شرف الرجل كلمته , وشجاعته في الثبات على مبدأه وموقفه , وما دين المرء سوى كلمة , الم يطلبوا من الحسين البيعة وهي كلمة , وكان باستطاعته قولها الا انه رفض لأنه يعلم ان الكلمة شرف وعهد وميثاق  .(1) 

الا ان البعض من  رجال الدين والساسة من المحسوبين على الشيعة والاغلبية العراقية  ساروا بما يخالف سيرة الشيعة والاغلبية التاريخية وتنكروا للقيم العراقية الاصيلة ؛ وطالما بدلوا جلودهم المتهرئة كالحرباء .

اذ سرعان ما يتبرؤا من الاحداث والوقائع  - والتي شاركوا فيها او خططوا لها او ادعوها زورا - ؛ ولا أحد  منهم يرغب في تحمل مسؤولية الحدث  خوفا من السلطة او تداعيات الحدث او غضب الجماهير او النخب او لغيرها من الاسباب الكثيرة .

والمشكلة انهم يحشرون انفسهم في كل حادثة أو مُعضلة او حدث او واقعة حتى وان لم يروها او يفكروا فيها اصلا ؛ طلبا للشهرة وادعاءات  القيادة والزعامة للشيعة ... ؛ وبمجرد قمع الحركة او فشل التجربة او اجهاض المشروع او ذهاب الصفقة ... ؛ يتنصلوا من المسؤولية ويتبرؤا من التصريحات ويبحثوا عن عشرات التبريرات و( التخريجات  ) والقاء اللوم على الاخرين , بُغية خلط الأوراق واللف والدوران والضحك على الجماهير .

وهذه الظاهرة السلبية تنتشر بين  الساسة ورجال الدين ومن يطلقون على انفسهم : ( القادة ) والزعماء وكبار القوم وحتى مؤسسات وقطاعات دينية وسياسية واجتماعية  مختلفة بحيث أصبحت  سمة من سماتهم  الواضحة للعيان ؛ فهؤلاء يبحثون  عن شمّاعات لإلقاء اللوم على الآخرين واتهامهم بالتقصير والتهاون بُغية الهروب من المُساءلة القانونية والاخلاقية والتاريخية والشعبية والدينية ...   أو الاعتراف بالتقصير والخطأ وسوء التقدير والتدبير والتخطيط .

فما ان تبدأ الجيوش الالكترونية المزيفة والمرتزقة  - والتي لا تمثل ارادة الامة العراقية او الاغلبية – هجومها الاعلامي على هذا التصريح او ذاك او تفند وتسفه موقف السياسي الفلاني او الزعيم العلاني ؛ حتى ينكر هذا الزعيم او ذاك السياسي التصريحات والتسريبات والمقولات والشعارات ... ويتبرأ من الوقائع والاجراءات والاحداث ... .

في حين أنه من المفروض أن يلتزم الزعيم والقائد والسياسي ورجل الدين ... بكلمته وموقفه وعقيدته , بل ويجاهر بها ولا يحابي بها احدا , فالزعيم الحقيقي  لا يخاف والقائد الوطني  لا يهرب  والمسؤول الشريف  يتحمل عواقب قراره ولا يدفن رأسه في الرمال كالنعامة ؛ وإلا فما قيمة أن يمضي الشخص  ويقضي ساعات طويلة في رفع  الشعارات و ابداء النصائح والتوجيهات و التصريحات ، لكن عمله لا يُصدِّق ولا يوافق كلامه ؛  بل وسرعان ما يغير موقفه ويسحب كلامه وكأن شيئا لم يكن ..؟!  .

