تمكن ساسة الفئة الهجينة وبمساعدة قوى الاستعمار والاستكبار والمخابرات الدولية عبر العقود الثمانية العجاف التي امضتها جاثمة فوق تطلعات وامال واهداف الامة العراقية ؛ من ترويض نسبة كبيرة من ابناء الامة العراقية وتخليصها من العنفوان التاريخي والكبرياء العراقي المعروف والذي كان يميزها عن الاخرين , والعمل على تحويلها الى قطعان متناحرة وجماعات متفرقة وعشائر متصارعة واعراق متباغضة ؛ لكي تتحول فيما بعد الى أقوام ضعيفة وخاضعة وصاغرة، مذعنة ومستسلمة لمصيرها، وعاجزة غير قادرة لا على تغيير واقعها فحسب ؛ بل ولا حتى على تحريكه .
سياسة التهجين التي اعتمدتها حكومات الفئة الهجينة تواصلت عبر عقود متتالية، وأدت إلى محصلة مرعبة في الواقع العراقي، حيث تجلت في المستويات المفزعة لمعدلات الفقر والأمية والتخلف الحضاري، وانتشار الجهل وشيوع القهر والاستبداد والاجرام والارهاب والقمع والكبت ، وتفتت النسيج الاجتماعي ، وظهور النزعات المذهبية والعرقية والمناطقية والحزبية .
جميع العراقيين الاحرار أدركوا أن الحكومات الطائفية والعنصرية المتعاقبة للفئة الهجينة وخلال العهدين الملكي والجمهوري قد اتقنت بجدارة فنون الترهيب والتفزيع والوعيد ، إذ أصبح الخوف والرهبة هما الصفتان المشتركتان -تقريباً- لجميع هذه الحكومات .
الخوف والرعب من الاعتقال التعسفي ، الخوف من التعذيب والأذية ، الرعب من جدران السجن ، الخشية من الفقر والحرمان والطرد من الوظيفة ان وجدت ، الخوف من المستقبل المجهول , الخوف من الناس من الجيران ... الخوف من كل شيء ..!! .
خوف ورعب وصل إلى حدود الشلل والانكفاء والتقوقع على الذات والانسحاب من مواقع الحراك السياسي والاجتماعي والديني والاجتماعي والثقافي - لاسيما في الحقبة البعثية الصدامية التكريتية اللعينة - ، مما أحدث حالة من الاغتراب الداخلي لدى المواطن العراقي ، فهو لا يشعر بهويته وانتمائه واصالته ، ولا يشعر بإنسانيته وحريته , ولا يستطيع الافصاح عن ما يريد ، تراه يكن البغض للأنظمة السياسية الحاكمة الهجينة لكنه لا يجرؤ على الكلام والتصريح ، فإن فزعه من العقاب والمطاردة تجعل من إنكاره لنفسه ومواقفه وأقواله الحقيقية تصل إلى الدرجة القصوى مما يصيره فريسة سهلة للازدواج وانفصام الشخصية وتعدد الوجوه وتقمص الادوار المتناقضة .
لقد وصل إخضاع بعض الحكومات الهجينة للعراقيين مرحلة اعتادت عليها تلك الجماهير ولم تعد ترى فيها شيئاً شاذاً ، بل أن بعض العراقيين يعتبر ذلك أمراً طبيعياً ، بحيث تحولت نسبة كبيرة من الامة العراقية إلى أن تمارس رقابة ذاتية صارمة على أفكارها وأقوالها وأفعالها، وأصبحت بعض الجماعات العراقية توجه اللوم لبعضها البعض، بدلاً من توجيه اللوم والنقد للجاني الدخيل والمجرم العميل والهجين الذليل ، وتستعين بمبدأ هدام : أن على المواطن عدم توريط نفسه بالسياسة مادام يعلم مقدار القسوة التي سيبديها النظام الحاكم تجاه المعارض الوطني النبيل والحر الشجاع الاصيل .
