من العادات السيئة والصفات الذميمة التي يتحلى بها ابناء وابالسة الفئة الهجينة الكذب والنفاق والتمثيل والمكر والخداع ، فهم في واد والصدق في واد اخر ؛ فالكذب يبدأ من الفئة الهجينة ويعود اليها , وقد تلبس ابناء الفئة الهجينة بالكذب منذ نعومة اضفارهم بحجة ان الخداع والكذب من ضروب الحكم والسياسة , ومن المعلوم أن الكذبة تبدأ ككرة صغيرة من الثلج تكبر مع تدحرجها أكثر وأكثر ؛اذ أن الكذب يتعاظم مع تكراره ، بل ويبدأ الشعور بالذنب في الانحسار كلما استمر الشخص في الكذب – هذا بالنسبة للشخص الطبيعي فما بالك بالشخص المريض كالهجين من بقايا العثمنة و حثالاث الانكليز ؟ فمثل هكذا شخص ضميره ميت قطعا - .
إن النفاق والكذب هو زيف أخلاقي يبرهن على حقيقة الفئة الهجينة في العراق , فهم كالنقود المزيفة لا يفرح بها الا الجهلة المغفلون ولا تنطلي الا على الحمقى والاغبياء وعديمي الخبرة والوعي .
في العراق اشاعت الفئة الهجينة الاكاذيب والاباطيل والخزعبلات والادعاءات - وبمساعدة قوى الخط المنكوس احيانا - لكي تسلب الوعي من الشعب ومن ثم تنهب ثرواته ؛ وتستورد من خيراته أدوات تعذيبه ، وتدفع – من امواله - رواتب جلاديه ...!!
وسيرا على هذا النهج المنكوس واتباعا لخطى ومخططات الفئة الهجينة يواصل الافاك الاثيم والعتل الزنيم – مجهول الاصل والهوية – المدعو جلال الحقير او الوزير ترهاته وافتراءاته بحق العراقيين الاصلاء من ابناء الجنوب الكرام النبلاء ؛ واصفا اهل الجنوب بقوله : (( ... كما يتميزون بالفقر ... ))
ليت شعري ماذا يقصد الخسيس المجهول بكلمة ( الفقر ) ؟؟
هل يقصد فقر المكان ام فقر الحال ؟
اما بالنسبة الى المناطق والاماكن التي يقطنها الجنوبيون ؛ فهي اراضي الخيرات والثروات والمليئة بالنفط والمواد الطبيعية والثروات الحيوانية , بالإضافة الى الاراضي الزراعية الخصبة والاهوار والانهار والموقع الاستراتيجي والموارد البشرية ؛ بل تعد من اغنى المناطق في العالم , وقد اطلق بعض الرحالة الاجانب اسم : (( جنات عدن )) على الاهوار والتي تعتبر من اجمل المناظر الطبيعية والمليئة بمختلف انواع الثروات الحيوانية ؛ ولكن معظم الرحالة والمؤرخين ذهبوا الى إن القرنة كانت تسمى جنّة عدن، حسبما ذكرت المؤرخة الفرنسية مدام ديولافوا، وما ذكره أيضا سروليس يدج ، الذي قال «إن المتواتر والمتفق عليه أن القرنة هي موضع جنّة عدن» ؛ بينما انظر الى حقد وخسة ابناء الفئة الهجينة عندما يصفون مناطق الجنوب , واليك وصف المدعو جلال : (( ... والاهوار وهي عبارة عن مسطحات مائية ضحلة ... )) وقد اطلق الطائفيون المهجنون والعنصريون – مجهولو الاصل والهوية – على الاهوار والجنوب مختلف الاوصاف السلبية ؛ لغاية في نفوسهم المريضة .
علما ان الاهوار تعد مهدا للحضارة السومرية، و يعتقد أن ساكنيها هم بقايا السومريين في الحوض الرسوبي – حسب بعض الدراسات - ؛ و في عام 2016 وافقت منظمة اليونسكو على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية ومعها مدن اخرى.
و تعتبر مناطق الأهوار أكبر نظام بيئي من نوعه في الشرق الأوسط وغربي آسيا؛ وتبلغ مساحة هذا المستنقع المائي الشاسع نحو 16 ألف كيلومتر مربع أي أكبر من مساحة دولة لبنان.
