من المعلوم انه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى؛ وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ؛ و أن التقيد التام بمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية والخارجية للدول هو أمر ذو أهمية عظمى للمحافظة على الأمن والسلم الدوليين ولتحقيق مقاصد ومبادئ الميثاق .
و أي انتهاك لمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشئون الداخلية والخارجية للدول يشكل تهديداً لحرية الشعوب ولسيادة الدول واستقلالها السياسي ولسلامتها الإقليمية، وتهديداً لتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعرض أيضاً السلم والأمن الدوليين للخطر .
ومن بنود الميثاق ايضا : ((حق الدولة السيادي غير القابل للتصرف في تقرير نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بحرية، وفى تنمية علاقاتها الدولية وفى ممارسة سيادتها الدائمة على مواردها الطبيعية وفقاً لإرادة شعبها دون تدخل أو تداخل أو تخريب أو قسر أو تهديد من الخارج بأي شكل من الأشكال )) .
وقد ابتلى وطننا الغالي بشتى التدخلات وتعرض للعديد من المؤامرات الدولية الاجنبية والغريبة العربية وعلى مر التاريخ ؛ ولا تزال الساحة العراقية تشهد الكثير من الضّغوطات والمؤامرات , و التي تكون أحيانا في شكل تدخل مباشر من قبل الدّول الأجنبية والمجاورة والغريبة و التي تبحث عن ضمان وتأمين مصالحها او تحقيق اهدافها المنكوسة في العراق ولو كان ذلك بطرق قذرة غير شرعية ، وبهذا فقد تعرّض الأمن العراقي للعديد من الهزّات والتّحديات نتيجة التدخل المباشر وغير المباشر في شؤونه الدّاخلية ؛ ممّا أدّى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية ... الخ في البلاد و بشكل مقلق للغاية ، بل عد العراق من ابرز الدول التي شهدت عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والفوضى الثقافية والاعلامية والاجتماعية بسبب التّدخلات الأجنبية والغريبة والتي فُرضت عليه بحجة الاسلام او المذهب تارة او تحت ذريعة القومية العربية او الكردية او التركية او بسبب الاحتلال و الاستعمار او بدعوى محاربة الارهاب و إيجاد حل للأزمة الامنية ... الخ ، ولكن مع زيادة التّدخل الأجنبي والغريب زادت الأمور تعقيدا وفشلت الأطراف السياسية العراقية في إيجاد حلول ناجعة للمشاكل الوطنية العالقة ، وهذا ما أدّى إلى إطالة أمد التيه والتخبط السياسي ، وبهذا أصبح العراق او اريد له ان يصبح من الدّول الفاشلة في منطقة الشرق الاوسط .
و مما لا شك فيه أن «الدولة» بمعناها السلطوي : قد تعني مجموع البشر القاطنين فيها لكنها تعني في الغالب السلطة أو الحكومة التي تسيطر على تلك الأمة أو ذلك الشعب ؛ وبذلك نستطيع القول أنه لولا الضعف والوهن الذي يصيب الدولة لما استطاعت أي دولة بالقيام بأي تدخل في شؤونها الداخلية , بل ولا حتى التفكير به، نعم بعض الدول الكبرى تعتبر استثناء لهذه القاعدة اذ ان لها اذرع كالأخطبوط تمتد الى كل كيان لكن كلا بحسبه , فقد تلعب نقاط القوة والضعف دورا في حسم هذا التدخل او التقليل من اخطاره في هذا البلد او ذاك .
ومن هنا نتعرف على الارتباط الوثيق بين قوة وهيبة الدولة والحفاظ على امنها وحقوقها وثرواتها وبين موقف الدول منها ؛ فمن السذاجة فصل موضوع السياسة الداخلية عن العلاقات الخارجية ؛ حيث إن هناك ارتباطًا عميقًا بين التدخلات الأجنبية وهيبة الدولة ؛ إذ نجد أن الدولة ، بمعنى السلطة ، قد تعمد إلى تبرير كل تدخل اجنبي حتى لا تظهر أمام شعبها بمظهر العاجز المستباح ، كما أن نظام الحكم الذي يشعر بفقدان الدعم وكثرة الاعداء يكون على الدوام مشغولًا بتثبيت قواعد حكمه وتتبع أحوال رعيته الغاضبة مما يلجئه للتحالف مع الآخر الأجنبي والغريب الذي يدعمه ويؤمن بقاءه او لا اقل لدفع مخاطر تدخله السلبي ومؤامراته المدمرة ؛ مما يضطر نظام الحكم لتقديم التنازلات تلو التنازلات وهذا ينعكس سلبا على واقع الدولة والشعب . (1)
ولعل العمليات الارهابية المستمرة في العراق , ومؤامرات ومخططات عملاء المخابرات الاجنبية والغريبة المشبوهة والمنكوسة ؛ و الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة بالإضافة الى ايتام وازلام النظام البائد من البعثية وعصابات الفئة الهجينة ؛ كل هذه الامور أضعفت الحكم العراقي الجديد , ولكن هذا لا يعني ان المشكلة تكمن في التدخل الخارجي والتامر الاجنبي فحسب ؛ ولا يعفي الحكام والمسؤولين – من المحسوبين على الاغلبية العراقية - الذين فشلوا في إدارة شؤون البلد .
وبما ان الصراع بين الاغلبية العراقية والفئة الهجينة من بقايا العثمنة والاحتلالات الاجنبية العفنة ومن وراءهم الانظمة السياسية الاجنبية والغريبة والاعرابية الطائفية والقومية المنكوسة صراع وجودي ومعركة بقاء او فناء , وهو صراع قديم قِدم الاحتلالات الاجنبية والغزوات الغريبة الاعرابية ذاتها .
ومنذ تحرير العراق من مجرمي وخونة وسراق الفئة الهجينة عام 2003 وانطلاق التجربة السياسية الديمقراطية الجديدة ؛ اخذ الصراع طابعا مختلفا عن سابقه إلى حدٍ ما، حيث تحوّل الصراع من كونه صراع مخفي ومبطن بالشعارات والدعوات الاسلامية والقومية والوطنية الكاذبة ، إلى صراع مكشوف وصريح ومعلن ، بين الاغلبية العراقية ومكونات الامة العراقية الاصيلة وبين الاجانب والغرباء والاعراب واتباع الخط المنكوس من البعثية وفلول الفئة الهجينة وايتام وازلام المجرم صدام ، ولهذا السبب وغيره كثرت الاضطرابات والفتن والانتكاسات والازمات ، ودخل العراقيون في تطاحنٍ محموم بين أنفسهم ، قبل أن يكون بينهم وبين أعدائهم من خارج المشهد العراقي الوطني الاصيل .
.......................................................................................
1- التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. محاولة تفكيكية (1-2) / د. مدى الفاتح/ بتصرف