ينتقل الأستاذ ماركيز بوجوده الروحي نحو الصلاة، هو ليس متدينا بالشكل المعروف للقراصنة عبر العصور، أين يصبح المنافق أبلغ صورة عن التديُّن المغلوط، لكن لسبب خفيّ، يعتبر ماركيز علاقته بالله علاقة مقدسة، فردية ولا يمكن لأيٍّ كان التَّدخل فيها أو الوقوف عندها، هي مساحته الخاصة الأكثر سريَّة على الإطلاق أين تلتقي كافة خطوطه الحمراء، الزرقاء وبقية الخطوط بكافة الألوان.
قاد ماركيز سيارته الفرنسية التي صارت بمثابة منزل متحرك بالنسبة إليه نحو شاطئ البحر الأبيض، هو أحد أيَّام فصل الصيف الحار للغاية في هذه المنطقة من العالَم، اليوم درجة الحرارة قد تتجاوز الأربعين درجة، وهذا ما جعل ماركيز يقصد الشاطئ الأقرب إلى قلبه، شاطئ "مرسى بن مهيدي"، هو شاطئ جميل جمالا طبيعيا، ينبسط بالقرب من فوهة مدينة صغيرة توقف فيها الزمن على ساعة القرن الرابع عشر، أين ضاع أبناؤها بين العادات البالية والحياة المدنية المعاصرة.
بمجرَّد وصول ماركيز إلى تلك المدينة الصغيرة حتى أنزل أغراضه كما هي عادته دائما متخذا احدى أشجار الشاطئ بيتا جديدا له، طبعا دون نسيانه أن ينزل أهم مقتنياته ألا وهي قارورة الويسكي الفاخر التي يقتنيها خصيصا لهذه المناسبات، وعلبة سجائره التي لا تفارقه، بالإضافة إلى كتاب روني ديكارت "مقالة في المنهج" الذي يعيد قراءته باللسان الإنجليزي هذه المرَّة، يجد الأستاذ ماركيز متعة لا نظير لها عندما يقرأ أفكار الفرنسيس باللسان الإنجليزي، وهو يجهل مصدر هذه المتعة التي لا يفهمها وإنما يكتفي بالاستمتاع بها دون تمحص كافٍ.
بعد مرور مدَّةٍ مِن الزمن، اقترب من ماركيز مجموعة من الفتيات المراهقات، لم يعرنه أيَّ انتباه وكأنما يعرفنه منذ زمن بعيد أو كأنهن لم يعتبرنه بشرا أصلا، وبسرعة قمن بشغل حيز لهن على الرمال الساخنة للغاية، وضعن شمسية تم غرسها بشكل متقن، تتوسط طاولة زرقاء – وهذا ما أثار انتباه ماركيز – قبل أن يتجمعن حول تلك الطاولة على كراسي زرقاء أيضا.
احداهنَّ شرعت في تصفح النت عبر هاتفها الجوّاَل، اتخذ ماركيز موقعا مناسبا لمراقبتهنَّ، ليس للتحرُّش بهنّ، فهو يعتبر على غير عادة شباب القراصنة أفعال وأقوال التحرش إهانة لأصحابها قبل أن تكون إهانة للفتيات في حدِّ ذاتها، لكنه عزم على مراقبتهن حتى يتمكَّن من احتساء تلك الكأس من الويسكي أو هذهالجرعة بين الفينة والأخرى، عليه أن يحسب تحركاته بعناية حتى لا يكتشفن قيامه بشرب الويسكي على الشاطئ، لأنهن سيقدمن على فضحه فضيحة ثلاثية الأبعاد، وفي الوقت ذاته لا يستطيع الأستاذ ماركيز قراءة الفيلسوف الفرنسي بالإنجليزية والتمتع بجلسته على الشاطئ دون مشروبه المفضل، الفتاة الثانية راحت تقوم بطلاء كافة جسدها بمادة تشبه الزيت أو الكريما، أمَّا الثالثة فراحت ترمقه بنظرات بين الحين والآخر وهي تضع المأكولات على تلك الطاولة بعناية، بينما الرابعة وهي امرأة متقدمة في السن، تلبس لباس البحر ذا القطعتيْن، لم تنتبه لوجوده من الأساس، منذ وصولها وهي تراقب الأمواج وكأنَّ هموم "الجنة ما وراء البحر" كلها فوق كاهلها.
انزعج ماركيز من هذه الرفقة التي لم يتوقعها، فقد تعمَّد الانزواء بمفرده في أحد أطراف الشاطئ، وها هو الآن يحاول الخروج من هذه الورطة بحذر الثعلب، لقد فقد الويسكي مذاقه اللذيذ فجأة عندما وجد ماركيز نفسه يشربه كالسارق، قبل أن تخطر بباله فكرة أن يحفر حفرة في الرمال، ويضع القارورة بداخلها قبل أن يدفنها، ويستعمل أنبوبا رقيقا للغاية لسحب المشروب من عمق الزجاجة.
فعلا اقتنع ماركيز بالفكرة، تظاهر بأخذه حماما شمسيا قرب تلك الشجرة، وراح يحفر الحفرة ببطء شديد، وبعدها حمل الزجاجة ملفوفة بإحدى منشفاته، قبل أن يضعها في مكانها ويقوم بتغطيتها بتلك الرمال، لكن بمجرَّد أن راح يتدفق الويسكي الساخن في فمه، حتى شاهد احدى تلك الفتيات تضع هاتفها في حقيبة يد كانت موضوعة على الطاولة، ركضت باتجاه البحر، فراح ماركيز يراقبها من بعيد، قفزت بين الأمواج، سبحت لفترة قصيرة، قبل أن تتجه عائدة نحو كرسيها، تناولت منشفة كانت موضوعة عليه، قامت بلفها حول كامل جسدها، وها هي تتوجه نحو ماركيز بدل أن تجلس في مكانها.
ارتبك ماركيز وبسرعة وضع كتابه فوق مكان الزجاجة المدفونة في الرمال، قبل أن يجد الفتاة واقفة بقربه تحييه قائلة: "الجو حار للغاية اليوم، أليس كذلك؟".
- نعم! رد بارتباك واضح، لكن البحر هادئ، وهذا ما يجعل الأمر ممتع.
- فعلا الأمر ممتع، لكنه يصبح أكثر متعة بشرب بعض الرمال يا سي خيسوس!
- شرب الرمال!
- هل تعتقد أنني غبية لهذا الحد، أنا ابنة المدينة وأعرف هذه الأمور، هيا ناولني القليل مما تشربه.
شعر ماركيز بغبائه وهو يقدِّم لها رأس الأنبوب! ثمَّ سأل نفسه: أين يمكنني أن أهرب من نساء القراصنة بأسراري؟