وتمتد الأهوار بين ثلاث محافظات جنوبية هي ميسان، ذي قار، والبصرة, وهي جزء لا يتجزأ من طرق عبور الطيور المهاجرة ما بين القارات، ودعم أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، واستمرارية مناطق صيد أسماك المياه العذبة، وكذلك النظام البيئي البحري في الخليج , وإضافة إلى أهميتها البيئية، تعتبر مناطق الأهوار تراثاً إنسانياً لا نظير له، وقد كانت موطناً للسكان الأصليين منذ آلاف السنين , وقد قدّر الباحث غافن يونغ عُمْرَ هذا المجتمع بخمسة آلاف سنة .
و كانت منطقة الأهوار حاضنة للكثير من المعارضين للأنظمة السياسية على امتداد تاريخ البلاد، وذلك لوجود متاهات عديدة تخفي مئات الأفراد، ومنها انطلقت العديد من الثورات.
وبما ان الهجين الدخيل اللقيط صدام ابن صبحة ومن خلفه نظام الفئة الهجينة القمعي العميل حاقد على الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ لم يتردد في تدمير مصادر الثروة المائية للأهوار، حيث قام مبكراً (منذ العام 1985) بخطوات لتجفيفها، كمقدمة لمشروع أكبر، أدى إلى تدمير هذا المستنقع المائي الشاسع , فقد كشف الدكتور جيمس يراز نكتون- الأستاذ في قسم الجغرافيا في جامعة كامبريدج البريطانية - : عن قيام السلطات العراقية بأعمال هندسية جديدة لتجفيف ما تبقى من مياه أهوار الحويزة المتاخمة للحدود العراقية ـ الإيرانية في العام 1985.
وبعدما انطلقت شرارة انتفاضة الشعب العراقي في العام 1991، التي زعزعت نظام صدام حسين أنذاك، وبعد قمع الانتفاضة في جميع المحافظات، بقيت الأهوار منتفضة بسبب صعوبة وصول القوات العسكرية للنظام إليها، وكلّف صدام بن ابيه صهره المجرم حسين كامل و المجرم عزت الدوري بالإشراف على الهجوم على الأهوار والقضاء على المنتفضين الشجعان .
وأشرف عزت الدوري ضابطين كبيرين لتنفيذ هذه العملية، هما المجرم إياد فتيح الراوي والمجرم عبد الواحد شنان آل رباط.
وكانت مهمة فتيح الراوي تصفية مدينة العمارة، ومهمة آل رباط استعادة مناطق الأهوار , وهذا الأسلوب اتخذ أيضاً في مدينتي البصرة والناصرية، ولكن تحت إمرة ضباط آخرين.
ولكن في مدينة العمارة، توجد أهوار متصلة بإيران من جهة، وبمدينة الناصرية من جهة أخرى، مما جعل الحكومة تركز عليها قبل البدء بالهجوم , وأعلنت مكبرات الصوت الحكومية من خلال طائرات مروحية بأن مدينة العمارة ستضرب بالغازات الكميائية ، مما أدى إلى هروب الكثيرين من المنتفضين إلى مناطق الأهوار ، وقدروا في حينها بنحو مائة ألف شاب.
وفي منطقة الأهوار ، خاض جيش النظام معركة كبيرة مع الابطال المنتفضين، خصوصاً تلك المعركة التي جرت في قرية ( الشطانية ) والتي استخدم فيها الجيش نحو 150 كيلوغراماً من قذائف ( النابالم ) المحرّمة دولياً، وأصيب فيها قائد الحملة المجرم آل رباط بنيران المنتفضين الاحرار ، واستخدمت الطائرات المروحية في جمع مئات الشبان الغيارى ، هم وزوارقهم، من خلال شباك المروحيات , وقد أسفرت الاعتقالات وعمليات القتل العشوائي إلى اختفاء أكثر من 50 ألف مواطن اصيل من أبناء المنطقة، بعضهم اقتيد إلى السجون والتعذيب ومقاصل الاعدامات والقتل ، والبعض الآخر هرب إلى إيران .
