التوصيف سلبيا كان أم إيجابيا حينما يوصف به كيان فإن الغاية منه هو لتكوين رأي عام و سلوك جمعي يضيق أفق التشخيص في تحديد هوية ذلك الكيان ؛ بحيث لا يرى ذلك الكيان إلا من خلال ذلك التوصيف، أما دوافع من يفعل ذلك التوصيف فهي كثيرة ... .
و يقصد بالتوصيف الإيجابي بأن تلصق صفة أو نعتا محببا للآخرين وهي أساسا ليست في ذلك الكيان و إنما يراد منها تضخيمه وإظهاره للمحيطين به أو لإبرازه للرأي العام بشكل جميل ومحبوب لغاية قد درست و حددت من قبل مثلا : أن ينعت صدام ابن صبحة نفسه بأنه عبد الله المؤمن وصاحب الحملة الايمانية في اواخر عهده البائس وبعد ان فاحت رائحة جيفته ونجاسته وكفره والحاده وسقوطه وانحطاطه لإيهام الناس أنه قريب من الاسلام والايمان والقيم الروحية ؛ وللتعمية على أخطائه وجرائمه ومجازره الرهيبة .
وهذا الأسلوب الفج الذي يتبع لتلميع صورة الظالم لكي تنطلي على الساذجين والبسطاء من الناس وتمرر من خلالها كثير من المشاريع البائسة بعدما سيطروا على الرأي العام بأساليب الترغيب أو الاستبداد والترهيب ، وهذا ما أرادته الفئة الهجينة دائما من الاعلام .
وهناك من يسعى لتضخيم صورة ظالم بالتوصيف الذي اصطلحنا عليه بالتوصيف الإيجابي بمعنى آخر يضخم في شخصية الكيان فيما هو بعيد من ذلك وهذا ما سنراه في المثال الآتي: الا تتذكرون ذلك الشاعر الذي وصف الطاغية صدام ابن صبحة بأبيات شعر رفعه فيها الى مصاف الخالق فقال :
لولاك ما طلع القمر ...... لولاك ما هطل المطر
لولاك لما أخضر الشجر...... لولاك أيضا ما رأى أحد ولا عرف النظر
لولاك ما كان العراقيون معدودين في البشر... بل لم يكونوا في الخلائق أو لكانوا دون سمع أو بصر .... إنا لنحمد حظنا إذ كنت حصتنا وجاء بك القدر.
أو ما قاله :
تبارك وجهك الوضاء فينا كوجه الله ينضح بالجلال .
ويقول مرة ثالثة :
ولست بشاعر يرجو نوالا منك أو نسبا ولكنني رأيت الله في عينيك والعربا .
وما كان من المجرم الشيطان ابن صبحة بعد ان اختلف مع شاعره و وزير ثقافته شفيق الكمالي ( أبو يعرب) صاحب تلك الأبيات المنكوسة إلا ان قتله عام 1984 بزرقة حقنة سم الثاليوم بعدما اعتقله مرات؛ وهذا جزاء كل منكوس وافاك كذاب ؛ وكما هو متعارف عليه بعد تسلم الفئة الهجينة للسلطة في العراق عام 1920 قامت بإعطاء الجنسية العراقية لكل من هب ودب ومنهم شاعرنا البعثي المنكوس شفيق الكمالي الذي ولد في سوريا عام 1926 م , وادعت الفئة الهجينة كعادتها في التدليس ان اصول عائلته تعود إلى مدينة عانة العراقية وتولى عددا من المناصب الحكومية والوزارية في عراق الغرباء واللقطاء ومجهولي الاصل والهوية ..!!! ؛ وقد صرح المقربون منه : ان قصائده بحق دوحي ابن صبحة انما قالها بسبب خوفه من بطش صدام ابن صبحة ونظامه الارهابي .
بينما يحاول مجرمو الفئة الهجينة اسقاط الجنسية العراقية عن العراقيين الاصلاء القاطنين في اعماق الاهوار او اطراف الصحراء لا لشيء سوى انهم لم يراجعوا دوائر الحكومات الاجنبية المحتلة والعملية الحاقدة المعروفة بإجراءاتها الروتينية القاتلة للحصول على شهادة الجنسية العراقية من المسؤول الحكومي الغريب والاجنبي الداغستاني والشيشاني والجورجي والحبشي والهندي الشيخلي والكردي العثماني والتركماني والارمني والاعرابي النجدي والفلسطيني المرتزق والعجمي الذي لا يتحدث العربية...؛ باختصار يطلب العراقي الاصيل من الاجنبي الدخيل صك الوطنية ..!!!
وكما قال الشاعر العراقي الجنوبي اسماعيل الكاطع : (( حرامي يحلف المبيوك، والمبيوك يتعذر )) .
أما التوصيف السلبي فهو بأن يعطى للكيان وصفا سلبيا و تستخدم فيه أساليب الكذب والافتراء والبهتان والتزوير وغيرها للإطاحة بذلك الكيان واسقاط سمعته وحجزه عن المجتمع وتطويقه بجدار نفسي يعزل بينه وبين المجتمع لمنع التأثر به.
