تتناول هذه المقالة بضع مقولات للكاتب الدكتور علي الوردي بالتوضيح والتعليق ؛ وسأفتتح المقالة بمقولة رئيسية ثم اردفها  بمقولات للكاتب تصب في نفس دائرة المقولة الاولى ؛ والتي نتعرف من خلالها ان جريمة  الفرد وجريرته ما هي الا نتاج المجتمع نفسه , ونتيجة طبيعية لبيئة الشخص ذاته ؛ اذ قال الدكتور علي الوردي – بهذا الصدد ما يلي - : (( إن مجتمعنا اللئيم يخلق أسباب الفقر والعاهة من جهة، ثم يحتقر المصابين بهما من الجهة الأخرى,  وبذا ينمي فيهم عقداً نفسية لا خلاص منها ))  فها هو يؤكد لنا بأن المجتمع – والمتمثل بالحكومة والقوى الاخرى بالإضافة الى الشعب – هو المسؤول  الاول والاخير عن حالات الفقر والعوز والحرمان التي تصيب المواطنين وكذلك هو السبب في عاهات وامراض الناس ؛ فلولا الظلم والجور والاهمال واللامبالاة من قبل المجتمع او بالأحرى من قبل الحكومة تجاه شعبها ومواطنيها لما حدثت كل تلك الماسي والويلات  ... ؛ وبالتالي ينشئ الافراد الفقراء والمواطنون المصابون بالعاهات والامراض وهم حاقدون على الحكومة والمجتمع ومستعدون لارتكاب كافة الجرائم .

وبما ان المعني من كل ما اكتبه هو الفرد العراقي , والمقصود من كل ما يخطه يراعي هم ابناء الامة العراقية لا غير , سأقوم بتطبيق تلك المقولات الاجتماعية العامة للكاتب علي الوردي على الشأن العراق وطبقا للحقائق والوقائع التاريخية والمعاصرة والملموسة . 

وعليه سيكون المقصود من المجتمع هنا ؛ ليست الاغلبية العراقية الاصيلة والطيبة والكريمة وكرام ونبلاء الامة العراقية ؛ حتى وان كان لها دور الا انه  دورا هامشيا  وبسيطا و لا يرقى لأدوار القوى الاخرى  ومستواها في التأثير , وعليه سيكون معنى المجتمع المؤثر تأثيرا سلبيا في الافراد والمواطنين : هي الحكومات الهجينة العميلة المتعاقبة والفئة الهجينة وما تملك من نفوذ واموال وسلطات وعملاء ورجال الاستعمار والقوى الاجنبية والمرتبطين بهم من مرتزقة الاغلبية كبعض رجال الدين وشيوخ العشائر الاقطاعيين والمؤسسة الدينية المنكوسة وغيرها من القوى الثقافية والفكرية والاعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والامنية ... ؛ والمرتبطة بهذه المنظومة الهجينة الفاسدة المنكوسة .

فالأصح ان نقول : ان حكومات الفئة الهجينة لئيمة وابناء الفئة الهجينة لؤماء وكذلك الدخلاء والغرباء والعملاء ومن لف لفهم من سقط المتاع ....وليس ( مجتمعنا اللئيم ) . 

نعم فقد شنت تلك القوى المنكوسة حملات شعواء ضد الاغلبية العراقية والعراقيين الاصلاء , ولم تتوقف تلك الحملات المغرضة والمخططات الاستعمارية البريطانية الخبيثة والدعايات الطائفية المسمومة طوال عقود حكومات العهد الملكي والعهد الجمهوري ؛ بالإضافة الى ممارسة سياسات الحرمان والافقار والتهميش والاقصاء والتجهيل والابعاد والتغييب والمضايقة وفرض القيود بحق الاغلبية العراقية وصولا للتطهير العرقي والطائفي فيما بعد  ؛ بل وسرقة خيراتها ونهب ثرواتها وتجفيف اهوارها وكبح جماح طاقاتها وقتل رجالها ومفكريها ... ؛ كل هذه الاجراءات القاسية والمخططات الشريرة اسفرت عن نتائج مأساوية حيث قتل ملايين العراقيين الاصلاء وعذب وسجن مئات الالاف منهم , وهجروا من اراضيهم وتمت مصادرة املاكهم ,  والتضييق عليهم في اعمالهم وارزاقهم , وتم استبعادهم من مراكز القرار والقوى ؛ ومطاردتهم اينما حلوا وارتحلوا ومراقبتهم وفرض الحصار والقيود عليهم , وتقليل فرص العمل في مناطقهم ومدنهم حتى اصابهم العوز والجوع والقحط والحرمان والبؤس  ... . وقد اعدم صدام وحده اكثر من 10 الاف تاجر شيعي نقلا عن شبيهه في مذكراته ( ميخائيل رمضان ) ...!! .

بعد كل هذا الكم  الهائل من الدمار والخراب والبؤس ومصادرة الحقوق والاموال والاملاك ؛  ماذا تنتظر من الجنوبي والعراقي الاصيل ؟!

