((عايف امه وابوه ويركض وره مرة ابوه ..)) يضرب هذا المثل الشعبي لكل من يترك اهله وبني قومه ويتنكر لقضيته ؛ ويتبع الاجنبي والغريب كالكلب الذليل او يتواطئ مع الاعداء ضد ابناء جلدته ... .
و يحكى أنه كان هناك مجموعة كبيرة من الأغنام الصغيرة تعيش في مرعى كبير في القرية , وتعود ملكيتها لشيخ القرية ومختارها وبعض اغنياء ووجهاء القرية ؛ وكان يحرسها مجموعة من الكلاب التابعة لهم ايضا ، ولذلك لم يشعر المالكين بالخوف على الأغنام الصغيرة يوماً من الذئاب.
وفي يوم من الأيام اقترب ذئب من المرعى وأخذ يهاجم الأغنام الصغيرة ؛ ولكن الكلاب لمحته من بعيد فأسرعت نحوه , فولى الذئب هاربا والكلاب تتبعه , الا انها عندما وصلت حدود القرية رجعت الى المرعى , الا ان اللافت
في الامر ان كلبا كان مع الكلاب المهاجمة بقى يركض خلف الذئب بمفرده , وقطع مسافة بعيدة وهو يطارده ؛ وعندما علم الذئب ان الكلاب رجعت كلها الا هذا الكلب العجيب ؛ توقف الذئب وكر راجعا الى الكلب الذي انهكه التعب والخوف ؛ فسأله الذئب : هل انت كلب شيخ القرية ؛
فقال : لا ,
فقال له : اذن انت كلب المختار ؛ فقال الكلب : لا ,
فقال له : لعلك كلب احد ملاك الاغنام من اغنياء القرية و وجهائها ؛ فقال : لا ؛
فقال له : اذن انت كلب من ؟
فأجابه : انا كلب ( قهوجي )الشيخ ... ,
فقال الذئب : هل لصاحبك (القهوجي ) اغنام معهم ؛ وهل هؤلاء عندما يذبحون الاغنام يعطوك شيئا كما يعطون كلابهم ؟؟
فقال الكلب : كلا ... ؛ عندها هجم الذئب عليه وقطعه اربا اربا , وقال له : ايها الابله ,هذا جزاء من يحشر انفه بما لا ينفعه ...!!!
وهذا الشاهد ينطبق على ( غمان وثولان ) الأغلبية العراقية و مخصييها ؛ فليس غريبا ان تدافع الكلاب الصدامية والضباع الطائفية – من بقايا العثمنة ورعايا الانكليز من الفئة الهجينة - عن الانظمة الطائفية المتعاقبة السابقة ؛ فالقوم ابناء القوم عبيد الكرسي والدينار والدرهم , وكلا يجر النار لقرصه , والعمالة والخيانة والاجرام والارهاب والتزييف والدجل والتدليس والقسوة والظلم والصلف والرعونة صفات عرفوا بها ؛ الا ان العجيب في الامر ان بعض الاغبياء والبلهاء والمرتزقة من المحسوبين على الاغلبية العراقية من ابناء المقابر الجماعية وضحايا الجوع والحرمان والاجرام والتعذيب والارهاب والاقصاء والتهميش ... ؛ يقاتلون قتالا لا هوادة فيه من اجل التغني بالأمجاد الصدامية الاجرامية وبمصائب وكوارث الانظمة الطائفية المقيتة التي اضحوا يعدونها انجازات ومناقب ...!! ؛ والتبرؤ من كل ايجابيات المرحلة الديمقراطية الراهنة وتسليط الاضواء على السلبيات فقط ...
يا سبحان الله كانوا يضحكون ويهلهلون – مجرمي الفئة الهجينة - كالنساء عندما كان النظام الصدامي يجدع اذان العراقيين الاصلاء او يقوم بإعدام خيرة شبابنا وامام اعين الجميع ؛ و الان وبين ليلة وضحاها اصبحوا من دعاة حقوق الانسان ؛ تعسا وتبا لحقوق انتم اصواتها ... والعجيب ان ( ثولان وغمان ) الاغلبية يصدقون بادعاءاتهم(1) ..!!