ولتقريب الفكرة نأخذ مثالا على ذلك: فإن معظم وسائل الإعلام الرسمية للأنظمة العربية تلمع من جهة سمعة النظام الطائفي البعثي التكريتي ورأسه العفن (دوحي ابن صبحة) وهذا بالطبع توصيف إيجابي لصالحه، وذلك بإعطائه النعوت التي لا يتمتع بها أصلا مثل النزاهة والشرف وعدم الرضوخ لإملاءات الأجنبي وعلى أنه أشد الحريصين على سعادة افراد الشعب ، وحرصه على اقامة أعلى درجات العدل ؛ بينما بالمقابل يرمى المناوئون للنظام بعكس هذه الصفات ؛ فيوصفوا بالعمالة والخيانة والسرقة والبطش والفساد وغيرها كثير ومن يتصل بهم سيتلوث بتلك الصفات.
فتعمل السلطة على بث الإشاعات وكل أساليب الدعاية بكل ألوانها البيضاء والرمادية والسوداء لخدمة مصلحتها وتقزيم الكيان المعارض وتحجيمه وهذا التوصيف هو التوصيف السلبي , وقد وصف الانتفاضة الشعبية العراقية الاصيلة الخالدة عام 1991 بأنها ثورة غوغاء وصفحة غدر وخيانة .
وهذه الأساليب كثيرة وقد اتبعت على مدى التاريخ، فمثلا: وصف اتباع مذهب أهل البيت بأنهم روافض ؛ وبمجرد شيوع هذه الكلمة وما نسج حولها منذ زمن زيد بن علي والى يومنا وما صرف عليها من أموال جعلت المسلمين الاخرين من اتباع السلاطين لا يقربون لا بالقراءة ولا بالسؤال ولا بالتلقي عن هذا المذهب ولا ينسجمون مع اتباعه ، لقد استطاعوا من تشييد هذا الجدار بينهم وبين فكر وفقه هذا المذهب الفقهي وجعلوه سميكا جدا لا يسمح لهم بعبوره , بل يمنعهم من الاقتراب منه .
ولو سألتهم ما معنى الروافض أو رفضوا ماذا فإنهم يتحيرون بالإجابة ؟؟!!
وللفائدة فإن ما جاء على لسان الأصمعي : سُمُّوا بذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ، ثم قالوا له : تبرأ من الشيخين ، فأبى وقال : لا ، كانا وزيرَي جَدِّي ، فتركوه ، ورفضوه ، وأرفِضُوا عنه. و جاء في تاج العروس : الروافض كل جند تركوا قائدهم ، والرافضة فرقة منهم ، والرافضة أيضاً فرقة من الشيعة .
وقد فرَّق القاضي عياض ، بين الشيعة والرافضة ، وذلك حينما قارن مذهب الإمام مالك بغيره فقال : فلم نَرَ مذهباً من المذاهب غيره أسلم منه ، فإن فيهم الجَهَميَّة ، والرافضة ، والخوارج ، والمُرجِئة ، والشيعة ، إلا مذهب مالك ، فإنا ما سمعنا أحداً من نَقَلَة مذهبه قال بشيء من هذه البِدَع .
جملة القاضي عياض تبين الفرق بين الرافضة والشيعة من أن الرافضة غير الشيعة , وترى أنّ القصة من أوهام حشوية المشارقة، أو من صنايع نواصب المغاربة الذين كان لهم دور في عصر تدويـن التأريخ وتأليف الحديث - (أيام المنصور 138ـ 158هـ) - وبعدها فاختلقوها لتشويه سمعة الشيعة والعراقيين ونسبوها إلى أحد علماء ورجال اهل البيت ليقع موقع القبول من الناس ،
والاستنتاج نفسه في تشويه سمعة الرسول وتوصيفه بالسلب، حينما يطلق الكافرون على الرسول (هذا ساحر كذاب) فإنه سيخلق رأيا عاما مضادا يمنع الأخرين من الاستماع للرسول والتأثر به ، وأن الرسول سيحتاج الى جهد مضاعف لكسر الحاجز النفسي الذي بناه المرجفون اولا وهو أنه ليس ساحرا وأنه بالفعل صادق بدعواه لا كما يريد الكافرون بتوصيفهم إياه، ومن ثم يعمل جاهدا ليؤدي دوره الرسالي ليؤثر بهم ثانيا ،.
ولعل سائلا يسأل أي التوصيفين أكثر تأثيرا في الرأي العام ؟
لا شك أن كليهما مؤثر في الرأي العام ، لكن التوصيف السلبي أكثر إيلاما لأنه يعمل على مسخ شخصية الكيان ، والحط من سمعته وهدم مروءته ، وهذا كله يتطلب جهدا استثنائيا لإعادة الصورة الى ما كانت عليه و ليس بالضرورة أن يوفق لذلك ، أما التوصيف الإيجابي فهو في كل الأحوال كلام لا يشين بقدر ما يعد مبالغة وأٌقصى ما يبلغه الأمر، انه غير قابل للتصديق ويثير السخرية و لا يحتاج صاحبه الى إعادة بناء الصورة الى ما قبل التوصيف لأنها بالأصل فاقدة له .
ومما تقدم تعرف الغاية من تمسك الفئة الهجينة في اطلاق لفظة ( الشرقية ) بصيغته السوقية الاعجمية المبتذلة او اصرارهم على توصيف العراقيين الاصلاء بشتى الاوصاف السلبية والمنفرة , وبالمقابل اضفاء الصفات الايجابية ومكارم الاخلاق على بقايا العثمنة ولقطاء الانكشارية ومأبوني الاتراك وشذاذ الافاق ومرتزقة الاعراب والغرباء ومجرمي الانظمة والحكومات الطائفية الفاشلة .
.................................................................
المصادر
1- التوصيف : أسبابه ودوافعه وعلاجه / احمد الصفار .