للتعذيب اثارا مدمرة على الصعيدين الجسدي والنفسي , وقد ترافق تلك الاثار الضحية طوال حياته بل واحيانا حتى وفاته , وعمل النظام الصدامي على تطوير قطاع التعذيب ورفده بكل ما هو جديد , بل ان صدام نفسه الذي كان على رأس الهرم الحكومي مهووسا بالتعذيب ويعشق العمل في دهاليز التحقيق المظلمة وغرف التعذيب المرعبة , ولعل قصر النهاية وعلاقته الحميمة بالمجرم الجلاد ناظم كزار من اوضح الشواهد على ذلك .
عمل صدام جاهدا على تحويل العراق الى مصنع للموت والالم , وقد كانت هذه امنيته منذ زمن , اذ قال في احدى الاجتماعات الحزبية البعثية : (( اذا استلمت السلطة في العراق سأحوله الى جمهورية ستالينية )) ؛ وقد تم له ما اراد , اذ لم ينقطع الانين لحظة واحدة منذ استلامه السلطة والى حين رحيله ,ولم تتوقف قوافل الموت الزؤام نحو وادي السلام والمقابر الجماعية واحواض التيزاب قط .
التعذيب كان يعبر عنه من وجهة نظر النظام الصدامي ب : (( اساليب التحقيق )) ؛ اذ كانت كل هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان العراقي وكل هذا الكم الهائل من الالام والجروح والقروح والدماء ما هي الا اساليب تحقيق ضرورية لإدامة تطور الدولة وتقدمها وازدهارها .
لم يكن رجال الامن وحدهم من شاركوا بعمليات التعذيب بل ان بعض الاطباء ساهموا بالحضور في حفلات التعذيب ناهيك عن فضائع قطع الاذن واليد والوشم وما الى ذلك .
العراق كان يمارس فيه التعذيب بحجة حماية الحكم والحفاظ عليه ؛ الا ان الحقيقة خلاف ذلك , فالتعذيب كان روتين حكومة واسلوب يومي ضروري , فالتعذيب كان لأجل التعذيب والموت كان من اجل الموت ؛ وكل الاعذار والمسوغات القانونية التي يختلقها النظام ما هي الا شعارات كاذبة وادعاءات مبيته , فالداء يبدا منهم ويرجع اليهم , ولا مخرب في العراق سواهم .
المشكلة الحقيقية تكمن في ثقافة بعض العراقيين المنكوسين او الذين يدعون الانتساب للعراق من ابناء الفئة الهجينة , ولعلهم كثيرون ؛ فهؤلاء يعتقدون اعتقادا جازما بان الطريقة المثلى للتعامل مع العراقيين تكمن في ممارسة التعذيب والحرمان و التجويع ... معهم , دونما رحمة او شفقة او شعورا بان الضحايا العراقيين هم اخوانهم وشركائهم في الوطن .
حرص النظام الصدامي على تطوير وسائل التعذيب واستيراد احدث ادوات الالم والاذى والعذاب من الخارج ؛ لقمع العراقيين حيث كان النظام الصدامي يعذب العراقي حد الموت .
والمصيبة تكمن في عد التعذيب جزءا من القانون الجنائي وتبرير فعله من قبل القانونيين وتبييض وجه السلطات الاجرامية , اذ عد التعذيب نظام عمل , وقد ساد اعتقاد بان الطريقة الوحيدة للحصول على المعلومات من اخلال احداث الالم .
لو شاءت الاقدار ان يتحدث كل الضحايا والسجناء العراقيين عن الامهم وما لاقوه من مرارات وحسرات واهات وانتهاكات ؛ لنفذ ماء البحر لو كان مدادا لكلماتهم .
ان اساليب الاستجواب الاجرامية تؤدي الى زيادة توتر الضحية بدرجة عالية وهذا يؤثر سلبا على جسم الانسان فكلما زاد التوتر والاجهاد كلما زادت سرعة ضربات القلب لتصل الى مستوى مضرا بالجسم وبالمثل قد يؤدي هذا الى ارتفاع ضغط الدم مما يؤدي احيانا للوفاة حسب التقارير الطبية المختصة .
ومن طرق النظام الوحشية في التعذيب : وضع السجين في صندوق معدني صغير كالحيوان , ومن ثم يتم اقفال الصندوق حيث يكون الشخص في حالة انحناء دائمة وعادة ما يكون الضحية عاريا ودرجة حرارة الصندوق تكون حارة جدا في الصيف وباردة في الشتاء , يشعر الضحية حينها ان الحيوان افضل حالا منه ؛ وعندما يخرج منه لا يستطيع المشي بطورة طبيعية ... ؛ واستمرارا على هذا النهج الاجرامي قام ايتام وجلادي النظام البائد بتأسيس تنظيم داعش الارهابي والذي مارس نفس الطرق الرهيبة في تعذيب وقتل المعتقلين والمخطوفين العراقيين ؛ لان القوم نفس القوم ولم يتغير شيء سوى الاسم - من حزب البعث التكريتي الصدامي الى تنظيم داعش الاجرامي الارهابي - ؛ فقد قام تنظيم داعش بوضع الاسرى والمخطوفين والمعتقلين العراقيين في اقفاص من الحديد مصنوعة على شكل مربع , ويساقون في الشوارع ومعسكرات التنظيم قبل احراقهم بالنار او اغراقهم بالماء .
جرائم صدامية مروعة / الحلقة الثانية / الصندوق المعدني الصغير
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين