مضت قرون طويلة والاغلبية العراقية تدفع ثمن اخطاء القيادات , وليس هناك ما يدعم الإرهاب ضد الشيعة أكثر من الذين نصبوا انفسهم قادة للأغلبية العراقية , فهذه المؤسسة المنكوسة والقيادة الساذجة : هي اشبه بالحاضنة التي تقوم بتفريخ الاعداء واعادة تدوير الازمات والانتكاسات والنكبات ونهب الثروات العراقية وتبديد الخيرات الوطنية .
وبعد سنوات طويلة بل عقود من التضحيات والدماء والآهات , قرر الاستكبار العالمي التخلي عن ورقة المجرم صدام ولكن على مضض ؛ فالرجل كان خادمهم المطيع والذي قطع لهم نصف الطريق - المشوار - ؛ وتحرر العراق عام 2003 من سيطرة الفئة الهجينة الغاشمة والحاقدة ذات الجذور العثمانية والاجنبية والغريبة ؛ الا انه وقع في فخ الاحتلال الامريكي البغيض .
اذ لم يرق للولايات المتحدة الامريكية تسليم الحكم للأغلبية العراقية الاصيلة عندما انتفضت عن بكرة ابيها ضد ابنهم البار صدام عام 1991 والذي كان قاب قوسين او ادنى من الهلاك لولا تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الخليج السلبي في الامر , وبسببها اجهضت جهود الامة العراقية في التحرر والانعتاق من ربقة حكم العميل صدام وحزبه الاجرامي وزبانيته الجلادين , وتعرضت الاغلبية العراقية للتطهير العرقي والطائفي , اذ قتل النظام الهجين الارهابي مئات الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب والرجال ... .
بَعْدَ الَّلتَيَّا وَالَّتِي ؛ اقتنعت قوى الاستكبار بضرورة التخلص من ورقة صدام وطي صفحة الفئة الهجينة , لتبدأ صفحة منكوسة جديدة تحمل بين طياتها الكثير من معالم وملامح الصفحة السابقة المطوية , ولأجل اتمام الامر عقد الامريكان والبريطانيون العديد من المؤتمرات السياسية السرية والعلنية لترتيب اوراق المرحلة القادمة مع العراقيين وغيرهم ... , فكل الويلات والتفجيرات الارهابية والمجازر الدموية والقتل على الهوية وحفلات الذبح الجماعي والتي طالت كافة مدن وقرى الاغلبية العراقية الصابرة... , وكل الازمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية ... , وكل التغييرات والتحولات الفكرية والاعلامية والثقافية والاخلاقية والسلوكية والاجتماعية ... ؛ جرى التخطيط لها بدقة متناهية جدا ؛ وقد افصح الامريكان عن ذلك جهارا نهارا من خلال طرح مشروع ( الفوضى الخلاقة ) والقصد منه الفوضى المدمرة والتي تحرق الاخضر واليابس ... .
ويخطئ من يتصور ان رواتب اعضاء الرئاسات الثلاث ونواب البرلمان والمدراء وقادة الجيش والشرطة ... وشكل الحكومة الحالي , وموقع المنطقة الخضراء ؛ هي نتاج التفكير العراقي او صنع محلي .
او ان تقسيم الرئاسات الثلاث بين الشيعة والسنة والكرد , ومعاداة هذه الاطراف بعضها لبعض , بقرار وطني خالص .
او ظهور الازمات السياسية والاقتصادية والامنية بين الحين والاخر بسبب هذا السياسي الفاشل او ذاك المسؤول السارق او القائد الخائن .