والمفزع أن هذا الوضع السلوكي لبعض العراقيين يتم توريثه للأجيال اللاحقة ، بحيث يتحول الشعب كله نسخة واحدة من الأصل ؛ وذلك بسبب استمرارية النهج المنكوس للفئة الهجينة خلال العهدين الملكي والجمهوري .
و في مرحلة متطورة تتغول الأنظمة السياسية الهجينة والحكام العملاء الدخلاء ، ويصبح الترويض والردع يطال ليس فقط أقوال وافعال المواطنين ، بل يطال النوايا ؛ وقد صرح المشنوق دوحي بن صبحة بأكثر من لقاء انه يحاسب على النوايا بل طالت العقوبات القاسية حتى الاحلام في المنام ..!! .
وبعدها اتسعت دائرة الحظر من الحاكم إلى البطانة الهجينة والحاشية الارهابية ومن ثم إلى كافة رموز النظام والموظفين ، فلم يعد العقاب مقتصرا على أي نقد للحاكم ، بل يتم إنزال القصاص بكل من يجرؤ على المساس برموز النظام ؛ بل وصل الامر بهذه الزمرة الهجينة انها تنزل اقسى العقوبات بحق المواطن الذي ينتقد بعثي مأبون او عضوة شعبة قوادة او جاسوس عار – وكيل لجهاز الامن - .
و من الفاجعة القول إن البعض من رجال الدين المنكوسين او المرتبطين بالخارج والمحسوبين على مذهب الاغلبية العراقية يكمل دور الانظمة الهجينة – بقصد او بسذاجة - في ترويض المواطنين وإخضاعهم وتركيع العراقيين واذلالهم ، عبر الخطب في المساجد والحسينيات والتجمعات الدينية ، أو من خلال الندوات والاجتماعات والدروس الدينية اوعن طريق الفكر الديني الشائع والمؤلفات التي تبث عبر الوسائط الجماهيرية والتجمعات الشعبية الدينية ، حيث يتم تحذير الناس من الخروج على الظالم بل وصل الامر بالبعض من رجال الدين الى اعتبار كل راية تخرج ضد الظالمين وتطالب بحقوق العراقيين راية ضلالة ..!!
والمؤلم حقاً في هذا السياق هو ما تقوم به السلطتين السياسية المنكوسة والدينية المنكوسة في تخدير الجماهير و تعميق الشعور بالذنب والذل والاحباط والانكسار لدى المواطن العراقي ، فيصبح الإحساس بالخطيئة والإثم والخوف والرهبة يرافقان الإنسان العراقي ، بحيث لا يجرؤ على مجرد التفكير بما يفعله الحاكم الظالم ، أو بالشك بقدرات النظام الهجين ، فيقوم المواطن على محاسبة نفسه ، حتى على أشياء لم يفعلها ، بل لمجرد الشك بها ... !!

وقد استخدمت الأنظمة الحاكمة الهجينة سياسات متعددة لإخضاع الامة العراقية وترويض العراقيين الاصلاء ؛ من ضمنها ما يعرف بسياسة العصا والجزرة.
والجزرة هنا هي الانقياد والتحكم الناعم من خلال استغفال الجماهير بشعارات الحرية والديمقراطية والوحدة والاشتراكية ومحاربة الرجعية ... ، لكن أداة النظام للحكم تظل دون تغيير، ويظل الاستبداد اساسه والتفرد بالسلطة جوهره والعنصرية جذره .
لذلك تعمد حكومات الفئة الهجينة على إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية وتوعد المواطنين بخطط تنموية عملاقة وتفاخر بذلك لتغطية ما لا يغطّى من الكوارث والازمات و السياسات الأمنية والقمعية التي تحكم الناس بواسطتها.
حرص هذه الأنظمة الهجينة على المظاهر الخادعة والاعلام المزيف اشبه بحرص السجّان على طلاء جدران السجن الخارجية بألوان زاهية.