نعم لم يكن  المواطن الجنوبي بل والعراقي الاصيل  سوى  مضطهد ومغبون ومتهم ومستغل ومحارب من قبل الحكومات الهجينة الحاقدة المتعاقبة  ،  مما يضطره احيانا للتعبير  عن حنقه ورفضه للعنصرية والدكتاتورية والطائفية والتمييز والتهميش  بكافة السلوكيات ومن ضمنها  الهابطة   كالسرقة  والتلون والتملق وقطع الطريق والتجارة بالممنوعات  وعدم احترام القانون والارتباط بالأجنبي  ... ؛ وهذه نتيجة طبيعية لسرقة ثرواته ونهب خيراته من قبل سلطات وابناء الفئة الهجينة وممارسة سياسات الافقار والتجويع والتهميش والتغييب والتجهيل والتطهير العرقي والطائفي بحقه , فلو تم افساح المجال له لتحرير قواه المعطلة واعطاءه حقه من ثروات ارضه وتأمين حياته ؛ لتحول تحولا  ايجابيا سريعا واحيا امجاد اسلافه العظماء .  

وكما قال الدكتور علي الوردي : ((ان وجود الغنى الفاحش بجانب الفقر المدقع في مجتمع واحد يؤدي الى الانفجار عاجلا او آجلا )) فهذه القسمة الضيزى ؛ لا يقبلها ابناء العراق الاصلاء بل يرون فيها الغبن والجور وعدم الانصاف ؛ فلا تستغرب عندما ترى جنوبيا قد سرق بيت من بيوت الفئة الهجينة الفاسدة او عندما تسمع بأن عراقيا اصيلا قد تعاون مع الايرانيين او غيرهم لإسقاط الطغمة التكريتية الحاقدة , فهذا أمر طبيعي ونتيجة حتمية ؛ فكيف يقبل الجنوبي بنهب خيراته وسلب ثرواته كي يتنعم بها التكريتي والمصري والكردي والفلسطيني ... بينما هو يعيش الحرمان والعوز ؟!

ولو كان للحكومة الصدامية الهجينة ذرة من الشرف والوجدان ؛ لاستجابة لمطالب الاغلبية العراقية و وفرت لهم العيش الكريم , وكما قال الدكتور الوردي : ((المفروض في الحاكم العادل أن يستجيب لمطالب الناس دون أن ينظر إلي أعمالهم أو يلومهم عليها )) فالحاكم الواعي يعرف الظروف التي ادت بالفرد لسلوك هذا التصرف او ذاك  ؛ ويعي اسباب الجريمة ويعرف دوافع السلوك ؛ وبالتالي لا يلوم الناس ولا يؤنب المواطنين ؛ لأنه وحكومته وزبانيته  السبب في كل ما جرى لهم ؛ وهو الذي هيئ لهم ظروف التمرد والجريمة   , ولو كان شريفا حيكما لعمل على تجفيف منابع الجريمة والفساد ولأنتشل الفقراء والمساكين من البؤس و وفر لهم الحياة الكريمة , ووضع الحلول والخطط الاستباقية .

وللمجرم صدام تسجيل صوتي , كشف عنه الامريكان وهو من ضمن الوثائق التي رجعت للعراق ؛ اذ تحدث اليه احد الزبانية من رجال الامن قائلا : ( سيدي نحن عندما نقنع هؤلاء المعارضين في الاهوار والمتواجدين في ايران بالرجوع الى العراق والعفو عنهم , يستجيبون لنا ويرجعون الا انهم يواجهون شظف العيش وعدم توفر فرص العمل لإعالة عوائلهم  , فيرجعون من حيث جاؤا مرة اخرى )) فيجيبه المجرم صدام قائلا : ( وليش يابه احن ندور له على شغل , فوك ما هو خائن , خلي يشتغل عمالة )) ؛ المجرم ابن صبحة يرى انه ليس من واجبه توفير العمل للمواطنين ولا من وظيفته حفظ كرامتهم وتوفير الدواء والغذاء لأطفالهم , وعليه من الطبيعي ان يموت في عهده الاسود 500 الف طفل بسبب امراض سوء التغذية ؛ بينما هو وزبانيته القذرة يأكلون ما لذ وطاب من صنوف الطعام , وليت ( العمالة ) كانت متوفرة ؛ فمن يستطيع البناء في زمن الحصار ؟

ولكن من يستطيع الاعتراض على كلامه الطوباوي و ( خرطه ) الذي لا يمت بصلة للواقع ؟

فأبن صبحة لا يستطيع توفير فرص العمل ومستلزمات الحياة الكريمة للمواطن الا انه قادر على فتح مئات السجون والمعتقلات واستيراد احدث وسائل التعذيب والاعدامات وخوض الحروب والمعارك وقمع الثورات والانتفاضات .

ومن هنا تعرف عزيزي القارئ ان البعض يدين الحاضر من خلال تجميل الماضي القبيح ؛ وهؤلاء ينطبق عليهم قول الدكتور الوردي : ((    نحن لا نتذكر الماضي لجماله ، ولكن لبشاعة حاضرنا )) بل لعل الماضي ابشع من الحاضر بمئات المرات ؛ وذلك لأننا نمتلك ذاكرة مخرومة لا تلبث بها المعلومات والذكريات طويلا .