جريمة التجفيف
في حقبة التسعينيات وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية قام النظام الحاكم العميل الهجين بحملة هندسية واسعة ومبرمجة لتجفيف أهوار الجنوب العراقي وقد اشترك جيشه بكل قدراته التنفيذية على مستوى الجهد الهندسي وإمكانيات دوائر الري وقد رافق ذلك إجلاء قسري لسكان القرى الاصلاء الواقعة ضمن المشروع بالقوة وهدم البيوت والقتل والقصف المدفعي , وقد تم تنفيذ هذا المشروع بإنشاء سدود ترابية لمنع تدفق المياه من الأنهر التي تغذي الأهوار ومن ثم توجيهها لتصب في نهر الفرات عند القرنة وتحويل مجرى الفرات من موقعه الحالي شرق الناصرية إلى مجرى المصب العام أو ما عرف بنهر صدام حسين الذي كان في الأصل مبزلاً للمياه المالحة إلى خور الزبير فالخليج بالإضافة إلى إنشاء سدّة ترابية بين قضاء المدينة ومحافظة الناصرية لمنع تدفق مياه الفرات إلى هور الحمار بواسطة الروافد مع سدود ترابية داخل الأهوار نفسها لتسهيل تجفيفها بسرعة.
هذه العملية أدّت إلى تحطيم نظام حياة بيئي استمر أكثر من 5000 سنة وتقليص مساحة الأهوار التي كانت تمتد إلى 15000-20000 كيلومتر إلى أقل من 2000 كم2 وتدمير الأهوار المركزية بنسبة 97% وتحولت إلى أراض جرداء ما صاحبه انخفاض مجموع السكان من 400.000 مواطن إلى حوالي 85000 مواطن أما الذين نجوا وأصبحوا تحت ضغط الإبادة فتم تهجيرهم إلى المدن وجاءت هذه العملية مع انخفاض شديد في منسوبي نهري دجلة والفرات عقب إنشاء السدود في كل من سوريا وتركيا بالإضافة إلى حروب صدام المزمنة سواء كانت في الداخل والخارج.
ومن المعلوم ان العار العميل الذليل صدام بن صبحة قد اتفق مع النظام التركي على تقليل الحصص المائية للعراق لأجل تجفيف الاهوار وتدمير اراضي الوسط والجنوب العراقي , واستمرت تركيا الحاقدة في غيها الى الان ؛ على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك .
تدمير النظام البيئي
تؤلف الأراضي المغطاة بالمياه مساحة شاسعة في أرض جنوب العراق وتؤمن هذه البيئة المكان المناسب لتجمعات مهمة من الحياة البرية المستوطنة والمهاجرة ولكون هذه البيئة المائية محاذية للمحيط الصحراوي فان لذلك تأثيراً كبيراً على الحد من التصحر في المنطقة ومن الأمور المهمة التي تلعبها الأهوار دخولها كحلقة أساسية في الهجرة الداخلية بين القارات للطيور والأسماك بالإضافة إلى أن هذه البيئة من المسطحات المائية التي تحتوي على إرث طبيعي استثنائي ومخزون جيني مهم وعالمي.
المحيط النباتي والحيواني
إن بيئة الأهوار المغطاة تماما بالنباتات الطبيعية حيث نبات القصب في وسط الأهوار بعده يأتي نبات البردي والذي ينمو في حواف الأنهار والأهوار الموسمية وهناك بعض النباتات التي تتحمل الملوحة العالية مثل (النسل) و(الخويصة) و(العرمط) ولكل نوع من هذا التنوع النباتي فوائده وأهميته البيئية كما أن له استخداماته الخاصة من قبل السكان ؛ أما الحياة الحيوانية فإن الأهوار تتضمن تنوعا حيوياً كبيراً ومكاناً للتكاثر ونقطة تجمع للهجرات بين غربي سيبيريا - قزوين- النيل حيث سجلت الدراسات المسحية وجود 134 نوعاً من الطيور والحيوانات النادرة تعرضت بعد عمليات التجفيف إلى الضغط البيئي ويعتقد الخبراء الآن أنها انقرضت من المنطقة تماماً.
النظام المناخي
ٌإن تجفيف الأهوار لعب دوراً مؤثراً في تغير الأحوال المناخية التي لها تأثير على الأحوال الزراعية والحياة البشرية حيث أن الجداول التي تحدد العناصر المناخية تثبت الأثر الواضح للسنوات العشر ما بعد مرحلة تجفيف الأهوار التي تخص المعدلات الشهرية والسنوية لدرجات الحرارة ومعدلات الحرارة العظمى والرطوبة النسبية حيث تجد الفروقات الكبيرة فمعدلات الحرارة للسنوات العشر التي سبقت التجفيف كانت 23,9 مْ أصبحت في التسعينيات 25,17 مْ ومعدلات الحرارة العظمى كانت 31,6مْ أصبحت 33,2 مْ ومقدار الرطوبة كانت 61% أصبحت 41% وكل هذا يعود إلى أن الرياح الشمالية الغربية السائدة في المنطقة أصبحت تجري على أرض جافة فلا رطوبة فيها لكي تكون الضابط في عدم ارتفاع درجات الحرارة.
