من منا لا يعرف عظمة حضارة بلاد الرافدين والانجازات العلمية والثقافية والدينية والفكرية التي تحققت على أيدي العراقيين ؛ والتي استفاد منها العالم البشري بأجمعه ,فمن المعروف – عالميا – أن بداية الكتابة كانت في بلاد ما بين النهرين لدى السومريين ,والكتابة أهم اختراع بشري من دون منازع الا انها تبقى بلا قيمة اذا لم تقرء , اذ ان الكتاب كلامٌ ميتٌ يبعث عند القراءة كما يقول جالينوس اليوناني .
ولعلنا نتذكر تلك المقولة الشهيرة: (( القاهرة تؤلف , وبيروت تطبع , وبغداد تقرأ )) وأخرى مثلها : (( السوريون يؤلفون واللبنانيون يطبعون والعراقيون يقرأون )) وان كانت هاتين المقولتين ليستا صحيحتين 100 0/0 ؛ إذ إن بغداد تؤلف وتقرأ بل وتبدع ؛ فطالما قرء العرب والعالم مؤلفات الدكتور علي الوردي والمفكر السيد محمد باقر الصدر والشاعر بدر شاكر السياب والجواهري وغيرهم , ناهيك عن اعلام العصور الماضية كالمتنبي وجابر بن حيان وغيرهما !!
فكلنا يتذكر النهضة الثقافية في عقد الخمسينيات والستينيات والسبعينيات في العراق , اذ أنها من أجمل الفترات الثقافية التي مر بها بلدنا فقد دارت النقاشات والمحاورات بين الإسلاميين المتنورين والشيوعيين والقوميين والمثقفين من الاغلبية العراقية وباقي فئات المجتمع ؛ وكانت تجري على قدم وساق , وكان الشباب يقرأون تحت أعمدة الإنارة العامة , ويرتادون المكتبات , ويتنافسون فيما بينهم على قراءة اكبر عدد ممكن من الكتب ثم النقاش حولها بل وتلخيصها في بعض الأحيان ,اذ ان بغداد واحة الكتاب العربي - كما يقولون – , و قد عرف عن العراقيين بشغفهم بقراءة الكتب والاهتمام بها - منذ القدم - وبكثرة المطالعة في الأوساط العربية , فالعراق بلدُ العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والمفكرون والمصلحون ... ؛ وعليه لا يليق بالعراقي الجهل أو التخلف أو الأمية أو تدني المستوى الثقافي والعلمي والمعرفي , أو العزوف عن قراءة الكتب والأبحاث والمقالات والصحف والمجلات ... , لقد تجلى نداء السماء – ( أقرء باسم ربك ... ) – في سلوك إسلافنا العراقيين فهم أول من قرء وعلم بالقلم ,علموا البشرية ما لم تكن تعلم ... .
صحيح إن الظروف التي مر بها العراقيون قاسية جدا بسبب عمالة الحكومات والقيادات العراقية الحاقدة المنكوسة – من الفئة الهجينة و(غمان ) الاغلبية العراقية - على أبناء هذا الوطن المعطاء , فالاحباطات السياسية والمصاعب الاقتصادية والأوضاع الأمنية التي عانى وما زال يعاني منها المواطن العراقي أدت إلى إصابة الفرد العراقي بحالة : (( الكسل الذهني والضمور الثقافي )) , وكذا تكالب القوى الدولية عليهم ؛ فقد جاء في أحدى جلسات المحفل الماسوني المنعقدة في بداية القرن المنصرم : (( الشعب العراقي مشاغب ينبغي ان يؤدب )) , وفعلا ما أرادوه تحقق وزيادة !!
إذ مورست أشد سياسات التنكيل والتعذيب والإفقار والتجويع والتجهيل والتعتيم وتغييب العقل العراقي بل واغتياله , وبشتى الأساليب القذرة , ولا زالوا في مخططهم الجهنمي هذا سائرون ,فقد انتشرت بسبب هذه السياسات المجحفة الأمية بنسبة كبيرة ومخيفة بين أبناء الشعب العراقي , ونقصد بالأمية – هنا – عدم القراءة والكتابة , مع العلم ان مفهوم الأمية قد تغير – الآن – وتوسع ليشمل حتى الذين لا يعرفون استعمال الحاسوب ( الكمبيوتر ) والانترنت ,حتى لو كانوا أصحاب شهادات !!
وعزف الشباب عن قراءة الكتب واقتنائها مما شكل ظاهرة خطيرة تنعكس على شخصيتهم وثقافتهم العامة ومستقبل وطننا الغالي .