نظرية التعلم الشرطي :
قام العالم الفسيولوجي الروسي "إيفان بافلوف" صاحب أهم النظريات الترابطية، وهي نظرية "التعلم الشرطي" في إجراء تجربة على أحد الكلاب ، ولاحظ أن لعاب الكلب يسيل عند تقديم الطعام له ، ثم ربط تقديم الطعام بقرع الجرس ، ومع التكرار أصبح لعاب الكلب يسيل حين قرع الجرس حتى من غير وجود الطعام . هذه التجربة أوصلته لصياغة نظريته الشهيرة في علم النفس وفلسفة السلوك ، حيث أظهرت التجربة تكون ارتباط مثير شرطي واستجابة طبيعية ، من خلال تكرار الاقتران بين المثير الشرطي والمثير الطبيعي – وهو هنا الطعام- الذي يحقق الاستجابة الطبيعية أصلاً ، بحيث يصبح المثير الشرطي- وهو هنا صوت الجرس- قادراً على إثارة الاستجابة وحده .
ويفسر بافلوف حدوث هذا النوع من الارتباط إلى أسس فيسيولوجية بحتة مرتبطة بوظائف الدماغ .
على الصعيد البشري يتم توليد الكثير من المخاوف بذات الأسلوب الذي اعتمده بافلوف ، خاصة لدى الأطفال والشباب ، من خلال ربط المخاوف المشترط بمثير معين مع التكرار.
فإن تم وضع سجين في غرفة مقفلة وتم تعذيبه بصدمات كهربائية على فترات متتالية مسبوقة بصوت ما ، أياً كان هذا الصوت ، فلنقل إنه صوت الحاكم أو الرئيس ، فما يحصل أنه بعد عدد من المرات سوف يستجيب السجين لصوت الحاكم بنفس الطريقة من الخوف والفزع التي كان يستجيب بها للصدمة الكهربائية ، حتى لو لم يتعرض لها بالفعل .
بعبارة ثانية، إن السجين قد أشرط للاستجابة لمثير محايد .
إن الكثير من المخاوف البشرية يتم توليدها بذات الطريقة السابقة ، وهذا ما يفعله –بعض- حكام الفئة الهجينة - لاسيما المجرمون الثلاثة عبد السلام عارف وحسن بكر وصدام بن صبحة - لتدجين العراقيين وإخضاعهم ، وربط سلوكهم وموقفهم من السلطة باشتراطات تجعل المواطنين ترتعد خوفاً كلما رأت صورة القائد أو سمعت صوته ، وترسيخ ارتباط الزعيم بالوطن – مثلا الشعار المنكوس المعروف ابان الحقبة الصدامية : (( اذا قال صدام قال العراق)) - ، وارتباط قيام الأنظمة الهجينة بالتضييق على الحريات والمصلحة العليا للوطن والمجتمع، وهكذا دواليك يتم دفع المواطن العراقي نحو دوّامة من الخوف والهواجس والقلق والاضطراب والضياع والتشتت .
كل هذا يجري التخطيط له بعناية في غرف سوداء مغلقة ، من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للحاكم الجلاد بمساعدة المخابرات الدولية المعروفة بدورها الاجرامي في العراق ، حيث يتم توظيف علم النفس السلوكي لترويض المواطنين من قبل متخصصين نفسانيين واجتماعيين وأمنيين روس و اميركان والمان وعرب وغيرهم؛ بالإضافة الى مجرمي وجلادي الفئة الهجينة الذين ارسلوا في دورات سرية لبعض الدول لتعلم فنون التعذيب والارهاب ودراسة نقاط الضعف في المجتمع العراقي .
وما لم تنهض الامة العراقية العظيمة وتقوم بتحطيم نظرية الارتباط الشرطي لهدم جدار الفزع، والانطلاق تجاه بناء دولة الامة العراقية العظيمة والقانون والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الحرة ، فإن رجالات الفئة الهجينة و(غمان ) وحثالة الاغلبية العراقية ورموز الخط المنكوس سيظلون يقرعون الجرس لنا دون تقديم الطعام.

أساليب الترويض المتبعة :

تقوم الأنظمة والعصابات الهجينة باعتماد سياسات لترويض المواطنين عبر طرق وأساليب منها القيام بتنظيم الكثير من المهرجانات والفعاليات والنشاطات الرياضية - كظاهرة المصارع عدنان القيسي - والفنية، وإقامة دوريات كرة القدم وتغطيتها إعلامياً، وجعلها حدثاً مهماً في حياة الناس للخروج قليلاً من واقعهم المعيشي البائس وضنك الحياة.
ثم المبالغة في الاحتفال بالأعياد الوطنية وابتداع مناسبات وطنية – كميلاد اللقيط دوحي بن صبحة - في محاولة لتعميق الشعور الوطني المفقود لدى المواطن العراقي المبتلى بالفكر الهجين والثقافة المنكوسة ، والعمل على ترسيخ انتمائه الهلامي وهويته المبعثرة عن طريق شعارات ورجالات الفئة الهجينة حصرا .
وعرض صور الحاكم أو الرئيس في المؤسسات الحكومية والخاصة ، و في الجامعات والمؤسسات التعليمية ،و في الفنادق والمنتجعات السياحية ، و في المصانع والمزارع ، و في البيوت والشوارع والأزقة ؛ ويعد المشنوق صدام بن صبحة من اكثر رؤساء العالم هوسا و ولعا بالصور الشخصية التي اثارت اشمئزاز احرار العراق طيلة حكمه البائس , و من أولى بشائر اندلاع الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 تخريب احد الجنود العراقيين المنسحبين من الكويت صورة للمجرم دوحي بن صبحة ؛ وتكرر نفس الحدث عندما سقط صدام اذ لم ينس العراقيون تلك اللقطة الشهيرة لأبي تحسين وهو أمام مبنى اللجنة الأولمبية في شارع فلسطين ، شرقي بغداد، عند الساعة التاسعة صباحا يوم التاسع من نيسان 2003 لحظة سقوط نظام صدام مرتديا (الدشداشة العراقية) ويضرب بنعله صورة كبيرة لصدام كانت معلقة على المبنى ويردد بكلمات منها : "قتل شبابنا قتل الملايين من عدنا...وقتل أولادنا"... ؛ ومن المواقف المشرفة لأبناء الامة العراقية , موقف عائلة القاضي العراقي الاصيل محمد عريبي – سليل مشايخ الجنوب الكرام – في مجلس وفاته , والذي تولى محاكمة المجرم صدام , اذ وضعت صورة كبيرة لجرذ الحفرة دوحي بن صبحة على الارض ليدوس عليها المعزون الاصلاء ؛ والذي اثار دهشتي بعض ردود الفعل السلبية على هذا الحدث الشجاع والعادل والوطني الاصيل من حثالات الفئة الهجينة وبقايا العثمنة واوغاد البعث الغادر وصعاليك القومجية وزمر الغرباء والاجانب والدخلاء .
ولا تنسى هذه الفئة الهجينة بربط أي إنجاز يتحقق مهما كان بسيطا -هذا لو وجدته - باسم الحاكم والرئيس – مثل مكرمة صدام عندما وزع على كل عائلة عراقية دجاجة مجمدة ميتة (غير المذكاة ) وليتها كانت من ماله السحت المسروق - ؛ او الادعاء بأن الحافي دوحي بن الراعية صبحة هو من علم العراقيين لبس الحذاء والنعال , وليته كان خبيرا بالنعل والاحذية فهو سليل اللقطاء الرعاع الحفاة من الذين كان ينام العقرب في فطور ارجلهم كما اعترف بذلك في احدى لقاءاته التلفزيونية ؛ والاقرار سيد الادلة .
وأي إنجاز وأي نجاح وأي فوز في مباراة رياضية ما كان له أن يتحقق لولا حكمة وبصيرة الحاكم ( الجايف ) الضرورة ؛ حتى قطر السماء عندما ينزل ينسب الى صلاة الاستسقاء التي صلاها الدجال الساحر عزت ابو الثلج .
وبعد ذلك يصبح الوطن بما يتضمنه من شجر وحجر وبشر مختزل في شخص الحاكم ( الخايس ) دوحي ابن صبحة ، بل ملك للحاكم وعائلته القذرة ورعيان العوجة اللقطاء .
ومنذ انتشار وسائل الإعلام السمعية ؛ كالبث الإذاعي وأجهزة الراديو ، ثم البصرية ودخول التلفاز إلى البيوت، أدركت الأنظمة الهجينة أهمية هذه الوسائل الساحرة ، في التأثير على عقول المواطنين والتلاعب بها وترويضها ، لأن ما يبث من خلالها من معلومات وبيانات ومواقف ورؤى وأية مضامين أخرى ، يؤثر بشكل مباشر في وعي وإدراك الناس .
لذلك استخدمت الأنظمة السياسية الهجينة المتعاقبة الوسائل الإعلامية لتلميع صورة الحاكم الظالم او الفاشل وتجميل نظامه العفن ، وتوجيه الرأي العام المحلي نحو تمجيد وتوقير هذا الرئيس ونظامه حرصاً على الوطن ، ويصبح كل صوت معارض اصيل ، وكل من يوجه انتقاد للزعيم أو لنظامه هو خائن للوطن .
ثم يتم توظيف وسائل الإعلام لتمرير رؤية الحاكم وأفكار نظامه حول مختلف القضايا بدءًا من طريقة الحاكم في طهي التمن حتى فطنته في اكتشاف المؤامرات السياسية .
ناهيك عن الملصقات الكبيرة واللافتات الضوئية التي تنتشر في الطرقات والميادين والجسور، ملصقات لصور القائد والزعيم والرئيس والحاكم بأمر الله وعبد الله المؤمن وقائد الحملة الايمانية ، صور بملابس مدنية وأوضاع مختلفة – مرة فلاح واخرى راقص جوبي وثالثة مهندس بناء ورابعة مصلي وخامسة حملدار للحج ,ومرة رجل كابوي امريكي , ومرة يرتدي غطاء الرأس القوقازي ... - ، وصور بالزي العسكري مدججة بالنياشين والأوسمة حتى لو كان الرئيس لا يميز بين الرقيب والعريف.
ولافتات تمجد الحاكم الحكيم، العالم العليم، الحصيف المتبصر، الرزين النجيب، الألمعي الرشيد.
يتم وضع اللافتات وصور الرئيس في أماكن مرتفعة مختارة بعناية ، لتظهر طبيعة العلاقة الفوقية-الدونية التي تربط المواطن بالحاكم، وتذكره دوماً أن هناك من يحكم ويتحكم بجميع حركاته وأفعاله وأقواله، فتترسخ لدى المواطن المسكين الصورة الفوقية للسلطة، بحيث يصبح خاضعاً بشكل لا إرادي لها.
أما حين يرصد الحاكم ونظامه أية بوادر تذمر من المواطنين، أو حين يريد تمرير قانون لا يقبله الناس، فيلجأ إلى إغراق الشعب في قضايا هامشية جانبية ، يقوم النظام في افتعالها لإشغال الناس عن مطالبهم الأساسية.
إذ يتعمد النظام الحاكم افتعال خلافات بين مكونات المجتمع العراقي ، وينشر العداوة والفرقة فيما بينهم ، عبر إثارة المشاحنات والتناحر المذهبي والفقهي والطائفي والعرقي والطبقي والمناطقي .