وبالأمس هلك الشاعر البعثي الصدامي عبد الرزاق عبد الواحد، وهو أحد ازلام المشنوق صدام بن صبحة بل ومن المخلصين له في حياته ومماته ؛ وله مئات القصائد وعدة دواوين شعرية في مدح صدام، وكان يفتخر بولائه لصدام من على منابر الفضائيات العربية حتى في أشد الأيام دموية في العراق دون أن يلتفت إلى آثار صدام التي لا زالت تعصف بالعراقيين إلى اليوم .
ومن الواضح ان المنظومة الهجينة البعثية الصدامية منظومة متكاملة ؛ اذ ان فيها قتلة محترفون : مثل صدام وسعدون شاكر ؛ وساسة : كالمدعو طارق عزيز وسعدون حمادي ؛ وعسكريون : كأحمد حسن البكر وسلطان هاشم ؛ وفيها مثقفون : كميشيل عفلق ومنيف الرزاز وشفيق الكمالي وناصيف عواد وعبد الرزاق عبد الواحد . وهؤلاء جميعا شبكة من الأدوات تكمل بعضها ؛ أي أنهم شركاء متضامنون في كل أشكال الجريمة التي ارتكبتها المنظومة البعثية منذ عام 1963وحتى الآن ؛ سواء كانت الأداة قراراً سياسياً وقضائياً ، أو أمراً عسكرياً وأمنياً، أو نظرية وفكرة وشعراً ونثراً ...
وقد كانت جريمة عفلق والرزاز وعبد الرزاق عبد الواحد والكمالي وعفلق وعبد المجيد الرافعي هي بأداة الكلمة ؛ التي تنظِّر للجريمة وتمهد لها وتسوغها وتمتدحها ، وتشجع المجرم على ارتكاب الجريمة .
وعليه؛ أطرح الأسئلة التالية ؛ متمنيا أن أحصل على اجابات منهجية علمية ؛ بعيدة عن الشخصنة و الاتهامات والانفعالات : أولاً : هل جريمة الكلمة وحرف أذهان الناس وتزييف وعي الأمة والتنظير للجريمة وتسويغها وامتداحها ؛ تختلف عن جريمة القرار السياسي والجريمة المسلحة ؟!
وأقصد بذلك الفرق بين جرائم مثقفي البعث وجرائم سياسييه و عسكرييه .
ثانياً: لماذا يجوز الترحم على مجرمي البعث المثقفين والتعزية بوفاتهم ، ولا يجوز الترحم على سياسييه وعسكرييه وتأبينهم ؛ كونهم جميعا قتلة ؛ بالكلمة الثقافية والأدبية والإعلامية، أو القرار السياسي، أو البندقية ؟!
ثالثاً: إذا كان معيار الترحم والتعزية هو كون عبد الرزاق عبد الواحد قد امتدح الحسين وأهل البيت؛ فإن عفلق لديه مديح في النبي محمد وأسمى ابنه محمدا، وصدام لديه مديح في الامام علي، وحمادي و الجزراوي وبرزان لديهم مديح في الإمام الحسين ؛ فهل الشعر يختلف عن النثر؟!
وهل يجوز أن نعزي بعفلق وصدام والجزراوي؛ لمجرد أن لديهم نثرا في مديح أهل البيت؟ وما الفارق في هذه الحالة بين مبدعين سياسيين بعثيين امتدحوا الحسين، وبين مبدع شاعر بعثي كعبد الرزاق؟!
رابعاً: هل يكفي الإبداع المهني ليتحول صاحبه الى رمز إنساني ووطني؛ وإن استخدم هذا الإبداع في ارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية والوطن والشعب؟!
خامساً: هل يجوز التشبيه بين عبد الرزاق البعثي الفاعل في المنظومة البعثية الاجرامية - والتي اعترف القاصي والداني بجرائمها وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الانسان - ، وبين دعبل والحميري وجرير والجواهري؛ لأنهم لم يكونوا ملتزمين دينيا ؟
فنقيس على ذلك؛ بأن الائمة ترحموا على دعبل وغيره من الشعراء الذين امتدحوا أهل البيت، وان مراجع الدين امتدحوا الجواهري؛ رغم كون هؤلاء الشعراء غير ملتزمين دينيا؛ فينبغي إذن القياس على ذلك؛ وتقديم التعازي برحيل عبد الرزاق عبد الواحد؛ لأنه امتدح الامام الحسين .
علما ان دعبل والحميري والفرزدق لم يمتدحوا أهل البيت وحسب؛ بل فضحوا الظالمين أيضا؛ وإن كانت لهم كبوات ؛ ولكنهم لم يكونوا ضمن المنظومة الاجرامية الأموية أو العباسية ، كما لم يكن الجواهري ضمن المنظومة الإجرامية البعثية .
فهل هذا القياس شرعي وأخلاقي؟!
وفي هذا السياق؛ أطرح مقاربات في إطار الأسئلة المذكورة ؛ للتوصل الى قواعد للفهم المشترك مع من لديه إجابات تتعارض مع فكرتي .
إبتداءً؛ أستغرب ممن يقارن بين مديح بعض الشعراء للسلاطين الظالمين؛ كمحمد مهدي الجواهري، وبين عبد الرزاق عبد الواحد في مدح البعث وصدام!.
ويبدو أنهم لا يعرفون الجواهري وظروفه، ولا يعرفون عبد الرزاق وانتمائه.
فعبد الرزاق عبد الواحد؛ كناصيف عواد وشفيق الكمالي ؛ هو بعثي فاعل وقاتل بالكلمة ، وليس مجرد مداح لصدام ؛ وظل حتى موته جزءا من المنظومة البعثية الارهابية المنكوسة ، ويدافع عنها باستماته ، ويعبر عن مواقفها بدقة ..
إن رفض أن يكون لعبد الرزاق عبد الواحد رمزية انسانية ووطنية ؛ لا يعني أنني أقلل من شاعرية عبد الرزاق عبد الواحد و إبداعه الأدبي و رمزيته اللغوية ؛ فهو شاعر كبير ورمز لغوي.
ولكن الإبداع لا يكفي ليتحول الشاعر الى رمزية إنسانية ورمزية وطنية ؛ لأن الموهبة والإبداع المهني ليسا هما معيار الانسانية والوطنية ؛ بل المعيار هو المواقف الانسانية والوطنية.
ومشكلة عبد الرزاق ـ كما ذكرنا ـ هو أنه لم يمتدح صدام وحسب ؛ بل كان جزءا من منظومة الجريمة البعثية، وكان يمهد لجرائم صدام ويسوغ لها ويمتدحها .
وبذلك فهو يختلف كليا عن الشعراء والكتاب الذين امتدحوا صدام مضطرين ومجبرين أو مغفلين ؛ بل أن أغلبيتهم لم يكونوا جزءاً من منظومة الجريمة ؛ ولذلك عادوا فيما بعد الى حضن الشعب والوطن .
اما عبد الرزاق عبد الواحد فقد بقي حتى اخر رمق يتغنى بجرائم صدام ويدافع عنها ويبررها، ثم دعمها بدفاعه عن داعش ودعواته لإسقاط العراق وعودته الى داعش والبعث .
فهل هكذا شاعر يمكن أن تكون له رمزية انسانية ووطنية وثقافية؟!!
فرموز الوطن هم الذين دافعوا عن الوطن وشعبه ومظلوميته وضحاياه، وقدموا للوطن فعلاً إنسانياً ؛ لا أن يقولوا للمجرم : ابطش .. اقتل .. اذبح .. دمِّر.. خرب.. اسرق .. حارب.. وبالتالي ؛ فإن إبداع عبد الرزاق الأدبي وشاعريته ونظمه قصيدة في الحسين ؛ لا تسوغ التعزية بوفاته والترحم عليه وتأبينه ؛ لأنه كان وبقي أحد أدوات صدام التي يقتل بها ويحرف بها وعي الشعب ويسوغ من خلالها جرائمه.