وان سقوط المدن والضمائر والوعي هو ظاهرة طبيعية او اخطاء، والسرقات العامة تمت نتيجة اخلاق دونية، وان حل الجيش العراقي كان" خطأً"،
وليس تخطيطاً، واشراك عناصر من النظام القديم هو هفوة انتهازي او قشرة موز تزحلق فيها هذا المسؤول او ذاك ؛ بل كل ما يجري اليوم تم التخطيط له قبل عام 2003، وتم وضع كل شيء في مكانه .(1)
وتم اتخاذ القرارات والتوصيات في مؤتمرات اربيل ولندن وغيرهما , واتفقوا على تشكيل " ديمقراطية منخفضة الحدة" كما جاء في المخطط حرفيا، أي ديمقراطية" النخبة الحاكمة" فقط كما هو حاصل اليوم، وعزلها عن الجمهور العام، واغراقها في ترف فوق الخيال، واسقاطها بفتح خزائن المال وتوثيق السرقة صوتا وصورة.
نحن نعتقد ان الاحداث تبدأ في الربع ساعة الاخيرة، ومن آخر حدث ، بلا جذور ولا مخططات ولا برامج ، لان العقل العربي نفسه عشوائي ، والذاكرة العراقية مخرومة ؛ اذ تم تدميرها بالدم والعذاب والبؤس والفقر والمرض ... ؛ لكي لا يربط بين الاحداث. (2)
وهذا هو مشروع ( محو العراق ) الذي توعدت به الإدارة الأمريكية والذي يقتضي كل هذه الممارسات القذرة والمؤامرات المنكوسة والاجراءات الشيطانية والا فإن السماح بأية زاوية نظيفة او حركة وطنية نزيهة او انطلاقة جماهيرية واعية حرة في العراق ستودي بالمشروع الاستعماري الاستكباري الامريكي والبريطاني التخريبي كله للانكشاف والفشل .
ولم يكتف الاحتلال الامريكي البريطاني بأن جعل العراق بلدًا مستباحًا بلا سيادة ، وساحةً لصراع المصالح والإرادات للدول الأخرى التي ساهمت في خلق الفتنة والتمزق بين المكونات العراقية ، كما أن المؤشرات بعد الانسحاب المزعوم للاحتلال الأمريكي تشير إلى أن المخطط الدولي لتمزيق العراق والهيمنة عليه لم ينتهِ بما وصلنا إليه بعد ؛ اذ ان البريطانيين والامريكان لم يكتفوا بإراقة أنهار الدماء من العراقيين ونهب ثرواته وتسليم أجزاء كبيرة منه للتنظيمات الارهابية المحلية والدولية , بل عملوا على خلق الفتن داخل الاغلبية العراقية وجرها لصراع واقتتال شيعي شيعي , لتحقيق المزيد من الانهيار السياسي و الأمني والاقتصادي والاجتماعي لضمان عدم عودة البلد إلى وضعه الطبيعي السابق وتماشيًا مع المخطط المرسوم للشرق الأوسط، والذي يساعد على تحقيق هذا المخطط المشؤوم , ومن ثم تقسيم العراق العظيم .
ومع كل هذه البلايا الجسيمة والمخططات الخطيرة والتي تهدد العراق شعبا وهوية وتاريخا ولاسيما الاغلبية العراقية الجريحة ؛ لا زال قادة الشيعة وزعماء الاغلبية العراقية وشخصياتها منشغلون بالصراعات الفئوية والحزبية وتنفيذ الاجندات الخارجية , والسعي وراء المكاسب والمصالح الشخصية والحزبية الضيقة ؛ فهؤلاء اشد بلاء علينا من قوى الاحتلال والاستكبار والاعداء , فهم على استعداد تام لحرق ما تبقى من خراب في مدن الوسط والجنوب من أجل تقاسم ( الكعكعة ) ؛ والحصول على مغانم هذه الوزارة او تلك الهيئة حتى ولو كانت على حساب ضياع المحافظات الوسطى والجنوبية و اقصاء وتهميش وتدمير وافقار الاغلبية العراقية الاصيلة واراقة دماء ابناءها .
أما فيكم رجل وطني رحيم وحكيم ؛ يخلص هذه الاغلبية المظلومة من دوامة العنف والفقر والجهل ؟!
...................................................
- كيف بدأ الفساد / مصطفى الامارة / بتصرف .
- كيف بدأ الفساد / مصطفى الامارة / بتصرف .