إن اللحمة الوطنية والمواطنة الكريمة لا يمكن أن تتحقق في بيئة حقيرة حقودة حسودة , وأناس يكره بعضهم بعضا , وجماعات يطعن بعضهم في بعض , وأقوام متناشزة , وكيانات متطاحنة , فمن البديهي عندها أن يرد الشخص المظلوم على المعتدي الظالم , وان ينتقم الشريف من الوضيع الذي نبزه بما ليس فيه , ويفند المطعون اتهامات الطاعن , ويحاجج الاصيل الدخيل , وعليه يكون السلم الاجتماعي والأمن المجتمعي في مثل هكذا مجتمعات مريضة من سابع المستحيلات .
نعم بانتهاج سبيل التقارب بين أبناء الوطن والتلاحم والتكافل والتكاتف فيما بينهم ؛ فانه يؤدي لا محالة إلى تحقيق الوحدة الوطنية والألفة والسعادة الاجتماعية ؛ والطريق لبلوغ هذا الهدف السامي المصارحة والمكاشفة ونقل ما يدور في صدور الناس وما هو مرتكز في عقول بعضهم بغض النظر عن صدقه او مطابقته للواقع وللحقائق العلمية والتاريخية ؛ فلابد من اجراء عمليات قيصرية للمرضى من اجل شفائهم على الرغم من الم واذى وخطورة تلك العمليات الجراحية .
وقد مر عليكم في المقالات والابحاث السابقة , انه قد شاعت و انتشرت ظاهرة سيئة مع دخول المحتل الانكليزي - الذي كلما دخل بلاد أفسدها وجعل أعزة أهلها أذلة – الى العراق ؛ ألا وهي ظاهرة الانتقاص من الجنوبيين العراقيين الاصلاء والاغلبية العراقية وقذفهم بمختلف التهم والمثالب , والتشكيك بأصولهم العريقة , ومحاولة ازدرائهم , والتنقيص من شأنهم وأقدارهم , وتشويه تاريخهم , والتعتيم على الحقائق التاريخية , وقلب الحقائق رأسا على عقب .
منذ عقود ونحن نحكم بطريقة الفوضى المدمرة والحقد الاعمى والطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة ؛ الا انهم دائما يقنعوننا وبشتى الحجج والشعارات بانها هي النظام والدولة والقدر الذي لا مناص منه ؛ ولعل تصريح المشنوق الهالك صديم ابن صبحة في احدى اجتماعاته الحزبية القذرة : (( انا ضرورة تاريخية ... )) يؤكد ما ذهبنا اليه !!
وبانها خطوط حُمْر لا يجوز الاقتراب منها او التشكيك فيها ؛ نعم ايها السادة العراقيون انه الخط المنكوس الذي يرتكز على امرين لتنفيذ مآربه الجهنمية واهدافه الاجرامية الا وهما : الاستحمار والاستعمار كما تطرق الى ذلك الدكتور علي شريعتي – ( الاحتلال المباشر او غير المباشر والتجهيل والامية الثقافية ) - , فعن طريقهما وبواسطتهما يحقق ما يصبو اليه من نشر الفوضى والخراب وانعدام الامن والامان والنظام , وشيوع الجريمة والعنصرية والطائفية والموت والتخلف والمرض والامية والجهل في ربوع هذا الوطن العظيم .
ان عداء الخط المنكوس للعراق و العراقيين طالما تجسد وبصورة جلية في حكام العراق اذ هم اعداء العراق والعراقيين ولو احسن الظن بهم فما هم الا ادوات شطرنج بيد اللاعب الدولي ( المستعمر او المحتل ) او اشخاص عديمي الكفاءة والفائدة او مرتزقة يعملون لمن يدفع؛ وللأسف الشديد فقد سرت العدوى من الحكام الى بعض المسؤولين والموظفين في الحكومات العراقية المتعاقبة والذين جاء اغلبهم من خارج العراق فهم من بقايا العثمانيين او رعايا وعملاء الانكليز ؛ اذ هم اشد عداء وبغضا وكرها للعراقي الاصيل من المستعمر الاجنبي نفسه !!!
فلا تستغرب من بغض ابناء بقايا العثمنة وفضلات الاجنبي لأهل الجنوب العراقيين الاصلاء .
ان اقلام الخط المنكوس تقطر حقدا ولؤما وكرها وكذبا وزيفا , ويراعهم لا يخط الا القذارة و لسانهم لا ينطق الا بالحقارة , وكل كتاباتهم تهدف الى التطاول على العراقيين وبالأخص الجنوبيين والاغلبية العراقية , وسيلتهم لتحقيق اهدافهم المشبوهة الافتراء, والكذب , والتضليل الاعلامي , والتدليس , وحبك القصص والمؤامرات , ودس السم الزعاف في العسل, وخلط الاوراق , وبتر الوقائع والاحداث , وتزييف التاريخ .
الا ان المؤلم في الامر انسياق وانجراف بعض الاقلام وراء مخططات الخط المنكوس ؛ يحسبون انهم مستقلون الا انهم منساقون وراء اتباع ورموز الخط المنكوس من حيث لا يشعرون ؛ فبعض من ابناء الجنوبيين الاصلاء وذراري العراقيين الاوائل تماهى مع اطروحات وافتراءات الاعداء المنكوسين وراح يستعملون اللفظة السوقية ( الشرقية ) بصياغاتها الغربية والفاظها الاعجمية الركيكة في كتاباتهم بل ان بعضا منهم لقب نفسه ب لقب ( الشرقي ) او ( الشرقاوي ) على خلاف عادة ابائهم واجدادهم واعراف قومهم وبني جلدتهم , وسأذكر بعض الامثلة على ذلك : الشيخ الشاعر الفقيه علي الشرقي صاحب قصيدة :
قومي رؤوس كلهم ... أرأيت مزرعة البصل ؟
وهو من بني خاقان او خيكان ؛ فالأولى به لقب الخاقاني او( الخيكاني ) كما هي عادة اهله .
والفنان القدير عبد الجبار الشرقاوي ؛ وهو من بني حجيم ( اي حكيم ) , والاولى به اطلاق لقب قومه عليه .
وقد ألف الروائي شوقي كريم رواية بعنوان : ( شرقية ) وبالصيغة السوقية المبتذلة ؟!
والذي أدهشني ان يكتب كاتب واعٍ وعراقي اصيل مثل الاستاذ سلمان رشيد محمد الهلالي سلسلة مقالات بعنوان : ( المجتمع العراقي بين الشرقية - بصيغتها السوقية - والانكشارية ) .
وقد كتب الدكتور علي المؤمن مقالة بعنوان : ( من هو الشرقي ؟ ) وايضا بالصيغة الهجينة المبتذلة ؛ بل وصل الامر ببعضهم ان اصدر اغاني واناشيد واشعارا تمجد بهذه اللفظة بغضا بالأعداء المنكوسين ورعايا العثمانيين ؛ ولا يعلم هؤلاء ان هدف أولئك المنكوسين هو تعميم هذه اللفظة والتنظير لها وصيرورتها حقيقة مفروضة بقوة ماكنة التدليس والتضليل الاعلامي والدهاء والمكر السياسي .
اما معسكر الاعداء المنكوسين من بقايا العثمنة وصنايع الانكليز ؛ فقد ملأوا الفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي والمكتبات تضليلا ودجلا , اذ اصبحوا يتشدقون بهذه اللفظة الهجينة والكذبة المفتعلة بمناسبة ومن دونها , غير مبالين بهاتف الضمير ولا بصوت الوجدان ولا بحقائق التاريخ الناصعة .
هؤلاء المسعورون قشور , فقاعات , منتفخون حد الورم - وهم افرغ من فؤاد ام موسى - , فهم تجردوا من فضائل ومحاسن الأخلاق , ترى الهمز واللمز وقذف الجنوبيين بما هم منه براء والتنابز بالألقاب السوقية - التي هي أليق بهم وهم أولى بها من غيرهم - والتسقيط والبهت وغيرها من صور الأخلاق الذميمة السيئة ؛ اصبح لهم عنوان , فهذا الفكر المنكوس هو مرض تظهر أعراضه ونتائجه للعيان, من خلال السلوكيات العنصرية الهابطة , وأساليب النبز والانتقاص الرخيصة , والكلمات المنفلتة التي يعتقد هؤلاء المسعورون أنها الحق الذي لا مراء فيه , وقد التحق بقافلة الكلاب المسعورة هذه الكثير من أدعياء الثقافة وأنصاف المتعلمين والمرضى النفسيين ؛ فهم كالإمعات أتباع كل ناعق اعلامي وناطق حكومي وهؤلاء ينطبق عليهم قول فرويد : (( كثير من أصحاب الشهادات تربيتهم حقيرة ...)) .
هؤلاء المسعورون اجبن من إن يواجهوا الجنوبيين أو يتكلموا معهم في الأحوال الطبيعية التي تضمن المواجهة العادلة , إذ طالما وفرت العمالة للأجنبي لهم الحصانة والحماية وجعلتهم يتكلمون من مواقع عليا ؛ ولعل من الطريف الاستشهاد بهذه القصة القصيرة الطريفة والتي تنطبق على اتباع الخط المنكوس الذين تعاملوا مع الجنوبيين بمنتهى الخسة والغدر واللؤم : مر ذئب من دار وكان فيها خروف يعتلي سطحها العالي فاذا بالخروف يتهجم على الذئب ويشتمه وينعته بأسوأ الالقاب ..!!
فنظر اليه ابو سرحان بحسرة ومرارة والم وقال له : لم تشتمني انت فانت اصغر من ذلك انما الذي شتمني مكانك العالي ؟؟!!.
أما الآن فهم أبطال مواقع الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يختبئون وراءها كخفافيش الظلام ؛ وجل كتاباتهم وتعليقاتهم ومشاركاتهم مملوءة بشتى أنواع السب والتجريح والانتقاص ؛ وتحميل الجنوبيين مصائب وكوارث غيرهم من أتباع الخط المنكوس الذين أوصلوا البلاد سابقا وحاليا إلى حافة الهاوية .
ولا اجد ابلغ من قول الشاعر _ ابن شرف القيرواني - الاتي ذكره , في توصيف حالة الجنوبي العراقي الاصيل مع الذيل المخرب العميل والمرتزق الجبان الدخيل :
غَيري جَنى وَأَنا المُعاقَبُ فيكُم .... فَكَأَنَّني سَبّابَةُ المُتَنَدِّمِ .