وبذلك فعبد الرزاق عبد الواحد شريك لصيق بمشروع صدام والبعث، و أحد أجزائه وأوجهه؛ فإذا جاز تأبين عبد الرزاق؛ جاز تأبين صدام (2) .
لكن المثير للانتباه، المثير للدهشة، المثير للعجب، المثير للغرابة أن البعض من ( غمان وثولان ) الاغلبية العراقية من أهل الوسط والجنوب الذين أسهم الجلبي في خلاصهم من صدام الذي سامهم سوء العذاب وصادر حتى كرامتهم وحريتهم وأمنهم وأملاكهم، كانوا أكثر قسوة عليه – عند سماعهم خبر وفاته - من غيرهم ، بل كادوا يتفردون بنقدهم المرير له، ولكنهم في ذات الوقت بين ساكت ومادح وباك ومؤبن لعبد الرزاق عبد الواحد، الذي بقي يمجد بصدام حتى آخر لحظات عمره، وبقي يبكيه كلما سمع اسمه ؛ والاعجب ان الشيخ احمد الكبيسي – المحسوب على الطائفة السنية الكريمة – يقول بحق الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد : ((إن عبد الرزاق عبد الواحد مبدع أفسدته السياسة إذ لا يجوز للشاعر المبدع أن يبيع نفسه لأحد )) ؛ إذ كان يشير إلى أن عبد الرزاق كان شاعر البلاط الصدامي والسلطة الدكتاتورية الاجرامية , بينما يلهث بعض ( الغمان والمخصيون ) وراء ايجاد تبريرات ومسوغات واعذار واهية للمدعو عبد الرزاق وغيره من زبانية الطغمة الارهابية الهجينة .
فهل من مفارقة أكبر من هذه المفارقة ؟
هل من مفارقة أكبر من أن يمدح الرجل مادح جلاده وشاعر قاتله، ويطعن بمن أسهم بخلاصه من هذا الجلاد ؟؟!!
..........................................................................................
(1)-
الغمان جمع كلمة أغم والأغم : هو فاقد الغيرة والإحساس ، والذي يرتضي العار على نفسه. وهي شتيمة يستخدمها اهل جنوب العراق مثال : « جا هي وليه غمان! » .
أثوَل : كلمة ذم تقال للبليد والغبي وهي عربية مشتقة ويقال شاة ثولاء أي مجنونة وغبية وغبي ( مطَفِّي ) وهذا التعبير الجنوبي السائد يدل على ذلك : (مال الثول اي أصابك الثول ) و أثْوَل تعني : لا يفهم و غبي ؛ وفي معجم الرائد : - أثول : 1- مجنون . 2 - أحمق . 3 - بطيء الخير . 4 - بطيء العمل . 5 بطيء الجري. ويذكر لسان العرب في ثول: شبه جنون في الشاء يقال للذكر أثول وللأنثى ثولاء ... .
(2) مقالة : المنظومة البعثية والجريمة بالكلمة: عبد الرزاق عبد الواحد نموذجا / للكاتب علي المؤمن / بتصرف .
(غمان وثولان ) الاغلبية العراقية / الحلقة الاولى / تأبين المنكوسين / عبد الرزاق عبد الواحد نموذجا
تدوينات اخرى للكاتب
معتقل الرضوانية
احتل العراق مركز الصدارة في العقود الاخيرة من القرن المنصرم في تلاشي العدالة وغياب القانون وانتهاك حقوق الانسان وممارسة ابشع وسائل الت...
رياض سعد
ظاهرة المزارات الوهمية /حادثة القطارة /نموذجا
المقدمة(1)العيش مع الموتى , وفي ظلال الموت من خلال طقوس جنائزية وثقافة قبورية وسياسات شيطانية وعقائد سلبية , بل وطلب...
رياض سعد
جرائم صدامية مروعة / الحلقة التاسعة / مسوخ الاجرام و مسخ الانسان
أوجد -( ابو ناجي )- الخبيث الانكليزي والمحتل البريطاني في بلاد الرافدين حكومات هجينة وملعونة وقبيحة المنظر ومشوهة المضمون ؛ وسل...
رياض سعد
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين