة.. إنما الدافع الصحيح من وراء هجمته تكمن في خوفه من عودة المعارضة الشيعية .. وهو ما عبر عنه السعدون في كتاب أرسله الى الملك فيصل الأول يقول فيه: (كنتُ عرضتُ لجلالتكم في السابق.. إن بعض نواب الجعفرية ساعون لتأسيس حزب سياسي.. وتوسيع اشتراكهم في إدارة الحكومة .. والان قد حصلت ليً القناعة أن في هذه التشبثات ما يوجب القلق) ؛ جاءا من نفس المنطقة التي هاجر اهله اليها من صحاري الجزيرة كما يدعون , ولكنه رفض طلبهما العادل والمشروع ؛ فهؤلاء لو عاشوا بين العراقيين الف عام تبقى قلوبهم حاقدة سوداء وتبقى مشاعر الغربة والتوجس تتحكم بنفوسهم المريضة .
السعدون يعيش القلق في حال اخذت الاغلبية العراقية مواقعها الصحيحة في ادارة الدولة , ويخشى من تحقيق العدالة الاجتماعية , ويتوجس خيفة من اقرار مبدأ المساواة السياسية في ادارة الحكومة , لأنه ذو عقلية طائفية ضيقة ؛ ولان هذه الفئة المارقة تتحسس من كل أمر قد يصب في مصلحة العراقيين ولو بصورة غير مباشرة ؛ لذلك تراهم يكرهون ايران كرها مبالغا فيه سواء اكان الحكم فيها ملكيا او جمهوريا , علمانيا او اسلاميا ؛ لا لشيء سوى انهم يرون فيها الثقل الاكبر الذي ينتمي لنفس مذهب الاكثرية في العراق مما يؤرق ليلهم الطائفي البهيم .
وفي عهده الاسود تم اعتقال عشرات من قادة المعارضة المدنية , وضرب الطلبة المتظاهرين بالنار , والتضييق على الحريات الصحفية واغلاق بعض الصحف بغية كمّ الأصوات الوطنية المطالبة بتعديل بنود المعاهدة البريطانية العراقية بما يتفق ومصالح الشعب والوطن واحقاق الحق بما يخص حقوق الاغلبية وباقي مكونات الامة العراقية ... , وأجرى الانتخابات بأسلوب غير قانوني.. وسط تهديد السلطة وإجراءاتها الإرهابية.. ووسط معارضة ظلت مستمرة .


وعندما شكل وزارته الثالثة ايضا واجه معارضة شديدة واعتراضات شعبية واسعة ؛ لمعرفة الخصوم والشعب بحقيقة امره , وقد ارتكب موبقة اخرى تضاف لسجله الاسود المخزي , ففي أول عهد الوزارة، قبض على الشيخ [ ضاري الشعلان ]، الذي اتهم هو وأولاده بقتل الكولونيل [ لجمان ] بعد قرار السلطات البريطانية بالقبض عليه ، ومحاكمته أبان ثورة العشرين ، واضطر الشيخ ضاري إلى الهرب ، لكنه وقع في قبضة الحكومة نتيجة وشاية ، فأحيل إلى المحاكمة وهو في حالة صحية سيئة ، وحكم عليه بالإعدام ثم جرى تخفيض الحكم إلى السجن المؤبد ، ولم يمضِ على سجن الشيخ ضاري سوى بضعة أيام في السجن ، حتى فارق الحياة ؛ أدى موت الشيخ ضاري إلى هياج الجماهير الشعبية التي خرجت في مظاهرات صاخبة واقتحمت المستشفى، وانتزعت جثة الفقيد، وسارت به في مظاهرة عارمة وهي تندد بالحكومة وبالاستعمار البريطاني، وكان ذلك أول صدمة تلقتها الحكومة السعدونية العميلة .
وجاءت زيارة الصهيوني البريطاني المعروف [السير الفرد موند] إلى العراق في 1928، وقد أثار مقدمه إلى العراق موجة من السخط العارم لدى أبناء الشعب العراقي الذين هبوا في مظاهرة صاخبة منددين بالصهيونية والاستعمار البريطاني وبالحكومة ، واستخدمت الحكومة السعدونية العميلة والاستبدادية القوة لتفريق المتظاهرين فوقعت مصادمات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الشرطة، وأصيب خلال المصادمات العديد من المتظاهرين وأفراد الشرطة.
وبسبب كل هذه التداعيات والضغط الشعبي وقضية المعاهدة البريطانية العراقية و تعديل الاتفاقيتين العسكرية والمالية ؛ اضطر كالعادة الى تقديم استقالته , حاول الملك فيصل تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة الجديدة ، إلا أن السعدون أبلغ الملك أن أعضاء حزبه في البرلمان لا يستطيعون منح الثقة لنوري السعيد، ولما لم يجد الملك مفراً من ذلك عهد إلى توفيق السويدي بتأليف الوزارة الجديدة في 28 نيسان 1929 على أمل إنقاذ الموقف، وجرى تأليف الوزارة على عجل ؛ جاءت الوزارة الجديدة على شاكلة الوزارة السعدونية السابقة ، ومستندة إلى حزب السعدون , وقد أثار تشكيل توفيق السويدي للوزارة موجة من الغضب الشعبي، وغضب أحزاب المعارضة على حد سواء، ولذلك فقد كان عمر الوزارة قصيراً، ولم تستطع أن تقدم شيئاً يذكر سوى تصديها للمظاهرات الوطنية ...!!
وبسبب الموقف الشعبي وموقف أحزاب المعارضة من الحكومة لم يجد توفيق السويدي بُداً من تقديم استقالة حكومته إلى الملك فيصل في 25 آب 1929 ولم يمضِ على تشكيلها سوى أقل من أربعة أشهر كي تعقبها وزارة السعدون الرابعة، حيث كلفه الملك فيصل بتأليف الوزارة الجديدة في 19 أيلول 1929.
وخلال المدة الزمنية التي تلت استقالة حكومة السويدي وتأليف حكومة عبد المحسن السعدون توفي المندوب السامي [جلبرت كلايتي] بالسكتة القلبية في بغداد مساء يوم الأربعاء 11 أيلول 1929 , وقد شكل عبد المحسن السعدون وزارته الرابعة في 19 أيلول 1929 ؛ و اعترضت قوى المعارضة والشعب على حكومته الجديدة ومواقفه المتذبذبة ايضا , وخطب خطبة فارغة من المحتوى الحقيقي فكانت مجرد شعارات كخطب فارس الامة العربية الدجال جرذ الحفرة ؛ فسارع المندوب السامي البريطاني الميجر يانك الى تقريعه واهانته وبين له مقدار حجمه الحقيقي فما هو الا عميل ذليل وتابع اجير , واوضح له انه تجاوز الخطوط الحمر وتعدى طوره .
مقتله
حادثة مقتله غامضة وغريبة وطالما حصلت في اماكن كثيرة من العالم وبعد مجيء هذه الطغمة المارقة للعراق تعددت طرق المنايا والفاعل واحد ؛ واما ما قيل بهذا الخصوص بأن عبد المحسن السعدون قد أثارت العبارات القاسية الصادرة من المندوب السامي في نفسه الحزن العميق لدرجة لم يعد يتحملها، ودفعته إلى الانتحار ؛ فهذا مجرد هراء وكلام عارٍ من الصحة ؛ عبد المحسن قضى عمرا طويلا في العمالة وخدمة الاتراك ومن ثم الانكليز ؛ فليس من الجديد عليه ان يأمره السيد المحتل او أن يوجهه لهذا الفعل او ذاك , او ان يوبخه على خطأ ارتكبه , واما الرسالة المزعومة والتي تركها لابنه علي ؛ فما هي الا اكذوبة واضحة لا تنطلي الا على ( الغشمه ) المغفلين ؛ والجميل في هذه الرسالة انه يوصيه بخدمة الملك فيصل ... وبالشفقة والمرحمة ... !!
حتى ان ابنه علي لم يقتنع بقصة الانتحار وراح يتهم الانكليز والحكومة بقتل والده ؛ مما ادى في نهاية المطاف الى انتحاره ايضا ...!!