ينقل عن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا قوله : (( إذا سمعت في مكان ما باسم الثقافة أضع يدي على الزناد !! ))
فهم يخافون من الشعوب المتعلمة , المثقفة , الواعية ,القارئة , المبدعة , المناضلة , المكافحة , المجاهدة , التي تعرف ماضيها وتدرك حاضرها وتخطط لمستقبلها والتي لا يمكن تضليلها بالشعارات الرنانة والخطب الطنانة ؛ لأنها مدركة وعلى بصيرة من أمرها ومتفتحة الذهن فهي لا تقبل و لا تتبنى الفكرة قبل ان تحللها وتهضمها و تمحصها وتغربلها ثم بعد ذلك تقرر ... والشيء بالشيء يذكر ؛ يقال انه عندما سئل الوزير الإسرائيلي ديان بعد حرب عام 1967 عن أسباب هذه الحرب , وهل كانت مفأجاة للعرب أم لا ؟ فقال : كلا , لقد نشرنا كل ما يتعلق بالحرب قبل وقوعها , لكن العرب أمة لا تقرأ !! , ومن الطريف في هذا الصدد أيضا : شنت حملة صحفية أجنبية في عقد الخمسينيات من القرن المنصرم على رئيس دولة عربية , وقد سأل أحد الأجانب الرئيس العربي عن نتائج هذه الحملات الصحفية عليه في داخل بلده ؟ فرد عليه بكل هدوء وبرود : لا تخف فأنني الوحيد الذي يقرأ هذه الصحف الأجنبية هنا !! , وقد ذكر تقرير التنمية البشرية العربية والصادر عن الأمم المتحدة الإنمائي , والذي يقول : ان نسبة ما يقرؤه العربي في العام الواحد هو ست دقائق فقط جلها مخصص لقراءة الكتب الدينية !!.
بسبب كل تلك الظروف وغيرها انحسر الاهتمام بالكتب وقراءتها وابتعد العراقيون عنها كثيرا بل طلقوها طلاقا بائنا !
و وفقا لتقارير اليونسكو أدرج العراق ضمن لائحة الدول المتخلفة او الأمية , اذ وضع في التصنيف الرابع الى جانب موريتانيا !!!
اذ لا يتجاوز معدل قراءة العربي 4 0/0 مقارنة بالانكليزي ! فإذا قرء الانكليزي 100 كتاب يقرء العربي في المقابل 4 كتب فقط !وثقافة أوربي واحد تعادل ثقافة 2800 عربي !! .
و لكن طالما أفشل العراقيون مخططات الأعداء والظلاميين من اتباع قوى الاستعمار والخط المنكوس , فهلم بنا ننفض غبار سنين الأمية العجاف وعقود التجهيل والحصار الثقافي والعلمي عن وجه عراقنا الحبيب , فالعراقي أحوج ما يكون اليوم للمعرفة والمطالعة نظرا لما فاته في عقود الأيدلوجيات الفاشلة والشعارات الكاذبة والقيادات الدجالة المنكوسة .
ومن الواضح ان قراءة الكتب والاطلاع عليها يمهد الطريق أمام الإنسان للتقدم والرقي ويدفع عجلة الحياة الى الأمام , فهي من أرقى الوسائل التي تنقل تراث الأمم و مكتسبات الشعوب وتحافظ عليها على مر العصور من الضياع , وتتأثر طريقة الحياة في أي بلد بنسبة القراء فيه , فكلما زادت نسبة القراء والمتعلمين زادت نسبة التطور التقني والعلمي والاقتصادي .. , ولذلك تقدر المجتمعات الحية قيمة القراءة والكتابة حق قدرها , فالقراء المهرة يشاركون في خلق مجتمع مزدهر منتج واعي ؛ اذ ان الكلمة المكتوبة بمثابة الكلمة المنطوقة , وتؤدي الى التواصل المعرفي بين الأمم , وتفضي الى التعارف بين البشر, وعن طريقها يستطيع الإنسان القارئ بفكره ان يتخطى حاجز الزمان والمكان مما يساهم في اتساع افقه وازدياد ثقافته و ارتقاء فكره وبناء ذاته , والقراءة تساعد على البحث والتحليل والاختراع والإبداع والاستنتاج , اذ ان ذهن القارئ يكون في حالة ديناميكية نشطة ومستبصرة و واعية ومنتجة .. وكل هذه المزايا تسبغها القراءة على الإنسان فتكسبه شخصية مثقفة , راقية , متفتحة ,متوازنة , عقلانية .. ؛ فالكتب عبارة عن حديقة مزروعة بمختلف أصناف الورود ومن مختلف بقاع الدنيا , فالذي لا يستطيع السياحة عليه بقراءة الكتب , اذ يستطيع ان يجوب بخياله بلاد الدنيا ويتعرف على أخلاق الشعوب وهو قابع في داره , فقراءة الكتب متعة ويالها من متعة لا يضاهيه شيء , فالمطالعة غذاء الروح والفكر فكما ان الجسد يحتاج الى الغذاء كي يبقى قويا ومعافى , كذا عقل الإنسان في حاجة دائمة الى غذاء الثقافة والمعرفة حتى تنشط وتتجدد الذاكرة و تستيقظ حيوية الموصلات العصبية وتنمو مدركاته الحسية و توسع من رؤاه التأملية والتخيلية و ترتقي بمشاعره وأحاسيسه عبر الإثراء النافع من الكتب , فمن خلالها يتكيف الإنسان القارئ المثقف مع مختلف الظروف ويعمل في مختلف المجالات – كلا بحسب معلوماته ونوعية قراءاته – الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية والمهنية والعلمية .. ويعتبر الكتاب أداة رئيسية لنشر المعرفة , ولكن هذا لا يعني إهمال الروافد الثقافية والمعرفية الأخرى – وانما الموازنة بينهما – فمن الخطأ حصر المعرفة والثقافة في قناة واحدة هي القراءة في الكتاب فحسب !وإغفال مسألة في غاية الأهمية : اذ ان تطور الحياة وتقدم الزمن يفضي – بصورة أوتوماتيكية – الى تطور وسائل التلقي والتعليم لتشمل ما هو ابعد من القراءة .
فالقراءة :هي عملية معرفية مركبة من الرموز والحروف بغرض توصيل المعنى ( فهم المقروء ) الى القارئ , وكذا هي تساعد على بناء المعاني كما اسلفنا سابقا , فالكلمة تعتبر أساس اللغة واللغة أساس التواصل وبها يتم تبادل الأفكار والمعلومات التي ينتجها العقل البشري ؛ ففي البدء كانت الكلمة , فالكلمة الوجه الآخر للمعرفة وهي لا تدرك الا بالقراءة , اذ ان الكلمة دعوة جلية مفتوحة للإنسان كي تمنحه المعرفة من خلال قراءتها والتمعن في مدلولها ,والقراءة – بتعبير آخر - : هي عملية استرجاع منطوق او ذهني لمعلومات مخزونة , سواء كانت تلك المعلومات على شكل حروف , او رموز .
والعزوف عن القراءة يعني : انعدام الرغبة في القراءة ,و العازفون عن القراءة يستطيعون القراءة , ولكنهم يميلون الى تجنبها واهمالها .. .
بعد هذه الجولة السريعة صار لزاما علينا تبيين الأسباب الرئيسة التي أفضت إلى الأمية وعزوف أغلبية العراقيين عن القراءة فضلا عن التأليف ؛ على شكل نقاط , وهي :
1- السياسات الحكومية المتبعة التي لا تشجع على القراءة والتأليف والإبداع ؛ بل تسهم بصورة وأخرى بطرد العقول والكفاءات العراقية إلى الخارج ؛ وفقا للمخطط المنكوس الاستعماري .
2- بعض قيادات المجتمع العراقي المنكوسة تنأى بأتباعها بعيدا عن العلم والوعي ؛ كي تقودهم كيفما تشاء ! فمن المستحيل ان تجد خطيبا في مسجد – مثلا- يدعو الى مطالعة كتاب – مهما تكن أهميته – ان لم تكن له علاقة بالفهم الديني الذي يعتقد هو به !! مع العلم ان الإسلام حث أتباعه الى تعلم مختلف العلوم ولو كانت في الصين !! .
3- الإعلام الحكومي والجماهيري بعيد كل البعد عن التوجيه الثقافي والحث على طلب العلم , ان لم يكن مكرسا لمحاربة العلم والعلماء , وقتل روح الإبداع والتجديد في نفوس العراقيين ! مما أدى إلى رسوخ قناعة لدى العراقيين عامة والشباب خاصة بأنهم حتى لو قرءوا وكتبوا وأبدعوا لا يوجد من يعطيهم دورا في صنع القرارات التي تخص وضعهم الاقتصادي والسياسي .. , بلدهم , أمنهم , طموحهم ,حريتهم , ثقافتهم , دستورهم ... ؛ وبالتالي يتساءل العراقي : لماذا أقرء وأكتب وأبحث وأنقب .. , وحينما لا يمارس ما تعلمه فما الجدوى إذن ؟؟ !
وقد ورد حديث عن الإمام علي مفاده : (( ان الناس إنما تركوا طلب العلم , لأنهم رأوا العالم لم يستفد من علمه ولم تظهر أثاره عليه .. )) ؛ ومن المعلوم ان الوعي والثقافة يشكلان ضغطا نفسيا هائلا على الإنسان حينما لا يمارس دوره الطبيعي في نشر المعرفة وتطبيقها في الخارج , وقد ورد عن الإمام علي ما يؤكد ذلك : (( أكثر الناس هما من كثر علمه وقلت همته .. )) .
