العقول المتحجرة كالاخيلة - ( الخيول) - المسنة , عليك أن تقسو عليهن بالتدريب إن أردت لهن أن يبقين في الخدمة . (1)  

نعم قد نحتاج لبعض القسوة في ارشاد وتوجيه  وتحفيز الحمقى والبلهاء ومحدودي الذكاء والمرضى النفسيين والكسالى والخاملين , ولا اقصد بالقسوة ها هنا السوط والجلاد والتعنيف والتعذيب كما كان يفعل حكام العراق الطغاة والعملاء والدخلاء والغرباء والمنكوسون في مؤسسات ومرافق الدولة العامة ؛ بل الحزم في تعليم وتدريب هؤلاء المساكين والنهوض بهم من خلال تكثيف الدورات التنموية والمعرفية والعلمية والثقافية والمهنية والرياضية  ... والشدة في تطبيق الاوامر والتعليمات والدقة في اتباع الانظمة واللوائح والارشادات .

وهذه مسؤوليتنا جميعا للنهوض بالعراق والامة العراقية فكل واحد منا مسؤول عن المحيطين به , حيث تبدأ المسؤولية من الاب والام والاخ الاكبر وصولا الى رئيس الجمهورية ونواب الشعب  وهكذا ؛ كلا يعمل حسب نطاق دائرته ,  ووفقا لوظيفته ومسؤوليته , وتبعا لإمكاناته وكفاءاته .

ونحن ملزمون بإداء هذا الواجب الاخلاقي تجاه الوطن والمواطن , وذلك لأننا نعيش في بيئة واحدة وكل واحد منا يؤثر ويتأثر بالآخرين  , ومجموع سلوك الافراد ينتج عنه الظواهر الاجتماعية السائدة , لذلك قيل : ان  الإنسان ابن بيئته , ومن هنا تعرف ان المواطن هو رأسمال الوطن الحقيقي ؛ فالعلاقة بينهما علاقة سببية , اذ لا يوجد وطن سعيد ومواطن تعيس والعكس صحيح ايضا , فكرامة الوطن من كرامة المواطن  .

وكلما  كان ابناء المجتمع أقوياء ’ شجعانا ’ أذكياء ’ احرارا ’ ؛  كانت الدولة قوية , وهي ضعيفة اذا كان ابناء المجتمع ضعفاء ’ متخاذلين ’ جبناء ’ مستذلين  جهلة .. . 

لذا نجد أن الدول المتقدمة تركز على التنمية البشرية  ورعاية المواهب قبل تنمية الحجر واستخراج المعدن ؛  بمعنى أن يكون الاهتمام الأكبر بالإنسان من حيث التعليم والتثقيف والتدريب  وتنمية وعي المجتمعات ، لأن الإنسان المتعلم والواعي  هو الذي يحافظ على مكتسبات الوطن الذي يعيش فيه ؛ لأنه يعرف قيمة تلك المكتسبات أما الإنسان الجاهل فبطبيعة الحال لا يحافظ عليها، والبيئة هي الرحم الذي تتشكل وتتكون فيه شخصية الفرد سلباً أو إيجاباً.

فسلوك الإنسان وطباعه وثقافته ما هي إلا امتداد لعناصر بيئته وطريقته في التواصل والتعاطي معها، فهي من تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها ؛ وقد اكدت الدراسات الاجتماعية والنفسية والتربوية والأنثروبولوجية ذلك ؛ فأبن البادية بدوي , وابن الريف ريفي , وابن الحضر حضري ... , وكذلك علم الاجرام يؤكد بأن المجرم : هو نتيجة بيئة غير صالحة دفعته للإجرام ... وعليه فانه ليس من الغريب ان ينشأ الواحد منا على الجهل والسخف والكسل والتفاهة والحقارة والعبث والعنف والطمع والجشع والنصب والاحتيال والسرقة ومخالفة القانون والضعف والخور والانانية والشهوانية المنفلتة والاستهتار والوساخة  ... وما الى ذلك من الأوصاف  المذمومة والخلال المستقبحة والسلوكيات الهابطة ؛ ان كان ذلك ما تعج به أمواج المجتمع وتهب به ريحه , ويصح العكس كما اسلفنا .

فلا تكن انانيا وتفكر بنفسك فحسب , وحتى لو كنت سعيدا وناجحا فأنت لست بمنأى عن الاخطار والتهديدات , ان كنت تعيش وسط بيئة سلبية وتعيسة وفاشلة , وقد قيل قديما : ((   اذا حلقت لحية جارك فاسكب الماء على لحيتك )) ؛ فاذا وقفنا متفرجين لا اباليين تجاه قضايا الوطن وهموم المواطن وخراب بيوت الناس وانحراف وضياع ابناءهم ... ؛ سيأتي الدور علينا وندقع ثمن ضريبة الانانية وانعدام الغيرة والوطنية ؛  سيكون السكوت  وبالاً على الكلّ  , وسوف يدفع الجميع الثمن , يدفعون ثمنه في أمنهم وأرزاقهم وبيوتهم وعوائلهم وراحتهم وتعليم أولادهم وتطبيب مرضاهم وفي النهاية في كرامتهم وحتى في حياتهم .

فعندما نقسوا على المواطن في التعليم والتدريب والتنمية البشرية ؛ لأجل بقاءه ونجاحه واستمراريته في الحياة ؛ وكلنا يعرف ان الحياة صعبة لكنها تكون اصعب واقسى عندما يكون المواطن احمقا او ساذجا او غبيا او كسولا او مريضا او خاملا ... 

وقد ذكر العراقيون ذلك المعنى  في المثل الشعبي : (( امشي ورا اليبجيك ولا تمشي ورة اليضحكك ))  فهذا المثل قد يعني  :  بان الصديق أو الرفيق او الاخ  الذي يعاتبك ويكشف لك سلبياتك لمراجعة نفسك وإصلاحها او يعلمك ويقسو عليك في التعليم ، خير لك من الذي يشغلك بالضحك واللهو وقضاء الوقت العابر دون فائدة تذكر .

.........................................................

1-      مقولة جون آدامز .