النظام البشري
إن تدمير البنى البيئية أدّى إلى تهجير القسم الأكبر من سكان عرب الأهوار ”المعدان“ وتمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وحرمان السكان من التعايش وقد عانى السكان من عمليات تهجير واسعة ضمن حملات قامت بها الحكومة حيث تشير التقديرات إلى أن ما بين 85000-100000 إنسان من عرب الأهوار يقيمون حاليّاً ضمن ما تبقى من مناطقهم الأصلية وبمن فيهم 10% يعيشون على الطريقة التقليدية بينما تبقى حوالي 100000- 200000 مهجرين داخليّاً ضمن الرقعة العراقية وحوالي 100000 يعيشون لاجئين بيئيين خارج العراق حيث أن عرب الأهوار هم سكان بلاد ما بين النهرين قد طوروا حياة فريدة معتمدين على المياه فهم يمتلكون ثقافة موحدة ولغة موحدة وديناً وعادات مشتركة لذا فإنهم بوضوح مجموعة إثنية ودينية وهذه الأعمال الوحشية أدّت إلى إبادة عنصر حضاري وإرث تاريخي كبير.
الخلاصة
إن تجفيف هذه المنطقة الواسعة من جنوب العراق أدى إلى:
- ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة وتدني نوعية التمور.
- زيادة الاحتياج المائي للمحاصيل الزراعية نتيجة لما يفقده النبات من خلال التبخر.
- احتياج الثروة الحيوانية إلى الماء بكمية أكبر وتعرضها إلى خطر الجفاف.
- رحيل الطيور النادرة عن المنطقة.
- انتشار الأملاح في التربة وخراب مواصفاتها.
- تفكك جزيئات التربة ما يسهل على الريح رفع الذرات المهمة للإنتاج الزراعي.
- انقراض أنواع لا حصر لها من الطيور والنباتات والحيوانات.
ان حقد نظام الفئة الهجينة لا يبني وطنا ولا يصلح امرا بقدر ما يسهم في تدمير العراق الذي اوائهم وامنهم من خوف واطعمهم من جوع – بعد ان كانوا مجرد غلمان وسبايا للعثمانيين وعملاء للإنكليز - , فالحقد الذي يكنه النظام التكريتي الصدامي للعراق - الاصيل العظيم - ارضا وشعبا لا يمكن القبول بكونه يمثل سياسة نظام او اجراءات حكومة او شيء من هذا القبيل ؛ بقدر ما يمثل هاجسا مرضيا - للفئة الهجينة - وخوفا دائما من انتفاضة العراقيين الاصلاء ضدهم وطردهم من بلاد الرافدين وارجاعهم الى اصولهم العثمانية والغريبة وتخليص العراق من شرهم وارهابهم واجرامهم وعمالتهم وفتنتهم والى الابد .
وعودا على هذيان جلال الغريب الدخيل ؛ اما انه يقصد فقر الحال ؟ فلا فقر في البين ايضا قياسا بغيرهم وقتذاك ... ؛ فقد عاش سكان الاهوار ببحبوحة من العيش من حيث تأمين المياه العذبة والاطعمة الشهية كالأسماك – البني والشبوط والكطان والزبيدي والزوري ... الخ – , او الطيور - مثل البط والوز والحباري والخضيري ... الخ - , او اللحوم – مثل لحوم الجاموس - , او منتجات الالبان – كالدهن الحر والكيمر والحليب واللبن - , ناهيك عن ( الطابك والسياح ) ... الخ , هذا بالنسبة الى سكان الاهوار ؛ اما سكان ضفاف الاهوار الذين يتمددون نحو اليابسة فهؤلاء يعملون بدرجة أساسية في زراعة الشلب (الرز) و الخضار وتربية الحيوانات كالدواجن والانعام .. الخ .
اما بخصوص سكان القرى والارياف الجنوبية فكانوا من الفلاحين الذين يعتمدون على الانتاج الزراعي وتربية الحيوانات , وباقي سكان الجنوب من شبه الرعاة او القبائل الرعوية فقد كانت تعتاش على تربية الانعام والتنقل بحثا عن الكلأ والماء , اما مدن الجنوب المشهورة كالبصرة والعمارة والناصرية وسوق الشيوخ فقد كانت تعج بمختلف الانشطة التجارية ... الخ .