4- الانغماس في الحياة المادية , وانشغال الناس بتدبير أمورهم المعاشية الصعبة , وبالتالي لا يجدون وقتا كافيا للمطالعة والكتابة , فالعراقي أصبح منشغلا بأسباب معيشته , أكثر من انشغاله بتثقيف نفسه , وبناء ذاته علميا وثقافيا وروحيا , ومن هنا فان أهمية القراءة والكتاب تراجعت ولا زالت تتراجع وفق مؤشرات خطيرة ,فقد ذكرت السيدة عالية محمد باقر مديرة المكتبة المركزية في البصرة : (( ان نسبة رواد المكتبة بدأت تتناقص خلال السنوات الماضية بنسبة 80 0/0 ... )) , وتحدثت السيدة سناء الوادي مديرة مكتبة الاعظمية العامة بخصوص هذا الموضوع قائلة : (( لم تكن تهدأ هذه الرفوف المحملة بالكتب عن حركة الاستعارة والتداول والقراءة بين مريدي العلم والباحثين عن الكتب المتنوعة .. , - وتابعت قائلة - : ولكن للأسف تغير إيقاع الحياة بالكامل حتى اثر هذا على الكتاب وقرائه .. )) , وأي زائر يذهب الى المكتبات العامة في العراق , سيرى مدى الإهمال والتخلف والتردي لهذه المؤسسة الثقافية المهمة , حيث أكوام الأتربة على رفوف الكتب , والأثاث و المحتويات المتهالكة التي أكل عليها الدهر و شرب , ناهيك عن سوء الإدارة , وعدم مواكبة العصر .. .
5- طغيان وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وسينما ومواقع ( السوشيال ميديا) ؛ فالتطور الهائل في صناعة السينما أدى الى قتل الرغبة في القراءة والاستعاضة عنها بالمشاهدة الحسية والبصرية والصوتية , ومسرح وفيديو وانترنت – صحيح النت ممكن الاستفادة منه في المجالات الثقافية والمعرفية , ولكن أيضا فيه التسلية والترفيه بل والتسفيه احيانا ! - و أجهزة العاب الكترونية , وظهور الأقمار الاصطناعية التي تربط الشعوب وتقرب البعيد ... ؛ فقد غرق البعض في مستنقع الأفلام والمسلسلات والألعاب ... لذا تراه لا يبصر غيرها , مما جعل دور الكتاب محدودا ان لم يكن معدوما لدى هذه الفئة .
6- اعتماد البعض على المعلومات الجاهزة التي تقدمها وسائل الإعلام والانترنت ,حيث يأخذون المعلومات منها بلا تعب , ومن دون أدنى مجهود , وظهور الكتاب الالكتروني اذ ان جهاز الحاسوب ( الكمبيوتر) قام بحفظ ملايين الكتب والأبحاث والمقالات بحيث يستطيع الفرد قراءة بحث في دقائق معدودة ؛ لذا هجروا الكتاب .
7- غلاء أسعار الكتب ؛ بحيث يجد المواطن العادي أو المثقف صعوبة مالية وعجزا في ميزانيته عند محاولته شراء الكتب واقتنائها , فتراه يعزف عنها مرغما .
8- التنشئة الاجتماعية والتربية المدرسية الخاطئة , إذ لا يغرسون حب القراءة والمطالعة في نفوس الأطفال والمراهقين , فالإنسان مجبول على العادات والتأقلم معها , لذا ينبغي زرع عادة حب بل عشق المطالعة في نفوس أبنائنا , فالقراءة عادة وهواية اذا غرسناها في نفوس أطفالنا منذ الصغر شبوا وشابوا عليها - وقد قيل قديما التعلم في الصغر كالنقش على الحجر- ,إما إذا أهملنا هذا الجانب التربوي المهم ؛ فأنهم يشبون ويكبرون وهم لا يدركون أهمية القراءة وفائدة المطالعة ؛ وبالتالي يتبرمون من الكتاب المدرسي المقرر نفسه !! إذ سرعان ما يرمونه في سلة المهملات بمجرد انتهاء الامتحانات المدرسية !!ويعتبرون أنفسهم في إجازة صيفية جميلة بل و إجازة عقلية ,إذ يعطلون كل قواهم العقلية ويقتلون حب الاستطلاع والقراءة في نفوسهم !! بمعنى أن الطلاب الذين من المفروض عليهم القراءة لا يقرأون بل يكرهون القراءة وتحضير الواجبات المدرسية , وهذا الأمر من الخطورة بمكان على مستقبل الطلبة والمتعلمين الذين سرعان ما ينسون كل ما تعلموه وحفظوه بعد تخرجهم , والطامة الكبرى أنهم لا يسدون هذا النقص المعرفي من خلال تثقيف أنفسهم عن طريق القراءة والمطالعة الخارجية وكتابة البحوث .. , إذ بمجرد تركهم لمقاعد الدراسة يتحولون إلى أشباه المتعلمين وأنصاف الأميين ؛وقد أشار الى هذه الظاهرة - ( هبوط مستوى الطلبة الأكاديميين , وارتدادهم إلى التخلف الثقافي والأمية الحضارية بعد تخرجهم بصورة مباشرة ) - الكثير من أهل الاختصاص ؛ بسبب الأساس التعليمي الواهي والتنشئة التربوية الشاذة ,ويعبر عنها بأنها : (( أزمة ثقافية عامة )) , ان هذه الأزمة ليست وليدة سبب واحد معين كما قلنا آنفا , ولكنها جزء من الأزمة الحضارية الكبيرة والتقهقر المعرفي والأخلاقي والثقافي الذي نعيشه , فالقراءة والكتابة ظاهرة حضارية لها مقوماتها وأسبابها وشرائطها , إذ هي الوسيلة الأولى لاكتساب المعرفة , فأننا أحوج ما نكون اليوم الى نهضة ثقافية شاملة وصحوة حضارية كبرى تخرجنا من سباتنا العميق , وعزلتنا الطويلة , فقد عشنا فترة ليست بالقصيرة ونحن بمعزل عما يجري في العالم ,بل وحتى ما يحيط بنا من أحداث وما يحاك ضدنا من مؤامرات , لا نعرف شيء عن الأحداث الخارجية وتأثيراتها علينا , اذ كنا نغط في بحور الظلمات والإقصاء والتهميش والتعتيم ... ؛ في حين ان بعض الشعوب المتحضرة تقرأ ما معدله 300 صفحة في اليوم وفق بعض التقارير , فهم يقرأون في محطات القطار والمترو والأماكن العامة و وسائل النقل الأخرى ,حتى ان بعضهم يقرأ في الحمام ؛ شغفا بالعلم والثقافة واحتراما للوقت !! .
9- بنية المجتمع الفكرية ؛ حيث لا يمكن لأي إنسان ان يمارس عملا ما او يعتنق فكرا ما , اذا لم تكن تلك الممارسة مقبولة في مجتمعه وبيئته , وقد تعرضت هذه البنية للتشويه المتعمد من قبل الساسة والطغاة المنكوسين الذين حكموا العراق ,فمثلا حكومة صدام حاربت التعليم والتربية والحرية الفكرية وبالتالي أهانت العلماء والمفكرين والشعراء والأساتذة , بحيث وصل الراتب الشهري للأستاذ الجامعي 12000 دينار فقط والمعلم 3000 الاف دينار , علما ان هذا المرتب لا تستطيع قطة العيش به فضلا عن إنسان محترم في ظروف الحصار الاقتصادي والثقافي المفروض على العراقيين من خلال تعاون دولي مشبوه في عقد التسعينات , ومن المعروف ان صدام كان مولعا بالإعلام المزيف واللقاءات الفارغة وقد التقى بكافة أصناف المجتمع العراقي وكرمهم حتى الغجر ( الكاولية ) – مع كامل احترامي واعتزازي لهم - , الا انه لم يلتقي بالمعلمين قط وكذا العلماء والمفكرين ولم يكرمهم بتاتا , لأنه مجبول على بغضهم بل ونشأ حاقدا عليهم , ومما يروى في هذا الصدد :( في أيام الحصار العجاف البائسة أضطر الأساتذة الجامعيون وخيرة أبناء العراق الى السفر إلى بلاد العالم كافة ,طلبا للعيش الكريم اللائق بهم , وقد هاجر بعضهم إلى ليبيا واستفادت منهم كثيرا ؛ وفي احد الأيام جاء غراب الشؤم الصدامي المجرم طه ياسين الجزراوي إلى ليبيا و التقى بالرئيس الليبي معمر القذافي , وحاول هذا النكرة الإيقاع بهؤلاء الأساتذة العراقيين الكرام , قائلا للرئيس الليبي : (( هؤلاء الأساتذة العراقيين الذين جاءوا إلى بلدكم شهاداتهم أغلبها مزورة !! أطردهم !!))
فقال له الرئيس الليبي : (( إذا يوجد عندكم أشخاص مثل هؤلاء شهاداتهم مزورة ,أبعثهم إلينا أيضا !! )) فسكت المجرم ورجع خائبا يجر أذيال العار ! وبسبب هذا السياسة الحقيرة المنكوسة لحكام الفئة الهجينة العملاء ؛ تولدت قناعة لدى بعض شرائح الشعب بأن من يكثر من القراءة : اما ان يكون مجنونا أو معقدا أو مريضا نفسيا , أو ان القراءة لا تفيد... وغيرها كثير , ومن المعلوم ان انتشار مثل هذه السفاسف والخزعبلات والدعايات الخبيثة تدفع الناس إلى هجر القراءة والمطالعة والكتابة والإبداع الفكري والعلمي , وتدني مستوى المكانة الاجتماعية للتعليم والمثقفين , على اعتبار ان إنفاق سنوات طويلة في الدراسة لشغل وظيفة في النهاية , يمكن الحصول عليها من خلال الواسطة والمحسوبية مضيعة للوقت وهدر للطاقات, وهذا ما أراده الأقزام العملاء من الفئة الهجينة , والدليل على ذلك انكباب العراقيون على الدراسة والثقافة , وازدياد أعداد الطلبة الجامعيين بعد سقوط النظام الصدامي البعثي الفاشل مباشرة بصورة ملحوظة الا انها لا تفي بالغرض ؛ فالقراءة او أي عادة حسنة أخرى لا تكتسب وتنتشر الا من خلال أرضية اجتماعية حاضنة , ومثال واقعي يحتذي به من قبل الناشئة والشباب , فإذا لم يشاهد المرء عضوا من عائلته يقرأ , وكذا مدير المدرسة والمدرس , وكذا مديره في العمل فيما بعد .. كيف لا يعزف عن القراءة ؟؟
وكيف نستطيع أمره بالمطالعة والقراءة ونحن أنفسنا لا نقرأ ؟؟!! .
10- ندرة المكتبات العامة والمقاهي والمنتديات الثقافية والمختبرات العلمية , والندوات الجماهيرية العامة التي تحفز على القراءة والثقافة وتشيع الحراك الثقافي الحقيقي بين أبناء المجتمع العراقي كافة .
11- النظم التعليمية والتربوية المتبعة في العراق بائسة ولا تواكب التطورات العلمية والثقافية العالمية ,ولا ترقى الى مستوى إشباع الحاجة الى فهم التغيرات الاجتماعية التي تعيشها المجتمعات الإنسانية في عصر الانفجار المعلوماتي والقرية العصرية , فهي أقل القليل من مستوى طموح الأفراد العراقيين التواقين لكل جديد ومبتكر , فضلا عن انها لا تخرج متعلما لديه الرغبة في الازدياد في التعلم والبحث العلمي .
12- الكسل الذهني والخمول العقلي والبلادة الذي يتصف بها بعض الأفراد والشرائح الاجتماعية وهؤلاء قطعا يحتاجون الى علاج ناجع يخلصهم من هذه الحالة البائسة , وكذا الحالة النفسية السلبية وخصوصا عند الشباب الذين فقدوا الأمل بكل شيء او الذين استغرقوا في الملذات والشهوات والتفاهات وسفاسف الأمور .. .
13- الحروب الكثيرة التي خاضها العراق في الخارج , وفي الداخل – لقتل أبنائه !- من قبل حكومات وعصابات الفئة الهجينة , والتي تسببت بقتل مئات الآلاف و نتج عنها ملايين الأرامل واليتامى والمعاقين والمشردين والمرضى والمهجرين ,فضلا عن إفقار شرائح كبيرة من المجتمع العراقي ,ناهيك عن الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى العويصة .
14- الجهل بأهمية الكتاب وفائدة القراءة , وعدم إدراك المغزى من القراءة , والهدف من المطالعة , و دورها في تقوية الشخصية وتحصين المجتمع , فقد جاء في احد الأمثال الأوربية : (( اذا أردت ان تكون قصيرا في مكان ما ؛ عليك الا معرفة كل شيء عن ذلك المكان )) , ولكن كما قيل قديما : (( الناس أعداء ما جهلوا )) .
15- امتلاء رفوف المكتبات بالكتب التافهة والسطحية والتي لا ترقى بمستوى القارئ بل تهدر وقته الثمين , فقد اختلط الغث بالسمين , مما جعل الشباب والقراء في حيرة من أمرهم , ماذا يقراون ؟
وماذا يختارون ؟
وما درجة هذا المؤلف من العلم ؟
وهل كتابه من بنات أفكاره أم سرقات ؟
فضلا عن انتشار نمط واحد من الكتب , فعندما تتجول في شارع المتنبي – مركز الثقل الثقافي – تجد اغلب المواضيع مكررة وفي اتجاه واحد , فلو بحثنا عن الكتب المهنية والعلمية التخصصية العالية لو وجدنا نسبتها في مكتبات هذا الشارع اقل من 3 ./. 100 , ناهيك عن ضعف وضمور حركة الترجمة , فاغلب الكتب محلية او عربية , وهذه لا تسمن ولا تغني من جوع اذا ما قيست بالإنتاج المعرفي العالمي والانفجار المعلوماتي الدولي ؛ فمنذ عصر الخليفة العباسي المأمون والى يومنا الحالي ترجم العرب 10000 كتاب فقط , في حين ان اسبانيا تترجم 10000 كتاب في العام الواحد !!
وسأزيدك من الشعر بيت : إسرائيل تترجم 15000كتاب سنويا الى اللغة العبرية وهي لغة منقرضة أصلا , ولا تترجم الدول العربية مجتمعة أكثر من 330 كتابا سنويا , اذ يفترض بالكتاب ان يكون هادفا مفيدا علميا ملهما قادرا على بناء فكر منتج للإنسان ؛ لان الكتاب الفاسد أشبه ما يكون بالطعام الفاسد فكلاهما مضران بالإنسان ,فضلا عن ان الكتاب والمؤلفين فقدوا بريقهم وتوهجهم واثاراتهم فما عاد لقلمهم ذلك السحر الذي يستقطب القراء بشغف , وانطفئ وهج يراعهم فماتت كتاباتهم وأضحت بلا روح .
16- ضعف المستوى التعليمي في مادة قواعد اللغة العربية , وترك التحدث باللغة العربية الفصحى , والجهل المطبق بمعاني الكلمات العربية , لذا يجد البعض قراءة الكتب صعبة ؛ فابتعدوا عنها .