ونهايته كنهاية الطائفي القذر عبد السلام عارف فكلاهما ابتلى بهما الشعب والمستعمر على حد سواء ؛ لان العميل احيانا يصبح ملكيا اكثر من الملك نفسه ؛ مما يدفع المستعمر للتخلص منه تفاديا للهيجان الشعبي والانتفاضة الجماهيرية , والسياسة الاستعمارية معروفة اذ انها على استعداد للتفريط بألف عميل مطيع الا انها لا تتخلى ابدا عن مصالحها في هذا البلد او ذاك ؛ وصدق من قال : بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين .
وللإنصاف كان عبد المحسن متدينا ولكن المشكلة في ان هذه الشرذمة المارقة اذا تدين احدهم تحول الى شخص ناصبي ذباح يرى جواز قتل وذبح الاغلبية العراقية ولعل المجرم والسفاح النجس عزت ابو الثلج الدوري مثالا على ذلك ؛ فهم في السياسة دكتاتوريين ظالمين وفي الدين قتلة متعصبين وسفلة ذباحين .
وكل ما قيل بشأن وطنيته ونزاهته مبالغ فيه ان لم يكن باطلا من الاساس ومجانبا للحقيقة والواقع بل ان افعال وتصرفات السعدون تكذب ما ذهب اليه المداحون وابواق السلطات العميلة الطائفية المارقة , فعبد المحسن السعدون لم يكن له اي تأثير ايجابي على مسار العملية السياسية بل انه وبمعية العصابة المارقة اسسوا اساس النظام الاستبدادي الإقصائي الطائفي في العراق ولكن الطائفيين والعنصريين والمرضى اعتادوا إذا مالوا إلى شخص منكوس أن يسندوا كل وقائع العالم وفضائل الانسانية اليه ....!!! ؛ من قبيل : (( صدام اسمك هز امريكا )) .
وصنعوا له تمثالا عام 1933 اشبه بالصنم الطائفي وتم نقله من مكان الى اخر , الى ان استقر في ساحة النصر عام 1972 ؛ ليذكر العصابة المارقة على ضرورة استمرار النهج الطائفي السياسي في حكم العراق , وبعد سقوط الصنم الاكبر لقيط العوجة , تم قلع وتهديم هذا التمثال الذي يجسد شخصية طائفية حقيرة اسست اساس الانحراف السياسي والتشرذم الاجتماعي والانحدار الثقافي , فقد هب ابناء الشعب الاحرار الى هذا التمثال بمعاولهم يضربونه ويحطمونه قطعة قطعة ثأرا لكل العراقيين الذين سقطوا ضحايا بالملايين بسبب هذا النهج الطائفي المقيت طوال ثمانية عقود مملوء بالدماء والآهات والصرخات والنكبات والمجاعات ... ؛ الا انه وللأسف تم اعادة بناء هذا التمثال من جديد ... ؛ وقد علق احد عناصر الفئة المارقة على هذا الحدث قائلا : (( ... حيث اقتلع التمثال من أساسه، ونقل على عربة خشبية يسحبها حمار إلى جهة معروفة المظهر معلومة المخبر... )) هؤلاء الاوباش العملاء , احياء اموات هم واتباعهم فتنة وأذية , لابد لهم من نبز العراقيين بالأوصاف السيئة فهذا ديدنهم ومرضهم المزمن , هؤلاء المنكوسون يطلبون من المظلوم ان ينصف الظالم , ومن الضحية ان يرحم الجلاد ...!!!
المصادر
.......................................................................................................
1- تاريخ الوزارت / الحسني .
2- موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين - الجزء الأول - تأليف حميد المطبعي .
3- عبد المحسن السعدون ودوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر / لطفي جعفر .
4- مقالة معاهدة 1930 وانتحار السعدون / حامد الحمداني .
5- وجوه عراقية / توفيق السويدي .
6- مقالات اخرى , وبرامج وثائقية , وشهادات شخصيات عن اخرى عاصرت الاحداث.