ان الحديث عن جذور الارهاب والخوف والرعب في العراق يرجعنا القهقرى الى الارث التاريخي الذي ورثه هذا البلد من العهود الغابرة فهي لم تكن وليدة اليوم او حتى الامس القريب بل ارث استورثه العراق من ايام الحكام الطغاة , والغزاة المتصارعين فقد كان العراق - ولأسباب جغرافية واقتصادية وغيرهما - مسرحا للصراع بين القوى الاجنبية والغريبة المتناحرة ؛ ولعل عنوان هذا الكتاب يوضح عمق الظاهرة وعظم المأساة : (( تاريخ العنف الدموي في العراق / خمسة الاف سنة من العنف المتواصل )) للكاتب باقر ياسين ؛ وقد ارتكب المحتلون الغزاة والحكام المنكوسون ابشع الجرائم واشنع المجازر , ورسخوا كل مقولات الجهل و الخوف المنكوسة بين ابناء الامة العراقية ؛ ولان الخوف وليد الجهل والضعف , عمل المنكوسون على تدمير المجتمع العراقي .
ومقولة ابن رشد التالية تبين لنا حقيقة ما يريده الاعداء ويخطط له : ((الجهل يقود إلى الخوف، الخوف يقود إلى الكراهية، والكراهية تقود إلى العنف هذه هي المعادلة )) ؛ لهذا بقى الفرد العراقي يراوح في مكانه , بعيدا عن نهضة العالم وتطوره والقفزات العلمية السريعة في اغلب مجالات ونواحي الحياة ؛ ويعيش انساقا رجعية ويتقمص ادوارا ماضوية أكل الدهر عليه وشرب .
كل راية يفرح العراقيون بدخولها او ظهورها ؛ ظنا منهم انها تحمل معها بشائر الخير والامن والامان والازدهار , ويصفقون لها كالعادة مبتهجين فرحين الا ان افراحهم لا تدوم وامالهم تبعثرها الرياح العاتية ؛ اذ سرعان ما تتضح حقيقة هذه الرايات التي ترفع بين ثناياها كل معاني الخوف والرعب والارهاب الموجهة ضد الامة العراقية لتبقى في نفس الدوامة .
وان الهدف من اشاعة هذا الخوف البغيض بين اوساطنا الاجتماعية هو فرض السيطرة على الوطن والمواطن بحيث يستكين ويستسلم لكل الانظمة والحركات السياسية القمعية والتي تحكمه بالحديد والنار و سياسة التنكيل والقمع والمطاردة ؛ ونهب الثروات والاستيلاء على الخيرات ؛ وكما عبر عن ذلك اسلافنا بقولهم المشهور والذي اضحى مثلا : ((جاك الذيب .. جاك الواوي )) (1) ، فعندما يخاف المواطن من القمع و السجن ولا يقاوم الظالم والفاسد والعميل يتحول الوطن برمته الى سجن كبير , وان خاف الحر من الموت قتلا ؛ مات جوعا وقهرا وذلا وعذابا وعوزا ، فالخوف سلاح استخدمه الطغاة للسيطرة على الشعوب ومقدرات البلاد وقوت العباد فنشروه بين الناس ليحققوا احلامهم الخبيثة او ربما احلام اسيادهم من قوى الظلام والاستعمار والاحتلال .
واكثر الناس ايمانا بسياسة زرع الخوف في الاوساط العراقية للسيطرة على العراق والعراقيين هم ابناء ورجال الفئة الهجينة والمتأثرين بنهجهم الاعوج .
..............................................................................................
1- ( جاك الذيب ..جاك الواوي ) مثل شعبي يردده العراقيون للإشارة الى التردد من فعل الشيء أو الخوف من الإتيان به أو منه. فحين يسأل العراقي عن حاله يقول ( والله حالنا جاك الذيب جاك الواي) ويقصد ان المشاكل تأتي من كل حدب وصوب.