هذا بالنسبة للجنوب العراقي العظيم الكريم - جنوب الكرم ( العزوبية ) والمضايف والخير والقهوة العربية وايواء الدخيل والطريد - ؛ بينما كان الموسم الزراعي في شمال العراق في اواخر عام 1917 رديئاَ جداً؛ اذ يقول محمد امين العمري - الذي كان يومذاك ضابط اعاشة في الجيش السادس التركي - : انه كتب تقريرا الى القائد خليل باشا اشار فيه الى الخطر الذي سينشأ في ولاية الموصل من جراء قلة الحبوب وضرورة الاستعداد لجلب المؤن اللازمة من اسطنبول قبل فوات الاوان , فلم يكترث خليل باشا لهذا التحذير وقال ان ولاية الموصل هي مستودع تموين العراق وليست هي في حاجة الى تموين يجلب اليها من الخارج.
وبدأت المجاعة تستفحل اوائل عام 1918 وشملت الموصل والمنطقة الواسعة التي تقع الى الشمال منها حتى بحيرة ((وان)) واخذت جموع الجياع الغرباء الدخلاء تهجر ديارها في الاناضول وتتجه نحو الموصل , فكان بعضهم يموت في الطريق , والبعض الاخر يموت في مدينة الموصل نفسها.
و يحدثنا عبد العزيز القصاب في مذكراته عما شاهده في الطريق بين حلب والموصل عند قرية (دمير قبو) فيقول : انه رأى جثث البشر ملقاة على جانبي الطريق بكثرة لا يمكن وصفها , وعند دخوله القرية وجد الجياع منتشرين فيها وهم لا يتمكنون من الحركة لشدة الجوع بصورة تفتت الاكباد , وشاهد جثة حيوان وقد اجتمع حولها زهاء خمسين جائعاً وكل واحد منهم يقص شيئاً من لحم الجثة بواسطة القحوف ثم ينسحب ليحل محلة جائع اخر.
ولما وصل القصاب الى الموصل وجد المجاعة فيها لا تقل عما هي في (دمير قبو) فقد كان المهاجرون اليها من وان بالإضافة الى جياع الموصل نفسها منتشرين في الشوارع والاسواق بكثرة , وكان البعض منهم يختفون تحت دكاكين الخبازين والبقالين فإذا جاء احد لشراء شيء من الطعام خرجوا اليه فجأة واختطفوا الطعام من يده واكلوه حالاً , وقد يختطف احدهم اللقمة من يد صاحبه ليضعها في فمه بأسرع من لمح البصر.
وقد شاهد القصاب مأموري البلدية يتجولون في كل صباح ومساء ومعهم الحمالون ليجمعوا جثث الاموات كأنهم يجمعون الحطب والنفايات , فلقد كانت الجثث يابسة خفيفة الوزن بحيث كان الحمال يضع اربع جثث في سلته ويحملها على ظهرة كمثل ما يلتقط الخشبة الصغيرة.
ويعطينا ابراهيم الواعظ صورة اخرى عن المجاعة في الموصل , اذ كان شاهد عيان فيها فيقول : انها بلغت حداً جعل الكثير من الناس يأكلون لحم الكلاب والقطط كما أكلوا دم الذبائح بعد تجميده وقد شاهد الواعظ بأم عينيه هراً يهب راكضا من دار الى دار والناس يركضون وراءه حتى أمسكوا به.
وذكر ابراهيم الواعظ عن نفسه انه كان في ايام المجاعة يأكل اكثر من اكله في الايام الاعتيادية , وهو يعزو ذلك الى ما احدثت المجاعة به من تأثير نفسي , فقد كان دخل في صباح احد الايام مع صديقين له الى دكان بقال في باب الجسر وتناولوا فطورهم من القيمر والعسل والخبز حتى بلغ ثمن ما أكلوه ثلاث ليرات ذهب ولكنهم لم يشبعوا , وقد وصل الحال بهم انهم صاروا يحملون في جيوبهم الى محل عملهم الزبيب واللوز ليأكلوا منه اثناء عملهم , وكانوا يفعلون مثل ذلك بعد تناولهم طعام الغداء اذ هم كانوا آنذاك يذهبون الى دكاكين البقالين ليأكلوا عندهم الحلوى.
