دخل الاسلام فاتحا بلدا شرب من الحضارات حتى ارتوى ما بين حدود سوريا وتركيا الحالية حتى الاهواز ؛ وكانت فيه عشرات المدن القديمة ذات التاريخ العريق والمجد التليد والمكانة والخصائص والثقافة , فالعراق يعتبر المحطة الاولى للعرب والاعراب وبداية تجربتهم في احتلال البلدان وفتح الامصار ... ؛ وبسبب البون الشاسع بين الفاتحين العرب واهل العراق ؛ واختلاف الطبائع والعادات والتقاليد فيما بينهم ؛ اضطر العرب الى انشاء المدن الخاصة بهم فيما بعد كالبصرة والكوفة و واسط والتي قامت على انقاض مدن قديمة واثار عراقية بل ان اغلب القرى المحيطة بهذه المدن الجديدة والملاصقة لها مسكونة من قبل العراقيين ... والمفروض بالفاتحين الجدد اصحاب الديانة السماوية الجديدة ان يكونوا مثالا يحتذى بالرحمة والعدل والانسانية الا انه من المؤسف حقا ان العراق لم ير يوما سعيدا قط في ظل هذه القيادات العربية المتناحرة والتي تتدعى تمسكها بالإسلام ...فقد أصاب المدن القديمة الاهمال والخراب نتيجة لوجود القيادات العربية في المدن الجديدة التي أنشاؤها ..فالمدائن – مثلا- رمز الحضارة الساسانية في العراق ظلت متهدمة لم يحاول المسلمون احياءها ولم يأبهوا بها ...او الحيرة عاصمة المناذرة التي خلت من اهلها بعد بناء الكوفة ..!
هذا بالإضافة الى التغييرات والتحولات الديموغرافية السريعة حيث تناقص اعداد اليهود والصابئة والنصارى والمجوس والمانوية وغيرهم من سكنة بلاد النهرين القدماء اما بالإكراه او لاجل المصلحة او دفعا للشر مع النظر بعين الاعتبار للذين تحولوا الى الاسلام عن قناعة فقد تحولت الكثير من دور العبادة كالكنائس ومعابد النار الى مساجد للمسلمين ؛ والعجيب في الامر ان سياسة بني امية في الشام تختلف جذريا اذ تجد ان بعضا من مستشاريهم كسرجون وندمائهم من النصارى وباقي الديانات الاخرى فها هي مدينة حلب بقيت على نصرانيتها لم تتدخل طوال العهد الاموي في أمر سياسي قط ..
نعم ازدادت هجرة العرب والاعراب الى العراق بصورة ملفتة للنظر وقد امتصت البصرة والكوفة و واسط تلك الهجرة البشرية العربية بل حتى البطائح شاركت باستقبال الفاتحين الجدد على الرغم من طبيعتها الخاصة ..