17- عدم تخصيص مبالغ كافية من الميزانية العامة في وطننا الغالي للثقافة ,فبعض الدول المتقدمة تخصص ما بين 4 الى 7 0/0 من ميزانيتها التي قد تكون بالمليارات !
فهذه الوزارة يقع على عاتقها رعاية الثقافة بكافة أشكالها وبمختلف السبل والوسائل الناجعة في العراق .
18- شعور المواطن العراقي بعدم الحاجة الى القراءة , كما انه لا يشعر بمتعة القراءة ولذة المطالعة لأنه لم يجربها قط !! .
19- انعدام المؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني التي توجه المواطنين الى قراءة الكتب و تؤثر فيهم او ضعف دورها ان وجدت .

الحلول المقترحة لمكافحة ظاهرة العزوف عن قراءة الكتاب :
1- الدعم الحكومي المفتوح للتعليم والتربية والثقافة والتنمية البشرية ,فالحكومة قادرة على تحريك الجماهير ودفع المجتمع نحو القراءة والمطالعة من خلال توفير المستلزمات والسبل المناسبة , ففي عقد السبعينيات من القرن الماضي استنفرت الحكومة الفرنسية عندما لمست نفورا نسبيا من القراءة , فخصصوا يوما نزل فيه الوزراء وأعضاء البرلمان الى الشوارع والحدائق العامة حاملين كتبهم معهم لإظهار اثر القراءة !!! .
2- قيام منظمات ومؤسسات المجتمع المدني بالعمل الجاد والمنظم للقضاء على ظاهرة الأمية والتخلف , من خلال برامج عملية تنسجم مع الواقع العراقي .
3- القضاء على ظاهرة العسكرة والتخندق الطائفي والقومي والعنصري المناطقي ... .
4- نشر مبادىء الحرية الفكرية والديمقراطية , ومكافحة الأفكار والأيدلوجيات المتطرفة الهدامة .
5- تسخير وسائل الإعلام كافة للنهوض بهذا الواقع المزري , والحث على النهضة العلمية والثورة الثقافية , وتكريم المبدعين العراقيين , وتوزيع الجوائز عليهم , وإقامة نصب وتماثيل لهم تخلدهم وتحتفي بانجازاتهم .
6- إنشاء المكتبات العامة , والاهتمام الخاص بمكتبات المدارس الابتدائية التي ينبغي توفر الكتب الجميلة ذات الصور والألوان الزاهية والقصص والأساليب المشوقة فيها , والنوادي والمنتديات الثقافية , ونشر المختبرات العلمية , والتأكيد على الدروس العملية والتطبيقية , وتأسيس مدن للثقافة والإبداع والتعليم العالي .
7- رفع رواتب وأجور الأساتذة والمعلمين وكل الذين يعملون في قطاع التربية والتعليم والتثقيف .
8- دعم أسعار الكتب والصحف والمجلات .. من خلال تأسيس دور للطباعة والنشر والتوزيع , وتوفير كافة المستلزمات المطلوبة لذلك .
9- الارتقاء بالمستوى المعيشي للفرد العراقي , وتوفير البنى التحتية القوية في كافة أنحاء الوطن .
10- تنظيم الوقت بحيث يعطى كل شيء حقه ,فالعمل له وقت , والعائلة لها أيضا , وينبغي الاهتمام بالقراءة أيضا وجعلها ضمن سلم أولوياتنا اليومية , إذ ان الذي يميز الإنسان عن الحيوان ,هو العقل , الفكر , الإبداع , القراءة , المطالعة , البحث , الكتابة ؛ فلا تكتمل إنسانية الفرد من غير هذا الجانب الحيوي , فالقراءة كالغذاء بل هي أهم الوجبات اليومية التي يجب الاستمرار عليه كي نبقى أحياء أقوياء .. .
11- تغيير النظم الدراسية المتبعة في وزارة التربية والتعليم واستبدالها بأرقى النظم العالمية الناجحة والمناهج التعليمية الراقية , و يجب تخصيص حصة مطالعة على الأقل مرة في الأسبوع لطلبة المدارس , مع تزويد المدارس بكتب تلائم أعمارهم و مستوياتهم , واحتساب علامات للطلبة على ما يقرءون من كتب , كما يجب أيضا اعتماد ساعات معينة جامعيا ترتكز على المطالعة وتثقيف الطلاب .
12- انصح بالرجوع الى المؤلفين الكبار والمحققين المعروفين والبحاثة المشهورين , اما الكتاب والمؤلفين المغمورين والبسطاء فهؤلاء تقرأ مؤلفاتهم في الوقت الفائض او يمر عليها مرور الكرام , وكذا انصح بتقديم الكتب البسيطة والمشوقة والمطبوعة بصورة جذابة وجيدة الى الأطفال عندما نريد زرع عادة حب القراءة وعشق المطالعة في نفوسهم . لان الكتب المعقدة الصعبة تنفرهم .