وقد حدثت اثناء المجاعة حادثة عجيبة شاع خبرها في كل مكان وظل الناس يتحدثون عنها زمنا طويلا , وهي ان رجلاً من اهل الموصل اسمه عبود كان يصطاد الاطفال بالتعاون مع زوجته , او يشتريهم , فيذبحهم ويصنع من لحومهم طعاماً يسمى ((قلية))ويبيعه للناس في دكان له...!!
واستمر على ذلك بضعة اشهر الى ان انكشف امره اخيراً عن طريق الصدفة , ولما ذهب رجال الشرطة الى بيته وجدوا في حفرة فيها مائة جمجمة وعظاماً كثيرة , وقد سيق عبود وزوجته الى المحكمة , وهناك انهارت الزوجة واعترفت امام الحاكم بما اقترفت هي وزوجها من الفظائع .وفيما يلي ننقل المحاورة التي جرت بينها وبين الحاكم حسبما ذكرته مجلة (علمدار) التركية في حينه :
الحاكم: كيف اقدمتما على هذا العمل؟
المرأة: جعنا واحتملنا الجوع الى حد لا يطاق , فاتفقنا اخيراً على اكل الهررة , وهكذا كان ,وبقينا نصطادها ونأكلها الى ان نفدت من محلتنا , فبدأنا نأكل الكلاب ونفدت ايضاً وكان لحمها اطيب واشهى من لحم الهررة , فجربنا اكل لحوم البشر.
الحاكم: بمن بدأتما اولا؟
المرأة: بامرأة عجوز خنقناها وطبخناها في حلة كبيرة الا اننا قضينا كل تلك الليلة نتقيأ لان لحمها كان دسماً , ثم ذبحنا ولداً صغيراً فوجدنا لحمه في غاية اللذة والجودة.
الحاكم: وكيف كنتم تصطادون الاولاد؟
المرأة: بواسطة (ولدنا , كان يأتي كل يوم بواحد بحيلة اللعب معه , فنخنقه ونأكله وندفن عظامه
في هوة عميقة حفرناها داخل بيتنا.
الحاكم: كم ولداً اكلتما؟
المرأة: لا اذكر تماماً ولكن يمكن احصاءهم من عدد جماجمهم .
حكمت المحكمة على عبود وزوجته بالإعدام شنقاً. وفي صباح يوم الاعدام اركبا على حمارين وسيقاً الى ميدان باب الطوب حيث نصبت مشنقتان لهما , وكان الناس في الطريق يبصقون عليهما ويشتمونهما ويضربونهما , وكان عبود يرد الشتيمة على الناس بمثلها ويضيف عليها شتم الحكومة العثمانية الفاسدة الظالمة اذ كان يعتبرها المسؤولة عما حدث – كلما دخل الاتراك قرية جاء الفقر معهم - , وتجمهر الناس في الميدان ليشهدوا شنقهما , ويحكى ان امرأة كانت تنهش اقدامهما وتصرخ قائلة : (لقد اكلا ثلاثة من اولادي).
ويكمل عبد العزيز القصاب قائلا - في ذكرياته - :
شاهدتُ على باب كل دار من دور الموصل التي مررنا بها شخصين أو ثلاثة كباراً وصغاراً نساء ورجالاً جالسين تحت ذروة الابواب يئنّون من البرد فلا يلقون مَن يرحمهم أو يحن عليهم أو يدخلهم إلى داره , وكان هذا المنظر من أو جع المناظر التي رأيتها في الموصل.(1)
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
شتان ما بين العراقي الكريم الاصيل والهجين البخيل الدخيل – مما لاشك فيه اني اقصد سكان الموصل من ذوي الاصول الاجنبية وقتذاك ولا اقصد العراقيين الاصلاء منهم - ؛ نعم كلما دخل الاتراك وغلمانهم ومرتزقتهم قرية جنوبية افقروها وقد سار حكام الفئة الهجينة على نفس النهج العثماني والانكليزي الحاقد ؛ فقد الحقوا الاذى والفقر والظلم بالجنوب العراقي واتبعوا سياسة الافقار والتهميش والتجهيل والحديد والنار والارض المحرقة طوال 83 عاما من الحقد الاجنبي والطائفي والعنصري .
..................................................................
1- مقالة : (مجاعة الموصل سنة 1917 ومن قصص مآسيها ) للكاتب وسيم الشريف