وطالما رأينا سياسيا وخطيبا وزعيما دينيا يأمر الناس والعراقيين الاصلاء  بأمور وقيم ، ولكنه لا يلتزم بها ، ولا يعمل بها ، ... ؛ عندها تستنتج رأساً أنه كاذب في دعواه ، وأنه غير مخلص فيما يدّعي ، ... وكذلك عندما نشاهد مسؤولا حكوميا او حزبيا  يمنع الناس  والمواطنين ويزجرهم عن مخالفة القانون ... ؛ ولكنّه غارق في الفساد والعمالة والمخالفات القانونية وانتهاكات حقوق الانسان ... ؛  فبطبيعة الحال تبقى في حيرة من أمرك ، إما أن يكون هذا الشخص الذي يدعو إلى الانزجار عن هذه المخالفات القانونية  لا يعي ما يقول أو أنه لا يحترم نفسه ، فالذي يحترم نفسه لا يدّعي شيئاً زوراً، ولا يدافع عن شيء غير مؤمن به .

ان ظاهرة التنصُّل من المسؤولية  يؤول حتماً لضياع الحقوق والواجبات ، ويُبعد المساءلة ويعرقل الإنجازات ويؤخّر مسيرة البناء والتنمية، وهو ما يسارع به البعض للأسف ، ولذلك فهو أمر مذموم وليس محمودا.

بينما الاعتراف والإقرار بالخطأ بالمقابل يُعدّ التزاما أدبياً وأخلاقياً يجعل الآخرين يحترمون المسؤول ويسجّلون ذلك في ميزان وطنيته وجرأته وثقته بنفسه وايمانه بأقواله وعقيدته . 

ولكن بعض المسؤولين يتنصّلون من المسؤولية تشبُّثاً بالمنصب وخوفاً من المساءلة وتضليلاً للعدالة  والرأي العام  كما مر ، وكل ذلك يؤول حتماً للتأشير إليهم بأنهم مقصّرون ويهربون من المسؤولية وجبناء وغير واثقين من انفسهم  ومن تصريحاتهم وقراراتهم وخطواتهم ولا من جمهورهم وقواعدهم الشعبية والحزبية  .

وقد يعمد بعضهم الى الزج ببعض الاتباع لهذا الموقف او ذاك او التصريح بهذا الامر او غيره او يحرك جيوشه الاعلامية ؛ وذلك ( لجس النبض  الشعبي والسياسي والنخبوي) 

فإذا ما اعترضت النخب وهاجت الجماهير وانقلب السحر على الساحر ؛ سارع هؤلاء المتقلبون المتلونون بألقاء اللوم على  الحلقة الأضعف في الحزب او الوزارة او الحركة او المجموعة او الفئة ... ؛ و المسؤولية سواء قانونية أو أخلاقية أو جنائية أو إدارية أو أدبية أو مهنية ؛ وهذه قمّة الأنانية والحقارة والدونية والخسة . 

فالتنصل من المسئولية والتهرب منها يعني :  التبرؤ من الالتزام بما سبق للإنسان تحمله من مسؤولية، والخروج من عهدة ذلك شيئًا فشيئًا، والتنصل مما ألزم به نفسه، أو ألزم به واقعه الشعبي والجماهيري  أو الاجتماعي أو الديني او السياسي .

لذلك لا تستغرب عندما ترى في الدول المتخلفة :  ان تُسجّل الإنجازات للمسؤول في كل شيء بيد أن الأخطاء تُسجّل على صغار الموظفين والاتباع والمواطنين  او عندما يعم الكذب وينتشر النفاق والازدواج والانفصام ؟ !

فمتى نمتلك الجرأة الكافية للاعتراف بالمسؤولية في حالة التقصير وليس درأها وتحويلها لاتهامات للآخر؟ (2) 

ومتى نلتزم بما قلناه  ونعترف بما تفوهنا به ولا نخاف في الحق لومة لائم ؟

متى نخاف الله   في هذا الوطن العظيم والامة العراقية والاغلبية المظلومة  او نشعر بوخزة ضمير وتأنيب وجدان ,  ونُسائل ونحاسب كل مقصّر أو مُهمل  لواجبه دون ظلم أو افتراء أو تجنّ، وبالمقابل أن نُكافىء المبدع وأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب ؟

 

 

.............................................................................

  • قصيدة الكلمة لعبد الرحمن الشرقاوى / بتصرف .
  • التنصُّل من المسؤولية / د.محمد طالب عبيدات/ بتصرف .