13- إثراء الساحة الثقافية العراقية بالنقد الصارم البناء الذي يبعد السطحيين والضعاف عن تسلق ذرى التأليف , وحتى لا ينطبق علينا المثل الدارج : (( يتعلم الحجامة بروس اليتامه )) .
14- تقديم الدعم والتشجيع على إنشاء مكتبة في كل بيت عراقي , ونشر ثقافة تحديد النسل ؛ لان رب الأسرة لا يستطيع وفق الظروف المعاشية القاسية تلبية كافة الحاجات لجميع أبنائه اذا كانوا كثيرين , وقد ورد عن الإمام علي ما يؤكد ذلك : ( قلة العيال احد اليسارين ) .
15- الاهتمام من قبل وزارة التربية والتعليم وكافة المؤسسات الثقافية وكذا من قبل الأسرة , و وسائل الإعلام المختلفة بتعليم قواعد اللغة العربية وعرضها بصورة شيقة وجذابة , والإكثار من التكلم باللغة العربية الفصحى .. .
16- التأكيد على التعليم الإلزامي , ومكافحة الأمية .
17- توزيع الجوائز والهدايا المادية والمعنوية على القراء العراقيين , وأعداد مهرجانات واحتفاليات بهذا الشأن من قبل الجهات الحكومية والمدنية المعنية بل وحتى من قبل تجار العراق الغيورين على وطنهم .. , ما يصرفه العرب على التبغ والدخان 500 بليون دولار سنويا , بينما هم يحتاجون الى 6 بليون دولار فقط لإرساء دعائم النظام التعليمي والتربوي الراقي ! .

النتائج المترتبة على ظاهرة العزوف عن قراءة الكتب :
1- تفشي الأمية الثقافية والحضارية .
2- انعدام قدرة المواطن عن التعبير عما يجيش في صدره من مشاعر و ما يدور في عقله من أفكار , بحيث أصيب اغلب المواطنين بالعي والتلعثم , فعندما يجري معهم لقاء صحفي او تلفزيوني يرتبكون ويهرفون بما لا يعرفون عند ما يتكلمون !! .
3- السطحية في التفكير , وضحالة العقلية , اذ أمسى تعامل شبابنا مع الأمور والأشياء بطريقة عاطفية انفعالية تنم عن ضعف البصيرة وقلة الوعي .
4- الانغلاق الفكري والتقوقع على الذات , والتحيز والتحزب الطائفي والقومي والفئوي الضيق ,فضلا عن التعصب ؛ وكل هذه الأمور نتائج طبيعية لانعدام الحيادية وضيق الأفق الثقافي وقلة الاطلاع ,فكلما كثر اطلاعنا اتسعت رؤانا وتسامت أخلاقنا وعلت هممنا .. .
5- الاستسلام والخضوع الأعمى والإذعان للشعارات والدعايات التي تبثها السلطات الغاشمة و وسائل الإعلام المشبوهة , فكأنهم ريشة في مهب ريح الدوائر المشبوهة تسيرهم حسب ما تشاء !!.
6- الانحراف بكافة أشكاله ؛ اذ أضحى شبابنا معرضون للانحراف بدرجة خطيرة و رهيبة ,لان عقولهم خاوية , وجعباتهم فارغة فهم افرغ من فؤاد أم موسى !, مما يعرضهم للضياع بسهولة والانجراف مع التيارات الهدامة .
7- ميل الشباب الى قضاء أوقاتهم الثمينة وتبديد طاقاتهم العظيمة في التسكع والتجول في الشوارع والطرقات .
وخلاصة القول : متى ما عرف العراقيون قدر الكتاب وأهميته , وحفظوا مكانته , نالوا حظهم من الرقي والسمو , واسترجعوا أمجاد حضارتهم العتيدة ,وازدادوا قوة و عمقا و وعيا , ومتى ما عزفوا عن قراءة الكتاب , واستهتروا بقيمته , و زهدوا في فائدته ,كانت الهلكى مآلهم , والتقهقر والتلاشي مصيرهم ؛ لان الشعب الذي لا يقرأ يحمل في ذاته بذور النهاية والفناء كما قيل .
وأخيرا :
العراقيون مبدعون بالفطرة , ولا يحتاجون الى من يذكرهم بأن العلم نور والجهل ظلام فهم بناة الحضارة وعباقرة العلم ومشاهير الثقافة , الا أنهم تعرضوا الى مآسي ومصاعب و ويلات تعجز الجبال الرواسي عن حملها , ومع ذلك فان أرادتهم حديد وعزمهم شديد ,والأمل بهم معقود , وكما يقولون : ان الألف ميل يبدأ بخطوة ...ومن البديهي أنه لن تقوم لأية أمة قائمة الا بانتهاج ممارسات حضارية تنهض بالواقع , والقراءة على رأس تلك الممارسات ان لم تكن أسها , و نُعيد ونكرر : الأمة التي لا تقرأ تهرم وتموت قبل أوانها .