ويتعمد الحاكم ونظامه بخلق نوع من الفوضى ليثير ردود فعل معينة عن بعض الأطراف أو المذاهب في المجتمع من جهة، وحتى يتمكن من تبرير القمع والملاحقات الأمنية لاحقاً للمعارضين من جهة أخرى.
الحاكم الهجين والجلاد الدخيل مبدع في إشعال الحرائق وافتعال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في المجتمع لإحكام سيطرته على المواطنين .
حيث يقوم نظام الحكم الهجين باختلاق أزمة معينة ويتولى إعلامه ضخ الشائعات المفبركة والمضللة حولها، ثم يتقدم الحاكم الحاذق الرصين حاملاً الحلول للمواطنين ،اذ يتم بموجبها تنازل الناس عن بعض حرياتهم وحقوقهم لتبديد غضب الجميع ولينتصر الوطن المظلوم بانتصار الحاكم الظالم الغشوم .
كيف يتم التخطيط :
بداية يعمد النظام إلى استكشاف وتحديد مكامن القوة والضعف لدى الشعب، من خلال أجهزته الأمنية وعيونه المنتشرة في كل ركن والاستعانة بأجهزة المخابرات الدولية .
ويتم التعرف على أسماء المثقفين والمفكرين والعلماء والمعارضين الذين يتبنون مشروعاً ديمقراطياً تنويريا او وطنيا اصيلا ، وتحديد القوى والجماعات والشخصيات التي تسعى أو تفكر في التغيير ، وكذلك تحديد أي شخص يحمل فكراً مخالفاً أو ناقداً – تصور ان نظام المأبون دوحي بن صبحة كان لا يتورع عن اعدام امرأة تعد طعاما ( هريسة ) فقط لذكرى عاشوراء ..!! _ .
ثم يقوم النظام بالقضاء على مصادر قوة الشعب، أو إضعافها إن تعذر القضاء عليها لسبب أو لآخر .
ويعمل على شل فاعلية الأحزاب والحركات والأفراد، ويلاحق المعارضين والاحرار والوطنيين ، وتفتح السجون ابوابها امام العراقيين الاصلاء بتهم كيدية أو من دون تهم حتى .
والعمل على تشويه الخطاب النقدي لبعض المفكرين والعلماء والاحرار والوطنيين ، ومن ثم تشويه سمعتهم الشخصية.
و يعمل على الإقصاء التام لكافة الأصوات المخالفة ؛ و يعمد على فرض رقابة صارمة على حركات الناس وأفعالها واقوالها، بل وأنفاسها، و يعمل ما يستطيع لفرض رقابته ووصايته على مصادر العلم والمعرفة والمعلومات ، ويحجب الانترنت ووسائل الاعلام و الكتب والمؤلفات والصحف والمجلات والفضائيات والاذاعات التي يعتبرها خطرة على نظامه.
ثم يسعى الحاكم الدخيل ونظامه الهجين إلى إغراق الشعب بكل ما يلهيه عن مطالبه الرئيسية الحقة ، وكل ما يشتت تركيز الناس ويمنعهم من التفكير بواقعهم المرير ، ليصبح تأمين القوت اليومي الشاغل الأساسي للناس كما حدث ايام الحصار الصدامي الاستعماري المنكوس الجائر .
فيتحول الوطن إلى مناسبات تافهة مزيفة لا تنتهي، ومهرجانات فنية وأدبية سطحية ، وأيام وطنية خاوية ، وكرنفالات رياضية مشوهة ، ومسابقات وهمية يشارك بها المواطنين و تنظمها وسائل الإعلام بجوائز مالية .
ويقوم الحاكم الدخيل والنظام الهجين بمنح الامتيازات للجهلة والسفهاء الذين يتصدرون المشهد الإعلامي سياسياً وثقافياً واجتماعياً وعسكريا ، وعلى الأصعدة الأخرى المتعددة ، بينما صوت المثقفين والعلماء والاحرار الاصلاء والوطنيين يتم طمسه أو تغييبه أو تهميشه أو اعتقاله وقمعه .
تعمد الأنظمة العنصرية الدخيلة الهجينة إلى ضرب منظومة القيم والمثل لدى المواطن العراقي الاصيل ، وذلك من خلال جعل الحياة ضنكة وغير ميسرة ، مما يصير المواطن العراقي غير مهتما بالقيم ولا يكترث للمثل والاخلاق ، وتصاب روحه المعنوية بمقتل، إذ يصبح عاجزاً وانهزامياً وتبريرياً ؛ و يؤمن بأن مصابه هو مصاب الجميع بل هذا قدره وقدر اسلافه وابناءه واحفاده ، وهذا تماماً ما تبتغي الأنظمة و وسائل الاعلام الهجينة تحقيقه .
لا يكتفي الحاكم بما سبق ، بل يعمل احيانا على تشكيل معارضة مفبركة وضعيفة ، حتى يظهر الجانب الديمقراطي من نظامه الاستبدادي او لتشويه سمعة الاغلبية العراقية المعارضة .
و يعتمد سياسة شراء الذمم بالأموال أو المناصب ، لتتشكل بطانة للنظام تسبح بحمده ، وتملأ الفراغ الذي أحدثه الغياب القسري للمثقفين والمفكرين الحقيقيين والاحرار الوطنيين ، فيلتف حول السلطان الغاشم بعض رجال الدين المدعيين والمنكوسين ، والمثقفين السطحيين، والجهلة والمنافقين.
وعند رصد اية حركة لفعل شيء ما من قبل الشعب او احرار الامة العراقية ، يعمد النظام الهجين إلى قوة الردع القاسية ، ثم يعقبها بإطلاق الوعود المعسولة والتطمينات المختلقة ، الهدف منها حقن الشعب بالشعارات المخدرة ؛ كما حدث ابان قمع الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 اذ أوكل النظام الهجين رئاسة الوزراء الى أحد ( غمان ) الاغلبية العراقية لذر الرماد في العيون .
هكذا تعمل الفئة الهجينة ويقوم رجالها الدخلاء باستغفال الجماهير العراقية وتليين طبائعها لتطويعها ثم إخضاعها وقمعها وزجها في اتون المعارك الخاسرة وحروب النيابة واقبية المعتقلات وزنازين السجون الرهيبة والمقابر الجماعية ومجازر التطهير .
.......................................................................
المصادر :
1- مقالة ( تدجين الشعوب ) للكاتب حسن العاصي / موقع صحيفة الايام بتاريخ 8/ 12/ 2018؛ راودتني فكرة الكتابة بهذا الموضوع ( تدجين الشعوب ) ، وبدأت البحث عنه وبعد اطلاعي على مجموعة من المقالات التي تناولت موضوع التدجين ؛ أعجبت بمقالة الكاتب حسن العاصي فهي مقالة جامعة مانعة كما يقولون ضمت بين ثناياها اغلب تفاصيل او ابرز نقاط الموضوع المركزية , وسلط الكاتب الاضواء على هذا الموضوع من خلال انظمة الحكم العربية كمثال لموضوعه الحيوي , وبما انني معني بالشأن العراقي فحسب وجدت ضالتي في هذه المقالة فهي تنطبق تماما على الانظمة الهجينة التي حكمت العراق لاسيما في العهد الجمهوري وبالأخص الحقبة البعثية السوداء , اذ قمت بالحذف والاضافة بما ينسجم مع الاحداث والوقائع التاريخية التي مر بها بلدي العظيم , فالذي يهمني من الكتابة توثيق الاحداث والوقائع والحقائق العراقية لا غير ؛ كي تتعرف الاجيال على حقيقة ما جرى في بلاد الرافدين ابان الحقبة السوداء الدموية لحكم الفئة الهجينة , مع فائق تقديري واحترامي للكاتب حسن العاصي .